St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary  >   07_KH
 

قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية

شرح كلمة

مَخْطُوطَات الْعَهْد الْجَدِيد

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

أولًا: مقدمة

ثانيًا: علم الكتابة القديم (الباليوجرافيا):
(أ) أشكال الكتابة: لفائف البردي - مخطوطات البردي - الرقوق الجلدية - أشكال أخرى
(ب) الخطوط: الخط الكبير المنفصل الحروف - الخط الصغير
(ج) إعادة استعمال الرقوق بعد محو الكتابة التي عليها
(د) الاختصارات
(ه) أقسام النص
(و) سلسلة مقتطفات من كتابات آباء الكنيسة
(ز) القراءات الكتابية

ثالثًا: الأدلة على صحة النصوص:
(أ) المخطوطات اليونانية: المخطوطات البردية - المخطوطات بالحروف الكبيرة المنفصلة - المخطوطات بحروف صغيرة متصلة - القراءات الكتابية
(ب) الترجمات القديمة: 1: الترجمات السريانية: (الدياطسرون - الترجمة السريانية القديمة - الترجمة البشيطة/البسيطة - ترجمة فيلوكسينوس - الترجمة الهركلية - الترجمة الفلسطينية) -
2: الترجمات اللاتينية (الترجمة اللاتينية القديمة: إيطالا - ترجمة جيروم: الفولجاتا) -
3: الترجمات القبطية (الترجمة القبطية الصعيدية - الترجمة القبطية البحيرية - ترجمة لهجات مصر الوسطى) -
4: الترجمة القوطية - 5: الترجمة الأرمينية - 6: الترجمة الجورجانية - 7: الترجمة الإثيوبية - 8: الترجمة السلافية - ترجمات أخرى
(ج) اقتباسات الآباء

رابعًا: نقل نصوص العهد الجديد:
(أ‌) قبل اختراع الطباعة: ظهور اختلافات في النصوص - أنماط من الاختلافات (1: اختلافات عفوية - 2: اختلافات مقصودة)
(ب) طبع العهد الجديد باليونانية

خامسًا: المخطوطات وتحقيق النصوص:
النص السرياني - النص الغربي - النص السكندري - النص المحايد

سادسًا: الخاتمة

أولًا: مقدمة:

لم يتأثر العلم بكتاب من الكتب قدر تأثيره بالكتاب المقدس بعامة، والعهد الجديد بصفة خاصة، وليس ذلك فحسب، بل إن التاريخ لم يحتفظ لنا بقدر من المخطوطات القديمة لأي كتاب قدر ما احتفظ به من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد. فمؤلفات بعض الأقدمين (على سبيل المثال: "حوليات تاسيتوس") لم تصلنا منه سوى مخطوطة واحدة، كما لم يصلنا من بعض المؤلفات القديمة سوى بضع مخطوطات أو أكثر قليلًا، كما أن هناك مخطوطات لبعض المؤلفين مثل يوربيدس (Euripides) وشيشرون قد يصل عددها إلى مئات قليلة، أما العهد الجديد فهناك ما يقرب من 3000 مخطوطة باللغة اليونانية، بعضها قصاصات تضم بضع آيات، والبعض الغالب مخطوطات تضم العهد الجديد بأكمله، بالإضافة إلى ما يقرب 2,000 مخطوطة يونانية مرتبة حسب القراءات الكنسية اليومية، إلى جانب نحو 8,000 مخطوطة باللغة اللاتينية، وما يزيد عن 2,000 مخطوطة من الترجمات القديمة في لغات عديدة غير ما يكتشف بين وقت وآخر.

ومن ناحية أخرى، نجد أن سلامة نصوص مخطوطات العهد الجديد، تفوق -بما لا يُقاس- سلامة أي كتاب قديم آخر. ويرجع تاريخ أقدم مخطوطة معروفة من أعمال بعض المؤلفين القدامى إلى نحو ألف عام أو أكثر بعد موت الكاتب، وليس من النادر أن يكون الفرق الزمني بضع مئات من السنين أو على الأقل ثلاثمائة عام كما في حالة فرجيل (Virgil) . ولكن على النقيض من ذلك، نجد أن اثنين من أهم المخطوطات التي وصلت إلينا للعهد الجديد ترجع إلى أقل من ثلاثمائة عام من عصر الرسل.

بل إن جزءًا كبيرًا من العهد الجديد باقٍ في مخطوطات بردية ترجع كتابتها إلى مائة أو مائتي عام بعد حياة كاتبيها من الرسل. ولما كان علماء الكلاسيكيات يفترضون الثقة -عمومًا- في الكتابات الدنيوية حتى لو كان الفاصل الزمني بين وقت كتابتها أصلًا وبين وقت تدوين المخطوطة كبيرًا، ولو لم يوجد منها سوى العدد القليل من المخطوطات، فواضح أنه جدير بدارس العهد الجديد أن يثق بأن نص العهد الجديد الذي بين يديه هو نفس ما دونه كاتبوه أصلًا.

وفي نفس الوقت، فإن استنساخ عمل أدبي قبل عصر الطباعة يختلف عنه بعد اختراعها، فمن الممكن الآن طباعة أي عدد من النسخ المتطابقة تمامًا، أما قديمًا فكانت كل نسخة تكتب على حدتها باليد. وفي مثل تلك الأحوال، كان لا بُد ألا تتطابق تمامًا أي مخطوطتين من أي كتاب وبخاصة إذا كان كبيرًا نوعًا. ويغطي عصر الكتابة اليدوية للمخطوطات فترة من الزمن يبلغ ثلاثة أرباع الزمن منذ إتمام كتابة العهد الجديد حتى الآن. ونظرًا للأعداد الهائلة التي تم نسخها من مخطوطات بعض أو كل العهد الجديد، خلال القرون الأولى، فإن معنى هذا أن العديد من الاختلافات قد وجدت طريقها إلى المخطوطات. وقد فقدت أصول أسفار العهد الجديد -بلا شك- في زمن مبكر جدًا. ومعنى هذا أنه ليس من الممكن أن نحدد بدقة كاملة كل كلمة من الكلمات الأصلية للعهد الجديد على أساس أي مخطوطة بذاتها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بمقارنة العديد من المخطوطات ووضع أسس تحديد الشكل الدقيق -بقدر الإمكان- للنص الأصلي. وتعرف دراسة مخطوطات الأعمال الأدبية - التي فقدت أصولها - بهدف تحديد النص الأصلي، باسم "نقد النصوص" (texual criticsim). ومع أن العهد الجديد هو أكبر وأهم مجال لهذه الدراسة، فإن الدراسة النقدية للنصوص أمر ضروري لكل عمل أدبي قديم، إذ يندر جدًا وجود النص الأصلي بخط يد الكاتب القديم نفسه.

إن نقد النصوص أمر جوهري ومطلب ضروري لدراسة العهد الجديد، لأنه يجب أن يسبق تحديد النص الأصلي محاولة تفسيره.

عند نسخ أي كتاب بخط اليد، لا بُد أن تحدث أخطاء عند النقل سواء سهوًا أو عمدًا -في بعض الأحيان- وعند استنساخ هذه النسخة تنتقل أخطاء النسخة المنقول عنها إلى النسخة الجديدة علاوة على ما يحدث من الناسخ الجديد من أخطاء واختلافات عند النقل. وهكذا كلما زاد عدد مرات النسخ بين مخطوطة أصلية إلى أن نصل إلى مخطوطة من عصر متأخر، زاد عدد الأخطاء والاختلافات في المخطوطة الأخيرة، فمخطوطة من القرون المتأخرة يكون قد مر بينها وبين المخطوطة الأصلية أجيال من المخطوطات، أكثر مما لو كانت من قرون مبكرة. ولكن قد ترجع مخطوطة إلى القرن الحادي عشر ولكنها نقلت مباشرة عن مخطوطة من القرن الرابع، التي لم يفصلها عن المخطوطة الأصلية إلا أجيال قليلة من المخطوطات، بينما قد تنقل مخطوطة من القرن الثامن عن مخطوطة من القرن السابع يفصل بينها وبين المخطوطة الأصلية عشرون جيلًا مثلًا - من المخطوطات.

وفيما يختص بمخطوطات العهد الجديد، فإن العدد الكبير نسبيًا المعروف لنا الآن، لا يمثل -بدون شك- إلا نسبة ضئيلة من العدد الضخم الذي تم إنجازه في القرون الأولى. وفي الحقيقة لا يمكننا بأي حال أن نثبت أن مخطوطة معينة هي الأصل الذي نقلت عنه مخطوطة أخرى، كما لا يمكننا أن نحدد عدد الأجيال من المخطوطات التي تفصل بين أي مخطوطة والمخطوطة الأصلية، ولذلك يفترض العلماء -بعامة- أن مخطوطة من عصر متأخر يفصل بينها وبين المخطوطة الأصلية عدد من أجيال المخطوطات أكثر مما يفصل بين مخطوطة من عصر مبكر والمخطوطة الأصلية، أقل قيمة من الثانية، مع اعترافهم بوجود بعض الاستثناءات لهذه القاعدة.

ويجب ألا يخطر على بالنا أن نصوص العهد الجديد مبنية على أسس مشكوك في صحتها بسبب العدد الكبير من أجيال المخطوطات، أو بسبب العدد الضخم من الاختلافات الموجودة في المخطوطات، ففي الواقع لا يحوم أدنى شك حول الجزء الأكبر من كلمات العهد الجديد. ولم يسترع انتباه ناقدي النصوص سوى جزء صغير جدًا نسبيًا من كلمات العهد الجديد، فكل مخطوطات العهد الجديد في واقع الأمر متطابقة ولا يوجد أدنى شك في سبعة أثمان كلمات العهد الجديد، ولو غضضنا الطرف عن الاختلافات عديمة القيمة، فإن 1/60 (نحو 1,67%) فقط من كلمات العهد الجديد يمكن أن تكون موضع تساؤل، وما لا يزيد عن كلمة واحدة من كل ألف كلمة (0,1%) يمكن أن يدور تساؤل جوهري حول النص الأصلي لها، إلا أنه ما من عقيدة من عقائد المسيحية مبنية على نص غير محقق أو يحوم حوله أدنى شك.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: A woman praying after reading the Holy Bible, by doungtepro. صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة تصلي بعد قراءة الكتاب المقدس، لدونجتيبرو.

St-Takla.org Image: A woman praying after reading the Holy Bible, by doungtepro.

صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة تصلي بعد قراءة الكتاب المقدس، لدونجتيبرو.

ثانيًا: علم الكتابة القديم (الباليوجرافيا Paleography):

(أ) أشكال الكتابة:

(1) لفائف البردي:

في القرن المسيحي الأول الذي كتبت فيه أسفار العهد الجديد كان الشكل المألوف للمخطوطات هو لفائف البردي. والبردي ينمو على شكل أعواد طويلة من البوص على ضفاف النيل، ولا يكاد ينمو في غير ذلك من الأماكن. ولإعداده للكتابة كانت تقشر سيقان النبات ويشق اللب (نخاع السيقان) إلى شرائح رقيقة توضع جنبًا إلى جنب في طبقة واحدة ثم توضع فوق هذه الطبقة، طبقة أخرى متعامدة عليها، ثم يطرق فوقها طرقًا خفيفًا حتى تلتصقا معًا، وتترك في الشمس، وبذلك تصبح الصحيفة الرقيقة الناتجة من هذه العملية، صالحة للكتابة عليها بالطول، وكان يستعمل لهذا الغرض قلم خاص من البوص. وكانت تتراوح مساحة هذه الصحائف بين ست بوصات عرضًا وتسع بوصات طولًا، إلى اثنتي عشرة بوصة عرضًا وخمسة عشر بوصة طولًا. وكان يوضع طرف صحيفة فوق طرف صحيفة أخرى ويلصقا معًا، وهكذا حتى تتكون لفافة من عشرين صحيفة في العادة، ومتى لزم الأمر كانت تلتصق عدة لفائف معًا. ولكن كان هناك عمليًّا حد معين لطول البردية، وقد يتطلب المؤلَّف الأدبي الكبير أكثر من درج أو لفافة من البردي. وكانت البردية عادة تطوى حول نفسها. وكانت أعمدة الكتابة عادة ضيقة حتى لا تستلزم قراءة البردية بسط جزء كبير منها. وكانت الكتابة تدون على الوجه الداخلي للبردية، ولذلك كانت ترص شرائح البردي في هذا الوجه أفقيًا. ولم يكن يكتب عادة على السطح الخارجي للبردية لعدم سهولة القراءة على ذلك الوجه، ولصعوبة الكتابة على الشرائح الرأسية، ولكن كانت هناك بعض الاستثناءات، فقد رأى يوحنا في رؤياه "سفرًا مكتوبًا من داخل ومن وراء" (رؤ5: 1).

والدرج (أو اللفافة) كأحد أشكال الكتاب، له عيوب محددة، مثلما يحدث عند نقله على شرائط الميكروفيلم، كما يجب إعادة لف الدرج عقب استعماله في كل مرة، وقد يهمل أحد القراء ذلك ليتولاه من يليه، بالإضافة إلى أن الرجوع إلى مواضع مختلفة من الدرج كان -ولا شك- يشكّل صعوبة أكبر مما في الكتب المألوفة لنا الآن، فكانت هذه هي الأسباب الرئيسية التي أدت - بعد بداية العصر المسيحي بقليل - إلى استبدال هذه اللفائف بالكتب.

 

(2) مخطوطات البردي:

استخدمت الألواح الشمعية -منذ القديم- في التمارين المدرسية وفي الكتابات الوقتية، وكانت هذه الألواح إلى حد ما - شبيهه بألواح الأردواز التي يستخدمها الأطفال ولكن كان سطوحها تغطى بالشمع بدلًا من الأردواز، وكان يكتب عليها بقلم معدني وكان يكتب عليها بقلم معدني وبمرور الوقت تتطور الأمر إلى ربط عدة ألواح منها بأشرطة جلدية تمر من خلال ثقوب على هامش الألواح. وقد أدى هذا الأمر -قبل العصر المسيحي- إلى عمل الكراسات المكونة من صفحات مطوية. وقد استخدمت هذه الكراسات في أغراض غير رسمية، وفي غير الكتابات الأدبية، ثم أصبح الكاتب يستخدمها كمسودة لأعماله، التي تنسخ بعد ذلك في صورتها النهائية على لفائف من البردي.

 

(3) الرقوق الجلدية:

كما استخدمت جلود الحيوانات - منذ القديم - في الكتابة. وقبل العصر المسيحي بنحو مائتي عام ابتكرت طريقة جديدة لمعالجة الجلد، حيث كانت تكشط الجلود وتنقع في الجير الحي، وتبعث بالطباشير وحجر الخفاف، فينتج سطح رقيق متماسك قوي الاحتمال صالح للكتابة عليه بريشة طائر أو بقلم لين من البوص. وعرفت تلك الصحائف بالرقوق، ثم استعملت لتدوين المذكرات على هيئة مخطوطات . وفي زمن تدوين أسفار العهد الجديد أصبحت المخطوطة على شكل كتاب، سواء من البردي أو الرقوق، أمرًا مألوفًا، لكن ظل الشكل الغالب لتسجيل الأعمال الأدبية هو لفائف البردي على مدى بضعة قرون. ولكن أقدم مخطوطات العهد الجديد على شكل الكتب، وليست على شكل الأدراج أو اللفائف. كما أدى تدوين العهد الجديد إلى استخدام الرقوق عوضًا عن البردي، فبعد أن كان العهد الجديد يكتب على أوراق البردي في بداية العصر المسيحي، حلت الرقوق الجلدية محل البردي تمامًا منذ بداية القرن الرابع، وسواء كانت المخطوطات. الأصلية للعهد الجديد على شكل لفائف أو مجلدات، فإنه لم يمض وقت طويل حتى صارت المجلدات هي الشكل الوحيد لمخطوطات العهد الجديد، ولعل رجوع المسيحيين الأوائل دائمًا إلى الأسفار المقدسة، كان هو السبب في تعميم استخدام المجلد عوضًا عن الدرج، وكما سبق القول، إن أقدم المخطوطات الموجودة الآن هي من مجلدات البردي ثم تحولت من القرن الرابع إلى مجلدات من الرقوق الجلدية. وقبل اختراع الطباعة بوقت قصير أفسحت الرقوق الجلدية المكان للورق في العالم الغربي.

والخلاصة أن الأسفار الأصلية كانت على شكل لفائف أو مجلدات من البردي، وفي القرنين الثاني و الثالث كانت على شكل مجلدات من البردي، أما في القرن الرابع فأصبحت على شكل مجلدات من الرقوق مع بعض المجلدات من البردي التي ظلت مستخدمة حتى القرن السابع.

 

(4) أشكال أخرى:

تم تدوين بعض أجزاء صغيرة من العهد الجديد على صورتين أخريين يصعب أن يعتبرا ضمن المخطوطات، فأكثر من عشرين جزءًا من العهد الجديد (تمثل ستة أسفار) نجدها مكتوبة على قطع مكسورة من الفخار الذي كان يستعمله الفقراء مادة للكتابة.

وبالإضافة إلى ذك كانت تكتب بعض كلمات قليلة من العهد الجديد على أنواع مختلفة من المواد، لتستخدم كطلاسم أو تعاويذ، رغم تحريم الكنيسة لذلك، وقد وصلتنا بعض هذه الطلاسم.

 

(ب) الخطوط:

(1) الخط الكبير المنفصل الحروف (Uncial) :

منذ ما قبل العصر المسيحي، كان هناك نمطان من الخط اليوناني، أحدهما يستخدم في الرسائل و الأعمال التجارية والموضوعات غير الأدبية ويكتب بحروف متصلة (Cursive) . والآخر للأغراض الأدبية ويكتب بحروف كبيرة منفصلة (Uncial- شبيهه بالحروف الإنجليزية الكبيرة في أول الجمل). فإذا أخذنا في الاعتبار الاستخدامات الخاصة لهذين الأسلوبين للكتابة، نستطيع أن نفترض أن مخطوطات العهد الجديد التي كانت تُعدّ للنشر - مثل الأناجيل - كانت تكتب عادة بالحروف الكبيرة المنفصلة (Uncial)، بينما الكتابات الشخصية -كرسائل الرسول بولس- كانت تُكْتَب بالحروف المتصلة، ولكن عندما نسخت هذه الرسائل لنشرها، كتبت أيضًا بالحروف الكبيرة المنفصلة. وكل المخطوطات القديمة وصلت إلينا، سواء من رسائل الرسول بولس أو غيرها من أسفار العهد الجديد، مكتوبة بالحروف الكبيرة المنفصلة، حتى ليمكن القول بأن العهد الجديد قد نشر منذ البداية مكتوبًا بالحروف الكبيرة المنفصلة (Uncial).

 

(2) الخط الصغير (minuscule):

استمرت طريقتا الكتابة جنبًا إلى جنب لعدة مئات من السنين، ثم حدث في أوائل القرن التاسع تطويرًا لأسلوب الكتابة بالحروف المتصلة، باستحداث طريقة أرق وأسهل، (هي أشبه بخط الرقعة في العربية)، وقد ساعدت هذه الطريقة للكتابة على إخراج مخطوطات رائعة، علاوة على أن الكتابة بها أسرع من الكتابة بالحروف الكبيرة المنفصلة. وترجع أقدم مخطوطة معروفة للعهد الجديد بالخط الصغير المتصل إلى 835م، كما أنها أقدم مخطوطة للعهد الجديد تحمل تاريخًا. وبنهاية القرن العاشر الميلادي كانت الكتابة بالحروف الصغيرة المتصلة هي المعمول بها وحلت محل الكتابة بالحروف الكبيرة المنفصلة. وبهذا نستطيع أن نقسم تاريخ مخطوطات العهد الجديد، ففي القرون الأولى نجد المخطوطات مكتوبة بحروف كبيرة منفصلة، كما نجد مخطوطات مكتوبة بالأسلوبين من الخطوط في أواخر القرن التاسع والقرن العاشر كله. أما بعد ذلك فالمخطوطات جميعها بالحروف الصغيرة المتصلة.

وفيما بين عصري الكتابة بالحروف الكبيرة المنفصلة والكتابة بالحروف الصغيرة المتصلة، توجد بعض الملامح التي تساعد على تحديد تاريخ المخطوطات بوجه التقريب، فأقدم المخطوطات بالحروف الكبيرة المنفصلة على ورق من البردي نجدها خالية من الزخرفة، ولا يشار إلى الفصل الجديد بأكثر من نقطة كعلامة ترقيم، أو بمسافة صغيرة على السطر. كما أن أقدم هذه المخطوطات على الرقوق، لا تحتوي على زخارف ولكن بها القليل من الفواصل وعلامات الترقيم، أما الفصل الجديد بقد يبدأ بسطر جديد أو بحرف كبير نوعًا على الهامش الأيسر للصفحة. وبمرور الوقت أضيفت الحركات والوقفات وعلامات الترقيم الأخرى. أما الحروف التي يبدأ بها فصل جديد فكانت تكتب مزخرفة وكبيرة مع بعض الصور والزخارف، على أن الكتابة ذاتها أسوأ مما كانت قبلًا وحروفها ثقيلة وأقل دقة.

ولقد مرت مخطوطات الخط الصغير ذي الحروف المتصلة في نفس المراحل تقريبًا، فعلى الرغم من وجود الفواصل وعلامات الترقيم بها منذ البداية، فإن المخطوطات الأولى منها كانت جميلة الخط وواضحة والزخرفة فيها قليلة نسبيًا، ولكنها أصبحت -فيما بعد- أقل دقة وجمالًا مع الإسراف في الزخرفة. وإحدى سمات المخطوطات اليونانية، عدم وجود فواصل بين الكلمات، سواء في الخط الكبير المنفصل الحروف، أو في الخط الصغير المتصل الحروف، وإذا لم تنتهي الكلمة بنهاية السطر. فإنها تستكمل في السطر التالي حسب قواعد محددة في تقسيم المقاطع.

 

(ج) إعادة استعمال الرقوق بعد محو الكتابة التي عليها (Palimpests):

مع أن البردي كان خامة جيدة للكتابة عليه، إلا أنه لا يتحمل محو الكتابة وإعادة استخدامه مرارًا للكتابة، أما الرقوق فعلى العكس من ذلك، فهي تحتمل محو الكتابة وإعادة الكتابة عليها، وذلك متى لم تعد هناك حاجة إلى ما هو مسجل على الرقوق، أو إذا حدث تلف أو تمزق في الصحائف، فكان في الإمكان نزع الصحائف التالفة من المخطوط، ثم يمحى النص الأصلي المكتوب على الصحائف الباقية ويعاد تنظيمها على شكل ملازم جديدة لكتابة نص آخر عليها. حتى مخطوطات العهد الجديد لم تسلم من هذا المحو، حتى اضطرت السلطات الكنسية إلى تحريم هذا العمل، ويطلق على المخطوطة التي تمحى كتابتها الأصلية وتعاد الكتابة عليها بالوصف اليوناني "باليمبست" (palimpest) أي "المحو ثانية". ولحسن الحظ لم يكن هذا المحو كاملًا عادة حيث أمكن قراءة الكثير من النصوص الممحوة، من خلال الكتابة الجديدة. ومن أهم هذه الرقوق من مخطوطات العهد الجديد، المخطوطة >C< المعروفة باسم "المخطوطة الأفرايمية"، فلقد أزيلت نصوص العهد الجديد التي كانت مكتوبة عليها أصلًا، لتكتب عليها مقالات لمار أفرآم السرياني، أحد آباء الكنيسة السريانية. ومجموع هذه الرقوق التي وصلتنا، لا يتجاوز خمسين مخطوطًا كانت عليها أصلًا نصوص العهد الجديد بالحروف الكبيرة المنفصلة.

 

(د) الاختصارات:

كانت الاختصارات - في أقدم مخطوطات العهد الجديد - مقصورة تمامًا على نحو خمس عشرة كلمة فقط،مثل "الله" و"الرب" و"السماء" وبعض الكلمات الأخرى التي لها صبغة مقدسة، وكانت هذه الاختصارات عبارة عن الحرفين الأول والأخير من الكلمة مع وضع خط أفقي فوق السطر للدلالة على الاختصار. علاوة على ذلك كان إذا حدث أن جاء حرف النون (nu) في نهاية السطر، كُتب نيابة عنه خط أفقي مرتفع للدلالة عليه. وفي عصر الكتابة بالحروف الصغيرة المتصلة، امتد الاختصار إلى كلمات كثيرة بكتابة المقطع الأول فقط من الكلمة. كما حدث أيضًا دمج حرفين أو أكثر معًا في وحدة واحدة، إلى جانب الرموز التي كانت نوعًا من الاختزال الذي يمثل كلمات معينة أو نهايات معينة.

 

(ه) أقسام النص:

يوجد بالعديد من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد، أرقام (يشار إليها بالحروف اليونانية) في الهوامش تشير إلى تقسيمات آمونيوس والجداول اليوسابية. ولقد قسمت الأناجيل الأربعة في زمن مبكر جدًا إلى أقسام مختلفة. وتعزى هذه الأقسام إلى شخص اسمه أمونيوس (Ammonius). وفي القرن الرابع الميلادي قام يوسابيوس -أحد آباء الكنيسة- بترتيب الإنجيل على أساس تقسيمات أمونيوس، وباستخدام الأرقام التي قسم بها أمنيوس الأناجيل. كما أعد يوسابيوس جداول سجل فيها الفقرات المتناظرة في الأناجيل الأربعة، والفقرات التي يتفق فيها ثلاثة أناجيل، والفقرات التي يتفق فيها إنجيلان، وكذلك الفقرات التي لم ترد إلا في إنجيل واحد. ثم أضاف بعد ذلك رقم الجدول إلى رقم كل قسم من تقسيمات أمونيوس في كل الأناجيل، وقد سهَّل هذا النظام على القارئ معرفة الأجزاء المتناظرة في الأناجيل. وقد استخدمت هذه الأرقام أيضًا في بعض طبعات العهد الجديد في اليونانية.

 

(و) سلسلة مقتطفات من كتابات آباء الكنيسة:

بالإضافة إلى مخطوطات العهد الجديد المتواترة، هناك نوعان آخران من المخطوطات: أحدهما المخطوطات الملحق بالنص الكتابي بها مختارات من كتابات آباء الكنيسة شرحًا نصوص العهد الجديد. وقد اتخذت مخطوطات العهد الجديد المصحوبة بتعليقات الآباء عدة أشكال ل: فقد يكتب شرح الآباء على الهوامش الخارجية حيث يشغل النص الكتابي حيزًا صغيرًا من الصفحة. وقد يكتب الشرح مع النص الكتابي في فقرات بالتبادل، أو أن يدون النص الكتابي والشرح في أعمدة متوازية. وكان يكتب اسم صاحب الشرح في المخطوطات الأقدام عهدًا، أما في المخطوطات المتأخرة، فكان اسم الشارح يكتب مختصرًا أو يرمز إليه أو يغفل تمامًا. كما كان يوضع رمزًا أو رقم في بداية الفصل في مسلسل شروح الآباء وفي صلب نصوص العهد الجديد للدلالة على الفقرة الكتابية التي يرتبط بها الشرح.

 

(ز) القراءات الكتابية:

وهناك مخطوطات أخرى تختلف عن مخطوطات نصوص الكتاب، هي مخطوطات القراءات الكتابية، وفيها ترتب أجزاء من العهد الجديد بنظام معين لتقرأ في الخدمة الكنسية على مدار السنة. ونجد انعكاسًا لهذه القراءات اليومية في العديد من المخطوطات العادية للعهد الجديد، حيث نجد كلمتيّ: "البداية والنهاية" أو مختصرًا يدل عليهما.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثالثًا: الأدلة على صحة النصوص:

لقد وصلتنا نصوص العهد الجديد عن ثلاثة مصادر هي:

(أ) المخطوطات اليونانية،

(ب) الترجمات القديمة،

(ج) اقتباسات الكتَّاب القدامى.

 

(أ) المخطوطات اليونانية:

كان الكتَّاب الأقدمون - عندما يستشهدون بالمخطوطات اليونانية، يشيرون إليها بطرق مختلفة: إما بالاسم أو برمز يربط بين المخطوطة وصاحبها، أو بالمكتبة التي تحتفظ بها. ولما كثر الاستشهاد بإعداد متزايدة من المخطوطات، أصبح من الضروري استخدام نظام أبسط. ولقد بذلت محاولات عديدة في هذا المضمار، قبل أن يستكمل النظام المستخدم حاليًا، حيث يشار إلى المخطوطات -البردية- وكلها بالحروف الكبيرة المنفصلة - بحرف >P< يعلوه رقم لكل مخطوطة. وتضم هذه المجموعة من البرديات ستًا وسبعين بردية. أما المخطوطات المكتوبة على رقوق جلدية بالحروف الكبيرة المنفصلة، فيشار إلى بعضها بحروف كبيرة من الأبجدية الإنجليزية واليونانية، مع ذكر رقم مسبوق بالصفر("مثل02.065 ") بسبب قصور ومحدودية الحروف الأبجدية. أما المخطوطات المكتوبة بالخط الصغير المتصل، فيشار إليها بالأرقام (مثل 33.565.2065). أما القراءات الكتابية فيشار إليها برقم يسبقه المقطع الأول من كلمة "قراءات" في اليونانية "lect " أو الحرف الأول منها "L " (مثل lect 22.L1301).

 

(1) المخطوطات البردية:

جميع ما وصلنا من أقدم المخطوطات اليونانية للعهد الجديد، مسجل على ورق البردي، ويرجع تاريخها إلى الفترة من منتصف القرن الثاني الميلادي حتى القرن الرابع، ولكن بردية واحد (برقم p74) ترجع إلى القرن السابع. ورغم أن البرديات عبارة عن أجزاء غير كاملة إلا أنها في مجموعها تشكل قدرًا كبيرًا من العهد الجديد، ورغم أنها ترجع إلى زمن مبكر إلا أنها فقدت الكثير من أهميتها لأنها مكتوبة بخط كتبة غير مؤهلين، ويبدو فيها عدم الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة.

St-Takla.org Image: Sir Alfred Chester Beatty (1875-1968), bronze bust in the hall of the Library, by the sculptor: Carolyn Mulholland - Chester Beatty Library, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, June 27, 2017. صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال من البرونز يصور سير ألفرد تشستر بيتي (1875-1968)، عمل الفنانة كارولين مالهولاند - من صور مكتبة تشستر بيتي، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 27 يونيو 2017.

St-Takla.org Image: Sir Alfred Chester Beatty (1875-1968), bronze bust in the hall of the Library, by the sculptor: Carolyn Mulholland - Chester Beatty Library, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, June 27, 2017.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال من البرونز يصور سير ألفرد تشستر بيتي (1875-1968)، عمل الفنانة كارولين مالهولاند - من صور مكتبة تشستر بيتي، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 27 يونيو 2017.

وهناك مجموعتان هامتان من المخطوطات البردية، هما:

1- مجموعة تشستر بيتي (Chester) في دبلن بأيرلندا، التي حصل عليها في 1930 / 1931، وتضم البرديات الآتية:

أ بردية "p45 " وتحوي 1/ 7 الأناجيل الأربعة تقريبًا مع سفر الأعمال. وترجع إلى أوائل القرن الثالث الميلادي.

ب بردية "p46 " وتحوي جزءًا كبيرًا من رسائل الرسول بولس (ما عدا الرسائل الرعوية) بالإضافة إلى الرسالة إلى العبرانيين، وترجع أيضًا إلى أوائل القرن الثالث الميلادي.

ج بردية "p47 " وتحتوي على 1/3 سفر الرؤيا تقريبًا وترجع إلى القرن الثالث أيضًا.

ومعظم أوراق برديات مجموعة "تشستر بيتي" موجود في "دبلن" ولو أن ثلاثين ورقة من الأوراق الستة والثمانين للبردية “P46” موجود في مجموعة جامعة "متشجن". كما توجد بعض قصاصات من ورقة واحدة من أوراق البردية “P 45” في "فيينا". وقد نشر السير "فريدريك كنيون" (Frederic Kenyon) هذه المخطوطات في كتيبات تضم صورًا فوتوغرافية لها إلى جانب النص المطبوع.

2- والمجموعة الثانية من المخطوطات البردية للعهد الجديد -ولعلها الأهم- هي مجموعة "مكتبة بودمر (Bodmer) في جنيف بسويسرا. ولا نعرف سوى القليل عن المصدر الحقيقي لهذه البرديات، وهي تضم:

أ - البردية >P 66< وتشمل على قسم كبير من إنجيل يوحنا، ويرجع بعض العلماء بتاريخها إلى منتصف القرن الثاني الميلادي، وهي بذلك تعتبر أقدم مخطوطة لأي جزء من العهد الجديد.

ب- البردية >P 72< وتشتمل على رسالة يهوذا ورسالتي بطرس الرسول، بالإضافة إلى العديد من كتابات أخرى. ويرجع تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي.

ج - البردية >P 73< وتشمل على جزء صغير من إنجيل متى.

د- البردية >P 74< والجدير بالملاحظة هو أنها مخطوطة بردية رغم أنها كتبت في القرن السابع الميلادي، وتضم سفر أعمال الرسل والرسائل الجامعة في صور قصاصات.

ه- البردية >P 75< وتضم جزءًا كبيرًا من إنجيلي لوقا ويوحنا. وترجع إلى أواخر القرن الثاني أو بعد ذلك بقليل.

وقد تم نشر برديات بودمر - ما عدا البردية >P73< - مع صور فوتوغرافية لها.

و- وأقدم قصاصة معروفة من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد - بل لعلها أقدم من البردية >P66<، هي قصاصة صغيرة يرمز إليها بالرمز >P52< وتوجد في مكتبة "جون ريلاندز" (Rylands) في مدينة منشستر بإنجلترا، وهي تضم سطورًا قليلة من الأصحاح الثامن عشر من إنجيل يوحنا. ويرجع تاريخ هذه البردية إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، كما سجل ذلك محررها، وكذلك حسب تقدير علماء الكتابات القديمة. وتقدم هذه البردية الدليل على خطأ "نقاد توبنجن" (Tubingen) ، في زعمهم أن الإنجيل الرابع كتب في نحو 160م، فهذه البردية تثبت أن الإنجيل الرابع كان متداولًا قبل ذلك بوقت طويل حتى أنه وصل في أوائل القرن الثاني إلى أعماق مصر حيث وجدت هذه البردية.

 

وهناك برديات أخرى موجودة إما فرادى أو في مجموعات في المكتبات في أجزاء مختلفة من أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط.

(2) المخطوطات بالحروف الكبيرة المنفصلة:

يبلغ عدد المخطوطات المكتوبة بالحروف الكبيرة المنفصلة على رقوق من الجلد، نحو مائتين وخمسين مخطوطة تتفاوت أحجامها من قصاصة تضم بضعة آيات إلى مخطوطة تضم العهد الجديد كله وقد كتبت في فترات بين القرن الرابع حتى القرن العاشر الميلادي، ولذلك هي أحدث عهدًا من معظم البرديات. ولكن قيمة هذه المخطوطات أكبر من قيمة البرديات لأنها أشمل منها في محتواها، بالإضافة إلى أنه في خلال فترة الكتابة بالحروف الكبيرة المنفصلة، حصلت المسيحية على الاعتراف الرسمي بها في أوائل القرن الرابع، وبالتالي فان معظم هذه المخطوطات تدل على أنها كتبت بيد كتبة مؤهلين. وفيما يلي أهم هذه المخطوطات:

أ - مخطوطة "ألف" (01) أو المخطوطة السينائية، وترجع إلى القرن الرابع الميلادي وتضم العهدين القديم والجديد كاملين، وهي محفوظة في المتحف البريطاني بلندن. وقصة اكتشاف هذه المخطوطة في دير سانت كاترين في سيناء (ومن هنا اكتسبت اسمها)، على يد قسطنطين تيشندروف (Tischendorf) قصة مثيرة. وتعد هذه المخطوطة من أهم مخطوطات العهد الجديد التي وصلت إلينا، وهي مكتوبة بخط جميل مع بعض الزخرفة، على أربعة أعمدة في كل صفحة. ويبلغ طول كل صفحة خمس عشرة بوصة، وعرضها ثلاث عشرة بوصة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وقد نقلها تيشندورف من سيناء إلى روسيا في 1859م حتى إنه أبى أن يسجلها تحت رقم مبهم في القائمة الأبجدية للمخطوطات بل سجلها تحت أول حرف من حروف الأبجدية العبرية "الألف". وفي 1933م قامت الحكومة البريطانية بشراء هذه المخطوطة من الحكومة السوفيتية بمبلغ مائة ألف جنيه إسترليني.

ب- المخطوطة المرموز لها بالرمز “A(02)” أو المخطوطة الإسكندرية (Codex Alexandrinus). وهي مخطوطة من القرن الخامس وتشمل معظم العهدين (ولكن ينقصها من العهد الجديد إنجيل متى كله تقريبًا وجزء من إنجيل يوحنا، ومعظم الرسالة الثانية إلى كورنثوس)، وهي معروضة في المتحف البريطاني بجانب المخطوطة السينائية. وبعد أن حصل بطريرك القسطنطينية على هذه المخطوطة من الإسكندرية أهداها في 1627م إلى الملك شارل الأول ملك إنجلترا. ويبلغ طول الصفحة فيها ثلاث عشرة بوصة وعرضها عشر بوصات، ومكتوبة على عمودين في كل صفحة، وبها من الزخارف أكثر مما بالمخطوطة السينائية.

ج- المخطوطة الفاتيكانية >B(03)<: وقد كتبت في منتصف القرن الرابع الميلادي تقريبًا، وهي موجودة في مكتبة الفاتيكان منذ القرن الخامس عشر أو قبل ذلك. ولعلها أهم مخطوطة باقية للعهد الجديد، وكانت أصلًا تضم العهدين كليهما وجزءًا من أسفار الأبو كريفا، أما الآن فينقصها معظم سفر التكوين وجزء من المزامير في العهد القديم، وجزء من الرسالة إلى العبرانيين وكل رسائل تيموثاوس الأولى والثانية وتيطس وفليمون وسفر الرؤيا في العهد الجديد. وطول الصفحة مثل عرضها ويبلغ نحو إحدى عشر بوصة. أم النص فمكتوب بخط جميل أنيق بدون زخرفة، وعلى ثلاثة أعمدة في كل صفحة.

د - المخطوطة الأفريقية >C(04)<: وهي أهم مخطوطة باللغة اليونانية للعهد الجديد على رقوق أعيد استعمالها بعد محو الكتابة التي كانت عليها قبلًا. وتوجد هذه المخطوطة في المكتبة القومية في باريس، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، وكانت أصلًا تضم كلا العهدين القديم والجديد، وفي القرن الثاني عشر تم محو النص الكتابي من عليها فنزعت معظم أوراقها، وما بقي منها كتبت عليه بعض أقوال أفرام السرياني. وقد تمكن تيشندورف من قراءة النص الكتابي ونشره، إلا أنه استخدام الكيماويات في محاولة إظهار الكتابة الأصلية، قد شوه المخطوطة بدرجة كبيرة. وتضم الأجزاء المتبقية من المخطوطة أجزاء من كل أسفار العهد الجديد تقريبًا.

ه المخطوطة البيزية (Codex Bezae)ويرمز لها بالرمز >D (05)<: وهي مخطوطة من القرن السادس وتضم الأناجيل الأربعة وسفر الأعمال، وهي محفوظة في مكتبة جامعة كمبردج منذ أن أهداها إليها تيودوربيزا في 1581م. وقد كتب النص على عمود واحد لكل صفحة مع اختلاف في أطوال السطور. والنص فيهما مدون بلغتين هما اليونانية واللاتينية على صفحتين متقابلتين. وترتيب الأناجيل فيها يبدأ بإنجيل متى ثم يوحنا فلوقا ثم مرقس. وتعد الممثل الرئيسي لما يعرف "بالنص الغربي" (Western text). ولنصوصها بعض الظواهر المميزة، كما أن سفر الأعمال فيها يزيد بمقدار العشر عن النص المألوف.

و المخطوطة الكلارومونتانية (Codex claromontantanus) ويرمز لها بالرمز "(06) D Paul ". وهي محفوظة في المكتبة القومية في باريس، ويرجع تاريخها إلى القرن السادس وتضم كل رسائل الرسول بولس إلى جانب الرسالة إلى العبرانيين، ومن الملفت للنظر أن المخطوطتين المسجلتين تحت الرمز >D< مدونتان بلغتين هما اليونانية واللاتينية على صفحتين متقابلين (اليونانية على الصفحة اليسرى). وقد كتب النص في كلتا المخطوطتين بحيث يكون لكل سطر معنى مستقل، لذلك اختلفت أطوال السطور. وتمثل كلتا المخطوطتين النص الغربي.

ز المخطوطة الأرجوانية البتروبوليتانية (Codex Purpureus.. Petropolitanus) ويرمز لها >N(022)< وهي مكتوبة بحروف فضية على رقوق أرجوانية، ومثلها في ذلك >Q(023) Codex ، (042)<، >(043)<. وترجع هذه المخطوطات الأربع إلى القرن السادس الميلادي. ويوجد معظم المخطوطة الأرجوانية >N(022)< في ليننجراد، كما توجد أجزاء منها في أماكن أخرى عديدة.

ح - المخطوطة الفريريانية أو الواشنطينية (Codex Freerianus) وترجع إلى القرن الرابع أو القرن الخامس الميلادي، وهي محفوظة في قسم فرير للفن في معهد سيمشسونيان في واشنطن ويرمز لها بالرمز " W(032) " وهي مثل المخطوطة "D" تضم الأناجيل الأربعة بالترتيب الغربي (أي متى يوحنا لوقا مرقس).

ط - المخطوطة الزاكينيثية (Codex Zacynthius) ويرمز لها بالرمز >14 (040)< وهي محفوظة في مكتبة جمعية التوراة البريطانية في لندن، وهي عبارة عن رقوق مكتوبة بعد محو كتابة سابقة، وترجع إلى القرن الثامن، وتحوي إنجيل لوقا، وهي أقدم مخطوطة معروفة للعهد الجديد، كتب فيها النص الكتابي مع شروحات الآباء، كما أنها المخطوطة الوحيدة الباقية التي كتب فيها النص وتفاسير الآباء بالحروف الكبيرة المنفصلة.

 

(3) المخطوطات بحروف صغيرة متصلة:

والمخطوطات المكتوبة بهذه الطريقة تزيد عددًا عن المخطوطات المكتوبة بالحروف الكبيرة المنفصلة بنسبة عشرة إلى واحد، مع احتمال فقدان نسبة كبيرة من المخطوطات بالحروف الكبيرة المنفصلة أكثر مما فقد من المخطوطات بالحروف الصغيرة وذلك لأن المخطوطات الأولى أقدم من الثانية، كما يدل التفاوت الكبير بين أعداد المخطوطات المتبقية من النوعين، على أن عملية الكتابة بالحروف الصغيرة كانت أسرع وأيسر وأقل تكلفة من الكتابة بالحروف الكبيرة المنفصلة. وأهم المخطوطات المكتوبة بحروف صغيرة هي:

(أ) المخطوطة المرقومة >I<: وهي مخطوطة من القرن الثاني عشر وتضم كل العهد الجديد ما عدا سفر الرؤيا، وهي محفوظة في بازل في سويسرا. وكانت إحدى المخطوطات التي استخدمها "إرازمس" في إعداد أول نسخة مطبوعة من العهد الجديد باليونانية، ويطلق مصطلح العائلة رقم (1) على مجموعة من هذه المخطوطات المكتوبة بحروف صغيرة، وهي المخطوطات:1،118،131،209،1582، وترجع جميعها إلى ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، وهي متشابهة جدًا في نصوصها، وتختلف إلى حد ما عن نمط النص السائد في سائر المخطوطات المكتوبة بالخط الصغير بصفة عامة.

(ب) المخطوطة المرقومة برقم >2<: وهي من القرن الثاني عشر الميلادي وتضم كل الأناجيل وهي محفوظة في بازل في سويسرا، وقد استخدمها إرازمس أيضًا.

(ج) المخطوطة المرقومة برقم >13<: وترجع إلى القرن الثالث عشر وتضم كل الأناجيل، وهي محفوظة الآن في باريس. وعائلة هذه المخطوطة مكتوبة بالحروف الصغيرة، وشديدة التشابه، وتضم المخطوطات >828,826,788,543,346,124,69,13< وبضع مخطوطات أخرى، وتتميز هذه المجموعة بأن قصة "المرأة التي أمسكت في زنا" وردت بعد [(لوقا 21: 38)؛ وليس بعد (يو 7: 52)]. كما أن هناك علاقة وثيقة بين عائلة المخطوطة >13< وعائلة المخطوطة >I< .

(د) المخطوطة المرقومة برقم >33<: وتسمى "ملكة المخطوطات المكتوبة بالخط الصغير"، وذلك بسبب نصها الرائع، وترجع إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي وتضم العهد الجديد كله ما عدا سفر الرؤيا، وهي محفوظة في باريس.

(ه) المخطوطة المرموقة برقم >81<: وهي واحدة من المخطوطات القليلة التي سجل عليها تاريخ تدوينها، وهو 1044م. وتضم سفر الأعمال في نص رائع. وهي محفوظة في لندن.

(و) المخطوطة المرقومة برقم >565<: وترجع إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي، وتشتمل على الأناجيل الأربعة، وهي محفوظة في لينينجراد، وهي مكتوبة بحروف ذهبية على رقوق أرجوانية، وتعد من اجمل مخطوطات العهد الجديد، ويختلف النص فيها بعض الشيء عن نص المخطوطات العادية المكتوبة بخط صغير، ولكنها تنتمي إلى عائلتي المخطوطات >1<، >13<.

(ز) المخطوطة المرقومة برقم >700<: وترجع إلى القرن الحادي عشر أو الثاني عشر الميلادي، وتختلف بعض الشيء عن النص الشائع في المخطوطات المكتوبة بالحروف الصغيرة، ولكنها تشبه المخطوطة >565< وعائلتي المخطوطتين >I<، >13<. وتشترك المخطوطة “700” مع المخطوطة “162” في تسجيل عبارة " ليأت روحك القدوس علينا ويطهرنا " محل عبارة " ليأت ملكوتك" (لو 11: 2).

(ح) المخطوطة رقم >1424<: ويرجع تاريخها إلى القرن التاسع أو العاشر، وتملكها كلية اللاهوات اللوثرية في "ماي وود" في ولاية إيلينوي الأمريكية، وهي تحتوي على العهد الجديد كله، كما تضم شرحًا لكل أسفار العهد الجديد ما عدا سفر الرؤيا. وتشكل هذه المخطوطة مع المخطوطات المرموز لها بحرف >M< وهي نحو خمس وعشرين مخطوطة، مجموعة أو عائلة من المخطوطات برقم >1424<.

 

(3) القراءات الكتابية (Lectionaries):

ومع أن مخطوطات القراءات الكتابية بدأت أصلًا في فترة الكتابة بالحروف الكبيرة المنفصلة، إلا أن معظم المخطوطات التي وصلتنا منها، مكتوبة بالحروف الصغيرة، ولم تتم سوى دراسات قليلة حول مخطوطات القراءات الكتابية، حتى قامت جامعة شيكاغو في السنوات الأخيرة بدراستها. ففي الأزمنة المبكرة جدًا، تم تحديد بعض الفصول الكتابية لقراءتها في كل يوم من أيام السنة، وفي الخدمات الخاصة والمناسبات الخاصة. كما يوجد في عدة مخطوطات للعهد الجديد داخل النص ذاته إشارات إلى بداية بعض القراءات ونهايتها. ومع بداية القرن الرابع، أعدت مخطوطات خاصة كتب فيها العهد الجديد بترتيب خاص ليستخدم في القراءات اليومية، أو للقراءة في السبوت والآحاد، بدءًا بعيد القيامة. ويعرف هذا النوع من كتب القراءات الكتابية اليومية باسم " السنكسار"(synaxarion). وهناك نوع آخر فيه قراءات لمناسبات خاصة، ويعرف باسم " مينولوجيون" (menologion) أو " القراءات الشهرية". وتشمل دروس القراءات الكتابية كل أسفار العهد الجديد ما عدا سفر الرؤيا. أما كتاب القراءات الكتابية الذي يضم دروسًا من الأناجيل فيعرف باسم "إيفانجلستريون" (Evangelistarion)أي "الإنجيل". أما الكتاب الذي يضم دروسًا من باقي أسفار العهد الجديد، فيعرف باسم "أبوستوليكون" (Apostolicon) أي " الرسائل".

وعلاوة على تقديم النص بترتيب مختلف، فإن أولى كلمات درس الكتاب المقدس في كتب القراءات، كانت تعدَّل أحياناَ، لتجنب عدم الترابط أو لتوضيح المقصود (مثل تغيير كلمة "هو" بكلمة "يسوع"). كما أن بعض القراءات كثيرًا ما تذكر مسبوقة بعبارة مثل:" وقال الرب لتلاميذه"، أو " وفي ذلك الوقت" أو " وقال الرب لهم هذا المثل" وغيرها.

وقد وصلتنا نحو ألف وثمانمائة مخطوطة للقراءات الكتابية، يتراوح حجمها بين قصاصات صغيرة إلى مخطوطات كاملة. ويضم نحو ثلثي هذه المخطوطات قراءات الأناجيل، ونحو الثلث قراءات من الرسائل. أما الكمية الضئيلة الباقية فتضم مزيجًا من النوعين.

 

(ب) الترجمات القديمة:

لم تكن ترجمة الأعمال الأدبية من لغة إلى أخرى أمرًا مألوفًا في الأزمنة القديمة. وفي الأحوال التي تم فيها ذلك، لم تكن الترجمة من الدقة بحيث يمكن تحديد كلمات النص الأصلي. والترجمة اليونانية للعهد القديم والمعروفة بالسبعينية هي في الحقيقة الترجمة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها بصفة عامة.

وبانتشار رسالة الإيمان المسيحي، بدأ المرسلون في ترجمة الكتاب المقدس إلى لغة الشعوب التي يخدمون بينها، ولأن هذه الترجمات كانت بعامة ترجمات أمينة للغة الأصلية، فإنها تقدم لنا أدلة مؤيدة لصحة نصوص العهد الجديد.

ويجب مراعاة بعض الحذر عند استخدام أي ترجمة دليلًا على النص اليوناني الأصلي الذي ترجمت عنه، فإن امتلاك المترجم لناصية اللغة اليونانية واللغة التي يترجم إليها، له أثره في سلامة ترجمته. ولكن لا بد من احتمال وجود بعض الأخطاء في الترجمة. كما ينبغي إدراك أن هناك خصائص لغوية لا نظير لها في اللغة الأخرى، فمثلًا ليس في اللاتينية أداة تعريف، ومن ثم فالكلمة في اللاتينية قد تكون منقولة عن كلمة يونانية معرفة أو نكرة. وعند الترجمة من لغة إلى أخرى، يعتمد المعنى إلى حد بعيد على ترتيب الكلمات، ومن ثم لا يمكن الاعتماد عليها في معرفة ما حدث من تغيير في ترتيب الكلمات الأصلية في اليونانية. علاوة على ذلك لم تصل إلينا المخطوطة الأصلية لأي ترجمة قديمة، ولا بد لدارس النصوص أن يبني دراسته على نسخ قد تتضمن أخطاء النقل إلى جانب ما حدث من تغييرات في الترجمة في تاريخ لاحق، ومن ثم فلا بد أن تخضع الترجمة ذاتها للنقد لتحقيق النص الأصلي للترجمة بقدر المستطاع، وذلك قبل استخدام هذه الترجمة في تحقيق النص الكتابي.

وليس للترجمة في حد ذاتها أهمية كبيرة في نقد النصوص، ولكن أهميتها تتوقف على ما تتيحه هذه الترجمة من معرفة النص اليوناني الذي نقلت عنه، ولو عرفنا تاريخ الترجمة بالتقريب، لأمكن الاستدلال على النص الذي كان مستخدمًا في ذلك التاريخ في المنطقة الجغرافية التي تمت فيها الترجمة.

 

ونعرض فيما يلي لأهم الترجمات القديمة للعهد الجديد:

1 الترجمات السريانية:

رغم أن السريانية كانت لهجة من لهجات اللغة الأرامية التي كانت مستخدمة في فلسطين في أيام الرب يسوع على الأرض، فإن الترجمات السريانية التي وصلتنا مترجمة جميعها عن أصول يونانية، ومن ثم فهي أقل قيمة من المخطوطات اليونانية. وأهم الترجمات السريانية:

 

(أ) الدياطسرون (Diatesseron):

رغم أنه ليس معروفًا تمامًا إن هذا الكتاب قد كتب أصلًا باللغة السريانية أو باليونانية، إلا أنه يمكن اعتباره من النسخ السريانية، وذلك بسبب تأثيره الكبير على الكنيسة السريانية.

قام بكتابة الدياطسرون (ومعناه:"من خلال الأربعة") في منتصف القرن الثاني الميلادي، رجل اسمه تاتيان (Tatian) كقصة واحدة متصلة تجمع بين مواد مأخوذة من الأناجيل الأربعة. وقد عثر في منطقة الشرق الأوسط في 1933م على قصاصة باللغة اليونانية من الدياطسرون يعتقد أنها ترجمت عن السريانية. والأرجح أن الدياطسرون قد ترجم إلى اللاتينية في حياة تاتيان. ولا توجد مخطوطة للدياطسرون بصورته الأصلية في السريانية، ولكن وصلنا جزء من شرح له في السريانية بقلم أفرايم السرياني (378م)، ويعتبر أهم مصادر معرفتنا بالدياطسرون. وقد احتفظت لنا ترجمة أرمينية بكل شرح أفرايم له. كما توجد جملة مخطوطات له في العربية وكذلك في الفارسية: وقد ترك الدياطسرون تأثيرًا كبيرًا في الشرق وبخاصة في الكنائس السريانية والآرمينية والجورجيانية. كما يظهر تأثير الدياطسرون في التوفيقات بين الأناجيل الأربعة، التي كتبت بعد ذلك في لغات أخرى.  وتم رفض الدياتسرون من الكنيسة بسبب عدم اتفاقه مع قصد الوحي الإلهي.

 

(ب) الترجمة السريانية القديمة:

وبالإضافة إلى الدياطسرون، تمت ترجمة بعض أجزاء من العهد الجديد أو تجميعها إلى السريانية في بداية القرن الثالث أو قبل ذلك. وقد وصلت إلينا هذه الترجمة المبكرة في مخطوطتين للأناجيل: إحداهما مخطوطة من القرن الخامس قام بنشرها "وليم كورتون" في 1858م وتعرف باسم مخطوطة "كورتون السريانية" ويرمز لها بالرمز “Syr c” . والثانية هي مخطوطة من القرن الرابع كتبت فوق كتابة سابقة تم محوها اكتشفت في دير سانت كاترين على جبل سيناء في 1892م وتعرف باسم مخطوطة "سيناء السريانية" ويرمز لها بالرمز “Syr s” . والأختلاف بين هاتين المخطوطتين يزيد عن مجرد اختلاف عادي بين أي مخطوطتين لنفس النص. ولعل مخطوطة سيناء السريانية أقدم تاريخًا، وما مخطوطة "كورتون السريانية" إلا تنقيح لاحق لها.

 

(ج) الترجمة البشيطة أو البسيطة (Peshita):

في أواخر القرن الرابع تمت ترجمة جديدة للعهد الجديد إلى اللغة السريانية. ولم تشمل هذه الترجمة رسالة بطرس الرسول الثانية وكذلك رسالتي يوحنا الثانية الثالثة ورسالة يهوذا وسفر الرؤيا. ويرمز لهذه الترجمة بالرمز “Syr p”. وحيث أن الكنيسة السريانية بقسميها تقبل هذه الترجمة، فلا بد أنها كانت مستخدمة قبل انقسام الكنيسة السريانية أي قبل 431م. وما زالت "الترجمة البشيطة" مستخدمة (وقد أضيفت إليها الأسفار التي تنقصها، نقلًا عن ترجمة "فيلو كسينيوس"). وتوجد منها أكثر من ثلاثمائة مخطوطة، يرجع بعضها إلى القرنين الخامس والسادس بعد الميلاد.

 

(د) ترجمة فيلوكسينوس:

في 508 م قام شخص اسمه "بوليكاربوس" (Polycarp) بترجمة كاملة للعهد الجديد إلى اللغة السريانية ليقدمها إلى "فيلوكسينيوس" (Philoxenius) أسقف "مابوج" (Mabug) في سوريا. ويرمز لهذه الترجمة بالرمز "Syrph". ولعل الجزء الوحيد الذي وصلنا من هذه المخطوطة هو ترجمة رسائل بطرس الثانية ويوحنا الثانية والثالثة ويهوذا وسفر الرؤيا غير الموجودة في البشيطة).

 

(ه) الترجمة الهركلية:

لا نعلم بالضبط ما إذا كان توماس الهركلي أسقف مابوج الذي خلف فيلو كسينيوس قد أعاد إصدار ترجمة فيلو كسينيوس في 616 م. مع إضافة بعض الملحوظات الهامشية نقلًا عن بعض المخطوطات اليونانية، أو أنه قام بتنقيح شامل لها مع إضافة بعض القراءات في هوامشها، اعتقد هو بأهميتها، لكنه لم يجد مبررًا لوضعها في المتن. ولو صح هذا الغرض لكان الأثر الوحيد الباقي من ترجمة فيلو كسينيوس هو المخطوطة المشار إليها آنفًا، ويرمز لها بالرمز >Syr h<. ولهذه القراءات الهامشية في الترجمة الهركلية أهمية خاصة في نقد النصوص وبخاصة في سفر أعمال الرسل.

 

(و) الترجمة الفلسطينية:

يرجح أنه في القرن الخامس تمت ترجمة سريانية أخرى ليس لها ارتباط وثيق بالترجمات السريانية الأخرى، وتعرف باسم "الترجمة الفلسطينية" ويرمز لها بالرمز “Syr pal” . وتنفرد هذه الترجمة بأنها مدونة على صورة قراءات كتابية، وقد وصلت إلينا في ثلاث مخطوطات من القرنين الحادي عشر والثاني عشر، ولعلها ترجمت أصلًا عن كتاب قراءات كتابية باللغة اليونانية.

 

2 الترجمات اللاتينية:

(أ) الترجمة اللاتينية القديمة (إيطالا Itala):

رغم أن اللغة اليونانية كانت هي اللغة الشائعة في الحديث والكتابة في معظم أرجاء الإمبراطورية الرومانية إبان القرنين الأولين أو القرون الثلاثة الأولى من العصر المسيحي، إلا أنه سرعان ما ظهرت الحاجة إلى ترجمة لاتينية للكتاب المقدس. وفي نهاية القرن الثاني أصبحت الأناجيل وربما العهد الجديد كله متداولة باللغة اللاتينية في شمالي أفريقيا، وسرعان ما انتشرت هذه الترجمة في سائر أجزاء الإمبراطورية. وتختلف مخطوطات الترجمة اللاتينية القديمة (التي يرمز لها بالرمز OL أو IT من Itala) فيما بينهما اختلافًا كبيرًا حتى ليبدو أن الترجمة اللاتينية لم تكن ترجمة واحدة بل ترجمات عديدة، مما يتفق مع قول أوغسطينوس من أنه في الأيام الأولى من العصر المسيحي، حاول كل من لديه مخطوطة يونانية، وعلى دراية باللغتين اليونانية واللاتينية، أن يترجم الأسفار المقدسة إلى اللاتينية. وما بهذه الترجمات من ألفاظ دارجة وتعبيرات بسيطة، يؤيد النظرية القائلة بأنها قد ظهرت أصلًا بين عامة الشعب. وليس بين المخطوطات الخمسين أو نحو ذلك المعروفة لهذه الترجمة، مخطوطة تحوي العهد الجديد كاملًا، وإن كانت في مجموعها تحوي الجزء الأكبر منه. ويرجع تاريخ هذه المخطوطات إلى مابين القرن الرابع والقرن الثالث عشر، مما يدل على أن الترجمة اللاتينية القديمة " OL " ظلت مستخدمة زمنًا طويلًا بعد أن حلت "الفولجاتا" محلها رسميًا.

 

(ب) ترجمة جيروم أو الفولجاتا:

وبمرور الوقت اتضحت الاختلافات الكبيرة فيما بين الترجمات اللاتينية القديمة، وأصبحت غير مقبولة. وفي عام 382 م.، قام البابا "داماسوس"(Damasus) بتكليف "جيروم" أنبغ علماء الكتاب المقدس في عصره بأن يعكف على تنقيح الترجمة اللاتينية لتكون مطابقة لليونانية. ومن خلال عامين استطاع جيروم أن ينتهي من مراجعة الأناجيل الأربعة معلنًا أنه لم يغيَّر من الكلمات اللاتينية إلا ما شعر بلزوم تغييره. كما انتهى بعد ذلك من مراجعة بقية العهد الجديد، ولو أنها كانت مراجعة سريعة. ويشك البعض في قيام جيروم بمراجعة ما يزيد عن الأناجيل الأربعة.

والتنقيح الذي أجراه جيروم والمعروف باسم "الفولجاتا" أو الترجمة الدارجة وقد أعيد تنقيحها عدة مرات على مدى القرون هو أساس الترجمة الرسمية في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وقد وصلنا نحو ثمانية آلاف مخطوطة من الفولجاتا اللاتينية، وهو ضعف عدد المخطوطات اليونانية، مما يرجح أن الفولجاتا كانت أكثر الكتب القديمة شيوعًا.

 

3- الترجمات القبطية:

في العصور الأولى للمسيحية، تطورت الأبجدية المصرية القديمة باستخدام الحروف اليونانية مع بعض الحروف التي أخذت عن الكتابة الديموطيقية القديمة، التي اشتقت هي والهيراطيقية من الكتابة الهيروغليفية الأقدم عهدًا. وانتشرت ست لهجات فيما بين دلتا النيل حتى جنوبي البلاد. وأهم هذه اللهجات بالنسبة لدراسة العهد الجديد هي:

 

(أ) الترجمة القبطية الصعيدية:

بدأت ترجمة أجزاء من العهد الجديد إلى اللهجة الصعيدية التي كانت مستخدمة في منطقة طيبة وما وراءها في أوائل القرن الثالث، ولم يمض قرن من الزمان حتى كان كل العهد الجديد قد ترجم إلى اللهجة الصعيدية. والمخطوطات التي وصلتنا والتي ترجع إلى القرن الرابع والقرن السادس تحتفظ لنا بالعهد الجديد كله تقريبًا مترجمًا إلى هذه اللهجة.

 

(ب) الترجمة القبطية البحيرية:

وكانت هذه هي اللهجة المستخدمة في الإسكندرية ومصر السفلى. ويبدو أن العهد الجديد قد ترجم إلى البحيرية في زمن متأخر عن زمن ترجمته إلى الصعيدية، ولعل هذا كان يرجع إلى أنه في الإسكندرية العاصمة الثقافية لم يشعروا بالحاجة إلى ترجمته إلا في زمن لاحق. وقد وصلنا ما يزيد عن مائة مخطوطة للعهد الجديد باللهجة البحيرية، ولكن أقدمها يعود تاريخ كتابتها إلى القرن الثاني عشر، مما دعا بعض العلماء إلى افتراض تاريخ متأخر جدًا للترجمة الأصلية إلى اللهجة البحيرية، ولكن ظهور مخطوطة إنجيل يوحنا المكتوبة على ورق البردي باللهجة البحيرية والتي ترجع إلى القرن الرابع والموجودة في مجموعة مكتبة بودمر يدل على أن الترجمة إلى اللهجة البحيرية تعود أصلًا إلى القرن الرابع أو إلى ما قبله.

 

(ج) ترجمة لهجات مصر الوسطى:

وما بين المنطقتين السابقتين (الصعيدية والبحيرية)، قد ترجمت ولا بُد أجزاء من العهد الجديد إلى لهجات أخرى من لهجات اللغة القبطية، فقد وصلتنا مخطوطات لإنجيل يوحنا باللهجة الفيومية واللهجات الاخميمية. كما توجد مخطوطات بالاخميمية تحتوي على أجزاء من الأناجيل والرسائل الجامعة ترجع إلى القرن الرابع أو القرن الخامس.

 

4- الترجمة القوطية:

ترجم العهد الجديد إلى اللغة القوطية في منتصف القرن الرابع الميلادي بواسطة "أولفيلاس" (Ulfilas) الذي ينسب إليه "متزجر" (Metzger) وآخرون فضل تطويع اللغة القوطية لتصبح لغة كتابة أيضًا. وقد وصلتنا هذه الترجمة في نحو ست مخطوطات ترجع إلى القرنين الخامس والسادس، وجميعها على هيئة قصاصات. وما زالت هناك مخطوطة في مكتبة جامعة أوبسالا في السويد، وتسمى بالمخطوطة الفضية لأنها مكتوبة بحبر فضي على رقوق جلدية أرجوانية، وتضم أجزاء من الأناجيل. أما بقية المخطوطات القوطية فمكتوبة على ورق أعيد استخدامها بعد محو الكتابة القديمة من عليها.

 

5- الترجمة الأرمينية:

ترجم العهد الجديد من اليونانية إلى اللغة الأرمينية مباشرة في النصف الأول من القرن الخامس بواسطة القديس "مصروب" (Mesrop) الذي ابتكر الأبجدية الأرمينية أيضًا بمساعدة القديس "اسحق" (Sahake). وهناك تقليد آخر يقول إن الذي قام بالترجمة هو القديس اسحق عن السريانية. وتم تنقيح هذه الترجمة فيما بعد لتصبح في القرن الثامن هي الترجمة السائدة، ولتصبح أساس الكتاب المقدس في اللغة الأرمينية، الذي ما زال مستخدمًا حتى الآن. ولا تعتبر هذه الترجمة الأرمينية جميلة ودقيقة فحسب، بل يوجد أيضًا من مخطوطاتها أكثر من 1500 مخطوطة وهو ما يزيد عن مخطوطات أي ترجمة أخرى للعهد الجديد. ويرجع معظم هذه المخطوطات إلى القرن التاسع وما بعده، وهي تمثل الصورة المنقحة للترجمة الأصلية.

 

6- الترجمة الجورجانية: (Georgian):

دخلت المسيحية في القرن الرابع إلى جورجيا الواقعة بين البحر السود وبحر قزوين. أما أصل هذه الترجمة الجورجانية فليس مؤكدًا. ولكن البعض ينسبونها إلى القديس "مصروب" الذي ارتبط اسمه بالترجمة الأرمينية. كما أنها ترجع إلى القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس. ومن الواضح أنها ترجمت عن الأرمينية أو على الأقل تأثرت بها إلى حد بعيد. وقد تم آخر تنقيح لها في نحو القرن الحادي عشر، وهذا التنقيح هو أساس الترجمة الجورجانية التي ما زالت مستخدمة حتى الآن. وتوجد منها مخطوطات كثيرة، ولكن ثلاث مخطوطات منها ترجع إلى القرنين التاسع والعاشر تحتفظ بالكثير من عناصر الترجمة الجورجانية القديمة.

 

7- الترجمة الإثيوبية:

هناك نحو مائة مخطوطة معروفة للترجمة الإثيوبية، لكن ليس فيها ما يرجع إلى ما قبل القرن الثالث عشر، مما يزيد من مشاكل تحديد أصل الترجمة الإثيوبية، مع وجود رأيين متطرفين، يرجع بها أحدهما إلى القرن الثاني، والآخر إلى القرن الرابع عشر، إلا أن الأرجح أنها ترجع إلى القرن السادس تقريبًا، ويحتمل أنها ترجع إلى ما قبل ذلك. وقد ترجمت عن السريانية أو لعلها ترجمت عن اليونانية مباشرة.

 

8- الترجمة السلافية:

يرجع الفضل في ترجمة العهد الجديد إلى اللغة السلافية إلى القديس كيرلس وأخيه ميثوديوس، ويبدو أنهما قد ابتكرا صورتي الأبجدية السلافية "الكيرلسية" و"الجلاجوليتية". وقد ترجم هذان الخوان اللذان كرزا للسلافيين العهد الجديد إلى اللغة السلافية في النصف الثاني من القرن التاسع، ولعلها كانت أصلًا على شكل قراءات كتابية، وهي الصورة الموجودة في معظم المخطوطات السلافية الموجودة بين أيدينا.

 

(9) ترجمات أخرى:

ترجم العهد الجديد إلى اللغة العربية في بضع ترجمات بعد القرن السابع الميلادي وانتشار اللغة العربية في بلاد الشرق الوسط، وكانت إحدى هذه الترجمات بأسلوب النثر المسجوع، وتمت هذه الترجمات نقلًا عن ترجمات في لغات أخرى وليس عن الأصل اليوناني. كما توجد بضع مخطوطات من ترجمة إلى اللغة الفارسية ترجع إلى القرن الرابع عشر وما بعده. وقد ظهرت منذ القرن الثامن ترجمة باللغة الفرنكية (Frankish) وهي اللغة التي كانت منتشرة في غربي ووسط أوروبا. وهناك مخطوطة لجزء من إنجيل متى باللغتين الفرنكية واللاتينية. كما توجد قصاصات باللغة السوجدانية وهي لغة التجارة في جنوبي وسط أسيا ترجع إلى القرن العاشر الميلادي. كما يوجد جزء من مخطوطة لبعض القراءات الكتابية ترجع بها إلى القرن العاشر بلغة نوبية وهي اللغة التي كان يتحدث بها أهل المنطقة الواقعة بين مصر وإثيوبيا. كما توجد تسع مخطوطات باللغة الأنجلوسكسونية ترجع إلى ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر.

ورغم أن بعض ترجمات العهد الجديد كانت موضع دراسة جادة بذل فيها جهد يستحق التقدير، إلا أن هناك الكثير الذي يجب القيام به فيما يختص بهذه الترجمات المختلفة ليصبح لها إسهامها الواضح في دراسة نصوص العهد الجديد.

 

(ج) اقتباسات الآباء:

بالإضافة إلى المخطوطات اليونانية للعهد الجديد وغيرها من الترجمات القديمة إلى اللغات الأخرى، فإن اقتباسات آباء الكنيسة الأولين من الكتاب المقدس، تمثل مصدرًا هامًا من مصادر معرفة نصوص العهد الجديد، وقد دونت معظم أعمال أولئك الآباء باليونانية أو باللاتينية، والقليل منها بالسريانية وبعض اللغات الأخرى. وهذه الاقتباسات من الوفرة بحيث يمكن في الحقيقة إعادة تجميع نصوص العهد الجديد منها وحدها.

وكما هو الحال في الترجمات، هناك حدود لاستخدام كتابات الآباء كمصدر يساعدنا على تحقيق نصوص العهد الجديد، فأصول بعض هذه الكتابات لم تَصِل إلينا، ولذلك كان لِزامًا على مَنْ يقوم بدراسة هذه الكتابات أن يفحص نصوصها فحصًا نقديًا ليحقق بقدر الإمكان كلماتها الأصلية، وبخاصة ما فيها من اقتباسات من العهد الجديد. حيث أن هذه الاقتباسات من العهد الجديد التي تضمنها كتابات الآباء هي بذاتها الأجزاء التي قد يغيرها الكاتب عمدًا، متى كان النص المقتبس مثلًا لا يتفق مع النص المألوف للكاتب. وحتى إذا أمكن تحقيق الصورة الأصلية للاقتباس في كتابات الآباء، فقد يكون الكاتب قد أعطى المعنى العام للفقرة بدلًا من نقلها حرفيًا،أو إذا كان الكاتب (أو من يملي عليه) يكتب الاقتباس من الذاكرة وليس نقلًا عن مخطوطة للعهد الجديد، وبذلك تصبح قيمة هذه الفقرة محدودة فيما يختص بنقد النصوص. والأرجح أن الاقتباسات الطويلة كانت تنقل مباشرة عن مخطوطة أكثر مما في حالة الاقتباسات القصيرة.

وكما في الترجمات، فإن لاقتباسات الآباء أهميتها لِما تقدمة لنا من المعلومات عن نصوص العهد الجديد، ويمكن عن طريقها تحديد صورة النص الذي استخدمه كل واحد منهم، ولابد أنه كان النص الشائع في المنطقة التي كان يقيم فيها وفي العصر الذي عاش فيه، وبعبارة أخرى: إن اقتباسات الكاتب تشكل مخطوطة لجزء من العهد الجديد الذي كان مستخدمًا في تلك المنطقة وفي ذلك العصر. كما أن الكتَّاب القدامى كانوا يشيرون - أحيانًا - إلى القراءات المختلفة التي كانوا يعلمون بوجودها في مخطوطات العهد الجديد، وقد يدلون بآرائهم في هذه القراءات. وإليك قائمة بأسماء قليلة من أشهر آباء الكنيسة:

ورغم الأهمية الكبيرة لاقتباسات الآباء في تحقيق نصوص العهد الجديد، فما زال هناك الكثير مما يجب عمله سواء في تحقيق هذه الكتابات أو تحليل اقتباساتهم من العهد الجديد.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

رابعًا : نقل نصوص العهد الجديد:

(أ‌) قبل اختراع الطباعة:

(1) ظهور اختلافات في النصوص:

عندما كتبت أسفار العهد الجديد كانت أصلًا عملًا خاصًا أكثر منه عملًا أدبيًا بالمعنى المفهوم، وكان هذا صحيحًا بالنسبة لمعظم رسائل العهد الجديد بخاصة فقد كانت رسائل موجهة لأفراد وجماعات، بل إن الأناجيل نفسها قد كتبت لهدف يختلف عن هدف أي عمل أدبي عادي. ولهذا فعند نسخ أي سفر من أسفار العهد الجديد في تلك الفترة المبكرة كان ينسخ للاستعمال الشخصي بواسطة كاتب غير متخصص، وعلاوة على ذلك، فإنه لما كان فحوى السفر أو الرسالة هو أهم شيء، لم يكن الناسخ يحس بالضرورة أنه ملزم بنقل النص بنفس ترتيب الكلمات أو التفاصيل التي لا تؤثر في المعنى. أما في حالة الأسفار التاريخية، فكان النسَّاخ على ما يبدو يشعرون أحيانًا بحرية إضافة بعض التفصيلات الصغيرة للتوضيح. وفضلًا عن ذلك، لم تكن للديانة المسيحية في الفترة المبكرة للعهد الجديد لدى السلطات السياسية مكانة تشجع على القيام بمقارنة واسعة لمخطوطات العهد الجديد في ذلك العصر، كما أنه من العسير تحاشي الاختلافات والأخطاء حتى مع افتراض أفضل النوايا في الدقة عند الناسخ، ومن ثم تجمعت كل هذه العوامل فنتج عنها وجود بعض الاختلافات بين المخطوطات في الفترة الأولى بعد أن تمت كتابة كل أسفار العهد الجديد. واستمرت هذه الفترة إلى أن حصلت المسيحية على اعتراف السلطات بها رسميًا في أوائل القرن الرابع، وإن يكن معظم هذه الاختلافات التي لها أهميتها في تحقيق النصوص قد ظهرت في النصف الأول من تلك الفترة.

وفي نفس الوقت يجب عدم المغالاة في أهمية هذه الاختلافات، فمما لا شك فيه أن أسفار العهد الجديد حاليًا بدأ تداولها أصبحت تعتبر أعمالًا أدبية، وأصبح لزامًا على ناسخيها أن يحرصوا أشد الحرص في نقلها لسببين، هما: الحفاظ تمامًا على نفس كلمات النص المقدس، علاوة على الالتزام العام عند نسخ أي عمل أدبي.

وقد أدت الاختلافات التي حدثت بين المخطوطات نتيجة لتكرار النسخ إلى ظهور "عائلات" أو "مجموعات" من المخطوطات أو ما يعرف باسم "النصوص المحلية". وقد حمل المسيحيون نسخ العهد الجديد بخصائصها واختلافاتها إلى مختلف البلاد والمناطق. ومع تكرار نسخ كل مخطوطة، كانت النسخ الجديدة تشتمل على مجموعة الاختلافات في المخطوطة المنقول عنها، أي المخطوطة الأم، كما كانت تختلف بدرجة أكبر عن النسخ المنقولة عن مخطوطات أخرى في الأماكن المختلفة. وعلى هذا فإن الخصائص المشتركة بين مجموعة من المخطوطات تدل على مصدرها المشترك، كما تميزها عن المجموعات الأخرى. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تنسب مجموعة من المخطوطات إلى منطقة معينة وزمن معين من خلال ما فيها من اختلافات مميزة لكتابات أحد آباء الكنيسة أو تلك الموجودة في إحدى الترجمات في زمن محدد ومكان معين.

وعندما حصلت المسيحية على الاعتراف الرسمي بها في عهد الإمبراطور قسطنطين، لم تعد هناك حاجة لإخفاء مخطوطات العهد الجديد، بل سرعان ما أصدر الإمبراطور نفسه أمرًا بعمل نسخ من الكتاب المقدس لكنائس القسطنطينية. والواضح أنه لم يمض وقت طويل حتى عُمِلَت مقارنة بين المخطوطات، واكتشفت الاختلافات التي بينها، وبخاصة المخطوطات الموجودة في البلاد المختلفة. وفي غضون القرون الثلاثة التالية، حدث تقارب بين المخطوطات، سواء كان ذلك عن قصد وبطريقة رسمية، أو عن غير قصد وبطريقة غير رسمية، وازدادت المخطوطات المستنسخة خلال هذه الفترة تطابقًا لتكون على صورة واحدة. وقد أصبح ميسورًا الحفاظ على هذه الصورة لأن عملية نسخ المخطوطات أصبح يقوم بها في الغالب نسَّاخ متخصصون ومدربون.

بالإضافة إلى ذلك كان هناك نوع من التنقيح مما نتج عنه إلى حد ما توافق بين العبارات ووصف الأحداث المتناظرة في الأناجيل، وكذلك تصويب الأخطاء النحوية، فأصبح النص سلسًا تسهل قراءته.

إن أكثر من تسعين في المائة من مخطوطات العهد الجديد الموجودة بين أيدينا الآن، ترجع إلى هذه الفترة أو بعدها، وعليه فإن نسبة مئوية صغيرة من المخطوطات هي التي احتفظت بصورة للنص ترجع إلى ما قبل النص الموحَّد. ومع أن نسخ المخطوطات باليد يعني أنه لا يمكن أن توجد فعليًا مخطوطتان متطابقتان تمامًا، إلا أن كل المخطوطات تقريبًا بداية من القرن الثامن فصاعدًا تمثل الصورة الموحَّدة. وقد استمرت هذه الصورة للنص إلى أن أحدث اختراع الطباعة ثورة في عالم الكتب.

 

(2) أنماط من الاختلافات:

كان الناسخون سببًا في وقوع أنواع من الاختلافات في مخطوطات العهد الجديد يمكن تصنيفها كالآتي:

(1) اختلافات عفوية:

(أو عن غير عمد) أو أقل تكرارًا، وتشمل هذه الاختلافات العفوية أخطاء النظر والسمع والذاكرة والكتابة والاجتهاد.

أما أخطاء النظر فتشمل الالتباس بين الحروف المتشابهة وبخاصة في الكتابة بالحروف الكبيرة المنفصلة، أو الخلط بين أحد الاختصارات وكلمة معينة قريبة الشبه به، وقد تنتقل عين الناسخ من كلمة إلى الكلمة نفسها ولكن في موضع لاحق فيسقط بذلك الكلمات المتوسطة بينهما. وقد يقرأ الكلمة الواحدة أو العبارة الواحدة مرتين، أو قد يخلط بين كلمتين متقاربتين في الحروف.

وقد تنشأ أخطاء السمع عندما تكتب جماعة من النسَّاخ المخطوطات عن طريق الإملاء، وبخاصة لتشابه بعض الحروف في نطقها، كما قد يخطئ الناسخ في هجاء بعض الكلمات.

أما أخطاء الذاكرة فقد ينتج عنها تغيير موضع الكلمة في الجملة، أو استبدال كلمة بما يُرَادِفها، أو أن تدخل كلمة أو عبارة عفوًا نقلًا عن فترة مماثلة تحويها الذاكرة.

أما أخطاء الكتابة فقد تشمل إضافة أو حذف حرف أو عدة حروف أو حذف علامات الاختصار، أو تكرار كلمة أو عبارة أو حرف.

أما أخطاء الاجتهاد بالإضافة إلى الأخطاء السابقة فقد تدفع الناسخ إلى تسجيل ملحوظة هامشية باعتبارها جزءًا من النص نفسه، ويجد البعض في هذا تفسيرًا لما ورد في (إنجيل يوحنا 5: 3، 4) عن تحريك الماء، حيث يغلب أنها كانت عبارة هامشية أدخلها الناسخ في النص.

 

(2) اختلافات مقصودة:

وقعت هذه الاختلافات المقصودة نتيجة لمحاولة النسَّاخ تصويب ما حسبوه خطأ، أو لزيادة إيضاح النص أو لتدعيم رأي لاهوتي. ولكن في الحقيقة ليس هناك أي دليل على أن كاتِبًا ما قد تعمد إضعاف أو زعزعة عقيدة لاهوتية أو إدخال فكر هرطوقي(1).  وقد تحدَّثنا عن هذا الموضوع بالتفصيل هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت عند ردنا على سؤال "هل هناك إضافات على النص من النُّسَّاخ؟"، وطبيعة هذا، وهل يؤثر على أي عقيدة، وهل نعتمد على آية واحدة في أي عقيدة جوهرية، وكيفية التوصُّل للنص الأصلي..

أما حول نقطة آية "الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ" (1 يو 5: 7) (وهي تُسَمَّى الفاصلة اليوحناوية Comma Johanneum أو Johannine Comma/Heavenly Witnesses)، فستجد عرضًا عامًا عن هذه الآية في مقال عن "إنكار عقيدة الثالوث"، ومقال "هل غيرت بعض الترجمات في العقيدة المسيحية".  مع إيضاح أنها لا توجد في نسخ يونانية قبل القرن الخامس عشر الميلادي، ولكنها موجودة في مخطوطة الفلجاتا Vulgate (القرن التاسع الميلادي).

وقد عرض القديس كبريانوس (200-258 م.) عن موضوع "وحدة الكنيسة" (في منتصف القرن الثالث الميلادي تقريبًا) قائلًا:

"The Lord says, "I and the Father are one; " and again it is written of the Father, and of the Son, and of the Holy Spirit, "And these three are one.".. He who does not hold this unity does not hold God's law, does not hold the faith of the Father and the Son, does not hold life and salvation".

والترجمة هي: "قال الله "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يو 10: 30)، وأيضًا مكتوب أن الآب والابن والروح القدس "وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ"..  إن الذي لا يتمسَّك بهذه الوحدانية لا يتمسَّك بالقانون الإلهي، ولا يحمل الإيمان بالآب والابن، ولا الحياة والخلاص."  وبالتأكيد كان القديس كبريانوس يتحدَّث عن هذه الآية، حتى وإن لم يذكرها صراحةً..  وفي هذا يعترض البعض قائلًا أن عدم ذِكرها بالنص يوحي بعدم وجودها الأصلي.  وقد وضعنا هذا الكتاب كاملًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في الجزء الخامس من سلسلة مجموعة آباء ما قبل نقية باللغة الإنجليزية (وها هو رابط المقال المأخوذ ذلك القول عنه "نقطة 6").

مع إيضاح نقطة أن تلك الآية ما زالت تخضع لكثير من المناقشات حولها، مما يوضح أن الأدلة التي تقول بعدم وجودها الأصلي ليست دامغة، بعكس مثلًا أمورًا أخرى في قانونية الأسفار وغيرها حُسِمً الجدل حولها منذ القِدَم.  وأن تقريبًا جميع أفكار رسالة يوحنا الأولى تم عرضها في إنجيل يوحنا بالتفصيل، فكرة فكرة، فلا يوجد أي تعارُض بين الاثنين.  وهذا أيضًا بخلاف عرض معنى الآية من آباء القرن الثالث والرابع وما بعدهم، وربما نتعرَّض لهذه الآيات بالتفصيل أثناء عرضنا لسلسلة مدارس النقد والتشكيك في الكتاب المقدس والرد عليها، والتي تتناول سِفرًا سِفرًا.

 

كما عرضنا في المقال السابق الذكر لشرح نقطة الاختلافات في المخطوطات من الجوانب التالية:

أولًا : اختلافات في الهجاء وأخطاء ليس لها معنى.

ثانيًا : اختلافات ثانوية لا تؤثر في المعنى.

ثالثًا : اختلافات تؤثر في معنى النص وغير قابلة للتطبيق.

رابعًا : اختلافات تؤثر في معنى النص وقابلة للتطبيق.

 

(ب) طبع العهد الجديد باليونانية:

كان لاختراع يوحنا جوتنبرج الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر أعمق النتائج في عالم الأدب والثقافة، فقد أمكن لأول مرة إصدار كتب أرخص تكلفة عن ذي قبل، إلى جانب إمكانية إنتاج أي عدد من النسخ المتطابقة تمامًا من الكتاب الواحد. ومنذ ذلك الوقت أصبح الورق أكثر أدوات الكتابة استعمالًا وانتشارًا في العالم إذ حل محل الجلود والرقوق منذ بداية القرن الخامس عشر، ورغم استمرار نسخ المخطوطات باليد لمدة قرن آخر من الزمان، إلا أن اختراع الطباعة قد أنهى عصر المخطوطات تمامًا.

وكان أول عمل ضخم يصدر عن مطبعة جوتنبرج هو طبعة جميلة "للفولجاتا" اللاتينية وذلك في عام 1456 م، وقد عرفت فيما بعد" بطبعة جوتنبرج"، وما زالت هناك سبع وأربعون نسخة فقط باقية منها. وبعد نحو نصف قرن تم طبع العهد الجديد باللغة اليونانية. والسبب الأول في هذا التأخير هو أن العلماء في ذلك العصر كانوا يهتمون بدراسة الكتاب المقدس باللغة اللاتينية أكثر مما باللغة اليونانية. أما السبب الثاني فهو مسألة التكلفة ومشاكل إعداد الحروف اليونانية للطباعة حسب الخط الذي كان شائعًا وقتئذ وهو الحروف الصغيرة المتصلة، والتي كانت تكتب فيها الحروف بأشكال متعددة.

وفي عام 1502 بدأ الإعداد لطبع الكتاب المقدس باللغة اليونانية تحت إشراف الكاردينال "أكسيمنس"(Ximenes) أسقف أسبانيا، وأعده للطباعة مجموعة من العلماء، فطبع العهد الجديد باللاتينية واليونانية، وطبع العهد القديم بالعبرية والفولجاتا والترجمة السبعينية اليونانية في أعمدة متوازية. وقد تم هذا المشروع الضخم في مدينة "ألكالا"(Alcala أي "القلعة" المعروفة باللاتينية باسم كومبلوتم " Complutum ")، ومن ثم عرفت هذه الطبقة باسم "الكتاب المقدس الكومبلوتي متعدد اللغات". وأكمل العهد الجديد في عام 1514 م ومجلدات العهد القديم في 1517م إلا أن البابا لم يمنح موافقته إلا في عام 1520 م.، ولكن لبعض الأسباب تأخر طبع الكتاب المقدس حتى عام 1522 م.

وفي تلك الأثناء سمع "فروبن"(Froben) السويسري صاحب إحدى المطابع، بمشروع الكاردينال الأسباني، فحث العالم "إرازمس" على أن يتولى الإشراف على طبع العهد الجديد باليونانية. وفي يوليو 1515م حصل إرازمس على وجه السرعة على بضع مخطوطات يونانية للعهد الجديد هي التي أمكنه الحصول عليها في مدينة بازل السويسرية، ولم يكن أي منها يحتوي على العهد الجديد كاملًا. كما أن المخطوطة الوحيدة التي كانت تحتوي على سفر الرؤيا كان ينقصها الآيات الست الأخيرة. كما أن النص الكتابي في تلك المخطوطة أختلط في بعض المواضع بتعليقات الآباء الهامشية، فاضطر إرازمس إلى ترجمة هذه الأجزاء إلى اليونانية نقلًا عن اللاتينية مما أدى إلى ظهور نص يوناني فيه بعض الفقرات التي لا تتفق مع أي مخطوطة يونانية معروفة. وقد نشرت هذه الطبعة المصحوبة بترجمة إرازمس اللاتينية (التي اختلفت في مواضع كثيرة عن الفولجاتا) في مارس 1516 م.، وقد نتج عن العجلة في إنجاز هذا العمل ظهور الكثير من الأخطاء المطبعية فيها. وهكذا بينما كانت النسخة الكومبلوتينية قد أعدت لتكون أول كتاب يطبع للعهد الجديد باليونانية، سبقتها طبعة إرازمس فكانت أول عهد جديد باليونانية، أي أول كتاب يطرح في السوق مطبوعًا.

وقد نشر روبرت اشتين (الملقب باستفانوس Roberty Estienne) أربع طبعات للعهد الجديد فيما بين 1546-1551م. ولعل الطبعة الثالثة التي أشارت إلى قراءات مختلفة عن عدد من المخطوطات، كانت أول طبعة للعهد الجديد باليونانية تضم ما يشبه عملية النقد، وقد أصبحت هذه الطبعة الثالثة أكثر صور النص قبولًا وبخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة. وفي الطبعة الرابعة أدخل استفانوس نظام ترقيم الآيات الذي ما زال معمولًا به حتى الآن.

أما تيودور بيزا العالم البروتستنتي وخليفة جون كالفن في جنيف فقد نشر تسع طبعات للعهد الجديد باليونانية فيما بين عامي 1565، 1604م، وقد ساعدت شهرة بيزا على انتشار النص المنقول عن إرازمس واستفانوس.

وقام أخوان من عائلة "إلزفير "(Elzeveir) بنشر سبع طبعات للعهد الجديد باليونانية فيما بين 1624-1678م، مستهدفين أساسًا الكسب التجاري. وقد جاء في مقدمة باللاتينية في الطبعة الثانية في 1633م تأكيد للقارئ:"النص الذي بين يديك الآن هو النص المقبول لدى الجميع" وأصبحت عبارة "النص المقبول" (Textum receptum) شائعة الاستعمال وأطلقت على النص الذي نشره إرازمس. كما أصبحت طبعة "إلزفير" هي النص المقبول في أوربا، بينما أصبحت الطبعة الثالثة لاستفانوس هي النص المقبول في بريطانيا وأمريكا.

وقد توالت طبعات الكتاب المقدس وتحقيق النصوص بمقارنة مختلف المخطوطات. ولعل أشهر اسم في مجال تحقيق النصوص هو قسطنطين تشندروف (مكتشف المخطوطة السينائية في دير سانت كاترين).

وقد وصلت نصوص العهد الجديد إلى القمة في الطبعة التي أصدرها في 1881/ 1882م عالمان من جامعة كامبردج هما "بروك فوس وستكوت" (Brooke Foss Westcott) و"فنتون جون أنتوني هورت"(Fenton John Antony Hort) .

وتوالى ظهور مخطوطات للكتاب المقدس ترجع إلى عصور مختلفة ابتداء من القرن الثاني الميلادي، واستمرت مراجعة النصوص وتحقيقها على أسس النقد العلمية، وطبعها ونشرها وترجمتها إلى الغالبية العظمى من لغات العالم بل وإلى لهجاتها المختلفة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خامسًا: المخطوطات وتحقيق النصوص:

قسَّم وستكوت وهورت المخطوطات إلى أربع مجموعات رئيسية، أو أربعة أنماط من النصوص، هي:

(1) النص السرياني:

وهو أحدثها، ويظهر في المخطوطات المتأخرة، ويمثل هذا النص نصًا تم تحقيقه في سوريا (ومن هنا جاء الاسم) في نحو القرن الرابع، ويتميز بتصويب القواعد النحوية وسلاسة العبارات وترابطها وإيضاح الغامض منها، والتجانس بين الفقرات المتناظرة، فهو بصفة عامة نص سلس واضح وسليم من الناحية اللاهوتية.

 

(2) النص الغربي:

ويرجع هذا النص إلى القرن الثاني وقد اشتهر بإعادة صياغة العبارات مع بعض الإضافات في سفر الأعمال)، واستخدامه للمترادفات مع وجود الكثير من القراءات القصيرة الواضحة. ومن أهم مخطوطاته المخطوطات المرقومة بالرموز D ، D paul (05، 06)، OL.

 

(3) النص السكندري:

ظهر هذا النص في الإسكندرية، مركز الدراسات النقدية في الآداب اليونانية الكلاسيكية في ذلك العصر. وأهم مخطوطاته المخطوطات المرقومة بالرموز 33 ، L، C، والترجمات القبطية وبعض كتابات آباء الإسكندرية. ويعتقد وستكوت وهورت أن هذه المجموعة من المخطوطات لا تتميز باختلاف في المضمون أو الجوهر، لكنها تتميز بالتصويبات النحوية وتركيب الجمل لغويًا، مع خلوها من الأساليب المعقدة، وهو ما نتوقعه من البيئة العلمية التي كانت تتميز بها الإسكندرية في ذلك العصر.

 

(4) النص المحايد:

وتمثله المخطوطات التي يرمز لها بحرف "ألف" العبري (المخطوطة السينائية)، والمخطوطة >B< ، ويرى وستكوت وهورت أنه يمثل النص الأصلي بأقل التغييرات، كما يعتقد أن القراءات التي تتفق فيها هاتان المخطوطتان يندر أن يوجد من يرفضها أو يعترض عليها، وأن المخطوطة >B< (المخطوطة الفاتيكانية) تنفرد بالاحتفاظ بالنص الأصلي في أكثر المواضع.

ومنذ زمن وستكوت وهورت ظهر العديد من المخطوطات التي ثبت أنها على اتفاق كافٍ في نصوصها مما يمكن معه جمعها معًا كأحد أنماط النصوص (على الأقل في الأناجيل). وتعرف هذه المجموعة بالنص القيصري (نسبة إلى قيصرية) إذ يبدو أن أوريجانوس قد استخدمه إبان وجوده في قيصرية . وخصائص هذه المجموعة تضعها في منتصف الطريق بين النص السكندري والنص الغربي، وإن كانت أقرب كثيرًا للنص الغربي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سادسًا: الخاتمة:

إن الاختلافات الموجودة بين المخطوطات العديدة تعتبر من الناحية العملية تافهة ولا تأثير لها على المضمون إطلاقًا، وبذلك يمكن أن نقول مع سير "فردريك كينيون "(Sir Fredrick Kenyon) إن ما بين أيدينا هو النص السليم لكلمة الله الحقيقية.

 

* انظر أيضًا: مخطوطات العهد القديم.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) المرجع الرئيسي لهذا المقال هو كتاب "دائرة المعارف الكتابية"، وقد تعرَّض فيهما تعرَّض له لنقطة "اختلافات مقصودة" في النص، وكان من ضمنها رأي لا نتفق معه حول إضافة آية "الشهود الثلاثة" (1 يو 5: 7، 8) Heavenly Witnesses، وقد قمنا تِباعًا بتحدث المقال في تلك الجزئية، مع الشواهد والمراجع.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/07_KH/NT-manuscripts.html

تقصير الرابط:
tak.la/5jp5w7a