St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   resurrection
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في القيامة - البابا شنوده الثالث

13- إن الموت دخل على البشرية

 

فعندما خلق الله الإنسان خلقه للحياة... نفخ فيه نسمة حياة، فصار نفسًا حية. وأراد الله له الحياة والخلود. ولكن حرية الإنسان انحرفت إلى الخطيئة، فجلب لنفسه الموت كنتيجة لخطيئته، لأن "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23). وهكذا دخل الموت إلى العالم. وساد على الجميع.

لذلك نحن نفرح بالقيامة. لأنها انتصار على الموت. وعودة بطبيعة الإنسان إلى الحياة. فالله خلق الإنسان ليحيا، لا ليموت.

قيامة المسيح هي عربون لقيامتنا جميعًا، لذلك وصفه القديس بولس الرسول بأنه "باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20) هو الباكورة، ونحن من بعده.

ولعل سائلًا يسأل: كيف يكون المسيح هو الباكورة، بينما قام من قبله كثيرون؟! ابن أرملة صرفة صيدا إقامة إيليا النبي من الموت (1 مل 17: 22) وابن المرأة الشونمية أقامه أليشع النبي من بعد أن مات (2 مل 4: 32-36). كما أن هناك ثلاثة أقامهم السيد المسيح نفسه وهم: ابن أرملة نايين، وابنة يايرس، ولعازر.

حقًا إن هناك أشخاصًا قاموا من الموت قبل المسيح، ولكنهم بعد قيامتهم عادوا فماتوا ثانية. وما زالوا ينتظرون القيامة العامة. أما قيامة المسيح فهي القيامة التي لا موت بعدها، وهي الباكورة، والشهوة التي يشتهيها كل مؤمن بحب الخلود...

St-Takla.org Image: Jesus raises the widow of Nain's son - Luke 7:14-15 صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع يقيم ابن أرملة نايين - لوقا 7: 14-15

St-Takla.org Image: Jesus raises the widow of Nain's son - Luke 7:14-15

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع يقيم ابن أرملة نايين - لوقا 7: 14-15

القيامة التي نعينها هي الطريق إلى الأبدية التي لا نهاية لها. ونحن نعلم أن قصة حياة الإنسان على الأرض هي قصة قصيرة جدًا... وإذا ما قيست بالأبدية تعتبر كأنها لا شيء. والخلود هو الحلم الجميل الذي تحلم به البشرية.

إن القيامة ترفع من قيمة الإنسان، وتؤكد أن حياته لا تنتهى بموته.

القيامة تؤكد أن هناك حياة أخرى غير هذه الحياة الأرضية، سوف نحياها بمشيئة الرب بعد القيامة. وهكذا نقول في "قانون الإيمان" الذي نتلوه كل يوم في صلواتنا "وننتظر قيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي. آمين".

إذن لعلنا نقول: إن أهم ما في القيامة. هو ما بعد القيامة.

فالقيامة تدل على أن لحياة الإنسان امتدادًا في العالم الآخر، وأن الموت هو مجرد مرحلة في حياة الإنسان، أو هو مجرد جسر بين حياتين إحداهما أرضية والأخرى سمائية.

ولا شك أن الحياة الأخرى أفضل بكثير، لأنها حياة في السماء، مرتفعة عن مستوى المادة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كما أنها حياة نقية، لا توجد فيها أية خطية. وفوق كل ذلك فهذه الحياة الأخرى هي عشرة مع الله وملائكته وقديسيه. عبر عنها الكتاب بقوله "ما تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9). ولهذا قال مار اسحق:

"إن مخافة الموت تزعج قلب الرجل الجاهل. أما الإنسان البار فيشتهي الموت مثلما تشتهي الحياة".

ولهذا قال القديس بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق، وأكون مع المسيح، فذلك أفضل جدًا" (في 1: 23) حقًا أن الموت يصبح شهوة للذين يحبون الله ويحبون الحياة الأخرى، ويرون أنها أفضل جدًا من عالمنا هذا الذي فقد نقاوته. هؤلاء لإيمانهم بالقيامة -لا يرون الموت نهاية حياة، إنما هو انتقال لحياة أخرى...

إن القيامة غيرت نظرة الناس لي الموت، فأصبح مجرد انتقال، جسر يعبر إلى حياة أخرى، أو قل هو عملية ارتقاء، لذلك صار شهوة للأبرار.

لما حدث أن المسيح داس الموت بقيامته، سقطت هيبة الموت إلى الأبد، ولم يعد القديسون يخافون الموت إطلاقًا، كما أصبحوا لا يخافون مسبباته، كالمرض مثلًا، أو مؤامرات الناس الأشرار واعتداءاتهم. إنما يخاف الموت الإنسان الخاطئ، الذي لم يَتُب، فيخشى مصيره بعد الموت، والوقوف أمام دينونة الله العادلة. أو يخاف الموت الإنسان الخاطئ، الذي له شهوات يمارسها في هذا العالم. ويخشي أن يحرمه الموت منها. أما البار فلا يخاف الموت إطلاقًا، لأنه يؤمن بالقيامة.

والقيامة ترتبط بالإيمان، فالملحدون مثلًا لا يؤمنون بالقيامة...

الإنسان المؤمن يؤمن بقدرة الله على إقامة الجسد من الموت، فالذي خلق البشر من التراب، وخلق التراب من العدم، هو قادر على إعادة الجسد إلى الحياة. ليعود فيرتبط بروحه. أما الملحدون فلا يؤمنون بوجود الروح. أو استمرارها بعد الموت، ولا يؤمنون بالحياة الأخرى، ولا بالثواب والعقاب... لهذا قلت إن القيامة ترتبط بالأيمان.

والإيمان بالقيامة يقود إلى حياة البر والفضيلة.

فهو يؤمن بأنه بعد القيامة، سيقف أمام الله في يوم الدينونة الرهيب، لكي يعطي حسابًا عن كل أعماله، إن خيرًا وإن شرًا. لذلك يقوده هذا الإيمان إلى حياة الحرص والتدقيق خوفًا من دينونة الله العادلة. وبالتالي يحاسب نفسه على كل عمل، وكل فكر وكل شعور، وكل كلمة، ويقوم نفسه، كما قال القديس مقاريوس "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك"..

بل إن الإيمان الحقيقي بالقيامة يقود إلى حياة الزهد والنسك.

القيامة حولت أنظار الناس إلى أمجاد العالم الآخر، فتصاغرت في أعينهم المتع الزائلة في هذا العالم الفاني. ومن فرط تفكيرهم في غير المنظور، ازدادوا بالمحسوسات والمرئيات. وأصبحوا كما قال الكتاب "غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرَى، بل إلى التي لا تُرَى. لأن التي تُرَى وقتية، وأما التي لا تُرَى فأبدية" (2 كو 4: 18).

ولو لم تكن القيامة، لتهالك الناس على هذه الحياة الرضية، وغرقوا في شهواتها... كالأبيقوريين الذين كان يقولون "لنأكل ونشرب، لأننا غدًا نموت" (1 كو 15: 32).

أما الذين يؤمنون بالقيامة ويستعدون لها، فإنهم يضبطون أنفسهم حسنًا. ويدخلون في تداريب روحية لتقويم ذواتهم. ولا ينقادون وراء الجسد ولا المادة. بل يحيون بالروح بأسلوب روحي، ويقمعون أجسادهم وحواسهم وأعصابهم.

حب الأبدية جعل الأبرار يشتاقون إلى شيء أكبر من العالم وأسمي...

كل ما في العالم لا يشبعهم، لأن في داخلهم اشتياقًا إلى السماء. وإلى النعيم الروحي الذي يسمو على الحس. ويرتفع فوق كل رغبة أرضية... لذلك نظر القديسون إلى الأرض كمكان غربة، واعتبروا أنفسهم غرباء ههنا، يشتاقون إلى وطن سماوي، إلى حياة أخرى، من نوع آخر. روحاني نوراني سمائي... ما لم تره عين...

اشتاقوا إلى العالم الآخر الذي كله قداسة وطهارة وروحانية، وسلام وحب ونقاء... حيث الله يملأ القلوب. فلا تبقى فيها شهوة لشيء آخر غيره...

القيامة فيها لون من العزاء والتعويض للناس:

فالذي لا يجد عدلًا على الأرض، عزاؤه أن حقه محفوظ في السماء، عند الرب الذي يحكم للمظلومين... الذي لا يجد خيرًا على الأرض مثل لعازر المسكين، عزاؤه أنه سيجد كل الخير هناك. وكما كان على الأرض يتعذب، فهو في السماء يتعزي. فالقيامة تقيم توازنًا في حياة كل إنسان. إذ أن محصلة ما يناله على الأرض، وما يناله في السماء تشكل توازنًا قوامه العدل.

والقيامة تقدم عزاء حقيقيًا لجميع الأصدقاء والمحبين، إذ تجمعهم ثانية، بعد أن يفرقهم الموت.

لو كان الأمر ينتهي عند القبر. ولا قيامة، إذن لكان أحباؤنا الذين فارقونا بالموت قد انتهوا، وانتهت صلتنا بهم، وما عدنا نراهم... وهذا لا شك يتعب القلب، ويسبب فجيعة للمحبين الذين بغير القيامة يفقدون أحباءهم إلى غير رجعة.

إن القيامة تعطينا أيضًا فكرة عن قوة الله ومحبته.

الله القوي الذي يستطيع أن يقيم الأجساد بعد أن تكون قد تحللت وتحولت إلى التراب، ويعيدها بنفس شكلها الأول، ولكن بلون من التجلي... روحانية ونورانية... إنه الله المحب الذي لم يشأ أن يتمتع وحده بالوجود، فخلق كائنات أخرى. كما لو يشأ أنه يعيش وحده في الخلود، فأنعم بالخلود على الناس والملائكة، ووهب البشر حياة أبدية بعد قيامهم من الموت.

ومن متع القيامة زوال الشر. وزوال كل ما سببته الخطية.

ففي النعيم الذي يحياه الأبرار. لا يكون هناك شر ولا خطيئة. بل مجرد معرفة الخطية ستنتهي. ونعود إلى حياة البساطة الكاملة والنقاوة الكاملة. كالملائكة، وكالأطفال في براءتهم وتتخلص النفس من الأمراض التي رسبتها عليها الخطية: كالخوف، والشك، والشهوة، والقلق، وما شابه ذلك، وعندئذ تلبس النفس إكليل البر، وتزول منها جميع النقائص نفسية كانت أم جسدية.

يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل أمجاد القيامة. فذلك يحتاج إلى كتب.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/resurrection/death.html

تقصير الرابط:
tak.la/2ys2ksa