St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   31-Lahout-Mokaran-1
 

كتب قبطية

كتاب اللاهوت المقارن (1) - البابا شنودة الثالث

88- البخور

 

البروتستانت لا يستخدمون البخور، ولا المباخر (المجامر) ويعتبرون ذلك من عبادات العهد القديم التي انتهت، لأنها في اعتقادهم كانت مجرد رمز.

ونود هنا أن نستعرض تاريخ البخور قديمًا وحديثًا.

ونرَى هل كان رمزًا أم عملًا روحيًا قائمًا بذاته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Coptic art, an angel and the smoke of incense. صورة في موقع الأنبا تكلا: فن قبطي: ملاك وسط نار البخور: ملاك البخور.

St-Takla.org Image: Coptic art, an angel and the smoke of incense.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فن قبطي: ملاك وسط نار البخور: ملاك البخور.

1) "قال الرب لموسى: وتصنع مذبحًا لإيقاد البخور" (خر1:30).

ويقدم الرب لنا هنا ملاحظة جميلة جدًا. وهي أن البخور كان يُعتبر في حد ذاته ذبيحة يقدمونها على مذبح يُسَمَّى مذبح البخور.

 

2) وقد اهتم الرب بمذبح البخور اهتمامًا شديدًا، فأمر أن يكون مغشَّى بالذهب من كل ناحية، وله إكليل من ذهب، ويُحْمَل على عصوين مغشيين بالذهب. ويُوضَع قدام الحجاب الذي أمام تابوت العهد (خر30: 3-6). حيث يجتمع الله بموسى.

 

3) كان يُشترط في البخور أن يكون "بخورًا عطرًا".

ويقول الرب في ذلك "ويوقد عليه هارون بخورًا عطرًا كل صباح" (خر7:30). وكذلك في العشية "بخورًا دائمًا أمام الرب في أجيالكم" (خر8:390).

وقد ذكرت مواد البخور العطرية في (خر34:30). وقيل عن هذا البخور "يكون عندك مقدسًا للرب" (خر37:30). بل قيل أكثر من هذا أنه "قدس أقداس" يكون عندكم (خر36:30). فلا يصنع أحد منه لنفسه.

وقد تكررت عبارة البخور العطر في مواضع كثيرة من الكتاب، كما في (خر25) (خر29:37) (لا12:16). فكان البخور يمثل رائحة ذكية عطرة تصعد إلى الرب.

 

4) قال البعض خطأ أن البخور كان يُقَدَّم مع المُحْرَقَات، لإزالة رائحتها.

وقد أُلْغِيَت الذبائح الحيوانية، فَأُلْغِيَ البخور. وهذا الفهم ليس سليمًا، فالبخور كان لونًا من العبادة مستقلًا بذاته، وكان له مذبح خاص غير مذبح المحرقة، ولكن له طقس خاص في تقديمه. وكان مقصود لذاته كصلاة، وليس رمزًا لشيء، كما سنرى.

 

5) نلاحظ أنه عندما ضرب الرب لشعب بالوباء أوقد هارون رئيس الكهنة البخور بأمر موسى النبي، ليشفع في الناس أمام الله. ولما دخل في وسطهم وبخر انقطع الوباء وقبل الله منه هذا البخور كصلاة (عدد16: 44-48). ونلاحظ هنا أنه لم تُقدم ذبيحة عنهم، إنما قُدِّم البخور وحده، ولم يكن من أجل رائحة محرقات، إنما قُدِّم للتكفير عن الشعب، كأنه ذبيحة (عد16: 46، 47). 

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6) من أهمية البخور، أنه ما كان يقدمه أحد سوى الكهنة فقط.

وهو هنا يبدو في مركز أعلَى من الصلاة، لأن الصلاة يقدمها لله أي فرد من الشعب. ونلاحظ أنه لما تجرأ قورح وداثان وابيرام، وقربا بخورًا، انشقت الأرض وابتعلتهم جميعًا أحياء، هم وكل بيوتهم (عد16: 31، 32). ولم يكن بسبب تقديمهم ذبيحة، وإنما لتقديمهم بخورًا، مع أنهم من سبط لاوي...

 

7) ومن أهمية البخور، أنه كان يُقَدَّم في مجامر من ذهب كما ورد في (عب4:9). وكما قيل عن الأربعة والعشرين قسيسًا أنه كانت لهم "جامات من ذهب مملوءة بخورًا" (رؤ8:5).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

8) وقد وردت نبوءة في سفر ملاخي النبي عن استمرار البخور وعدم اقتصاره على العصر اليهودي.

إذ قال الرب "لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها اسمي عظيم بين الأمم. وفي كل مكان يقربون لاسمي بخورا وتقدمة طاهرة" (ملا11:1). وطبعًا العبادة وسط الأمم "في كل مكان" لم تحدث إلا في العصر المسيحي. وبهذا يكون الرب قد جعل البخور من بنود العبادة المسيحية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: One of the twenty four priests (Four and Twenty Elders: 12) "Around the throne were twenty-four thrones, and on the thrones I saw twenty-four elders sitting, clothed in white robes; and they had crowns of gold on their heads" (Revelation 4: 4) - Details from the icon of the events of the Apocalypse (Book of Revelation), by Father Makarious Al-Baramousy, Baramous Monastery, Natroun Valley, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 21, 2018. صورة في موقع الأنبا تكلا: واحد من الأربعة والعشرون قسيسًا (12): "وحول العرش أربعة وعشرون عرشا. ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخا جالسين متسربلين بثياب بيض، وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب" (الرؤيا 4: 4) - تفاصيل من أيقونة أحداث سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، رسم الأب الراهب مكاريوس البرموسي، مضيفة دير البراموس، وادي النطرون، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 أكتوبر 2018 م.

St-Takla.org Image: One of the twenty four priests (Four and Twenty Elders: 12) "Around the throne were twenty-four thrones, and on the thrones I saw twenty-four elders sitting, clothed in white robes; and they had crowns of gold on their heads" (Revelation 4: 4) - Details from the icon of the events of the Apocalypse (Book of Revelation), by Father Makarious Al-Baramousy, Baramous Monastery, Natroun Valley, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 21, 2018.

صورة في موقع الأنبا تكلا: واحد من الأربعة والعشرون قسيسًا (12): "وحول العرش أربعة وعشرون عرشا. ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخا جالسين متسربلين بثياب بيض، وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب" (الرؤيا 4: 4) - تفاصيل من أيقونة أحداث سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، رسم الأب الراهب مكاريوس البرموسي، مضيفة دير البراموس، وادي النطرون، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 أكتوبر 2018 م.

9) ومن اهتمام الرب بالبخور  في العهد الجديد ورود مثالين عنه في سفر الرؤيا وهما:

 أ) * قيل عن الأربعة والعشرون قسيسًا "كاهنًا"، إن لهم جامات من ذهب مملوءة بخورًا هي صلوات القديسين (رؤ8:5).

ب) * يقول القديس يوحنا الرائي "وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح، ومعه مجمرة من ذهب. وأُعْطِيَ بخورًا كثيرًا، لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش. فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله" (رؤ8: 3، 4).

 

10) تعليقًا على عبارة "صعد دخان البخور مع صلوات القديسين" نقول إن حياة الكنيسة كلها بخور.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بل إن الكنيسة شُبِّهَت في سفر النشيد بالبخور.

وذلك حينما قال عنها الوحي الإلهي "مَن هذه الطالعة من البرية، كأعمدة من دخان، معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش6:3).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

11) ومن المواقف الجميلة أيضًا في قصة تاريخ البخور  في حياة القديسين:

أن زكريا الكاهن ظهر له ملاك الرب واقِفًا على يمين مذبح البخور فيما هو يبخر في دورته (لو1: 8-11). مما يدل على قدسية هذا الموضع، وقدسية عملية التبخير. واستحقاق هذه المناسبة المقدسة لأن تُصْحَب بالإعلانات الإلهية.

وواضح من قصة نوبة زكريا الكاهن في التبخير، أن رفع البخور كان عملًا قائمًا بذاته، غير مرتبط بتقديم ذبيحة أو محرقة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

12) من أهمية البخور في المسيحية

أن اللبان (مادة البخور) كان من الهدايا التي قدمها المجوس للسيد المسيح وكانت رمزًا لكهنوته أو اعترافًا من المجوس بكهنوته، كما كان الذهب رمزًا لملكه والمُر رمزًا لآلامه. 

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

13) للبخور معانٍ كثيرة تُشبع الحواس وتُغَذِّي النفس.

وليس جميع الذين يحضرون إلى الكنيسة من المستوَى الذي يُشترط فيه عمق الروح وعمق التفكير... فالأطفال مثلًا، الذين لا يدركون كثيرًا ما يُقال في العظات، وما يسمعونه من القراءات، حتى ما يسمعونه من الصلوات هؤلاء يتأثرون روحيًا بحواسهم من جهة البخور والشموع والأيقونات وتكون كدروس روحية لهم تنقلهم إلى جو روحي. وهكذا الكثير من العوام، والمؤمنين العاديين غير المتبحرين في العلم والمعرفة وغير الدارسين لكتب اللاهوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

فماذا في البخور من معانٍ روحية، ومن تأملات؟

14) أول درس يتلقونه من البخور، هو قول الرب "مَن أضاع حياته من أجلي يجدها" (مت39:10).

ومثال ذلك حبة البخور التي تحترق وتحترق، حتى تتحول إلى أعمدة معطرة من دخان. وتبحث عنها في المجمرة كحبة بخور، فلا تجدها، إذ تكون قد قدمت ذاتها محرقة لله (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). فالمحرقات ليست فقط من الذبائح، وإنما من البخور أيضًا، الذي اعتبره الكتاب ذبيحة تُقَدَّم على مذبح البخور، وتعطينا درسًا وأي درس.

فما أجمل أن يقدم الإنسان ذاته مُحرقة للرب. كل تقدمة أخرَى هي خارج الذات. أما تقدمة الذات فإنها أعظم التقدمات.

وتقدمه الذات يمثلها وضع حبة البخور في النار. وقد قيل عن إلهنا أنه نار آكلة (تث24:4). وقد كان القديسون حبات من البخور وُضِعَت في المجمرة الإلهية فاحترقت بمحبة الله.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

15) والدرس الثاني في البخور هو الصعود إلى فوق باستمرار.

لا يقبل البخور على نفسه إطلاقًا أن يقبع في أسفل، بل هو يرتفع في السماء، ويمتد وينتشر، ولا يتوقف مطلقًا في صعوده، وفي انتشاره. وأنت إذا نظرت إلى البخور وتابعته، لابد أن ترفع عينيك إلى فوق إلى السماء، أردت أو لم ترد. هكذا كان البخور باستمرار يجذب حواس الناس إلى فوق. وكأنه سهم يشير إلى السماء باستمرار.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

16) درس آخر للبخور: أنه يمثل الرائحة الذكية:

ولهذا كان الكتاب يشترط فيه أن يكون بخورًا عطرًا. كل من يشم هذا البخور يتذكر أن حياة الإنسان ينبغي أن تكون عطرة الرائحة أمام الله.

وكما قال الكتاب "لأننا رائحة المسيح الذكية لله.."، "يظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2كو2: 15،14).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

17) ومن أجمل ما في البخور من تأملات أنه يذكرنا بالضباب أو السحاب الذي كان الله يظهر فيه.

وكما قال الرب "لأني في السحاب أتراءى على الغطاء" (غطاء تابوت العهد) (لا2:16). وهكذا وردت في سفر اللاويين عبارة "سحابة بخور" (لا13:16). وقيل عن هارون رئيس الكهنة "يأخذ ملء المجمرة نار عن المذبح من أمام الرب، وملء راحتيه بخورًا عطرًا، ويدخل بهما إلى داخل الحجاب. ويجعل البخور على النار أمام الرب، فتغشي سحابة البخور الغطاء الذي على الشهادة فلا يموت" (لا 16: 12، 13).

وكان الله في إرشاد شعبه في العهد القديم، سواء في خيمة الاجتماع، أو في الهيكل، أو في برية سيناء، يظهر للناس في السحاب، أو في الضباب، وكان إرشاده للشعب في برية سيناء، على هيئة سحابة تظللهم في النهار، تمثل الله وهو يظلل عليهم، فإذا تحركت السحابة يعرفون أن الله يحركهم فيتحركون، وإن وقفت السحابة يقفون (عدد17:9). وهكذا قيل "وكانت سحابة الرب عليهم نهارًا في ارتحالهم" (عدد34:10).

 

18) وفي مجيء المسيح إلى مصر، قيل أنه على سحابة (أش1:19). وكانت السحابة ترمز إلى العذراء، وكانت العذراء رائحة بخور صعدت إلى فوق. وفي مجيء المسيح الثاني سيأتي أيضًا على السحاب (مت30:24). فالسحاب كان يمثل حضور الله في العهدين القديم والجديد.

 

19) وفي قصة التجلي نجد مثالًا لحضور الرب في السحاب:

لقد قيل إنه بينما كان السيد المسيح يكلم تلاميذه الثلاثة "كانت سحابة تظللهم. فخافوا عندما دخلوا في السحابة. وصار صوت من السحابة قائلًا: هذا هو ابني الحبيب. له اسمعوا" (لو9: 34، 35).

 

20) وهكذا كان الرب يكلم موسى من السحاب. حينما كلم الرب موسى يقول الكتاب "فصعد موسى إلى الجبل. فغطَّى السحاب الجبل. وحل مجد الرب على جبل سيناء، وغطاه السحاب ستة أيام. وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ دُعِيَ مُوسَى مِنْ وَسَطِ السَّحَابِ" (خر24: 15، 16).

وبالمثل حينما كان يكلمهم من خيمة الاجتماع، وكان يغطيها السحاب أو الضباب.

 

21) نفس الأمر نجده في تدشين هيكل سليمان. يقول الكتاب "وكان لما خرج الكهنة من القدس، أن السحاب ملأ بيت الرب ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب. لأن مجد الرب ملأ البيت. حينئذ تكلم سليمان: قال الرب أنه يسكن في الضباب..." (1مل12:8).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

22) فالبخور يمثل سحابًا أو ضبابًا يُذَكِّر بحلول الله أو مجد الله. وفي (مز2:97) من مزامير الساعة التاسعة يقول "السحاب والضباب حوله. ركب على السحاب وطار. وطار على أجنحة الرياح".

البخور إذن فيه الكثير من المعاني الروحية لِمَن يحب أن يستفيد منه وهو لون  من العبادة، قائم بذاته، لم يكن مرتبط بالذبائح بحيث يزول بزوالها.

 

23) وأخيرًا نقول أنه لا يوجد نص واحد في العهد الجديد يأمر بإلغاء البخور.

"مَنْ له أذنان للسمع فليسمع، ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ3:2).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/31-Lahout-Mokaran-1/Comparative-Theology-88-CH11-04-Incense.html

تقصير الرابط:
tak.la/45krs3k