كثيرون يدعون أنهم أغنياء يملكون من قِنية العالم أشياء كثيرة أما أنت يا أخي الحبيب فقد تخلصت من الشعور بالامتلاك منذ أيقنت أن الملكية تقيد روحك.
لقد جئت إلى العالم بلا شك فقيرًا مثلي لا تملك فيه شيئًا عريانًا خرجت من بطن أمك. لا تملك الأقمطة التي قمطوك بها، ولا الفراش التي أضجعوك عليها. وكل ما "امتلكته" في العالم بعد ذلك لم يكن في الواقع إلا عطية من الله. لم يكن ملكك وإنما أمانة وضعها الله في يدك لفترة محدودة هي فترة العمر، وعندما تنقضي حياتك على الأرض ستخرج منها فقيرًا كما أتيت، وعريانًا كما ولدت. أما قنية العالم التي أدعيت ملكيتها عندما كنت على الأرض والتي تركتها رغما عنك، فسيدعي ملكيتها غيرك. وينتقل من الأرض ليدعي ملكيتها ثالث، وهكذا دواليك...
إنك لا تملك شيئًا إذن، حتى ذاتك. لم يكن لك ذات من قبل إذ لم يكن لك كيان أو وجود، كنت عدما. ثم خلق الله ذاتك. وعندما سقطت وأصبحت هذه الذات ملكا للموت والهلاك، عاد الله واشتراها بدمه وافتداها لنفسه. أنت إذن من كل ناحية لا تملك شيئًا حتى ذاتك، لذلك فالذي يخطئ إلى ذاته يخطئ إلى الله نفسه، لأنه يفسد ملكا لله، ويفسد جسدا سر الله بعد أن امتلكه أن يجعله هيكلًا لروحه القدوس. وبالمثل مَن يخطئ إلى الآخرين، فإنه مُخطئ ضد الله نفسه عن طريق مباشر وغير مباشر. لقد أخطأ داود ضد أوريا الحثي وزوجته ومع ذلك قال لله "لك وحدك أخطأت" وليس السبب في ذلك مخالفته لله فحسب، وإنما خطيئته أيضًا ضد كائنين هما ملك لله.
إن شعرت بهذا يا أخي الحبيب أدركت خطورة الخطية ووضعها الدقيق، أنك لا تملك ذاتك حتى تتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم.
أما من جهة المقتنيات فقد شرحنا كيف أنها جميعًا ليست ملكك وإنما هي عطية من الله. أنت مجرد إنسان استؤمِن عليها ليدبرها بأمانة كما يليق بوكيل صالح. وهذا التدبير سيسألك الله عنه عندما يقول أعطني حساب وكالتك (لو2:16). من أجل هذا نجد ملكا غنيا جدًا كداود" يرى الأمور على حقيقتها فيقول: "أما أنا فمسكين وفقير" (مز 69)، لم يكن فقيرًا حسب العُرْف البشري الخاطئ، ولكنه حقًا لا يملك شيئا بحسب النظرة الروحية السليمة. ومن أجل هذا أيضًا كنا نجد الآباء القديسين ينذِرون الفقر الاختياري، وينظرون إليه كأحد الأعمدة التي تقوم عليها حياتهم الرهبانية.
وبهذا يمكنك أن تفهم الصدقة بمعناها الصحيح، أنك لا تعطي من مالك شيئًا، وإنما أنت تعطي لخليقة الله من مال الله. الأمر إذن لا يدعو إلى البر الذاتي أو إلى الفخر، ولا يدعو أيضًا أن تفكر في الابتعاد عن مدح الناس لك، بأن تمدح نفسك بالتصدق تحت إمضاء "فاعل خير" أعجبني متبرع قرأت إمضاءه فإذا هو: "فاعل شر يرجو الصلاة من أجله".
إن الكائن الوحيد الذي يتصدق من ماله على الناس هو الله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى).
ولست أحب أن أسمي الصدقة فضيلة، حيث أنها ليست فضلًا أو تفضلًا من المتصدق. وهو لا يعدو أن يكون، كما قلنا موصلًا لنعمة الله إلى الآخرين، وما يقال عن الصدقة يقال عن باقي الأعمال الحسنة التي لا يمكن أن تعتبر فضلًا من أحد.
يلحق بالصدقة عنصر آخر وهو الشكر عليها، كيف تقبل يا أخي أن يشكرك الناس على شيء لم تدفعه من عندك، أن كان المال مال الله، فكيف تشكر أنت عليه، وكيف ترضى بقبول هذا الشكر؟! أعط مجدًا لله، وتوار ليظهر هو، فهو الذي عمل العمل كله.
إن الشعور بالامتلاك قيد يقيد روحك، ويشعرك بما ليس فيك حقيقة، فالهرب منه ليس إنكار لِذاتك، وإنما اعترافًا بحقيقتك وليكن الله معك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8j9c333