محتويات
* كان أبوه قديسًا يدعى إبراهيم كاهنًا على كنيسة منف وأمه تدعى سارة وقد حدث في زمانهما حوادث شغب ونهب وسلب اضطرتهما للهجرة إلى بلدة ششوير بالمنوفية...
* كان والداه عاقرين وقد بشر الملاك والده وهو مريض ملقى في الكنيسة وفي الميعاد ولد لهما ابن دعاه مقاره ومعناه (صادق الصوت).
* تربى مقاره في خوف الله وبدأ يساعد والده في عمله في فلاحة الأرض (قد اشتراها والده وعمل بها بجانب الكهنوت).
* قام أبواه بتزويجه رغمًا عن إرادته ولكنه حفظ بتوليته باتفاق مع الفتاة التي اختاروها له.
* تمت رسامته شماسًا تمهيدًا لرسامته كاهن.
* ولكي يبتعد مقاره عن الفتاه أطول مدة ممكنة كان يذهب مع الجمالين الأجراء عند أبيه لجلب النطرون من جبل النطرون وهنا أول إشارة للعلاقة المقدسة التي بدأت بين مقاره وجبل شيهيت واستمرت إلى اليوم وإلى جيل الأجيال.
* وفي إحدى الأسفار وهو نازل مع الجمالين إلى وادي النطرون وقد سار بالقرب من الجبل المطل على البحيرات (أسفل الجبل الذي فوق البحيرة)، وكان الكل نيامًا من التعب ومقاره أيضًا نائم، إذ رأى في نومه أمرًا مخوفًا: إنسانًا نورانيًا متشحًا باسطوانة كالبرق الساطع، وهذه الاسطوانة مكللة بالجواهر (عيون الشاروبيم) وكلمه قائلًا: "أنظر حولك وتأمل أعماق الجبل "أن الله يقول لك أنى أعطيك هذا الجبل ميراثًا لك ولأولادك، يتفرغون فيه للصلاة، ويخرج منك رؤوس ومقدمون من هذه البرية. والآن أنهض من نومك وتذكر جيدًا جميع ما قلته لك، وإذا صرت كاملًا أعود فأظهر لك، وأكلمك بما يجب من فم الله".
* وكان هذا هو أول ظهور للشاروبيم للقديس مقاره، الذي صار رفيقًا ومرشدًا له طول أيام حياته حتى يوم نياحته.
*وبرجوعه إلى بلده، وجد أن فتاته البتول مريضة بالحمى، التي اشتدت عليها حتى فارقت الحياة، وكان هذا بتدبير من الله لتبدأ قصة القديسة مقاره على أروع صورها.
* فما كان من الشاب مقاره إلا أن تنبه لنفسه قائلًا: "يا مقاره أحرص الآن على اغتنام هذه الفرصة لنفسك، لأنك حتمًا ستؤخذ مثل أختك التي سبقتك".
* وبدأ مقاره لا يُرى في البيت إلا منتصبًا في الصلاة!! ولا يوجد خارج البيت إلا في الكنيسة!!! وظل يخدم أباه الشيخ إلى أن أسلم أبوه روحه الطاهرة.
* وبموت أبيه ابتدأ يفرق مقتنياته كلها التي ورثها عنه، ولما بدأت أمه تعنفه على مسلكه، كان يحتملها بصبر، إلى أن تنيحت هي الأخرى بعد ستة أشهر من نياحة بعلها.
* وبوصية من راهب متوحد، صادفه الشاب مقاره يومًا في الكنيسة، انطلق مقاره بعيدًا عن القرية وسكن وحده وهو في سن الثلاثين.
* وهذا هو الاعتزال الأول الذي دام عشرة سنوات، والذي قُرب نهايته احتال أهل القرية عليه ومازالوا يتوسلون إليه حتى رسموه قسًا وهو في سن الأربعين سنة 340 م.
* يقول ق. مكاريوس (لما كنت شابًا وعائشًا في قلايتي بريف مصر، جاءوا واختطفوني ورسموني قسًا على قرية. ولما لم أكن أهلًا لهذه الوظيفة، هربت إلى قرية بعيده حيث كان يتردد علىَ رجل بار يأخذ منى شغل يدي ويسد احتياجاتي.
* وفي يوم من الأيام حدث أن بتولًا في ذلك المكان سقطت في الخطيئة وحملت في بطنها. فلما أُشهرت، سُئلت عمن فعل معها هذا الفعل فقالت: "المتوحد...!؟". وسرعان ما خرجوا عليه وأخذوني باستهزاء مريع إلى الضيعة، علقوا في عنقي قدورًا مُسودة وآذان جراء مسخمة، وشهروا بي في كل شارع من شوارع الضيعة وجماعة الصبيان يجرون خلفي وهم يضربونني قائلين: "أن هذا الراهب أفسد عفت أبنتنا البتول وفضحها، أخزوه". وهكذا ضربوني ضربًا موجعًا، قربتُ بسببه من الموت، إلى أن جاءني أحد الشيوخ فقال لهم: "إلى متى هذه الإهانة؟ أما يكفيه كل ذلك خزيًا؟"، ولكن دون جدوى. أما الرجل البار الذي كان يعولني، فكان يتبعهم من بعيد وهو خازي الوجه، وكان يستهزئون به أيضًا قائلين: "أنظر ماذا فعل ذلك المتوحد الذي كنت تُحدثنا عنه بكل وقار " وكانوا يواصلون ضربي قائلين أنهم لن يسكتوا عن ذلك حتى يأتيهم بضامن يتكفل بالقيام بإطعامها وتربية ولدها. فقال الشيخ لخادمي: "اضمنه"، فضمنني. ومضيت إلى قلايتي ودفعت إليه الزنابيل التي كانت عندي قائلًا: "بعها وادفع ثمنها لـ"امرأتي" لتأكل بها". وخاطبتُ نفسي قائلًا: "كِد يا مقاره، ها قد صارت لك امرأة". فكنت اشتغل ليلًا ونهارًا لأقوم بإطعامها.
* فلما حان وقت ولادة الشقية، مكثت أيامًا كثيرة وهى معذبة وما استطاعت أن تلد. فقالوا لها: "ما هو هذا؟"، فقالت: "أن كل ما أصابني كان بسبب أنى ظلمت المتوحد واتهمته، وهو برئ، لأنه ما فعل بي شيئًا قط. لكن فلان الشاب هو الذي فعل بي هذا". فجاء خادمي إلى مسرورًا وقال: "أن تلك الشقية ما استطاعت أن تلد، حتى اعترفت قائلة أن المتوحد لا ذنب له في هذا الأمر مطلقًا، وقد كنت كاذبة في اتهامي له، وها هم أهل القرية كلهم عازمون على الحضور إليك، يريدون أن يتوبوا إليك ويسألوك الصفح والغفران".
* فلما سمعت أنا هذا الكلام من خادمي، أسرعت هاربًا إلى الإسقيط (وهذا هو السبب الذي لأجله جئت إلى جبل النطرون).
* ولما سمع القديس أن أهل القرية قادمون للاعتذار له ولتكريمه، فكر أن يخرج من ذلك الموضع ويمضى ويسكن في قلاية أخرى بعيدًا، وفيما هو واقف يصلى من أجل هذا الأمر أمام المذبح في الكنيسة شاهد عن يمينه كاروبيمًا ناريًا له ستة أجنحة وكله مملوء عيونًا، فلما أراد القديس أن يتفرس فيه حسنًا اشتمله الخوف فسقط على وجهه، فتقدم إليه الشاروبيم المقدس ومسكه وأقامه وقواه وقطع عنه الخوف، فلما تأيد قال له لماذا ثقل قلبك؟ أنسيت ما قلته لك؟ حسنًا الآن أنك احتملت هذه التجربة حتى تأخذ الكمال، غدًا بادر وأخرج من هنا وأمض واسكن في الموضع الذي أُريه لك: فنسى مقاره كل الضرب والتعذيب الذي ألمَّ به... ولما كان الليل وقام للصلاة كعادته أبصر بغتة نورًا عظيمًا في الموضع، فعلم القديس أنه الكاروبيم، وبقى ساعة وهو لا يخاطبه، لأنه كان مرتعدًا. وبعد ذلك خاطبه وقواه وقال له: أمشِ ورائي كما أُريك. فسار والكاروبيم أمامه، وبعد يومين دخل الجبل ودار به حوله كله، وأراه كل نواحيه وكل المواضع المزمع أن تكون مسكنًا هناك. فقال القديس مقاره للكاروبيم: أطلب إليك يا سيدي عرفني أين اسكن في هذا الجبل؟ فقال له الكاروبيم: هذه الإرادة هي لك، ها كل البرية أمامك، لأني أخشى، لئلا أعطيك وصية أن تسكن هنا أو هناك فيقاتلك الضجر أو الاضطهاد وتخرج من ذلك الموضع وتتجاوز الوصية فتخطئ..! فليكن سكناك بسلطانك نفسك. فأينما أردت، أسكن. وجرب وكن صامتًا، وتأمل ذاتك، وتحرز حسنًا من مقاومة الشرير وحيله، أما أنا فسأكون كل وقت معك بأمر الله.
* وتحت تأثير الفرح والنور الداخلي وبقيادة الشاروبيم، سار مقاره وحيدًا متجهًا إلى جبل النطرون يومين كاملين، وأخذ يدور في الجبل وشاهد كل ما فيه، ووصل إلى الموضع الذي يُدعى بهلس ولم يكن بعيدًا من الماء العذب، وحفر في ذلك الجبل وعمل له مغارة وسكنها أيامًا قليلة، ثم خرج يطوف البرية وجاء إلى يمين ذلك الموضع وحفر سردابًا وسكن فيه. وبعد زمان طويل وهو في ذلك الموضع حدث أن أجنادًا من الروم قام عليهم البربر وقتلوهم، مما جعله يصلح موضعًا آخر يصلى ويقرأ فيه (لا يعرفه أحد)، ومكانًا آخر يعمل فيه الضفيرة، يعرفه الجمالون الذين كانوا يبيعون له شغل يديه ويأتونه بالخبز اليابس.
* والمكان هو الموضع قرب البراموس الآن، حيث تجمع حوله التلاميذ الذين صاروا باكورة شيهيت المقدسة، وأول دير في الإسقيط.
* الزيارة الأولى تمت سنة 343 م. وفيها أصبح مقاره تلميذًا للأب الكبير أنبا أنطونيوس بمعنى أنه استلم منه "وصايا ورسوم خدمته" وكل "ما يليق بزى الرهبنة المقدس".
* الزيارة الثانية بعد الأولى بزمان طويل وفيها سلم القديس أنطونيوس "شبوتته" أي عصاته العتيقة إلى مقاره تعبيرًا عن تسلمه أمانة التدبير الرهباني من بعده.
* تقدم أنبا مقاره في الأيام، وشاخ جدًا، حتى بلغ سنه 90 سنة. وفي المخطوطة القبطية يقول سيرابيون أنه عاش 97 سنة.
* وكان يحمله أولاده، ويجلسونه في حوش قلايته، وما كف عن صراع الشياطين وما كفت الشياطين عن الصراع معه، حتى في هذه السن. وكانت نفسه قوية بالله وهو ضعيف أكثر من أيام صحته. وكان تلاميذه يحيطون به، وكان يعزى كل واحد على قدر رتبته.
* وبعد الكلام معهم صرفهم. وكان كل الرهبان يحبونه ويخافونه كما يخافون الله، لأنه كان بينهم كقائد الجيش الذي يقوى ويعزى جنوده، وأدخله تلميذه إلى مغارته (في الداخل) واضطجع. وفي نحو الساعة السابعة ظهر شخصان قديسان مضيئان، وعليهما مجد وجلال إلهيين، وكل منهما يبتسم إلى الآخر، وتكلم واحد منهما معه قائلًا: "أما تعرف هذا الآخر؟" أما هو فسكت، كعادته، لأنه ما كان يجاوب أحدًا بسرعة بل يتمهل ثم يجاوب، فقال له: "أنه الأب باخوم أب رهبان دوناسة، وقد أرسلنا الرب إليك لندعوك، فأهتم الآن بما تريده، فأنك بعد تسعة أيام ستخلع عنك هذا الجسد، وتأتى لتسكن معنا " ثم غابا عنه.
* وظل الأب مطروحًا على الحصير، لا يستطيع أن يقوم من الوجع الصعب، لأنه كان ملتهبًا بالحمى، وفي اليوم السابع والعشرين من برمهات ظهر له الكاروبيم، الذي كان معه منذ الابتداء، ومعه جمع كثير من الروحانيين، وقال له: "أسرع وتعال فأن هؤلاء كلهم ينتظرونك" فصاح أنبا مقاره بصوت خافت قائلًا: "يا سيدي يسوع المسيح حبيب نفسي أقبل روحي إليك" وأسلم الروح. ولم يكن في هذه اللحظة معه أحد إلا تلميذه فلما تسامع الأخوة خبر نياحته، اجتمعوا من أطراف الجبل من الأربعة الأديرة، باكين من أجل شعورهم باليُتم، لأنه كان أبًا لكل واحد منهم، وتقلدوا منه جميعًا طريق مخافة الله. واحتاطوا بالجسد في الكنيسة، يتباركون منه، ويقبلونه، وصلوا جميعًا عليه، وقدموا القداس، واشتركوا جميعًا، ثم حملوا الجسد الطاهر إلى المغارة التي بجوار البيعة، التي بناها هو في حياته ووضعوه هناك، وانصرفوا إلى قلاليهم بحزن عظيم.
* الكتابات المنسوبة للقديس أنبا مقار الكبير كثيرة، ولكن قام العلماء مؤخرًا بفحصها وتحليلها ونقدها، وقد غالى الكثيرون منهم في نقدها حتى لم يبقوا على الكتابات المنسوبة لقديسنا الكبير سوى رسالة واحدة، لا توجد إلا باللغة اللاتينية والسريانية، بعنوان "الرسالة إلى الأبناء الروحيين"، مستندين في صحتها على شهادة المؤرخ القديم جناديوس - حيث يقول عنها: "مقاريوس الراهب المصري تميز بشيئين: بمعجزاته وبفضائله. وقد ترك رسالة واحدة وجهها إلى المبتدئين من بنى طقسه، وفيها يعلمهم أن كل من يصل إلى معرفة نفسه، يستطيع أن يعبد الله، إن هو اسلم ذاته لجميع الجهادات، ضابطًا نفسه في كل شيء، على أن لا يكف في نفس الوقت عن الدعاء والتوسل، طالبًا معونة الله، فأنه يصل إلى طهارة الطبيعة، ويبلغ حالة العفة، كهبة تمنح لطبيعته".
* وعدا هذه الرسالة الأصيلة توجد ثماني رسائل أخرى منسوبة للقديس أنبا مقار، وقد تضافرت آراء العلماء جميعًا على عدم صحة نسبتها للقديس أنبا مقار.
* في مخطوطات دير أبو مقار وجدت للقديس رسالة هامة باللغة العربية شديدة الصلة بروح القديس أنبا مقار وأسلوبه الإنجيلي في التدبير الرهباني.
1- حينما يبدأ الإنسان يعرف ذاته، ولماذا خلق، ويبحث عن الله خالقه، فأنه يتوب أولًا عن كل ما اقترفه في زمن توانيه. وهكذا يعطيه الله الرؤوف حزنًا على خطاياه.
2- ثم يعطيه، بنفس الرأفة، أن يُتعب جسده بالأصوام والأسهار، وأن يثابر على الصلاة ويحتقر العالم، كما يمنحه أن يحتمل الإهانات، برضا، ويبغض كل نياح الجسد ويفضل البكاء على الضحك.
3- ثم يعطيه اشتياقًا للدموع والبكاء، ومسكنة في قلبه، وتواضعًا، كما يعطيه أن يرى الخشبة في عينه دون أن يحاول إخراج القذى من عين قريبه، وأن يردد باستمرار: "إني عارف بإثمي وخطيتي أمامي في كل حين" (مز 3:51)، وأن يتفكر في يوم موته وفي مثوله أمام الله، وأن يتصور الدينونة والعذاب، وأيضًا الأجر والكرامة التي تعطى للقديسين.
4- وحينما يرى الله أن هذه الأشياء تحلو له، يعرضه للتجربة، ليراه هل يرفض الشهوات وهل يثبت أمام هجمات ولاة هذا العالم الذين غلبوه من قبل، وأمام ملذات الأطعمة المتنوعة التي تضعف القلب. فتصل بها الحال (تحت التجربة) إلى أنه يعجز تقريبًا عن الصوم، ويكاد يستسلم، منهزمًا بضعف الجسد وطول الزمان، لأن أفكاره المعادية تقول له: "كم من الزمان تستطيع أن تحتمل هذه الأتعاب؟"، وأيضًا: "أنه لتعب مرير أن تستحق حلول الله فيك، لاسيما وأنك قد أخطأت بهذا المقدار"، ثم أيضًا: "هل يستطيع الله أن يغفر لك كل هذه الخطايا؟".
5- ولكن حينما يتيقن الله أن قلبه يبقى ثابتًا في مخافته، وأنه لا يترك المكان الذي جاء ليسكن فيه، بل يقاوم بشدة، فأنه يسمح بأن تأتيه أفكارًا أخرى توحي له قائلة - وهى متخذة فرصة ببره: "صحيح أنك أخطأت، غير إنك قد قدمت توبة، فقط صرت منذ الآن قديسًا"، وتذكره بخطايا بعض الناس الذين لم يتوبوا، وبذلك تزرع المجد الباطل في قلبه.
6- ثم أن الأبالسة لا تكتفي بذلك، بل تجعل أيضًا بعض الناس يمتدحونه بإفراط، ويدفعونه إلى أعمال لا يقدر أن يقوم بها، وتوحي له بأفكار، كأن يمتنع عن الأكل أو الشرب أو يغالى في السهر، وبأفكار أخرى كثيرة يطول ذكرها، بل وتعطيه سهولة للقيام بها، محاولة بكافة الوسائل أن تجتذبه إليها (أي إلى هذه الأعمال) مع أن الكتاب يحذر قائلًا: "لا تمل يمنة ولا يسرة بل أسلك في الطريق المستقيم" (راجع أم 26:4-27)
7- ولكن إن لاحظ الله أن قلبه لم يمل إلى أي من هذه التجارب، التي سبق داود فتكلم عنها قائلًا: "جربت قلبي وافتقدته ليلًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. محصتني بالنار لكن لم يوجد فيَّ إثم" (مز 3:17) حينئذ ينظر إليه الله من سمائه المقدسة ويحفظه بلا عيب. ولاحظوا جيدًا أن داود لم يقل " نهارًا " بل " ليلًا"، لأن خداعات العدو هي ليل، كما يقرر أيضًا بولس الطوباوي: إننا لسنا أولاد ظلمة بل أولاد نور. فإن ابن الله هو بالحقيقة " نهار " بينما يشبه إبليس بالليل.
8- ومتى تجاوزت النفس كل هذه المحاربات، فإن الأفكار توحي لها بشهوة الزنا (والنجاسة). وفي كل ذلك تشعر النفس بضعفها، ويذبل القلب، لدرجة أنه يتوهم أن حفظ الطهارة أمر يستحيل عليه، فإن الأفكار، كما قلت، تبين له طول الزمان، من جهة، وصعوبة الفضائل، من جهة أخرى، وكم أن حملها ثقيل لا يُحتمل، وتضيف إلى ذلك أيضًا ضعف جسده وهوان طبيعته.
9- وإن لم يكل أمام هذه المحاربات، فإن الله الرؤوف والرحوم يرسل له قوة مقدسة، ويثبت قلبه، ويعطيه الفرح والنياح والقدرة على أن يقوى على أعدائه، بحيث أن هجومهم عليه لا يخزيه، لأنهم يخافون القوة الساكنة فيه، هذه التي قال عنها القديس بولس: "جاهدوا فتنالوا قوة" (كو29:1)، والتي تعرض لها أيضًا الطوباوي بطرس في حديثه عن " الميراث الذي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظ في السموات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون بالإيمان" (1بط4:1-5).
10- ومتى رأى أن الله الرؤوف المتحنن أنه قلبه قد صار أقوى من أعدائه، فإنه سحب عنه بالتدريج القوة التي كانت تسنده، ويسمح لأعدائه أن يهاجموه بنجاسات الجسد المختلفة وبشهوة المجد الباطل والعظمة، وبتجارب الخطايا الأخرى التي تجذب إلى الهلاك، حتى إنه يكاد يشابه سفينة بلا دفة، تتخبط من كل ناحية على الصخور.
11- ولكن متى صار قلبه وكأنه قد ذبل، وكاد أن يكون قد عثر في كل تجارب العدو، فإن الله محب البشر والمعتنى بخليقته يرسل فيه قوة مقدسة، ويثبته، و]ُخضع قلبه وجسده وكل أعضائه إلى نير الباراقليط، لأنه هو قد قال "احملوا نيري عليكم، وتعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب" (مت9:11).
12- وهكذا يبدأ الله الرؤوف، أخيرًا يفتح أعين قلب (الإنسان)، لكي يفهم أن (الله) هو الذي يثبته، وحينئذ يبدأ الإنسان يتعلم بالحقيقة كيف يعطى مجدًا لله بكل تواضع وانسحاق قلب، كما يقول داود: "الذبيحة لله روح منسحق" (مز 17:51)، لأنه من صعوبة ذلك الجهاد، يتولد التواضع وانسحاق القلب والوداعة.
13- ومتى تجرب بكل هذه الأنواع، فإن الروح القدس يبدأ يعلن له الأشياء السمائية، أي كل ما يعود بالاستحقاق والعدل على القديسين، وعلى الذين وضعوا رجاءهم في رحمته وحينئذ يتفكر الإنسان في ذاته ويردد قول الرسول: "إن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو18:8)، وأيضًا قول داود: "ماذا لي في السماء ومعك كم من الأشياء أردتُ في الأرض؟" (مز25:73) ومعناه: يا رب كم أعددت لي في السماء؟ وأنا كم من الأشياء طلبت معك في الحياة الفانية؟ وهكذا أيضًا تعلن له العذابات التي تنال الخطاة، وأشياء أخرى كثيرة يفهمها كل رجل قديس بدون أن أذكره
14- وبعد هذا كله يقطع الباراقليط عهدًا مع نقاوة قلبه وثبات نفسه وقداسة جسده وتواضع روحه، فيجعله يتجاوز كل الخليقة، ويعمل فيه، بحيث أن فمه لا يتكلم بأعمال الناس وأنه يرى المستقيم بعينيه، ويضع حارسًا لفمه، ويرسم طريقًا مستقيمًا لخطواته، ويقتنى بر يديه أي (بر) أعماله، والمثابرة في الصلاة مع تعب الجسد والسهر المتكرر. ولكن هذه الأشياء يرتبها الباراقليط فيه بقياس وإفراز، وليس بتشويش، بل بهدوء.
15- ولكن إن تجاسرت روحه فقاومت ترتيب الروح القدس نفسه، فإن القوة التي وُضعت فيه تنسحب، وبذلك تتولد في قلبه محاربات واضطرابات، ثم تضايقه آلام الجسد في كل لحظة بمهاجمة العدو.
16- ولكن إن تاب قلبه وتمسك بوصايا الروح القدس (من جديد)، فإن معونة الله تكون عليه. وحينئذ يفهم الإنسان أنه خير له أن يلتصق بالله في كل حين، وأن حياته هي في (الله) كما يقول داود: "صرخت إليك فشفيتني" (مز2:30)، وأيضًا: "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز 9:36).
17- فمن رأيي، إذن أن الإنسان إن كان لا يقتنى تواضعًا كثيرًا، وهو قمة جميع الفضائل، وإن كان لا يضع حارسًا لفمه ولا يجعل خوف الله في قلبه، وإن كان لا يمتنع عن تزكية ذاته بسبب الأشياء التي يتوهم فيها أنه أصلح من غيره، وكأنه قد فعل خيرًا ما، وإن كان لا يحتمل، برضى، الإهانات التي تقع عليه، ولا يقدم الخد الآخر للذي يلطمه، وإن كان لا يندفع، بعزم، نحو كل عمل صالح ليقتنيه، وإن كان لا يحمل نفسه في يده كأنه يموت كل يوم، وإن كان لا يعتبر كل الأشياء التي تُرى تحت الشمس كأنها باطلة، ولا يردد في نفسه: "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح" (فى23:1)، وأيضًا: "لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (في 21:1): فإنه لا يستطيع أن يحفظ وصايا الروح القدس. آمين.
* هناك خمسين عظة منسوبة للقديس مقاريوس تشمل كثيرًا من التفسيرات المفيدة لفصول من الكتاب المقدس وموضوعات كثيرة لاهوتية وعقائدية وروحية.
تعليم عظات القديس مقاريوس:
توجد خمس موضوعات رئيسية في هذه العظات:
يكمن سمو الإنسان في إمكانية الشركة مع الله وفي وجود علاقة حب مع الله بدلًا من علاقة الاحتياج. ومع كل عظمة الخلائق الأخرى فهي مقيدة بقوانينها -قوانين الطبيعة- فالإنسان وحده يملك حرية، فلذلك يستطيع أن يصير هيكلًا لله. وتحوى العظات أوصافًا جميلة للطبيعة وهى غالبًا من نوع تصوف الطبيعة، ولكنها تعود دائمًا لتتحدث عن السمو العظيم للإنسان فالذي يسطر داخل الإنسان في النهاية هو "العقل". إنه الاشتياق لما هو روحاني وأبدى هو حنين ينبغي أن ينضج ليصل إلى الاستبصار. ولكن العقل مهدد دائمًا بحركات متنوعة من النفس والأفكار والصور والدوافع التي تحاول أن تمسك بنا، وهى (اللوغوس = الأفكار) إذا استخدمنا الكلمة اليونانية الشائعة في كل كتابات آباء الرهبنة الأولين.
أي اختبار وجود الشر في داخل الإنسان والصعوبات في مقاتلة الأفكار الشريرة. فبحسب هذه العظات يوجد الشر في الإنسان كقوة خفية. هذه القوة تحكم في الداخل دون أن نتحقق من الوضع الصحيح للأمور. ورغم إن الشر غريب عن طبيعتنا فقد جعل لنفسه مسكنًا فينا ولا يجد صعوبة في أن يكون مقيمًا فينا مع الروح القدس والذي نلناه بالمعمودية. والاتهام الموجه "للمصلين" بأنهم احتقروا المعمودية ربما يرجع إلى التأكيد في العظات على أن المعمودية ليست كافية لاستئصال الشر من النفس
والقديس مقاريوس مولع جدًا بالصور ويصور الشر كاللصوص الذين أقاموا في البيت وحولوا أنفسهم إلى حيات تختبئ عند الضرورة ولكنها لا يزالون يتحكمون في كل ما يحدث. فميدان المعركة بين الخير والشر هو قلب الإنسان. وسقوط الإنسان وطرده من الفردوس لم تلاش الصلاح كما أن المعمودية لم تلاش الشر. ورغم إن آدم فتح الباب للشر ولكن كل إنسان مسئول عن المساحة التي يسلمها للشر في داخل نفسه ورغم إن آدم باع كل الجنس البشرى للعبودية تحت الشيطان، فإن كل واحد مسئول في عدم مقاومته للشر، ذلك الشر الذي يستمد قوته أساسًا من الدوافع والأفكار. ولذلك من الضروري أن تعرف وتفهم نفسك أنت وتتعلم كيف تقاتل الرذائل.
وحينما تعالج العظات التجسد، فمن المهم أن نلاحظ كيف تتكلم غالبًا عن إن الله يولد في قلب الإنسان. التجسد الذي حدث من خلال العذراء مريم ليس فقط حقيقة تاريخية مرتبطة بزمن معين، ولكنه هو قبول الكلمة للطبيعة البشرية المستمر، فينا ومن خلالنا. فالانتصار على الموت وإنزال الشيطان من عرشه والمصالحة بين السماء والأرض كل هذه تحدث في كل إنسان له اهتمام بأن يشترك في المسيح. هذه المشاركة تأتى بواسطة سكنى الروح، الذي هو عطية، ولكنه عطية تفترض عمل تنقية للنفس الداخلية لكيما يستريح الروح في النفس.
الروح القدس هو قوة مطهرة، هو قوة أقوى من الشر. ويرد ذكر سكنى الروح في هذه العظات أكثر من 125 مرة. وكثيرًا ما نجد حديث عن الامتزاج، امتزاج روح الإنسان مع روح الله وهذه الطريقة في التعبير توجد أيضًا عند أوريجينوس. وتخبرنا العظات عن كيف إن الحواس الخمس هي مثل خمس عذارى حكيمات عندهن زيت حتى يستطعن أن يضيئن مصابيحهن حينما يأتي العريس والزيت هو عطية من الله، ولكن بدون يقظة وبصيرة ورغبة صادقة لا يستطيع أن يفعل شيئا. فنشاط الإنسان أمر لا غنى عنه، ولكن منح إكليل النصرة هو دائمًا عمل الله.
هدف النسك هو -مثلما جاء في رسائل القديس أنطونيوس أيضًا- يوصف بأنه "الراحة". وهى حالة من الحرية الكاملة ولكنها أيضًا هدوء كامل بدون ألم الاختبار وهى تسمى أحيانًا -كما عند القديس غريغوريوس النيصي- سكر أو انجذاب. وتشير العظات إلى الاتحاد بالله ولكنها تؤكد أيضًا على الاختلاف بين الخالق والمخلوق. هذه الراحة يمكن تذوقها في هذه الحياة، وإن كان ليس بصفة دائمة.
والإشارة المستمرة في العظات إلى الشعور والاختبار هي ربما أحد الأسباب التي جعلت المجموعة التي استعملت العظات كمرجعها الوحيد، تصير ضيقة الفكر ومتعصبة، ولكنها أيضًا هي أحد الأسباب التي جعلت العظات محبوبة جدًا مع "التقويين".
والكتاب المقدس يشار إليه في العظات على أنه رسالة عظيمة من الملك. أنه خطاب دعوة. وتمتلئ العظات باقتباسات من الكتاب رغم أن المؤلف قد تعلم من الكتاب المقدس كثيرًا من أوريجينوس ومن الآباء المصريين والكابادوكيين فأنه لا يقتبس أي نص أخر سوى من الكتاب المقدس. وتفسير الاقتباس يوجه مباشرة إلى الشخص، كما لو أن تاريخ الخلاص هو التاريخ الشخصي لكل أحد. لذلك فالتفسير المحوري للكتاب في العظات ليس هو عادة التفسير المجازى بل بالحري "التفسير بالأنماط".
وكما هو متوقع من نص مرتبط ببدعة "الميساليانيز"، أي أولئك الذين يصلون، فالصلاة هي محورية بالنسبة للعظات والأمثال التي تشير للصلاة تذكر باستمرار. ومن الواضح أن المؤلف عنده اختبارات شخصية عميقة في الصلاة. فالصلاة في العظات هي بصفة أولية صرخة لطلب المعونة، هي صوت العبد الذي يطوق للتحرر. لذلك فإن استجابة الصلاة ينظر إليها على أنها استعادة سمو الإنسان من جديد واستعادة الحرية الخاصة به. الصلاة وحدها هي التي تجعل الروح القدس يحل القيود ويهزم الشر. لذلك يحاول الشيطان دائمًا أن يمنعنا من الصلاة بأن يشتت تركيزنا بأفكار متنوعة. الصلاة بغير تشتت هي هبة من الله ولكنها تستلزم تعاوننا.
والعظات كان لها تأثير هائل على مدى التاريخ. ففي التقليد الروحي اليوناني كان لها أهمية كبيرة عن سمعان اللاهوتي الجديد وغريغوريوس بالاماس وهكذا امتدت هذه الأهمية إلى كل التقليد "الهدوئي" وحفظت أجزاء من العظات مع الخطاب الكبير أيضًا في الفيلوكاليا، وهى المجموعة التي صارت محورية بالنسبة للتقليد الروحي في روسيا.
ولكن توجد أيضًا أمثلة لكتاب روحيين داخل البروتستانتية الغربية كانوا مدينين كثيرًا للعظات المقارية. وأهم هؤلاء الكُتَّاب هما: جوهان ارندت وجون وسلى. والمجلدات الأربعة التي وضعها جوهان أرندت مؤسس "الحركة التقوية" والتي تسمى "أربعة كتب حول المسيحية الحقيقة" هذه المجلدات مملوءة بإشارات لهذه العظات، ويقال إن "أرندت" حفظ هذه العظات عن ظهر قلب.
* سأل الأب إشعياء آبا مقاريوس قائلًا قل لي يا أبي كلمة، فأجاب الشيخ أهرب من الناس. فقال آبا إشعياء وماهر الحروب من الناس. فأجاب الشيخ هو جلوسك في قلايتك وبكاؤك على خطاياك.
* سأل أخ الأنبا مقاريوس الكبير قائلًا قل لي كلمة للمنفعة فقال له أجلس في قلايتك ولا تكن بينك وبين أحد خُلطة وابك على خطاياك، وأنت تخلص.
* كان الآبا مقاريوس يقول للإخوة إذا سُرحت الكنيسة فروا يا إخوة فروا. فقال أحد الآباء أيها الأب إلى أين نقر أكثر من هذه البرية، فضرب (الشيخ) بيده على فمه وقال من هذا فروا.. وكان إذ دخل القلاية أغلق الباب بوجهه وجلس.
* وعندما سُئل الآبا مقاريوس ما هي الطريقة الصالحة التي يسلك بها أخ مبتدى يسكن في قلايته؟ أجاب يجب على الراهب -عند ما يكون في قلايته- أن يبعد عن عقله تذكار أي إنسان. لأنه لا ينتفع شيئًا من كبح جماح مشاعره عن محادثة الناس، ما لم يكن حريصًا في ضبط أفكاره عن المحادثة الخفية معهم (بفكره). هذا هو معنى كلمات أهرب وأصمت وتأمل في صمت.
* أعتاد آبا مقاريوس أن يقول للإخوة بخصوص برية الإسقيط عندما ترون قلالي قد اتجهت نحو الغاية أعرفوا أن النهاية قريبة. وعندما ترون الأشجار قد غرست إلى جوار الأبواب اعلموا أن النهاية على الأبواب. وعندما ترون شبانًا يسكنون في الإسقيط، أحملوا أمتعتكم وارحلوا.
* وقال القديس بلاديوس عن القديس أبا مقاريوس:
*... وإذ كان تضايق لأن عددًا كبيرًا من الناس كانوا يأتون إليه ليتباركوا منه لذلك دُبر الخطة التالية: حفر سردابًا في قلايته... وصنع فيه مخبأ ذا طول مناسب، يمتد من قلايته إلى يُعد نصف ميل. وعند نهايته حفر مغارة صغيرة وعندما كانت تأتى إليه جموع كثيرة من الناس فتعكر وحدته، كان يترك قلايته سرًا، ويمر عابرًا في السرداب دون أن يراه أحد، ويختبئ في المغارة حيث لا يقدر أحد أن يجده. وقد أعتاد أن يفعل هذا كلما كان يرغب في الهروب من المجد الباطل الذي يأتي من الناس.
* وقد قال لنا واحد من تلاميذه الغيورين إنه في تركه القلاية إلى المغارة كان يتلو 24 ربعًا (استيخن)، وفي رجوعه 24 أخرى. وحينما كان يذهب من قلايته إلى الكنيسة كان يصلى 24 صلاة في عبوره إلى هناك و24 أخرى في رجوعه.
* قال القديس مقاريوس: يجب على الراهب أن يكون في سكون كل حين، ولا يسمع لأفكاره التي توعز إليه بكثرة الكلام الذي يُضعف النفس. بل ليمُسك عن الكلام، حتى لو نظر أناسًا يضحكون أو يتحدثون بكلام لا منفعة له وذلك لجهلهم. لأن الراهب الحقيقي يجب أن يتحفظ من لسانه كما هو مكتوب في المزمور اللهم أجعل لنفسي حافظًا وعلى شفتي سترًا حصينًا فالراهب الذي يسلك هكذا لا يعثر أبدًا بلسانه.
* وسأله أخ مرة قائلًا ماذا أصنع والأفكار توعز إلى بأن أمضى وأفتقد المرضى، فإن هذه هي الوصية؟ فأجابه الشيخ قائلًا: إن كلمة النبوة لا تسقط أبدًا، فإنه يقول حيد للرجل أن يحمل النير منذ صباه. يجلس وحده صامتًا (مر 26:31). أما قول ربنا يسوع المسيح كنت مريضًا فزرتموني، فقد قاله لعامة الناس. وإني أقول لك يا أخي إن الجلوس في القلاية أفضل من افتقاد المرضى لأنه يأتي زمان يُضحك فيه على سكان القلالي فتتم كلمة البار أنطونيوس يجيء زمانًا يُحن فيه جميع الناس وإذ أبصروا واحدًا لم يُحن يذيعون عنه أنه يحنون لأنه لا يشبههم. وإني أقول لك يا ولدي إن موسى النبي العظيم لو لم يبتعد عن مخالطة الناس ويدخل في الضباب وحده، لما تسلم لوحي العهد المكتوبين بإصبع الله.
* وقال... أحفظوا أسماعكم من كلام النميمة، لتكون السلامة والمحبة بينكم.
* وقال.. فالآن يا رجل الله، إن وضعت في قلبك أن تفتني الوحدة، فهيئ ذاتك لها واصبر على المسكنة. فإن الوحدة والمسكنة عظيمتان، وليس شيء من المواهب يساومهما في القدر والكرامة لأنهما يقربان إلى الله، كما لا تحصى المواهب الموجودة داخلهما لأنهما تسودان جميع الفضائل. وهما في وسط جميع الفضائل تتلألآن لأنهما مصدر أعمال القديسين وجميع القديسين وحدوا الله فيهما، وكُشفت لهم الأفكار، فوهبهم الله قلوبًا نقية وهم في المسكنة والوحدة جياع عطاش. هؤلاء الذين لم يستحقهم العالم، تائهين في البراري والقفار والمغارات وشقوق الأرض. هؤلاء الذين لهم هذه الشهادة الجليلة، قد وحدوا الله في الوحدة وبالمسكنة والصبر. لأن مجد الوحدة غير محدود، وفرحها هو الله، وهى العزاء في الفقر والمسكنة. غذاؤها الصبر، وخدمتها الكاملة هي الطهارة، وفرحها هو الاتضاع. هي التي لا يفسدها سوس ولا يتدنس لها ثواب، لأنها ساكنة في الطهارة.
* سأل الأخ الآبا مقاريوس عن الوحدة فأجاب وقال: إن كنت حقًا تريد السُكنى في الوحدة، فأصبر لها، ولا تؤد عملك يومًا في الداخل ويومًا في الخارج. ولكن تصبر لها باتضاع، والله الصالح يؤازرك، لا تُوجد سببًا للخروج عن الوحدة حتى ولو ليوم واحد، بل أثبت في مسكنك لتذوق حلاوتها، ولا تبطئ خارج قلايتك لئلا أتعابك تقاومك عند رجوعك، فتتعب جدًا في حربك ويصعب انتصارك. يا رجل الله حتى متى تدوم لك هذه الأتعاب؟ أصبر للمسكنة وعزاء الوحدة بأتباعك من قبل الله. لا تُضيع يومًا واحدًا لك، ونعمة الوحدة وحلاوة المسكنة تصيران عزاء، ويعطيك الله سعادة في مسكنك.
* وقال... الوحدة هي حفظ العينين والأذنين واللسان والاشتغال بالقراءة والصلاة. والوحدة هي مرآه تبين للإنسان عيوبه.
* وكان أبا بفنوتيوس (ببنوده) تلميذ أبا مقاريوس، يقول لقد رجوته قائلًا يا أبي قل لي كلمة فقال لي لا تؤذ أحد ولا تحكم على أحد احفظ هذه الكلمات وأنت تخلص.
* قيل عن القديس مقاريوس إنه كان يوصى تلاميذه قائلًا أهربوا من كلام النساء المؤدي الهلاك. وكان يقول أحذروا ألا تكون بينكم وبين صبى دالة. لأن الصبي إذا رأيته صاعدًا إلى السماء فهو سريع السقوط. فما عليكم إلا أن تطلبوا من المسيح إلهنا أن يعينه.
* وبصدد الابتعاد عن العالم، قال البار إشعياء إني في أحد الأوقات كنت جالسًا بقرب القديس مقاريوس الكبير حين تقدم إليه رهبان من الإسكندرية ليمتحنوه قائلين قل لنا كيف نخلص؟ فأخذت أنا دفترًا وجلست بمعزل عنهم لأكتب ما يتحاورون به. أما الشيخ فإنه تنهد وقال كل واحد منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاص. فأجابوه كثيرًا ما أردنا الخلاص، إلا أن الأفكار الخبيثة لا تفارقنا. فماذا تعمل؟
* فأجابهم الشيخ إن كنتم رهبانا، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين؟! إن الذي قد هجر العالم ولبس الزى الرهباني وهو في وسط العالم، فهو لنفسه يخادع. فمن كانت هذه حالة، فقد صار تعبه باطلًا. لأنهم ماذا يربحون من العلمانيين سوى نياح الجسد، وحيث نياح الجسد لا يوجد خوف الله. لاسيما إن كان راهبًا ممن يدعون متوحدين، لأنه ما دُعي متوحدًا إلا لكي ينفرد ليله ونهاره مناجاة الله. فالراهب بين العلمانيين هذه تصرفاته.
* فلنقر نحن أيها الإخوة من العالم كما نقر من الحية، لأن الحية إذا نهشت فبالكاد تبرأ عضتها. كذلك نحن أيضًا إن شئنا أن نكون رهبانا فلنهرب من العالم، لأن الأوفق لنا أيها الإخوة أن تكون لنا حرب واحدة بدلًا من قتالات كثيرة. قولوا لي يا إخوتي ويا آبائي في أي موضع أقتنى آباؤنا الفضائل، أفي العالم أم في البراري؟ إذن. كيف نقتضى الفضائل ونحن في العالم؟ لن نستطيع ذلك ما لم نجع وما لم نعطش، وما لم نساكن الوحوش...
* ماذا يكون جوابنا أمام السيد المسيح، وقد هجرنا العالم وها نحن نعاود الطواف فيه؟! إن طقسنا ملائكي لكننا جعلناه علمانيًا. لا يكون هذا منا يا إخوتي. إيانا أن نعلمه بل لنهرب من العالم. لأنه إن كنا بالكاد نخلص في البرية، فكيف يكون حالنا بين العلمانيين؟!..
* أرأيتم عظم المنفعة من الهروب من العالم؟ لأنه نافع لنا جدًا وموافق لأن مجالس العلمانيين ليس فيها شيء سوى البيع والشراء وما يتعلق بالنساء والأولاد والزرع والدواب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فهذه المخالطة تفصل الراهب عن الله، فمؤاكلتهم ومشاربتهم تجلب الكثير من الضرر. ولسنا نعنى بهذا أن العلمانيين أنجاس. معاذ الله! لكنهم يسلكون في الخلاص طريقًا آخر غير طريقنا. فهروبنا هو هروب من مخالطتهم. فلتطلب سبهم فينا أكثر من مديحهم لنا. لأن سبهم لنا لن يُفقدنا شيئا، أما مديحهم فهو سبب عقوبتنا. فما منفعتي إذا أنا أرضيت الناس وأغضبت ربى وإلهي، لأنه يقول لو كنت أرضى الناس فلست عبدًا للمسيح. إذًا فلنبتهل أمام ربنا قائلين: يا يسوع إلهنا نجنا وافتقدنا من مخالطتهم.
* قال القديس مقاريوس: أحفظوا ألسنتكم وذلك بألا تقولوا على أخوتكم شرًا. لأن الذي يقول على أخيه يغضب الله الساكن فيه. فإن ما يفعله كل واحد برفيقه، فبالله يفعله.
* وقال أيضًا: نفسي الإنسان الكامل في الفضائل تجدها نقية كالشمس من قبل أن تلحقه كلمة رديئة. فإذا سمع كلمة رديئة أو نميمة فللوقت تغطى الشياطين عقله، وتحجب عنه النور وتصيره شقيًا، وتكون نفسه متزعزعة وفضائله ناقصة.
روى بلاديوس القصتين الآتيتين:
* قيل إنه في إحدى المرات كان الآبا مقاريوس عابرًا في الطريق عندما قابله الشيطان وأراد أن يقطعه بمنجل كان ممسكًا به في يده. ولمنه لم يستطيع أن يفعل هذا، وقال له يا مقاريوس إنك تطرحني على الأرض بقوة عظيمة، وأنا لا أستطيع أن أغلبك. لكن أنظر هوذا كل عمل تعمله أنت، أستطيع أنا أيضًا أن أعمله. أنت تصوم وأنا لا أكل أبدًا. أنت تسهر وأنا لا أنام مطلقًا. ولكن هناك شيئًا واحدًا به تغلبني حينئذ قال له مقاريوس وما هو هذا؟ فقال الشيطان إنه تواضعك لأنه من أجل هذا لا أقدر عليك. فبسط مقاريوس يديه للصلاة وحينئذ اختفى الشيطان.
* وفي إحدى المرات أمسك الشيكان سكينًا، ووقف على الآبا مقاريوس مريدًا أن يقطع رجله. ولما لم يقدر أن يفعل هذا من أجل تواضع الشيخ، أجاب وقال له كل شيء تملكه، ونملكه نحن أيضًا ولكنك بالتواضع فقد تتفوق علينا، وبه وحده تغلبنا.
* والقطعة الأولى من هاتين موجودة في بستان الرهبان باختصار.
* سئل الآبا مقاريوس أي الفضائل أعظم؟ فأجاب وقال إن كان التكبر يعتبر أشر الرذائل كلها حتى أنه طرح طائفة من الملائكة من علو السماء، فبلا شك يكون التواضع أكبر الفضائل كلها، لأنه قادر أن يرفع المتمسك به من الأعماق حتى لو كان خاطئًا. من أجل ذلك أعطى الرب الطوبى للمساكين بالروح.
* ومن أمثلة تواضع القديس استرشاده بمن هو أصغر منه كما يتضح من القصتين الآتيتين:
* قال الآبا مقاريوس: ضجرت وقتًا وأنا في القلاية، فخرجت إلى البرية وعزمت على أن أسأل أي شخص أقابله من أجل المنفعة. وإذا بي أقابل صبيًا يرعى يقرأ، فقلت له ماذا أفعل أيها الولد فإني جائع؟ فقال لي كل فقلت له أكلت ولكنى جائع أيضًا. فقال لي كُلْ دفعة ثانية فقلت له إني أكلت دفعات كثيرة وما أزال جائعًا. فقال الصبي لست أشك في أنك حمار يا راهب، لأنك تحب أن تأكل دائمًا. فانصرفت منتفعًا ولم أرد له جوابًا.
* قيل سأل الآبا مقاريوس الكبير مرة زكريا -وهو ما يزال في حداثة سنة- قائلًا أخبرني ما هو عمن الرهبان؟ فقال له زكريا أتسألني أنا يا أبي؟! فقال له الشيخ أتوسل إليك يا ابني زكريا فإن نفسي متيقنة بالروح القدس الذي فيك، أن هناك شيئًا ينقصني، يلزم أن أسألك عنه. فقال له الشاب يا أبى، أقول -حسب رأيي- إن عمل الرهبان هو أن يقمع الإنسان نفسه في كل شيء.
* وقال بلاديوس: إن مقاريوس الطوباوي كان يتصرف مع جميع الإخوة بدون أي ظن سيئ. وقد سأله بعض الناس لماذا تتصرف هكذا؟ فأجابهم أنظروا، إنني ابتهلت إلى الرب مدة أثنى عشر سنة من أجل هذا الأمر أن يمنحني هذه الموهبة فهل تنصحونني بأن أتخلى عنها؟!
* قيل أن أبا مقاريوس المصري ذهب في إحدى المرات من الإسقيط إلى نتريا. ولما اقترب من مكان معين قال لتلميذه تقدمني قليلًا. ولما فعل (التلميذ) هذه قابله كاهن وثنى كان يجرى حاملًا بعض الخشب، وكان الوقت حوالي الظهر فصرخ نحوه الأخ قائلًا يا خادم الشياطين، إلى أين أنت تجرى فاستدار الكاهن وانهال عليه بضربات شديدة، وتركه ولم يُبق فيه سوى قليل نفس. ثم حمل ما معه من خشب وسار في طريقه.
* ولما ابتعد قليلًا، قابله الطوباوي مقاريوس في الطريق وقال له فلتصحبك المعونة يا رجل النشاط. فاندهش الكاهن واقبل نحوه وقال أي شيء حسن أريته في حتى حبيتني هكذا؟ فقال له الشيخ إني أرى إنك تكد وتسرع، وإن كنت لا تدرى لماذا. فأجاب الكاهن وأنا إذ تأثرت بتحيتك عرفت أنك تنتمي إلى الإله العظيم ولكن هناك راهبًا شريرًا صادفني قبلك ولعنى فضربته ضربة الموت. فعرف الشيخ أنه تلميذه. أما الكاهن فامسك بقدمي مقاريوس الطوباوي وقال له لي أدعك تمضى حتى تجعلني راهبًا. وإذا سار معًا وصلًا إلى المكان الذي كان فيه الأخ مطروحًا، وحملاه وأتيا به إلى كنيسة الجبل. ولكن الإخوة عندما رأوا الكاهن الوثني مع المغبوط مقاريوس تعجبوا كيف تحول عن الشر الذي كان فيه. وأخذه الآبا مقاريوس وجعله راهبًا، وعن طريقه صار كثيرون من الوثنيين مسيحيين. وكان مقاريوس الطوباوي يقول إن الكلمات الشريرة والمتكبرة تُحول الناس الأخيار إلى أشرار. ولكن الكلام الطيب المتواضع يحول الأشرار أخيارًا.
* قيل عن الآبا مقاريوس إنه عندما كان يقترب إليه الإخوة في خوف -كما إلى شيخ عظيم وقديس- لم يكن يجبهم بكلمة. وعندما كانوا يتقدمون إليه بدالة ومحبة كان يجيب على كل سؤال يوجه إليه.
* كان الشيخ مقاريوس يقول إن لم تكن لك صلاة الروح فجاهد في الصلاة والجسد، وعند ذلك ستُعطى أيضًا الصلاة بالروح. وإن لم يكن لك اتضاع الروح، جاهد من أجل الاتضاع الذي بالجسد وعندئذ ستُعطى أيضًا الاتضاع الذي بالروح. لأنه كُتب اسألوا تعطوا.
* أتى الآبا مقاريوس يومًا من الإسقيط إلى نبرس فقال له الشيوخ قل كلمة للإخوة أيها الأب فأجابهم قائلًا أنا لم أصر بعد راهبًا، لكنى رأيت رهبانا..
* قال بلاديوس: كان الآب تادرس الفرمي يقتنى ثلاثة مصاحف جميلة جدًا (3 كتب مقدسة مخطوطة). فذهب إلى آبا مقاريوس وقال له عندي يا أبي ثلاثة كتب، وأنا أنتفع منها والإخوة كذلك يستعيرونها وينتفعون منها. فاخبرني الآن ماذا ينبغي أن أصنع؟ (هل استبقيها لمنفعتي ومنفعة الإخوة، أم أبيعها وأفرق ثمنها على المساكين؟) فأجاب الشيخ قائلًا إن أعمال الرهبنة جميلة، ولكن أعظمها جميعًا هو الفقر الاختياري. ولما سمع الأب تادرس هذه الكلمات، مضى فباع الكتب وأعطى ثمنها للفقراء.
* وقيل عن الآبا مقاريوس إنه كان يوصى تلاميذه بألا يقتنوا شيئًا البتة. وكان يقول إن محبي المسيح الذين أرادوه قد تركوا نعيم الدنيا ولذاتها، وصارت منزلة العالم عندهم كمنزلة العودة الصغير، لا يتألمون على فقد شيء منه. إن الإنسان الذي يأسف على فقدان شيء منه ليس كاملًا بعد. إن كنا قد أمرنا أن نرفض أنفسنا وأجسادنا، فكم بالحرى المقتنيات؟! إن الشياطين تحترق بهذه الفضيلة وأمثالها، عندما يرون إنسانًا غير ملتفت إلى الأشياء وليس بمتأسف عليها إذا فقدها... إذا رأت الشياطين إنسانًا قد شُتم أو أهين أو خسر شيئا، ولم يغتم بل احتمل بصبر وجلد فإنها ترتاع منه، لأنها تعتقد وتعلم أنه قد سلك في طريق الله.
* وردت القصة التالية في الرسالة الثانية والعشرين للقديس جيروم (إيرونيموس) التي أرسلها إلى تلميذته يوستوخيوس قال: سأقص علك حادثًا وقع منذ سنوات ليست بكثيرة في نتريا:
* حدث أن أخا -عن طريق التدابير والاقتصاد، وليس عن طريق البخل- نسى أن المسيح قد بيع بثلاثين من الفضة، فترك هذا الأخ وراءه عند موته مائة قطعة من الذهب ربحها من نسج الكتان. فعقد الرهبان مجمعًا ليقروا ماذا يُعمل بخصوصها إذ كان هناك خمسة آلاف منهم يعيشون في المنطقة المجاورة له في قلالي منفردة. فقال البعض أن المال يجب أن يوزع على الفقراء. وقال آخرون يجب أن يعطى للكنيسة. وقال غيرهم يجب أن يرسل إلى أبويّ الأخ المتوفى.
* ولكن مقاريوس وبموا وايسوذوروس وآباء آخرين يتكلم الروح القدس بواسطتهم، قرروا أنه يجب أن تُدفن القطع الذهبية مع صاحبها قائلين ليهلك ما لك معك.
* وينبغي ألا يفكر أحد في أن ذلك القرار كان قاسيًا، لأن خوفًا عظيمًا وقع على كل الذين في مصر. حتى أنها تعتبر جريمة الآن إن ترك أحد وراءه قطعة ذهب واحدة.
* قال الآبا مقاريوس إذا ما حسبت (أو تقبلت) التحقير كالإكرام، واللوم كالمذبح، والفقر الشراء؛ فإنك لا تموت أتى أخ إلى الآبا مقاريوس المصري وقال له يا أبي قل لي كلمة لأحيا. فقال له الآبا مقاريوس أذهب إلى المقابر واشتم الموتى فذهب وشتمهم ورجمهم بالحجارة ورجع فأخبر الشيخ بأنه قد فعل هكذا. فقال له الشيخ هل قالوا لك شيئًا؟ فأجابه الأخ لا. فقال له الشيخ أمض غدًا وأمجدهم وقال لهم يا رسل يا قديسون يا أبرار. فمض الأخ ومدحهم وعاد فقال للشيخ لقد مدحتهم. فقال له الشيخ وهل أجابوك بشيء؟ فقال لا فقال له الشيخ ها أنت ترى أنك مدحتهم فلم يقولوا لك شيئا، وإنك شتمتهم فلم يردوا لك جوابًا فلتكن أنت هكذا أيضًا. إذا رغبت في أن تحيا. كن ميتًا، حتى أنك لا تهتم بشتيمة الناس ولا بمدحهم، لأن الميت لا يهتم بشيء،. بهذا الطريقة تستطيع أن تحيا.
ملاحظة: العبارة الأخيرة وردت في هكذا في بستان الرهبان (إن كنت حقًا مت مع المسيح ودفنت معه، فأصنع هكذا مثل أولئك الأموات. لأن الميت لا يحس بكرامة ولا بإهانة، وبذلك تستطيع أن تخلص فانتفع الأخ بذلك.
* قال أحد الحكماء مضيت دفعة إلى الآبا مقاريوس بالنهار ظهرًا وقد عطشت لدرجة كبيرة جدًا كبيرة جدًا فطلبت منه قليل ما لكي أشرب، فقال لي يكفيك هذا الظل الذي أنت واقف فيه. لأن كثيرين يسلكون الآن في المسالك والوهاد في العراء لا يجدون ظلًا مثل هذا. فسألته بعد ذلك أن يقول لي كلمة عن النسك فقال لي قَّو قلبك يا ابني فإني أقمت عشرين سنة لم أشبع من خبز ولا من ماء ولا من نوم. وكنت أكل خبزي بقانون. أما من جهة النوم، فإني كنت استند إلى الحائط واختطف يسيرًا منه.
* قال القديس مقاريوس لا تُنعموا أجسادكم في هذا الزمان أليسير بالطعام والشراب والنوم، لئلا تعدموا الخيرات الدائمة التي لا يوصف. فمن ذا الذي تكلل قط بدون جهاد؟! ومن اغتنى بدون عمل؟!
* وقال أيضًا لا تكملوا شهوة الجسد لئلا تُحرموا من خيرات الروح، فإن الرسول يقول إن اهتمام الجسد هو موت واهتمام الروح هو حياة.
* وقال كذلك إن أول العصيان كان من آدم أبينا في الفردوس بسبب شهوة الطعام وأول الجهاد هو سيد المسيح كان في البرية في الصيام. وتعلمنا التجربة أن الراحة والطعام هما أسباب الطغيان، والصوم من سبب الغلبة والنصرة فصوموا مع المخلص لتتمجدوا معه وتغلبوا الشيطان. والصوم بدون صلاة واتضاع يشبه نسرًا مكسوًا الجناحين.
* قيل عن الآبا مقاريوس إنه جعل لنفسه قانونًا، وهو أنه إذ قدَّم له الإخوة نبيذًا كان لا يمتنع عن شربه. لكنه عوضًا عن كل قدح نبذ بشربه كان يصوم عن شرب الماء يومًا كاملًا. أما الإخوة فلكي ما ينيحوه كانوا يعطونه، وهو لا يمتنع بدوره إمعانًا في تعذيب ذاته. فلما رأى تلميذه هذه قال للإخوة أتوسل إليكم من أجل الرب ألا تعطوه نبيذًا ليشرب، لأنه إن شرب يذهب إلى قلايته ويعذب بسبب هذا. فلما علم الإخوة بالأمر لم يعودا يعطونه نبيذًا مرة أخرى ليشرب.
* قال بعض الآباء للآبا مقاريوس المصري سواء لديك إن أنت أكلت أو صمت، لأن جسدك قد حفَّ فقال لهم الشيخ إن قطعة الخشب التي اشتغلت وأفنتها النار، هي قد احترقت بالكلية وهكذا أيضًا قلب الإنسان إذ ما تطهر بخوف الله، فإنه يفنى الشهوات من الجسد ويجفف عظامه.
_____
(*) المراجع:
1- دراسات آبائية ولاهوتية السنة الأولى: العدد الثاني يوليو 1998 م. مركز دراسات الآباء بالقاهرة.
2- سيرة الثلاث مقارات للقديسين دير السريان.
3- مؤتمر الأسرة السادس مار جرجس القللي.
4- سيرة القديس أبو مقار دير أبو مقار.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/patrology/macarius.html
تقصير الرابط:
tak.la/93j8c5k