St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   31-Lahout-Mokaran-1
 

كتب قبطية

كتاب اللاهوت المقارن (1) - البابا شنودة الثالث

86- إكرام الصليب

 

مِن الخلافات التي بيننا وبين البروتستانت إكرامنا العجيب للصليب. ومن ذلك رشم الصليب. فهم لا يرشمون ذاتهم بعلامة الصليب قبل الصلاة ولا بعدها قائلين باسم الآب والابن والروح القدس. ولا يرشمون الطعام بعلامة الصليب قبل الأكل ولا يستخدمون الصليب للبركة. لا في رشم الناس، ولا في رشم الملابس.

ويكتفي البروتستانت بإيمان قلوبهم بالصليب دون استخدامه. وكانوا إلى عهد قريب لا يعلقونه على الكنائس. وكثير منهم لا يعلقونه على صدورهم. وكلهم لا يمسكون صليبًا في أيديهم. وهم أيضًا لا يحتفلون بأعياد الصليب، ولا بموكب له، ولا يطوفون به بالأناشيد والألحان.

وهم أيضًا لا يقبلون الصليب، ولا يأخذون بركته.

وسنحاول الآن أن نشرح لماذا اهتمامنا هذا كله بالصليب. ونرى كيف أن رشم الصليب نافع ومفيد وأيضًا موافق لتعليم الكتاب المقدس

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1) تركيز السيد المسيح على الصليب:

St-Takla.org Image: Coptic cross. صورة في موقع الأنبا تكلا: صليب قبطي.

St-Takla.org Image: Coptic cross.

صورة في موقع الأنبا تكلا: صليب قبطي.

وذلك منذ بدء خدمته، وفي أثناء تعليمه، قبل أن يصلب.

فقد قال "من لا يأخذ صليبه ويتبعني، فلا يستحقني" (مت38:10). وقال "إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" (مت24:16)، (مر34:8). وفي حديثه مع الشاب الغني قال له "اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ... وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلًا الصَّلِيبَ"(1). وقال أيضًا "من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي، لا يقد أن يكون لي تلميذًا" (لو27:14).

 

2) وقد كان الصليب موضوع كرامة الملاك والرسل:

من الأشياء الجميلة أن الملاك المبشر بالقيامة قال للمريمتين "أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا، لكنه قد قام كما قال" (مت5:28). وهكذا سماه "يسوع المصلوب" مع أنه كان قد قام. وظل لقب المصلوب لاصقًا به وقد استخدمه آباؤنا الرسل. وركزوا على صلبه في كرازتهم.

ففي كرازة القديس بطرس، قال لليهود "يسوع الذي صلبتموه أنتم" (أع36:2) والقديس بولس الرسول يركز على هذه النقطة فيقول "لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا" (1كو23:1)، على الرغم من أن صلبه هذا كان يعتبر "لليهود عثرة ولليونانيين جهالة".

ويعتبر الرسول أن الصليب جوهر المسيحية فيركز عليه قائلًا "لأنني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم، إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (1كو2:2). أي أن هذا الصليب هو الأمر الوحيد الذي أريد أن أعرفه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3) وهكذا كان الصليب موضع فخر الرسل:

فيقول القديس بولس الرسول "وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غل14:6). وإن سألناه عن السر في هذا يكمل قائلًا "هذا الذي به قد صلب العالم لي، وأنا للعالم" (غل14:6).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4) ونحن حينما نرشم الصليب، نتذكر كثيرًا من المعاني اللاهوتية والروحية المتعلقة به:

نتذكر محبة الله لنا، الذي من أجل خلاصنا، قبل الموت عنا "كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش6:53). حينما نرشم الصليب نتذكر "حمل الله الذي حمل خطايا العالم" (يو1: 29) (1يو2:2).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5) وفي رشمنا للصليب نعلن تبعيتنا لهذا المصلوب:

إن الذين يأخذون الصليب بمجرد معناه الروحي داخل القلب، دون أية علاقة ظاهرة، لا يظهرون هذه التبعية علنًا، التي نعلنها برشم الصليب، وبحمل الصليب على صدورنا. وبتقبيل الصليب أمام الكل، وبرشمه على أيدينا، وبرفعه على أماكن عبادتنا.

إننا بهذا كله، إنما نعلن إيماننا جهارًا، ولا نستحي  بصليب المسيح أمام الناس، بل نفتخر به، وَنَتَسَمَّى به. ونعيد له أعيادًا... ونتمسك به... حتى دون أن نتكلم مجرد مظهرنا يعلن إيماننا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6) إن الإنسان ليس مجرد روح، أو مجرد عقل، بل له أيضًا حواس جسدية يجب أن تحس الصليب بالطرق السابقة:

كما أنه ليس جميع الناس في مستوى روحي واحد، لا يحتاجون فيه إلى الحواس. إن الحواس تتغذى بكل ما سبق، ولا تقتصر على ذاتها، بل تنقل تأثراتها إلى العقل وإلى الروح... وربما  العقل لا يتذكر الصليب من تلقاء ذاته، أو يتذكره كثيرًا ولكنه عن طريق الحواس، حينما يرى الصليب مرسومًا أمامه، يتذكر ما يختص بالصليب وبالمصلوب من مشاعر ومن معان روحية ولاهوتية...

وهكذا نعبد الله روحًا وعقلًا وجسدًا. وكل هذا يقوي بعضه بعضًا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7) ونحن لا نرشم الصليب على أنفسنا في صمت، إنما نقول معه باسم الآب والابن والروح القدوس:

وبهذا نعلن في كل مرة عقيدتنا بالثالوث القدوس الذي هو إله واحد، إلى الأبد آمين. وهكذا يكون الثالوث في ذهننا باستمرار، الأمر الذي لا يتاح للذين لا يرشمون الصليب مثلنا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

8) وفي الصليب أيضًا نعلن عقيدتي التجسد والفداء:

فنحن إذ نرشم الصليب من فوق إلى تحت، ومن الشمال إلى اليمين، إنما نتذكر أن الله نزل من السماء إلى تحت إلى أرضنا، فنقل الناس من الشمال إلى اليمين، من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، وما أكثر التأملات التي تدور بقلوبنا وأفكارنا من رشم علامة الصليب.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

9) وفي رشمنا للصليب تعليم ديني لأولادنا ولغيرهم: 

كل مَنْ يرشم الصليب، حينما يصلي، وحينما يدخل إلى الكنيسة، وحينما يأكل، وحينما ينام، وفي كل وقت، إنما يتذكر الصليب، وهذا التذكر مفيد روحيًّا ومطلوب كتابيًّا. وفيه أيضًا تعليم الناس، إن المسيح قد صلب وتعليم بالذات لأولادنا الصغار الذين يشبون من صغرهم متعودين على الصليب.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

10) وبرشمنا الصليب إنما نبشر بموت الرب عنا حسب وصيته:

وهذه وصية الرب لنا أن نبشر بموته "الذي لأجل فدائنا" إلى أن يجيء (1كو16:10)(2) (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ونحن برشم الصليب نتذكر موته كل حين، نظل نتذكره إلى أن يجيء.

ونحن نتذكره كذلك في سر الأفخارستيا. ولكن هذا السر لا يقام في كل وقت بينما الصليب يمكن أن نرشمه في كل وقت، متذكرين موت المسيح عنا...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

11) وفي رشمنا للصليب، نتذكر أن عقوبة الخطية موت:

لأنه لولا ذلك ما مات المسيح. كنا نحن "أمواتًا بالخطايا" (أف5:2). ولكن المسيح مات عنا على الصليب وأعطانا الحياة. وعلى الصليب إذ دفع الثمن قال للآب "يا أبتاه اغفر لهم".

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

12) وفي رشمنا الصليب نتذكر محبة الله لنا:

نتذكر أن الصليب ذبيحة حب. لأنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3).  ونتذكَّر أن "اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا... صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ" (رو 5: 8، 10).

في الصليب نتذكر محبة الله لنا، "لأنه لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

13) ونحن نرشم الصليب لأنه يمنحنا القوة:

القديس بولس الرسول يشعر بقوة الصليب هذه فيقول "به صُلِبَ العالم لي، وأنا للعالم" (غل 14:6). ويقول أيضًا "إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة. وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كو18:1).

لاحظوا هنا أنه لم يقل إن عملية الصليب هي قوة الله، إنما قال إن مجرد "كلمة الصليب" هي قوة الله.

لذلك نحن حينما نرشم علامة الصليب، وحينما نذكر الصليب، ونمتلئ قوة. لأننا نتذكر أن الرب بالصليب داس الموت، ومنح الحياة لكل الناس. وقهر الشيطان وغلبه، ولذلك...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

14) فنحن نرشم الصليب لأن الشيطان يخافه:

كل تعب الشيطان منذ آدم إلى آخِر الدهور، ضاع على الصليب، إذ دفع الرب الثمن، ومحا جميع خطايا الناس بدمه، ممن يؤمنون ويطيعون لذلك فإن الشيطان كلما يرى الصليب يرتعب متذكرًا هزيمته الكبرى وضياع تعبه، فيخزَى ويهرب.

وهكذا كان أولاد الله يستخدمون باستمرار علامة الصليب باعتبارها علامة الغلبة والانتصار، أو هي قوة الله. فمن جهتنا نمتلئ قوة من الداخل، أما عن العدو في الخارج فهو يرتعب.

وكما كانت تُرْفَع الحية النحاسية في القديم شفاءً للناس وخلاصًا من الموت، هكذا رفع رب المجد على الصليب (يو 14:3)، وهكذا علامة الصليب في مفعولها.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

15) ونحن نرشم علامة الصليب فنأخذ بركته:

كان العالم كله يقع تحت حكم اللعنة بالموت بسبب الخطية. ولكن على الصليب حمل الرب كل لعناتنا لكي يمنحنا بركة المصالحة مع الله (رو10:5). وبركة الحياة الجديدة النقية، وبركة العطية في جسده، وكل نعم العهد الجديد مستمدة من الصليب.

لذلك استخدم رجال الإكليروس هذا الصليب في منح البركة، إشارة إلى أن البركة لا تصدر منهم شخصيًا، إنما من صليب الرب الذي ائتمنهم على استخدامه في منح البركة. ولأنهم يستمدون كهنوتهم من كهنوت هذا المصلوب.

وكل بركات العهد الجديد نابعة من صليب الرب وفاعليته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

16) لذلك فكل الأسرار المقدسة في المسيحية تستخدم فيها الصليب:

لأنها  كلها نابعة من استحقاقات دم المسيح على الصليب.

فلولا الصليب، ما كنا نستحق أن نقترب إلى الله كأبناء في المعمودية وما كنا نستحق التناول من جسده ودمه في سر الإفخارستيا (1كو26:11). وما كنا نستطيع التمتع ببركات أي سر من أسرار الكنيسة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

17) ونحن نهتم بالصليب، لنتذكر الشركة التي لنا فيه:

نتذكر قول القديس بولس الرسول "مع المسيح صُلِبت. فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في" (غل20:2). وقوله أيضًا "لأعرفه وقوة  قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته" (في10:3). وهنا نسأل أنفسنا متى ندخل في شركة آلام الرب ونصلي معه.

وهنا نتذكر اللص الذي صلب معه، فاستحق أن يكون في الفردوس معه.

ولعله صار في الفردوس يغني بالأغنية التي قالها القديس بولس فيما بعد "مع المسيح صُلِبت"...

كل أمنياتنا أن نصعد على الصليب مع المسيح. ونفتخر بهذا الصليب الذي نذكره الآن كلما تلامس مع حواسنا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

18) ونحن نكرم الصليب، لأنه موضع سرور الآب:

الآب الذي تقبل المسيح على الصليب بكل سرور كذبيحة خطية، وكمحرقة أيضًا "رائحة سرور للرب" (لا 1: 9، 13، 17). وقال إشعياء النبي في ذلك "أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ" (إش 53: 10).

إن السيد المسيح أرضَى الآب بكمال حياته على الأرض، ولكنه دخل في ملء هذا الإرضاء على الصليب، حيث "أطاع حتى الموت، موت الصليب" (في8:2).

ففي كل مرة ننظر إلى الصليب نتذكر كمال الطاعة، وكمال الخضوع لكي نتمثل بالسيد المسيح في طاعته، حتى الموت.

وكما كان الصليب موضع سرور للآب، كان هكذا أيضًا بالنسبة إلى الابن المصلوب الذي قيل عنه "من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب2:12).

وهكذا كان ملء سرور المسيح في صلبه. ليتنا نكون هكذا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

19) وفي الصليب، نخرج إليه خارج المحلة، حاملين عاره (عب12:13).

بنفس شعورنا في أسبوع الآلام... ونذكر في ذلك ما قيل عن موسى النبي "حاسِبًا عار المسيح غِنَى أعظم من خزائن مصر" (عب26:11). وعار المسيح هو صلبه وآلامه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

20) نحمل صليب المسيح الذي يذكرنا بمجيئه الثاني:

كما ورد في الإنجيل عن نهاية العالم ومجيء الرب "وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء (أي الصليب). ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء.." (مت30:24). فلنكرم علامة ابن الإنسان على الأرض، مادمنا نتوقع علامته هذه في السماء في مجيئه العظيم.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) إضافة من الموقع: (مر 10: 21).

(2) توضيح من الموقع: كان مكتوبًا في الكتاب المطبوع شاهد (1كو26:10)، والسليم هو (1كو16:10)، فتم التصحيح من قِبَل الموقع.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/31-Lahout-Mokaran-1/Comparative-Theology-86-CH11-02-Cross.html

تقصير الرابط:
tak.la/76tt58h