St-Takla.org  >   books  >   fr-athnasius-fahmy  >   patrology
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مدخل في علم الآبائيات: الباترولوجي - القمص أثناسيوس فهمي جورج

102- القديس يوحنا ذهبي الفم: سيرة - تعاليم - أقوال

محتويات

أولًا: نشأته:

* وُلد عام 344 م. في أنطاكية، وهى العاصمة الكبرى آنذاك

*ربته أمه "انثوسا" لأن والده الذي كان قائدًا في الجيش مات مبكرًا.

* وحينما أنهى يوحنا دراسته الابتدائية، أرادت أمه أن يتابع دروسه العليا على يد أشهر أستاذ وهو المعلم ليبانوس.

* نبغ يوحنا وانتزع إعجاب أستاذه وزملائه حتى أن ليبانوس كتب له يقرظه على فصاحته وبلاغته وصفاء فكره، بل وفكر أن يخلفه يوحنا في إدارة مدرسته الفلسفية، لولا أن يوحنا أدار ظهره فيما بعد لأستاذه الوثني، بعد أن تعمد وانضم لكنيسة الله في سن الثامنة عشرة. وقيل إن ليبانوس سئل مرة عمن سيخلفه في إدارة مدرسته فأجاب: "يوحنا لو لم يسرقه منى المسيحيون".

* تعمد يوحنا وهو في الثامنة عشرة من عمره، ولم تمض سنوات ثلاث على عماده (وكان قد أنهى دراسته العامة)، إلا وكان قد رسم أغنسطسًا أي قارئًا إنجيليًا في الكنيسة ولعل هذه الرسامة كانت بداية لشوط خدمته الدينية الكبرى، لكنها كانت مجرد بداية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثانيًا: الاتجاهات التي أثرت عليه:

* اتجاهان اثنان أثرا وشكلا شخصية القديس يوحنا ذهبي الفم: الرهبنة، التي كانت قد ضربت بجذور عميقًا في سوريا، والمدرسة اللاهوتية العظيمة لدراسة الكتاب المقدس في أنطاكية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثالثًا: الرهبنة في حياة القديس يوحنا ذهبي الفم:

* لقد اعتزل يوحنا في ضواحي أنطاكية ليعيش كراهب، وكرس حياته للرياضات الروحية والعمل اللاهوتي الجاد.

* يقول القديس يوحنا ذهبي الفم شارحًا أصل فكرة رهبنته: "قرأت الإنجيل وأدركت أن أسلم الطرق لبلوغ الكمال هو أن يبيع الإنسان كل ما له ويوزعه على أخوته المحتاجين وينعتق من كل الاهتمامات العالمية فتنجو النفس من الاضطراب الناشئ عن التعلق بالأشياء الحاضرة".

* حال دخوله الرهبنة، كرس يوحنا نفسه لمبادئ الرهبنة بإخلاص وحماس. لقد كانت الوصية الإنجيلية في نظره هي مصارعة الشهوات الأرضية السفلى، وضبط النفس بالمحبة اللاأنانية الموجهة نحو الله، والاستجابة بأمانة لممارسات النسك من صوم ومكابدة زمهرير الشتاء، والصلاة، والتقشف الذي ترك إيذاء صارخًا في صحته طوال حياته. ومن المعروف أنه قضى كل حياته، حتى وهو بطريرك القسطنطينية، في عيشة نسك الرهبنة هذه لم يتزحزح عنها قيد أنمله.

* قد وضع القديس يوحنا دراسة بعنوان: "مقابلة حياة الملك بحياة الراهب" أوضح فيها أن مجد الراهب أكبر بما لا يقاس من مجد الإمبراطور.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

رابعًا: ذهبي الفم كاهن

* سنة 380/381 سامه الأسقف شماسًا إنجيليًا، قبل أن يغادر البلاد إلى القسطنطينية لحضور المجمع المسكوني الثاني. ونعلم أن هذا الأسقف توفى أثناء انعقاد المجمع.

* وفي سنة 386 سامه الأسقف فلافيانوس بطريرك أنطاكية، خليفة ميليتيوس، على درجة القسوسية، فانفتح أمامه مجال جديد للعمل في الكرازة بالإنجيل.

St-Takla.org Image: Icon of the Three Holy Hierarchs - Sts. Basil the Great, John Chrysostom and Gregory the Theologian (left to right) صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة تصور الآباء العظام: (من اليسار إلى اليمين) القديس باسيليوس الكبير - القديس يوحنا ذهبي الفم - القديس غريغوريوس اللاهوتي

St-Takla.org Image: Icon of the Three Holy Hierarchs - Sts. Basil the Great, John Chrysostom and Gregory the Theologian (left to right)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة تصور الآباء الأقمار العظام الثلاثة: (من اليسار إلى اليمين) القديس باسيليوس الكبير - القديس يوحنا ذهبي الفم - القديس غريغوريوس اللاهوتي

* وقيل إنه بسبب الممارسات النسكية المفرطة التي كان يمارسها إبان فترة اعتكافه في مغارة الجبل، كان قد قارب على الانهيار الصحي حيث صار موشكًا على الموت.

* وهنا نراه ككاهن ينظم أعمال الخير ويحث المؤمنين على إتيانها والمشاركة فيها.

* وحدث عام 387 م.، فقد كان ذهبي الفم مرة يلقى سلسلة من المواعظ حول "التمثيل" وحدث أنه في هذه الفترة، وبسبب ازدياد الضرائب أن قام الناس بشغب مفاجئ شوهوا فيه تمثال الإمبراطور، وصار ينتظرهم عقاب مريع. وفعلًا تم تنفيذ حكم الإعدام في بعض الناس، وشلت المدينة من الخوف وصارت مثل (قلعة مهجورة) وخرج ذهبي الفم يزور السجون، وذهب بنفسه إلى قائد الشرطة: وحاول جهده أن يعزى الناس ويهيئهم لأي احتمال.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خامسًا: ذهبي الفم بطريركًا للمدينة العظمى "القسطنطينية"

* أصبح قس أنطاكية الأعزل هو الأسقف المتقدم في الشرق، أي بطريرك القسطنطينية، المدبر الروحي للقسطنطينية، والواعظ الذي كان من بين أهم واجباته أن يعظ أمام الإمبراطور والعائلة المالكة.

* وغنى عن القول، أن ذهبي الفم نفسه لم يكن راغبًا في حدوث مثل هذا التحول في الأحداث، لكنه ما دام قد اختير، فلم يتردد لحظة واحدة في أن يأخذ المهام الجديدة الموكولة إليه.

* لقد كان في القسطنطينية فقراء ومرضى كثيرون. فمن أجلهم بدأ ذهبي الفم يدبر الأموال.

* أما ما استطاع أن يدبره من أموال بحسب تدبيره، فقد استخدمه في بناء المستشفيات لمعالجة المرضى، ومنازل الغرباء، ووضع على رأس كل منها كاهنين لائقين.

* وسرعان ما انتشرت شعلة هذه الخدمة المسيحية بين صفوف الشعب، فبدأت محبة القريب تنشر دفء أشعتها بين أفراد الشعب بعضهم البعض وبينهم وبين راعيهم المحبوب.

* وأخيرًا، فقد انشغل ذهبي الفم بعمله المعتاد، أي الدراسة والصلاة، لدرجة أن المساء كان يحل وقد نسى نفسه فلم يتناول طعام غذائه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موقف البلاط الملكي:

* في البداية قوبل ذهبي الفم بالعطف الشديد وبحسن النية. فإن أركاديوس الملك الذي كان معتبرًا ملكًا تقيًا بدرجة فائقة، استقبل البطريرك الجديد ذا شهرة القداسة ذائعة الصيت بحرارة وفرح شديدين، لكنه للأسف كان فاقد التأثير على قرارات مستشاريه وحكومته.

* وكان أمرًا بالغ الأهمية أن يعقد الأسقف الجديد أواصر الصداقة مع الإمبراطورة ذات النفوذ القوى "إفدوكسيا"، وهكذا رحبت الإمبراطورة بالأسقف الجديد متوسمة فيه الكثير من الصفات وعاقدة عليه الكثير من الآمال.

* وفي أحد الاحتفالات الدينية المبكرة التي نظمها القديس ذهبي الفم، وكان الاحتفال بمناسبة استلام رفات القديس فوكا أسقف سينوبي (في بنطس)، تلطفت الإمبراطورة وحملت رفات القديس واخترقت به شوارع المدينة في موكب احتفالي أقيم في المساء. وفي العظة التي أعقبت الاحتفال لم يفت على الأسقف أن يلفت الأنظار إلى هذا الفعل التقوى العظيم الذي أتته الإمبراطورة.

* وحينما دعت الحاجة، كان في إمكان ذهبي الفم أن يوفى دواعي الخطابة حقها داخل القصر، فلم يكن يألو جهدًا في أن يمدح التقوى ومحبة المسيح اللتين يظهرهما أهل البيت الإمبراطوري. وهكذا كان واضحًا أن مركز ذهبي الفم في القصر الإمبراطوري لا بأس به.

 

بداية السحب:

* ثم قامت ضد يوحنا ذهبي الفم بعض المشاعر المضادة من النساء الغانيات، وبدت في الأفق سحب العداوة مع إفدوكسيا الملكة. فإن بعض مروجي الإشاعات المغرضين لم تعوزهم الحيلة ليعوجوا تفسير بعض ما ورد في عظات ذهبي الفم ويؤولوها إلى الشر فقد أشاعوا عنه أنه جلب أذى على نفسه باهتمامه بأرملة كانت الملكة إفدوكسيا قد صادرت أموالها خطأ، وأنه سبب هذه العلاقة فمن الممكن أن يكون قد شبه إفدوكسيا بالملكة إيزابل الواردة قصتها في الكتاب المقدس (سفر الملول الأول إصحاح 21). وقد أدت هذه الشائعات إلى كارثة وعلى الأخص حينما تحالف أعداؤه من رؤساء الكهنة مع أعدائه داخل القصر.

 

ذهبي الفم في موضع الاتهام بسبب الأخوة طوال القامة:

* ثم التجأ إلى القديس ذهبي الفم رهبان من أديرة مصر يقودهم من كانوا يسمون "الأخوة طوال القامة". هؤلاء اتهمهم أسقفهم البابا ثيئوفيلس الإسكندري (البابا الثالث والعشرون في عداد بطاركة الإسكندرية) بأنهم هراطقة لأنهم يدرسون كتابات أوريجانس، وكانت الخلافات حول صحة كتابات هذا العلامة الإسكندري مازالت متأججة في الإسكندرية في ذلك الوقت، ونفاهم من مصر، فلجأوا إلى القديس ذهبي الفم يطلبون الغوث.

* لكن القديس ذهبي الفم لم يكن ساهيًا عن أخطار الموقف، فبدأ يهدئ من غضبهم تارة ويهدئ من غضب أسقفهم البابا الإسكندري تارة أخرى، وكتب له رسالة تجيش بالأدب ورقة الألفاظ محاولًا قدر جهده أن يضيق شقة الخلافة. وحتى لا تثور حوله الشبهات لم يعطهم سكنًا في منزل الغرباء التابع للكنيسة، بل خارجًا وبعيدًا عنه حتى يفوت الفرصة على من ينتقدونه بأنه آوى في الكنيسة أناسًا مطرودين من قبل أسقفهم

* لكن توسلاته كلها رفضت، فأعلن لهؤلاء الرهبان عجزه عن حل مشكلتهم، الأمر الذي دفع بهؤلاء الرهبان إلى الاتصال بالحكومة الإمبراطورية التي قبلتهم وقبلت شكواهم وأمرت بعقد مجمع لتسوية المسألة، يكون فيها القديس ذهبي الفم قاضيًا.

* ولما انعقد المجمع واستدعى البابا ثاؤفيلس، حدث ما حدث من مهاترات واتهامات للقديس ذهبي الفم، بحيث سرعان ما انقلبت ساحة المحكمة، ليصير القاضي (ذهبي الفم) متهمًا، والمدعى عليه (البابا ثاؤفيلس) قاضيًا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سادسًا: مجمع البلوطة يحرم القديس ذهبي الفم:

* وفي سبتمبر عام 403 م. عقد البابا ثاؤفيلس مجمعًا يضم الأساقفة الذين يؤيدونه، عقده في مقر خارج أبواب مدينة القسطنطينية في دير عند شجرة سنديانة، دعا بطريرك القسطنطينية ليمثل أمامهم.

* ولم يحتج القديس ذهبي الفم وإن كان قد رفض المثول وترك الأمور تجرى في مجراها. وفي تواضع مذهل وبراءة ضمير أبدى استعداده للمثول أمام المجمع بشرط أن ينحى أعداؤه من المجمع الذين يضمرون له حكمًا مسبقًا دون انتظار دفاعه. وقرئت الادعاءات في غياب القديس ذهبي الفم، واتخذ بسرعة قرار الحكم في أقل مدة ممكنة، وبأكثر عدد من الاتهامات الملفقة من أساسها.

* وصدق الإمبراطور الساذج على الحكم. ومع سخط الشعب وغضبه، كان يمكن لهم أن يقاوموا لو كان ذهبي الفم أراد ذلك. ولكنه بهدوء سلم نفسه للجنود واستسلم لنقلهم إياه من المدينة في ظلام الليل الدامس. إن صفات الوداعة والتسليم لمشيئة الله لا يمكن أن يعرفا إلا من خلال قديس مثل ذهبي الفم.

 

تراجع ثم استمرار:

* لكن تنفيذ الحكم توقف فجأة، لأن إفدوكسيا التي كانت تمسك بخيوط الموقف كله من وراء الكواليس خلال كل هذه المراحل، أصابتها حالة إجهاض مفاجئ كادت أن تموت بسببها، وفي فزعها أتاها اعتقاد بان ذلك هو حكم السماء، فأصدرت أوامرها بإعادة ذهبي الفم على الفور ولكن دون صدور قرار بإبطال الحكم.

* ولكن لم تمر أسابيع قليلة أخرى إلا وبلغ التوتر مرة أخرى إلى حد ينذر بالخطر وبدأت كارثة أخرى تلوح في الأفق.

* ففي أثناء الاحتفال بتدشين تمثال على شرف الإمبراطورة، علت أصوات تهليل الجماهير المحتشدة في الخارج، وأفسدت خدمة القداس الإلهي داخل الكنيسة الإمبراطورية القريبة من مكان الاحتفال حيث كان ذهبي الفم يقوم بالخدمة الليتورجية

* وأتت تعليقات ذهبي الفم اللاذعة على هذه الضوضاء عفوًا، فبلغت إلى مسامع الإمبراطورة إفدوكسيا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ثم بعد ذلك، وفي الاحتفال بعيد يوحنا المعمدان، بدأ القديس ذهبي الفم عظته بذكر قصة هيروديا التي طلبت رأس يوحنا المعمدان "مرة ثانية" حسب تعبير ذهبي الفم. وسواء قيلت هذه الكلمة بنية صافية أو بقصد آخر، فإن بلوغها إلى مسامع الإمبراطور مع تفسيرات جاهزة لها، بدت على أنها غمز ولمز على الإمبراطورة، وعلى حقيقة مشاعر ذهبي الفم تجاهها، بينما الجروح القديمة لم تندمل.

* ومرت الأحداث بسرعة، وما أكثرها من أحداث، وأجبر الإمبراطور مرة أخرى على تنفيذ القرار بنفي الأسقف ذهبي الفم.

 

الرحيل:

* ودعا ذهبي الفم كهنته والأساقفة شركاءه، لصلاة وداعية، حث الشماسان والخادمات الأمينات ألا تفتر غيرتهن الروحية، واتخذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث أي ارتباك في العمل أثناء غيابه. وللمرة الثانية مضى هادئًا إلى منفاه ومحل أسره محاطًا بحراسة عسكرية

* وكان ذهبي الفم مجبرًا في النهاية على أن ينهزم بسبب وداعته وعدم مقاومته، بالرغم من أن القدر بدا مرتين وكأنه يعطيه الفرصة للانتصار، ولكن كان عليه أن يكمل الطريق الذي سمح به الله له لخلاصه، لا كرئيس على الكنيسة، بل كشهيد الرتبة الكهنوتية والإيمان.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سابعًا: نياحته:

* لقد ظن الإمبراطور أنه بنفي القديس ذهبي الفم يكون قد أنهى على الموقف اليائس المتردي، ولكن دون أن يؤذى لا ذهبي الفم ولا أيًا من اتباعه. لكن أعداء ذهبي الفم لم يروا في هذه الخطوة نهاية المشكلة.

* وبعد رحيله مباشرة اشتعلت النيران في كاتدرائيته لأسباب لم يوضحها أحد، لكن التهمة ألصقت طبعًا بأتباعه. أما أتباعه فقد رفضوا التعامل مع الأسقف الجديد الذي عينه الإمبراطور بدلًا من ذهبي الفم واسمه أرساكيوس، ولهذا السبب اُضطهدوا بمنتهى القسوة.

* كان ذهبي الفم يحس بالضعف الشديد ومنها نعرف أنه عانى كثيرًا من سوء المعاملة وقلة النوم والبرد ونقص الأدوية.

* وحينما بلغ مكان نفيه، في كوكوز (أو كوكوسوس) في جبل طوروس في شمال أرمينيا، وهو غير المؤهل للسُكنى أو المأوى بطبيعته بدأ حاله يتحسن قليلًا.

* لقد أهتم القديس ذهبي الفم وهو في النفي بكل شيء فكان يعطى النصيحة ويبعث بالتحذيرات.

* وقيل إن الشرق كان يتلقَّى إرشاده من كوكور القرية الجبلية في أرمينيا. ونصائحه كان يلتمسها الجميع من شتى الجهات، ولم يكن إجراء كنسي هام يُتخذ بدون استشارته أولًا. وكما قال "حيوان" مؤرخ الإمبراطورية الرومانية "إن السنوات الثلاثة التي قضاها في كوكوز كانت أمجد أيام حياته".

* وهو في الأسر ابتدأ يولى عنايته إلى بلاد فارس القريبة، وبدأ يفكر مليًا في إمكان إرسال بعثه تبشيرية مسيحية قوية إلى هذه البلاد، وهذا الموضوع لم يلتفت إليه أي أب من آباء الكنيسة من قبل.

* وفي صيف عام 405، أجبر على ترك كوكوز التي كان يهددها البربر. وأتى إلى أرابيسوس، حيث تبعه جمهور عظيم من السائحين الذين أرادوا أن يروه ويزوروه ويتكلموا معه. وفي نهاية صيف عام 407 م. وردت التعليمات بنقله إلى أبعد ركن في الإمبراطورية. أي إلى بتيوس على البحر الأسود.

* وبحسب تقريره هو، لم يكن شيء يرهقه أكثر من السفر والترحال، وواضح أن الهدف كان قَتْله بجعله يُعيا من السير في المسالك الوعرة. وكانوا يرفضون إعطاءه أية فرصة للراحة. هذا الرجل الكهل المعتل صحيًا كان يتعرض لقيظ الشمس وبلل المطر؛ ولم يكن يُسمح له بأيَّة فرصة للراحة؛ كان يًساق للسير بلا أدنى شفقة.

* وحتى عندما أشرف على الموت، أُجبر على السير، وكانت الحمى تُلهب جسده وكانت المسافة إلى "كومان" حيث سيرحل 5 أميال. وهناك تلقاه أهل الكنيسة القابلون في العدد بمحبة شديدة لكنه كان لابد أن يرحل في صباح اليوم التالي مباشرة.

* وبعد 5 أميال من السير، أنهار تمامًا فأعيد إلى كومان، ملفوفًا في كفن أبيض وأعطى الأسرار المقدسة للمرة الأخيرة. ورشم ذاته بعلامة الصليب وهو ينطق بكلمة التسبيح التي ما كانت تفارق شفتيه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثامنًا: رد اعتباره:

1- في عام 438 م. أمر الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني بأن يوارى جثمانه في كنيسة الرسل بالقسطنطينية.

2- في عام 417 م. أعاد بطريرك القسطنطينية اتيكوس ذكر أسمه في لوحة تذكارات البطاركة القديسين.

3- في عام 419 م. أعاد البابا كيرلس الكبير في لوحة تذكارات البطاركة القديسين وصار يذكر حتى الآن في القداس الإلهي.

* أما الكرامة التي نالها ذهبي الفم بعد انتقاله كانت عظيمة جدًا وحتى اليوم يتمتع بمحبة وتكريم كل الطوائف المسيحية فالرجل الذي تمررت حياته من أعدائه أثناء حياته.... لا أعداء له الآن على الإطلاق.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

القسم الثاني: تعاليمه

* كمعلم وواعظ كرس كل جهوده تمامًا للخدمة العملية للكنيسة. كما تفانى في عمله الأدبي أي الكتابة التي تزايدت يومًا بعد يوم. كتب مقالة لتعزية المعتلين عقليًا وأخرى لأرملة شابة، وثالثة في تربية الأطفال، وأخرى ضد الزيجات الثانية.

* وفي سلسلة من المحاضرات الدفاعية قدم البراهين لليهود وللوثنين على السواء، على أن المسيح هو ابن الله. وبناء على طلب خاص وعظ ذهبي الفم حول المشاكل اللاهوتية التي يدور حولها النقاش، لكن القسم الأكبر من عظاته كان عبارة عن تفسيرات مبسطة عملية للنصوص الإنجيلية. وكان ذهبي الفم يقدم العظة على أسفار بأكملها. ثم كانت العظات بعد ذلك تراجع وتكتب وتدرج ضمن كتاب الميامر الخاص به.

السمات العامة لوعظ القديس يوحنا ذهبي الفم:

* كان ذهبي الفم الواعظ الذي لا يكل، الذي أفاد جيله والأجيال اللاحقة سواء بسواء:

(لا يمكن أن أدع يومًا يمر دون إشباعكم بكنوز الأسفار).

* لقد أطلق عليه لقب "ذهبي الفم" في القرن السادس الميلادي، لكن الإعجاب بوعظه فاح عبيره في زمانه وهو بعد حي، إذ لم يمضِ طويل زمن حتى أصبح هو أكثر الوعاظ شعبية في أنطاكية.

1 وقد كان جمهوره يتكون من كل الطبقات التي تعيش في أنطاكية. فمعظم مستمعيه كانوا من غير ذوى التعليم العالي. كان منهم العبيد والإماء المتهالكون، والصناع، والخدم هؤلاء كانوا يحيطون وقوفًا بالمنبر حيث كان يعظ، كل الذين تعبوا وكدوا خلال الأسبوع كل يوم وهم يعملون في مصالح الدولة والمباني والحمامات العامة أو في بيوتهم الخاصة. ولكن كان من بينهم أيضًا رجال المسارح والسيرك، والتجار الصغار وأصحاب الصناعات اليدوية الصغيرة والجنود والبحارة والكتاب والأساتذة والموظفون الرسميون، إلى جانب التجار الكبار الأغنياء، وملاك القصور والفيلات، ولا ننسى إخوته ورفاقه الروحيين، بل كان البطريرك نفسه يحضر أحيانًا هذه العظات والأساقفة الآتون من خارج البلاد ليزوروه، كل هؤلاء كانوا ضمن مستمعي عظات ذهبي الفم.

2 لقد قيل عن ذهبي الفم إنه ولد خطيبًا، وبنعمة الله صار كارزًا. لقد جلس القديسان باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي تحت أقدام أئمة الخطباء في عصرهما والتحقا بأعظم المدارس في أثينا، أما ذهبي الفم فقد فاق كليهما كخطيب المنبر والواعظ الشعبي، وهو لم ينتقل من مسقط رأسه ليدرس فن الخطابة في أي مكان.

* وقد كان كثيرون يدونون عظاته وهو يلقيها، حتى وهو يلقى العظات الارتجالية (أي غير المدونة مسبقًا في ورقة أمامه). وكانت عظاته تتسم بالغيرة والجدة والبساطة ما جعلها جذابة. وفي مظهره كان يبدو بسيطًا وأنيسًا. وصوته لم يكن جهورًا، بل كان ينم عن صحته العليلة. إن الوعظ كان ضرورة حيوية له. وعلى قدر ما كان الناس نهمين في الاستماع كان هو نهمًا في التعليم (الوعظ يجعلني في أتم صحة. حالما أفتح فمي يتبدد كل تعب).

3 كان ذهبي الفم يتكلم اليونانية الأتيكية صحيحًا وبنبرة جلية، وبالرغم من كونه خطيبًا متمرسًا لكنه كان يتكلم ببساطة إذ أراد أن يفهمه الكل.

4 وقد كان ذهبي الفم لا يخشى أن يوبخ مستمعيه إذا كانوا مستحقين للتوبيخ وكان يقول لهم:

* (هذه شرائع الله وليست شرائعنا، ونحن بها نكرز، ولا يمكننا أن نكرز بإحداها ونترك الأخرى بحسب هوانًا. نحن المراقبون الذين علينا أن نكشف اقتراب العدو. ولذلك فلابد لنا أن نعلن غضب الله المعلن على كل متعد لناموس الله وهو لا يريد أن يصنع توبة.

5 المشاكل العملية والسلوكية للمسيحيين كانت واضحة في تفسيرات ذهبي الفم وتطبيقاته للإنجيل. فقد كانت عظاته تحوى قدرًا كبيرًا من التعزية والتوجيه السلوكي الروحي لشعبه، لكنه في الوقت نفسه كان يعرف متى يشجعهم ويمدحهم ومتى يوبخهم.

6 وكان من بين موضاعاته المتعددة: شكواه المرة من شهوة الشعب الجارفة إلى المتعة ذلك الهوس القديم لمشاهدة السيرك والمسرح (الذي هو مدرسة الفساد العام) و(ساحة التدريب عل عدم العفة) و(مصدر الوباء والبلاء) كل هذه كانت بتقرير ذهبي الفم مازالت (متفشية في شعبنا).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

القسم الثالث: أقواله

1 بدون المحبة الكلام اللاهوتي لا يعدو أن يكون قبرًا.

2 محبة الغنى شهوة غير طبيعية في الإنسان.

3 الكنيسة ليست مكانًا لصياغة الذهب والفضة بل هي مكان اجتماع الملائكة.

4 أريد أن اطرد لا الهراطقة بل الهرطقة.

5 المسيح كان منتصرًا وهو مصلوب وليس وهو صالب.

6 جسد الرب هو مذبحك ومثل هذا المذبح يمكنك أن تراه أينما سرت سواء في الطريق أو الميادين العامة ويمكنك أن تقدم ذبائحك عليه في كل وقت.

7 المحبة هي هدف ومعنى المسيحية.

8 لقد أعطيت كلمة الله حتى لا يعلمك احد مشيئة الله.

9 المسيح أتى لا ليحطم الطبيعة البشرية بل ليصحح إرادتنا.

10 قوة المسيحية تكمن في الوداعة والاحتمال وليس في القهر.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/patrology/goldenmouth.html

تقصير الرابط:
tak.la/px2tpw4