St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   being-with-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الوجود مع الله - البابا شنوده الثالث

22- مشاعر الفرح بالوجود في حضرة الله

 

حياتنا مع الله، هي حياة فرح به، كما فرح التلاميذ إذ رأوا الرب. الذين يعيشون مع الرب، يفرحون لأنهم وجدوه، ويفرحون لأنهم عرفوه، ويفرحون لأنهم صادقوه وأحبوه، ولأنهم ذاقوا ونظروا ما أطيب الرب...

حتى في الآلم التي تحيط بهم، هم يفرحون في الرب على الدوام. قال الرسول:

إفرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا (في4: 4).

تسأله: وأنت يا بولس، هل تفرح بالرب كل حين؟ فيقول نعم. وتسأل: وماذا عن السجون والضيقات والآلام والضعفات التي تحتملها كل وقت؟ فيخلص الموضوع في عبارة واحدة هي "كحزانَى، ونحن دائمًا فرحون" (2كو6: 10). أمام الناس، في ظروفنا الخارجية، في ضيقاتنا الكثيرة، نبدو كحزانَى. أما في الداخل. فنحن فرجون.

St-Takla.org Image: On the road to Emmaus with Jesus Christ (image 2) - The walk to Emmaus (Luke 24:28) - from "Standard Bible Story Readers", book 5, Lillie A. Faris. صورة في موقع الأنبا تكلا: التلاميذ في الطريق إلى عمواس مع السيد المسيح (لوقا 24: 28) (صورة 2) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب الخامس، ليلي أ. فارس.

St-Takla.org Image: On the road to Emmaus with Jesus Christ (image 2) - The walk to Emmaus (Luke 24:28) - from "Standard Bible Story Readers", book 5, Lillie A. Faris.

صورة في موقع الأنبا تكلا: التلاميذ في الطريق إلى عمواس مع السيد المسيح (لوقا 24: 28) (صورة 2) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب الخامس، ليلي أ. فارس.

أولاد الله، يفرحون على جبل الجلجثة، كما على جبل التجلي.

يفرحون وهم أَتُّونِ النَّارِ، كالثلاثة الفتية الذين كانوا يسبحون الله داخل الأتون، لأن سبب فرحهم كان هو إحساسهم بوجود الله معه، فكانوا فرحين به... يفرحون، وهم داخل البحر الأحمر، يحيط بهم الماء من هنا وهناك، يحيط بهم، ولكن لا يغطيهم ولا يطغى عليهم. المهم أنهم فرحون بخلاص الرب، وبيد الرب معهم... تمامًا مثلما كان بولس وسيلا فرحين في السجن الداخلي، وأرجلهم مضبوطة في المقطرة، وهما يسبان الله بصوت مسموع (أع16: 24، 25)، شاعرين بوجود الله معهما...

كان بطرس في السجن. وكان الله معه في السجن. لذلك استطاع أن ينام نومًا ثقيلًا، بينما كان هيرودس مزمعًا أن يقتله! (أع12: 6). من يستطيع أن ينام في مثل هذه الظروف؟! ولكن يقول: "إن كانت لي صداقة بإله هيرودس، فإن هيرودس سوف لا يضرني بشيء"..

الشعور بوجود الله، يملأ القلب فرحًا، وينسيه آلامه...

أحد القديسين، علقوه على خشبة وصلبوه. فمن فوق صليبه، كان يعظ الناس، ويدعوهم إلى الإيمان بالمسيح. وحدث في إحدى المرات أن ثلاثين ألفًا خرجوا من دمنهور إلى الإسكندرية، لينالوا إكليل الشهادة، وهم يسبحون الله في الطريق، ويغنون الأغاني الروحية، فرحًا بالرب، لشعورهم بوجوده معهم...

وهكذا فعل القديس أبافام الجندي، حينما لبس أفخر ثيابه، وامتطى جواده وذهب لمقابلة أريانوس، ليستشهد على يديه، قائلًا "هذا يوم عُرسي".

إذن إفرحوا بالرب كل حين، كما فرح القديسون بالرب، في كل ظروفهم وأحوالهم.

ولكن ما أسباب فرح القديسين بالرب؟

إنهم فرحون بصحبته له، وبعشرتهم له، فرحون بالتجديد الذي أخذوه في المسيحية، بهذه الحياة الجديدة الثابتة في الرب، إذ وجدوا "الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا". إنهم فرحون بالحب ألهى الذي لمس قلوبهم، فطهرهم من كل شركة بلاعيم للبترول شرق القاهرة ومن كل شبه شركة بلاعيم للبترول شرق القاهرة. إنهم -في تمتعهم بالوجود الإلهي- فرحون بعمل الروح القدس فيهم، فرحون بنعمة الله التي لا تفارقهم.

إنه كما يقول الرسول "فرحٌ لا يُنْطَق بِهِ ومجيد" (1بط1: 8. إنه فرح النفس بالرب، فرح لما وجده، باعوا كل واشتروه... إنه فرح روحاني، يختلف عن كل أفراح العالم...

فرحٌ بملكوت الله داخل النفس... قد يعجب العالم له: كيف تفرحون، وانتم بعيدون عن كل شهوات العالم وملاذه وترفيهاته ومتعه، بعيدًا عن مباهج المادة، ولذة الحواس..؟ إن الفرح بالرب هو أعمق... لا يستطيع العالم أن يفرحه.

إنه فرح من الداخل، لا يعتمد على أسباب خارجية...

أهل العالم يحصلون على أفراحهم من مصادر خارج نفوسهم... أسباب تختص بالمادة، أو إكرام الناس، أو ما يجذب الحواس، أو بأسباب تتعلق بالأسرة أو بالمركز أو بالجاه والغنى... أما أولاد الله، فيفرحون من الداخل، بسكنى الله في قلوبهم، وإحساسهم بوجوده معهم، في داخلهم.

يشعرون بيده في حياتهم، فيفرحون باستلامه لهذه الحياة وتدبيره لها. يحسون بتعزيات الروح داخلهم فيفرحون. يشعرون بالله يعمل في قلوبهم، ويغرس فيها مشاعر مقدسة، ويغسلها فتبيض أكثر من الثلج، فيفرحون. يحسون أنهم في حالة روحية، لا يستطيعون التعبير عنها، ويكفيهم أنهم يتمتعون بها...

حتى في مشاكلهم، يشعرون بأنهم فرحون بالرب...

فرحون بالرب الذي يرونه أثناء المشاكل، يتدخل، ويعطي عزاء وصبرًا وطمأنينة وسلامًا، ويعطي حلولًا ما كانت تخطر على فكر إنسان، لا طابعها الخاص الذي يقنع النفس أنها من عند الله... يفرحون بالرب الذي لا يتركهم وحدهم، وإنما يحسون وجوده معهم.

في داخل البرية القفرة، في متاهة سيناء، يرون الله... يرسل سحابته تظللهم وترشدهم نهارًا، ويرسل عمود النور يضئ لهم ليلًا... إنه معهم، يرون وجوده في تابوت عهده، كما يرونه في الصخرة التي تفجر ماء، وفي المن ينزله من السماء، وفي صوته يتحدث من فوق الجبل... كل ذلك في متاهة القفر...

إن أولاد الله، دائمًا فرحون... فرحون بوجوده معهم...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

حالة واحدة تخزن الإنسان الروحي، وهي الإنفصال عن الله.

والإنسان الروحي لا يشعر بالانفصال عن الله، فهو معه في كل حين. ولكن هذا الإنفصال عن الله، وبالتالي هي انفصال عن كل فرح... وهكذا هي انفصال عن الله، وبالتالي هي انفصال عن كل فرح... وهكذا إن سقط إنسان روحي، لضعف، أو لخديعة العدة، أو لأي سبب، فإنه يسرع بالقيام والرجوع إلى الله.

حتى في سقوطه، يشعر بالله يناديه، ويساعده على القيام...

ولولا وجود الله معه، ما قام. إنه هو الذي ينضح عليه بزوفاه فيطهر، ويتوبه فيتوب، بل يبحث عنه كما يجده. وكما يقول في سفر حزقيال النبي "أنا أرعَى غنمي وأربطها... وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح" (حز34: 15، 16).

فماذا إن شعر أن بعيد وليس معهم؟

يفرحون بالله الذي سيأتي، ولو في الهزيع الأخير...

إن لم تفرح بوجوده الآن، أفرح بوجوده الآتي "هوذا آت طافرًا على الجبال، قافرًا على التلال" (نش2: 8). إنه على الباب يقرع. فلنفتح له، ونتمتع بوجوده، يكشف لنا ذاته، ويكشف لنا محبته، ويفتح لنا قلبه، ويشعرنا برعايته واهتمامه...

إننا تراب ورماد. ومع ذلك يشعرنا باهتمامه...

عجيب هذا الإله المحب، الذي يعطي أهمية لخليقته بهذا المقدار  "يقيم المسكين من التراب، ويرفع البائس من المزبلة، ليجلسه مع رؤساء شعبه" (مز113: 7، 8). هذا الكائن غير المحدود، الإله العظيم وحده، ينظر من علوه المقدس، يهتم به، ويبحث عنه إلى أن يجده، فيفرح به، ويدعو الجميع ليفرحوا معه، ويشعره بوجوده في حضرة الله المحب...

الله موجود معك، في البر وفي السقوط...

إنه موجود معك، حينما يعطيك القوة أن تمشي معه فوق الماء، مثلما فعل مع بطرس، وأحس هذا القديس بوجوده مع الله.

وحينما يضعف إيمانك، وتسقط في الماء، مثل بطرس أيضًا، تشعر بوجوده الله، الذي يجذبك من الماء، لتمشي معه مرة أخرى... فوق الماء.

لذلك نحن نفرح بالرب كل حين، لأنه موجود معنا في كل حين، سواء كنا معه أو لم نكن، شعرنا بوجوده أو لم نشعر...

إنه موجود في حياتنا. ونحن نفرح بوجوده فيها...

ونصلي باستمرار أن نشعر كل حين بوجوده معنا، لكي يزداد فرحنا به... ولكي نشعر نحن بهذه الشركة المقدسة، شركة الله في حياتنا، وشركتنا نحن معه، في الحب، وفي العمل...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/being-with-god/happiness.html

تقصير الرابط:
tak.la/rc88a96