St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   64-Entelak-Al-Rouh
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب انطلاق الروح - البابا شنودة الثالث

25- انطلق من سلطان ذاتك

 

انطلق يا أخي من استعباد ذاتك لك لأنك أن وصلت إلى اتفاق مع نفسك، وتحررت من الداخل، فلن تستطيع كل الظروف المحيطة أن تؤثر عليك، إذ تكون قد وصلت إلى انطلاق الروح.

 

هل تحسب يا أخي الحبيب أن العالم له سلطان عليك؟ وهل تظن أن العثرات والمغريات هي السبب في سقوطك؟ كلا. تخطئ كثيرًا أن ظننت شيئًا من هذا. فقد يكون للعالم أو مغرياته بعض التدخل، ولكن السبب الأساسي الحقيقي لسقوطك هو ذاتك من الداخل.

لو لم تكن قابلا للخطية، مرحبا بها، أو محبا لها، لو لم تكن هكذا ما سقطت.

لقد كان يوسف الصديق يعيش في جو مشبع بالخطية، وقد أحاطت الخطية بيوسف في عنف ولكنه لم يسقط، لأن كل الإغراءات لم تستطيع أن تدخل إلى قلبه النقي. فانتصر على الخارج كله، لأنه كان منتصرًا في الداخل.

لا تَقُل أني سقطت لأن العالم مليء بالمغريات، ولكن الأصح أن تقول: أنك سقطت لأن في قلبك حنينًا إلى تلك المغريات وقبولًا لها.

St-Takla.org Image: Thinking man, sad صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل يفكر، حزين

St-Takla.org Image: Thinking man, sad

صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل يفكر، حزين

اثنان يمران في الطريق على حانة، فلا يستطيع أحدهما أن يقاوم منظر زجاجات الخمر المعروضة، فيدخل ويشرب ويسكر وأما الآخر فيمر على الحانة دون أن شعر بوجودها أو بوجود الخمر فيها. لا يراها معثرة، ولا تترك في نفسه أثرًا، ولا تعزيه لسبب واحد: وهو أن قلبه خال من الحنين إلى الخمر، خالٍ من محبتها. قلبه من الداخل لا تقوَى عليه المؤثرات الخارجية.

انتصارك إذن في حياتك الروحية يتوقف على عامل حيوي، وهو نتيجة المعركة الداخلية بينك وبين نفسك. إن استطعت أن تصلب ذاتك في داخلك، ستخرج إلى العالم الخارجي بتلك العين البسيطة التي ترى الخير في كل شيء، والجمال في كل شيء، وكما يقول الرسول: "كل شيء طاهر للطاهرين" (تيطس15:1).

بعض الناس يتحاشون الأوساط الخارجية المُعِثرة، وهذا حسن وواجب، لأن الله منعنا عن مجالس المستهزئين وطريق الخطاة. ولكن الخطأ هو أن هؤلاء البعض يكتفون بتحاشي الأوساط الخارجية تاركين الحيوان الرابض في أحشائهم كما هو في شهوته للعالم والأشياء التي في العالم.

أمثال هؤلاء قد يصادفهم النجاح بعض الوقت، ولكن ما أسرع ما يسقطون عندما تضغط عليهم التجربة وتفحم الإغراءات ذاتها في حياتهم... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). هؤلاء يحبون الخطية وأن كانوا لا يفعلونها، والشخص الذي يحب الخطية قد يسقط فيها -ولو بعد حين- مهما تحاشاها أمثال هؤلاء يبتعدون عن الشر، ولكنهم يعتقدون في نفس الوقت أن عملهم هذا تضحية منهم في سبيل الله. أنهم -كالخطاة تمامًا- ما زالوا يعتقدون أن الشر لذيذ، والخطية حلوة مشتهاة، وما زالوا ينظرون إلى الشجرة فيجدونها جيدة للأكل، وبهجة للعيون وشهية للنظر، ولكنهم يفترقون في أمر واحد وهو أنهم لا يمدون أيديهم ليقطفوا. إنهم لم ينتصروا في الداخل، ولم يسكن الله في قلوبهم لذلك فهناك في العالم ما يغريهم وما يعثرهم، ففيه الخطية المحبوبة التي يشتاقون إليها، ولكنهم يهربون منها خوفًا من السقوط فيها.

أستطيع أن أقول أن هؤلاء -من ناحية الفعل- يطيعون وصايا الله، وإن كانوا لا يحبونها ولا يحبونه.

مثل هذا النوع إذا استمر في جهاده قد يخلص كما بنار وقد لا يستطيع أن يستمر في الجهاد فيسقط ويكون عظيمًا، لأن بيته ليس مؤسسًا على الصخر. أما الوضع الصحيح الذي يكون فيه الروح منطلقا، فهو عدم الاستعباد للخطية وعدم محبتها، حيث يكون الإنسان حرًا من تأثير الشر عليه. "فالمغريات" في نظر غيره، ليست هكذا بالنسبة إليه لأنها لا تغريه، بل على العكس هو لا يتفق معها بطبيعته المقدسة، لذلك فهو لا يتجاوب معها، بل ينفر منها دون جهاد ودون تعب، إذ قد ترك هذا الجهاد السلبي، أصبح جهاده سعيا في سبيل التعمق في الروح وفي معرفة الله.

ولكن الإنسان -كما قلنا- لا يمكن أن يصل إلى هذه الحالة ما لم يتنقَّ من الداخل، وينتصر في حربه مع نفسه التي تشتهي ضد الروح، على الإنسان أن يصل مع نفسه إلى اقتناع أكيد بمرارة الخطية وبشاعتها، وبحلاوة الله ومتعة الحياة معه.

وفي هذه الحرب الداخلية "يقمع الإنسان جسده ويستعبده" (1كو27:9). بل ويصلب في ذاته وشهواته. لا يقيدها ويتركها تصرخ فتحنن قلبه بصراخها ورعودها. وإنما ينظر إليها بمنظار الله فيجدها حقيرة لا تستحق شيئًا فينفر منها... وهكذا يقول مع الرسول "مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح الذي يحيا في" (غل20:2) ألست ترى أن هذا بعضًا مما يقوله السيد المسيح "من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها" (مر35:8).

ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يتم بدون معونة خاصة من الله لذلك فالجهاد مع النفس لابد أن يصحبه جهاد مع الله. جاهد يا أخي معه في ضراعة مرددا قول إسرائيل البار "لا أتركك حتى تباركني" (تك26:32). قُل له أيضًا: "تنضح على بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 50) وثق أنك إذا خرجت من هذه الحرب منتصرًا فمن المُحَال أن تقوى عليك كل قوي الشر ولو اجتمعت.

ولكنك ترى يا أخي الحبيب أن كل هذا يحتاج إلى الخلوة ومن هنا كانت الخلوة عنصرًا أساسيًا في حياة أولاد الله. استطاعوا بها أن يجلسوا إلى نفوسهم، وأن يجلسوا إلى خالِقهم، وأن يخرجوا من هذا وذاك بأسلحة متجددة تعينهم في حياتهم الروحية، وتدفعهم باستمرار إلى العمق. انظر إلى حياتك جيدًا وتأملها في صراحة فربما كان أسباب سقوطها افتقادها إلى الخلوة.

إن الشخص الذي لم يختبر هذه الخلوة، هو شخص لا يعرف نفسه على حقيقتها. وهو شخص في أغلب الأحوال يجرفه التيار فلا يعلم إلى أين يذهب. أنه غالبا يفكر بعقلية الجماعة ويسير على هداها، فينحدر ويظل في انحداره حتى يخلو إلى نفسه فيحس أنه ساقط.

أما أنت فلا تكن هذا الشخص. حدد لنفسك أوقاتًا مقدسة تراجع فيها سيرتك، وتتذكر فيها المبادئ السامية التي اقتنعت بها منذ زمان، ولتسترجع أمامك حياة المنتصرين من أولاد الله، وتغذي نفسك بكلام الله وأقوال الآباء وسيرهم، وتسكب نفسك أمامه في حرارة وعمق. تأخذ منه خبزك اليومي الذي لا غِنَى لنفسك عنه.

الله معك يقويك، ويهبك القداسة التي من عنده، ويغفر لنا خطايانا.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/64-Entelak-Al-Rouh/The-Release-of-The-Spirit__25-Ego-2.html

تقصير الرابط:
tak.la/45qnbm5