St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   being-with-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الوجود مع الله - البابا شنوده الثالث

21- مشاعر الحب في حضرة الله

 

يكفيك أيها الأخ المبارك أن تتقابل مع المسيح، تتحدث إليه، تستمع إليه، تكوِّن علاقة معه وتجد فيه كل كفايتك ولا يعوزك معه شيء... تعطيه قلبك، وحينئذ تشعر بتفاهة العالم كله، وتسعد بمحبة الله.

هذا هو الوجود مع الله، حب في حب، قلب بشري يتلامس مع الله...

قلب محدود، يتلامس مع القلب غير المحدود. وحب بسيط، يتقابل مع حب لانهائي. نحن في حياتنا مع الله، مثل الجداول البسيط الذي يسير حتى يلتقي بالبحر، ويصب فيه، ويختلط بمياهه التي لا تنتهي. نحن قطرة ماء، تسخن بحرارة الحب، وتتبخر فترتفع، لكي تنزل إلى أعماق النهر الكبير... حياتنا مع الله حياة حب.

العشرة مع الله، هي عشرة الحب...

إنها ليست مجرد نظام روحي، أو جداول روحي تضعه لنفسك في الصلاة والقراءة والتأمل والاجتماعات والمطانيات... كل هذا حَسَنٌ وجميل. ولكن هل هو نابع عن حب؟ هل فيه اشتياق إلى الله، وعشرة مع الله؟ هل علاقتك بالله هي علاقة حب؟ هل تشتاق إليه كما يشتاق الغصن إلى عصير الكرمة يسرى في خلاياه؟ أم كل جداولك الروحية رسميات بلا عاطفة؟!

St-Takla.org Image: Jesus loves me. صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع يحبني.

St-Takla.org Image: Jesus loves me.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع يحبني.

هل أنت تشعر بوجود الله في حياتك، وجودًا يلهب قلبك بالحب، فتتقد عاطفتك نحو الله باستمرار..؟

هل في وجودك مع الله، وقت صلاتك، وقت تأملاتك، وقت إحساسك بيده تمسكك وتوجهك، أو وقت إحساسك بيده ترتب على كتفك في حنو، هل في هذه الأوقات تشعر بمحبة إلهية تملأ قلبك، وتشبعك، وتلهف عواطفك الروحية، فلا تعد إلى أية محبة أخرى إلى جوارها؟ هل في صلواتك لهجة الحب، وأسلوب الحب؟ وهل إذا صليت لا تريد أن تنتهي من الصلاة، لأن المحبة تجذبك إلى البقاء في حضرة الله؟ هل قلبك المحب للمسيح، مملوء بالفرح لأنك قد وجدته؟

هل وجودك مع الله، أصبح حياة، وليس فترات؟

أي أنه من شدة محبتك لله، ورغبتك في أن توجد معه باستمرار، ازدادت فترات وجودك معه، وظلت تنمو، حتى أصبحت تحس بوجودك في حضرة الله كل حين، وليس لفترت محدودة تأتي وتنتهي... وهكذا تقول مع معلمنا داود "تأملت فرأيت الرب أمامي في كل حين..".

إن الذي يحب الله، ويحب أن يوجد دوامًا معه، لا يكون الله بالنسبة إليه هو إله مناسبات..!

الله، ليس هو الإله الذي يجده الإنسان في الكنيسة فقط، فإن فارقها فارقه! وليس هو الإله الذي يجده في الكتاب المقدس، فإن أغلق هذا الكتاب إنتهت علاقته به! وليس هو فقط الإله الذي لا يجده إلا في الصلاة والتأمل والتراتيل، وبعدها لا يحس بوجوده..!

إنما هو الإله الذي يحس وجوده معه في كل مكان، وفي كل وقت، وفي كل عمل... هو في حياته على الدوام. وهنا نسأل: من يكون المسيح بالنسبة إلى حياتنا؟

إن المسيح ليس غريبًا عنا... إنه فينا:

ليس هو مجرد شخصية تاريخية، قرأنا عنها في الإنجيل، فعرفنا قصة تجسده وصلبه وقيامته وصعوده إلى السموات... بل المسيح حي بيننا، معنا كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر، حسب وعده الصادق (مت28: 20). إنه الممسك السبعة الكواكب في يمينه (أي جميع الرعاة)، الماشى في وسط السبع المناير الذهبية (رؤ2: 1) أي الموجود في وسط الكنائس كلها...

حقًا إننا نشعر بوجوده معنا في صلواتنا، حسبما قال "حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت18: 20). ولكن وجوده معنا لا يقتصر على أوقات الصلاة فقط...

وجوده في حياتنا، أعمق من هذا وأشمل...

ما أروع تلك العبارة التي قيلت عن معموديتنا، التي فيها متنا مع الرسول "لأن جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح" (غل3: 27).. وأمام عبارة "لبستم المسيح" اقف مبهورًا، أحاول أن اتشرب المعنى على مهل، بالروح لا بالعقل...

وفي حياتنا الروحية، إن كنا قد صولحنا مع الله بموته عنا، فإننا ونحن الآن مصالحون "نخلص بحياته" (2كو2: 14). فنحن لا نعمل شيئًا من ذواتنا، بل هو العامل فينا. أليس هو القائل "لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو15: 5).

إذن نحن لا نستطيع أن نفصل حياتنا عن المسيح.

حياتنا الروحية ما هي إلا "رائحة المسيح الذكية" (2كو2: 15).

ونحن في حياة الحب معه، وحياة الوجود معه، نحاول أن تكون لنا معه وحده في الفكر، وفي المشيئة، وفي العمل... وبهذا ندخل في حياة شركة معه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

فالوجود مع الله، يعني أيضًا الشركة معه.

هذه الشركة التي قال عنها معلمنا يوحنا الرسول "وأما شركتنا نحن، فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1يو13: 14). وأما معلمنا بطرس الرسول، فيدمج كل هذا معًا واجدة هي "شركاء الطبيعة الإلهية" (2بط1: 4)..

حقًا ما أعجب مواهبه! ونح طبعًا لا نشترك مع الطبيعة الإلهية في الجوهر، أي في الألوهية، وإلا صرنا إلهة؟ فماذا إذن؟

إنها شركة مع الطبيعة الإلهية، في الفكر والعمل.

من جهة الفكر، يعبر بولس الرسول في عمق وإيجاز فيقول "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو2: 16). أما عن العمل، فيقول عن نفسه وعن زميله أبلوس "نحن عاملان مع الله" (1كو3: 9). ونحن نصلي في أوشية المسافرين فنقول للرب "اشترك في العمل مع عبيدك، في كل عمل صالح".

والشركة في العمل، تحتاج أيضًا إلى شركة في المشيئة، حيث نقول للرب في كل صلاة "لتكن مشيئتك". وتشمل من معناها "لتكن مشيئتك هي مشيئتنا. ولكنه مشيئتنا هي مشيئتك".

ففي الوجود مع الله، تتحد مشيئة الله والإنسان.

ويقبل الإنسان مشيئة الله في حب، وفي رضى، وفي فرح. وفي شركة هذه المشيئة، وفي شركة العمل والفكر، يحيا في بر دائم. لأن الله هو النور الحقيقي "ولا شركة للنور مع الظلمة" (2كو6: 14). وهكذا كل من يتمتع بالوجود مع الله، يحيا في النور، ويصير من أبناء النور، لأنه "إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ" (1يو1: 6).

إذن الوجود مع الله، هو الوجود في البر.

وجودك مع الله، يطهرك من كل خطية، ويثبتك في الحق، والحق يحررك. وتشعر وأنت موجود مع الله بمحبة كاملة لكل ما هو طاهر ومقدس.

لذلك فأنت تحب الرب لأجل أنه منحك هذا الإنعتاق من أسر الخطية، وجعل الحياة الروحية سهلة عليك، كما تحبه من أجل أنه الخلاص العظيم الذي قدمه لك وللعالم كله.

تحبه لأنك وجدته، ولأنه تنازل ليكون معك.

ومع أنه مرتفع عن السموات، فإنه يجد لذته في بني البشر، ويحب أن يكون معنا، ويعمل فينا وبنا. يكلمنا ونكلمه، يحوطنا بعمل رعايته في حب وإشفاق...

نحبه، لأنه هو الذي يبحث عنا، حتى إن ضللنا عنه، يأتي بنا إليه، حاملًا إيانا على منكبيه فرحًا، هذا الذي أحبنا قبلًا، واشفق علينا حتى ونحن في عمق خطايانا.

نحب هذا القدوس، الذي منح نعمة الوجود معه حتى للخطاة والعشارين، وحضر ولائمهم، وتعشى في بيت زكا، وسمح للمراة الخاطئة أن تلمس قدميه وتقبلها، تلك التي أشمئز من وجودها الفريسي...

نحب هذا الكامل، الذي سمح بالوجود معه للمجدلية التي كان عليها سبع شياطين، فخلصها منهم، وجعلها من خاصته، ونعمت بالوجود معه حتى وهو على الصليب.

إن أسعد أوقاتنا في الحياة، هي أوقات الوجود معه.

حتى لو كنا مصلوبين معه كاللص اليمين، أو لو كنا نتألم معه كبولس، يكفي أننا معه. أما أتعس أوقاتنا فهي نحس الحرمان معه. لذلك نحرص أن نكون معه كل حين، لا في علاقة رسمية، إنما في مشاعر الحب، التي بها اتكأ يوحنا على صدره، والتي بها سكبت الخاطئة دموعها على قدميه، لأنها أحبت كثيرًا.

من أجل الوجود معه، عاش آباؤنا في البراري.

وكما نقول في القسمة في القداس الإلهي "سكنوا الجبال والبراري وشقوق الأرض، من أجل عظم محبتهم للملك المسيح". ما أجل متعة الوجود معه، تركوا الأهل والمال، وعاشوا في وحدة كاملة، ليتمتعوا فيها بحبه، منفردين معه في البرية الفقرة، جاعلين شعارهم "الإنحلال من الكل للارتباط بالواحد".

ومن أجل حبه والوجود معه، ترك آباونا الرسل كل شيء وتبعوه، وقالوا له "إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية هو عندك" (يو6: 68).

إنها نفوس هائمة، ليس في قلوبهم سوى محبة المسيح.

إن المسيحية فيها الكثير من المبادئ والقيم، والفضائل السامية جدًا، والعقائد الروحية السليمة العميقة. ولكن أجمل ما في المسيحية هو شخص المسيح نفسه.

حتى أن الأبدية بكل أفراحها، لا تعتبر نعيمًا بدون المسيح. المسيح هو فرحها الكامل، وهو نعيمها الحقيقي.

والوجود مع المسيح في الأبدية، هو النعيم الأبدي.

إنه هو الذي علمنا الحب، وهو الذي ربطنا مع الله برباط الحب، ونرع كل خوف من قلوبنا، ولم تعد وصايا الله مجرد أوامر، إنما مجرد تعبير عن الحب، كما نقول "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو14: 15، 21).

الذي يحب الرب، يحب الوجود معه، والذي يوجد معه يحبه... ويشعر بفرح لا ينطق به لوجود مع الله.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/being-with-god/love.html

تقصير الرابط:
tak.la/y9n2mky