محتويات
* هو "تيطس فلافيوس كليمنضس"، ولد حوالي عام 150 م. ومكان ولادته مجهول لدى العلماء ولكن أبيفانيوس أسقف قبرص المؤرخ المشهور، يضع احتمال ميلاده في الإسكندرية ولكن المقطوع به أنه جال في بلاد كثيرة طلبًا للعلم بدءًا من اليونان ومرورًا بسوريا وفلسطين. وكان التجوال سمة الشباب في ذلك العصر المحب للمعرفة، يطلبونها أينما كانت، ويستقرون حيث تستقر نفوسهم عليها. وقد استقر كلمنضس في الإسكندرية عام 180 م. بعد تجوال طويل حيث صار تلميذًا للمعلم المصري المسيحي المشهور "بانتينوس" كما قال كلمنضس نفسه:
(حينما أتيت إلى ذلك الأخير وهو الأول في القدرة، اقتفيت أثره هناك، واختبأت في مصر حيث وجدت ضالتي. فهو كنحلة سيسيليا حقًا، يجمع رحيق الأزهار من مروج الرسل والأنبياء، ليحولها في نفوس سامعيه إلى مبادئ المعرفة الخالدة).
* ومن الظاهر في كتاباته أنه مر على ستة معلمين قبل أن يستقر على بانتينوس، حيث كانت لمحاضراته جاذبية خاصة على نفسه، وهكذا صار تلميذًا مرافقًا ومساعدًا لبانتينوس وكان ذلك عام 190 م. على الأرجح أو عام 200 م.، ثم بدأ يعلم فعلًا في أروقة المدرسة اللاهوتية عام 202 م. وفيما بين عاميّ 180 م. وهو تاريخ تجديده و202 م. كتب مؤلفاته المعروفة.
* وحينما شب اضطهاد الإمبراطور ساويرس انتقل من الإسكندرية ولم يعد إليها ثانية. وفي عام 211 م. نقرأ اسمه في رسالة بعث بها ألكسندر أسقف أورشليم من سجنه إلى أنطاكية وهذا يقطع أن كلمنضس كان لازال حيًا حتى هذا التاريخ. ومن الرسالة نفهم أن هذا الشيخ المبارك " كما لقبه أسقف أورشليم كان يؤدى عملًا نافعًا في كنيسة قيصرية الكبادوك بينما كان أسقفها ألكسندر نفسه في السجن.
* وفي رسالة أخرى كتبها نفس هذا الأسقف عام 217 م. إلى أوريجانس (تلميذ كلمنضس) يتكلم الأسقف عن كلمنضس باعتباره قد انتقل فعلًا من هذا العالم. إذن يكون كلمنضس قد انتقل قبل عام 215 م.
* كيف خاطب كلمنضس العالم الوثني في عصره.
* كيف واجه معلم مدرسة الإسكندرية اللاهوتية الفلسفة والثقافة في عصره، وهو يربح المجتمع الوثني للمسيح.
* المعرفة والإيمان لا يتضادان..
* المسيح هو نهاية وتحقيق كل فلسفة ونبوة...
* المسيحي في العالم وكيف يسلك السلوك الذي يمجد الله..
* المسيحي الناضج... ودور المرشد الروحي في نموه...
* غاية الخلاص والإيمان...
* كلمنضس كان رائدًا شجاعًا لمدرسة أرادت أن تحمى الإيمان وتعمقه، باستعمال الفلسفة كأداة مجرد أداة لمخاطبة الجيل. ذلك لأن الخطر العظيم يكمن في صبغ المسيحية بعناصر الفلسفة اليونانية (كما فعل الغنوسيون) وكان هذا هو رأى كثير من معاصريه أيضًا مع بعض الاختلاف المميز.
* امتياز كلمنضس أنه بالرغم من تمسكه "بتعليم الشيوخ" إلا أنه لم يقف موقف السلبية في اتجاهاته ضد فلسفة عصره، بل أشهر في وجهها فلسفة حقيقية مسيحية فيها وضع كنوز الحق الموجودة في مختلف المناهج الفلسفية لتخدم الإيمان، فبينما الغنوسيون الهراطقة كانوا يعلمون بأن الإيمان والمعرفة لا يمكن أن يتصاحبا لأنهما متضادان بعضهما مع البعض، سعى كلمنضس أن يثبت أنهما رفيقان الواحد مع الآخر وأن تناغم الإيمان والمعرفة ينتجان "المسيحي الكامل" و"الغنوسي الحقيقي الكامل".
* إن بداية الفلسفة وأساسها هو "الإيمان". هذه الحقيقة ذات أهمية قصوى لمن يريد أن يتفهم إيمانه بالعقل: (الإيمان يفوق المعرفة لأنه مقياسها).
* لقد كان خوف البعض من أن تتسرب الأفكار الفلسفية اليونانية القديمة إلى المسيحية، ولكن شكرًا لله أن الإيمان القديم قد حفظ، واللاهوت الأرثوذكسي قد انتصر في النهاية على الفكر الوثني، عبر صراع طويل وجهاد مرير، دفع الثمن فيه غالبًا بعض اللاهوتيين الأوائل (أمثال أوريجانس) الذين زلوا وهم يصارعون الفكر الوثني في عرينه، لكن اليقظة الإلهية حفظت الإيمان وربحت العالم الوثني للحق بآن واحد.
* لقد ترك لنا كلمنضس ثلاث مؤلفات رئيسية هامة، تعتبر وكأنها كتاب واحد ذو ثلاثة أقسام، تمثل تدرج تقديم المسيحية أولًا لغير المؤمنين المبتدئين ثم للناضجين:
الكتاب الأول: "خطاب إلى اليونانيين (الوثنيين)".
الكتاب الثاني: "المربى" الذي يعلم الإنسان المؤمن الذي قبل المسيح.
الكتاب الثالث: "الستروماتا". ويصفه كلمنضس بأنه نسيج من التفاسير الرصينة بحسب الفلسفة الحقيقية، ويهدف إلى تقديم حقائق الإيمان المسيحي الموحى بها في صورة علمية ولكنه يعرض للاختبارات المسيحية الفائقة كالبتولية والكمال المسيحي والاستشهاد والغنوسية المسيحية الحقيقية.
إذن فنحن أمام منهج واحد متدرج في ثلاثة كتب:
* لقد كان كلمينضس يعتبر نفسه خادمًا، واعتبر رسالته في الحياة أن يقود الناس للمسيح وهى رسالة مارسها بطريقة خاصة. فهو لم يكن معلمًا شعبيًا وسط الكنيسة، ولم يعتبر نفسه عالمًا بالرغم من معرفته المتسعة بل كان رجل الحوار والخبرة، وراعيًا متمرسًا في خدمة النفوس.
* كلمنضس في خطابه للوثنيين، يوجه نداءه إلى رفقائه الفلاسفة، ليكملوا نظراتهم للعالم، بأن يقبلوا المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فما استوعبوه من معرفة بأسرار الطبيعة بمحض عقولهم يسميه كلمنضس "مجرد شرارة صغيرة يمكن أن تضطرم لتصير شعلة" هذه الشرارة هي آثار "الحكمة" التي وضعها الله في الإنسان.
* فالإله "زيوس" حسب أديانهم هو "صورة الصورة"، أما الإيمان المسيحي فيبشرهم أن الصورة الحقيقية لله هي "الكلمة"، إذن فصورة الصورة ليست هي التماثيل الحجرية التي تدعو الأديان لعبادتها، بل هو الإنسان نفسه في عقله الإنساني.
* لقد صور كلمنضس بتعبيرات براقة، سمو العقل والخلق في الطريق المسيحي على كل ما عداه حتى على ما استطاع أفخر علمائهم أن يكتشفوه (إن ما خمنه زعيم الفلاسفة فهمه تلاميذ المسيح وأعلنوه).
* لذلك دعاهم كلمنضس أن يقارنوا مثلًا بين الكتاب المقدس وهوميروس:
* (الفلسفة عظة طويلة عن الحياة، سعى وراء الحكمة الأزلية، بينما وصية الرب "مضيئة تنير العينين عن بعد". إذن فاقبل المسيح، اقبل النور، حتى تعرف الله والإنسان بالحق".
* المسيح هو "نهاية كل فلسفة ونبوة"
* أي أن "الكلمة" بدخوله التاريخ (بالتجسد)، قد حقق كل ما كانت تصبو إليه وتبحث عنه الفلسفات والأديان المختلفة. وقد سلم الآباء القدامى بأن الإعلانات التي سبقت مجيء المسيح كانت بإلهام من الله.
* وقد عقد كلمنضس المقارنات العديدة وهو يستعرض هذه الحقيقة أنه: (كان هناك إعداد للإنجيل وسط العالم الوثني).
* لكن كلمنضس لا يغفل بل ويعترف بقيمة الحكمات الأخرى خارج اليهود أما الحكمة الحقيقية فقد جاء المسيح ليسترجعها.
* وأخيرًا، يأتي "كلمة الله"، ليعلن نفسه من جديد للعالم، يعلن نفسه في الشكل الذي يتوافق مع كل حضارة وثقافة. لذلك فإن كان على المسيحية أن تنتشر في العالم اليوناني، فلابد أن تنزع عنها شكلها ومظهرها السامي (اليهودي)، وتلبس الشكل الهلليني أي تتكلم بلغة أفلاطون وهوميروس، أي باللغة المعاصرة التي يفهمها مثقفو العصر والمستنيرون فيه.
* ويعتبر العلماء أن كلمنضس هو أول لاهوتي مسيحي يثبت وجود الله وقدرته من خلال العقل.
* كيف يعيش المسيحي حياته اليومية في وسط عالم وثني؟
* فإذا أمعنّا النظر في رؤية كلمنضس، نجده يهاجم أول ما يهاجم البذخ الذي كان يعيش فيه المواطن الوثني.
* المثل الأعلى للمسيحي هو البساطة، والسجية، أما عن الطعام فهو يهاجم "فنون الطهي الشيطانية" التي يحاول بها الإنسان أن يلذذ مذاقه فحسب، ولو على حساب صحته. أما المسكر فيستنكره كلمنضس، وهو يعقد فصلًا طويلًا في هذا الموضوع معطيًا الأمثلة من قصص الفلاسفة وأسفار العهد القديم.
* أما أواني الطعام والشراب فهو لا يستسيغ أن تكون من الذهب والفضة أو مطعمة بالجواهر، فهذا باطل وغير لائق.
* ثم يقدم كلمنضس توجيهاته الإيجابية في السلوك الصالح.
* (فليتميز المسيحي بالهدوء والسكون والسلام)
* أما استخدام العطور والأكاليل، ففي الفصل الثامن يحرمهما، ناصحًا أن توضع الزهور على المآدب لا على الرؤوس.
* والحمامات والمسارح العامة والرياضة كانت جزءًا أساسيًا من العالم الوثني في ذلك الوقت وكانت مسرحًا للإباحية والتسيب الخلقي. وهنا يتخذ الكاتب المسيحي إزاءها موقفًا صارمًا. وبالرغم من أن تليانس يقرر أن المسيحيين يكثرون من التردد على الحمامات، إلا أن كلمنضس يبدى توجيهًا في ذلك، فهو يحذر من أخطارها بالرغم من أنها في حد ذاتها ليست عيبًا. فقد كانت الحمامات العامة قديمًا مكانًا للاسترخاء والكسل وشرب المسكر وغير ذلك.
* أما نظرته للرياضة فهي ذات أهمية. فالرياضة البدنية ضرورية للشباب. والرياضة ليست فقط نافعة للصحة، لكنها أيضًا تنشط الحماس والمنافسة من أجل الصحة الطبيعية والخلقية على حد سواء. لكن الفتيات ليس لهن أن يمارسن المصارعة ورياضة العدو أما رياضات الرجال فهي (دون أن تكون مجالًا للمنافسة وحب التغلب) المصارعة وألعاب الكرة في الهواء الطلق والمشي والسباحة وقطع الأشجار وصيد السمك (كمثل بطرس). ولكن أفضل أنواع الصيد هو الذي علمه يسوع لتلاميذه أي صيد الناس!!
* على أن كلمنضس كان يسعى إلى توضيح أن المسيحية يجب ألا تؤخذ على أنها مجرد وصايا ومطاليب خارجية لابد من تتميمها بحسب حرف الناموس. بل هي ديانة كيان الإنسان كله. والأخلاق المسيحية تنبع من النية. والقديس بولس نفسه ينبهنا إلى أن "ملكوت الله ليس أكلًا وشربًا" (رو17:14) بل هو "بر وسلام وفرح في الروح القدس". فقد يكون الإنسان غنيًا أو فقيرًا وفي نفس الوقت يستعمل هذا العالم وكأنه لا يستعمله (1كو31:7).
* ثم ننتقل إلى كتابه الثالث حيث يقرر كلمنضس في بدايته وفي أماكن متعددة منه، أن المسيحية لا يمكن أن تعلم أو أن توصل بالكتابة، أو تصير في متناول كل إنسان مرة واحدة.
* يحث كلمنضس كل إنسان أن يختار لنفسه المرشد الروحي والصديق الذي يلقنه الحق بوضوح، والذي لا يخشى من أن يكون صارمًا إن استدعت الحاجة كواسطة للمساعدة وشفاء النفس من أمراضها.
* ويعلن الحق للمبتدئين. ويقدم لهم بتدرج حياة الصلاة المسيحية الجديدة، والرؤيا والمحبة، ويحول المؤمن البسيط إلى عارف بالرب وغيور وفاهم.
ويمضى كلمنضس في تتبعه لنمو الإنسان المسيحي في الروح:
* هنا يؤكد كلمنضس على الحياة الداخلية للمؤمن وصلاته القلبية، (ذلك الاختبار الذي صار تراثًا للروحانية القبطية ومارسه فيما بعد القديس مقاريوس وعلمه لتلاميذه في برية الإسقيط).
1 (ماذا تقول عن محبة الزينة، والأصباغ، والألوان البراقة الباطلة، والإسراف في لبس المجوهرات ومشغولات الذهب، ولف الشعر وتمويجُه، ووضع الكحل في العيون وقلع الحواجب، ذلك تكلف خادع).
2 فيقول كلمنضس عن المسيحي الذي بدا يدخل سيرة الكمال.
أ- (قد تجده مسافرًا أو مختلطًا مع الناس يقرأ أو ينهمك في عمله، لكن حياته كلها بالأساس هي صلاة دائمة لا تكف، محادثة مستمرة مع الله... حياة المسيحي عيد دائم!
ب- صراخه وجهاده نحو الله، حتى وإن لم يعبر عنهما دائمًا بكلمات، دائمًا يسمعهما الله
ج- العارف الحقيقي لا يعود يعيش من أجل نفسه. وإذا كان في حال الكمال المبارك، فإنه بمحبته لله يحيا الحب الإلهي فيه، ويصير صورة المسيح الحية الفعالة، فينزل بفرح إلى رفقائه البشر الذين هم مثله تمامًا، يدعوهم كلهم إلى العلى، ومن خلاله يدخلون ملكوت معرفة الله).
3 الله أرسل منذ البدء الملائكة ليوصلوا إلى كل جنس بتوسط رجل ملهم نوعًا من الحكمة. لكن الحكمة الأولى تآكلت، وتاريخ الفلسفة ما عاد يؤول إلى تقدم بل إلى فناء. ومنذ البداية ونحن نجد الحقائق في وضعها الأصيل النقي، كما وهبها الله، مثل حكمة العبرانيين.
_____
(*) المرجع:
إكليمندس الإسكندري - القمص تادرس يعقوب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/patrology/klamondos.html
تقصير الرابط:
tak.la/skksg37