St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   nativity-inspiration
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب من وحي الميلاد - البابا شنوده الثالث

3- ذهبًا... ولبانًا... ومرًّا...

 

المخلوق يقدم للخالق!

 

الذهب...

اللبان...

المُرّ...

هذه الثلاثة معًا.

بسم الآب والابن والروح القدس - الإله الواحد آمين

المخلوق يقدم للخالق!

مع أن الله هو المعطي، والمعطي للكل، لأنه مصدر كل خير، إلا أننا كثيرتًا ما نري المخلوق يعطي للخالق! ففي قصة الميلاد قدم المجوس للمسيح هدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا.

ولم يكن المجوس الوحيدين الذين قدموا للمسيح.

ففي معجزة إشباع الجموع قدم له طفل خمس خبزات وسمكتين...

وفي قصة القيامة نري النسوة قد قدموا له الحنوط والأطياب، بينما يوسف الرامي قد قدم له مقبرته الجديدة كي يدفن فيها.

والمرأة الخاطئة قدمت دموعها وشعر رأسها لتمسح قدميه. ويوحنا الحبيب قدم رأسه لتتكئ علي صدر المسيح... ومريم العذراء قدمت كل شيء...

وفي العهد القديم نري كثيرين قدموا تقدمات للرب...

وأول إنسان ذكر الكتاب أنه قدم للرب شيئًا هو هابيل الصديق، الذي قدم له محرقة " من أبكار غنمه ومن سمانها" (تك 4).

وإبراهيم أب الآباء ذهب ليقدم ابنه الوحيد. وكثيرين غيره قدموا تقدمات. وكانت هذه التقدمات تسمي أيضًا (قرابين).

سميت قرابين، لأنهم يتقربون إلي الله.

وكثرت في العهد القديم الذبائح والمحرقات والتقدمات والقرابين. وكان الله يقبلها، إن كانت من قلب نقي... وفي الأصحاح الأول من سفر أشعياء النبي، رفض الله التقدمات التي قدمها الأشرار لأن أيديهم ملآنة دمًا (اش 1: 11- 15). ولكن لماذا قبل الرب تقدمات القديسين؟

كانت تعبيرًا عن الحب وتقديم القلب لله. وكانت تحمل أحيانًا شعور الانسحاق والاعتراف بالخطية، كما في ذبائح الخطية وذبائح الإثم والمحرقات التي قدمها أيوب عن أبنائه (أي 1: 5).

ونحن ونحن نقف في عجب، حينما نري المخلوق يقدم شيئًا للخالق...!

فالخالق يملك كل شيء. وكل ما يملكه الإنسان هو من عنده...

ولكن الأعجب أن الخالق، كان هو الذي يطلب!

فهو الذي قال عن خليقته: " ولا تظهروا أمامي فارغين" (خر 23: 15). وهو الذي وضع شرائع العشور والبكور والنذور... والبخور... وهو أيضًا وضع الشرائع الخاصة بالذبائح والمحرقات...

وفي كل ذلك لم يكن يريد هذه التقدمات في ذاتها، إنما كان يريد القلب، وما يحمله من مشاعر حينما يقدم شيئًا. لذلك قال " يا أبني أعطني قلبك " أي أعطني حبك...

إن كانت تقدماتك خالية من الحب، فأنت لم تقدم شيئًا.

أما إن قدمت حبك، فحينئذ تكون قد قدمت كل شيء.

وكل ما تقدمه بعد ذلك، يكون نابعًا من الحب، سواء كان شيئًا ماديًا كالعشور، ولكن وراءه المحبة والشفقة والحنو... أو كان تقدمة روحية كالصلاة، وفيها أيضًا الحب والاشتياق إلي الله...

مشاعرك وأنت تقدم، أهم مما تقدمه...

فافحص إذن مشاعرك، وتأكد من نقاوتها، وتأكد من عاطفة الحب فيها. وثق أن الله هو فاحص القلوب، ويعرف داخلك تمامًا، لذلك هو يقبل منك إن كانت مشاعر القلب سليمة.

إن الله لا تهمه الكثرة أو القلة فيما تعطيه، إنما يهمه قلبك، لذلك ذكر أن التي أعطت الفلسين قد أعطت أكثر من الجميع، لأنها أعطت من أعوازها، وفضلت الله علي نفسها...

ولنتأمل هذا أيضًا في تقدمة المجوس...

هؤلاء المجوس الذين أتوا إلي السيد المسيح من بلاد بعيدة، جاءوا إليه عن حب: ساروا المسافات الطويلة حتى وصلوا إليه. ومن أجله دخلوا في بلاد غريبة عليهم، تعرضوا فيها للموت والهلاك، إذ كان ممكنًا أن يغدر بهم هيرودس الملك أو بعض أتباعه...

كانوا مشتاقين إلي الرب، تواقين لرؤية هذا المولود الذي دهم عليه النجم. وقد ملك هذا الاشتياق كل قلوبهم، فسعوا إليه لا يفكرون إلا فيه. من أجل هذا استحقوا أن يروه، ويقدموا له عطاياهم عن حب وعن إيمان. وماذا أيضًا.

المعروف في قصة الميلاد أن المجوس قدموا للسيد المسيح هدايا: ذهبًا ولبانًا ومرًا (مت 2: 11).

St-Takla.org Image: Wise men give gifts of gold, frankincense, and myrrh - from "The Children's Friend: Pictures and Stories of the Life of Jesus" book. صورة في موقع الأنبا تكلا: هدايا المجوس: الذهب، اللبان، المر - من كتاب "صديق الأطفال: صور وقصص من حياة المسيح".

St-Takla.org Image: Wise men give gifts of gold, frankincense, and myrrh - from "The Children's Friend: Pictures and Stories of the Life of Jesus" book.

صورة في موقع الأنبا تكلا: هدايا المجوس: الذهب، اللبان، المر - من كتاب "صديق الأطفال: صور وقصص من حياة المسيح".

وكانت لهذه الهدايا رموز في قصة الميلاد الإلهي:

كان الذهب يرمز إلي السيد المسيح كملك، لعظمته.

وكان اللبان يرمز إليه ككاهن (لاستخدام اللبان في البخور).

وكان المر يرمز إلي آلامه من أجلنا.

غير أننا نريد أن نعرف رموز هذه الأشياء في حياتنا.

هل في حياتك الخاصة تقدم للرب هدايا من هذا النوع، تقدم نفسك للمسيح، وتقدم فيها ذهبًا ولبانًا ومرًا...؟ وإن كان الأمر كذلك، فإلي أي شيء يرمز كل واحد من هذه الثلاثة، في حياتك الخاصة؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الذهب

الذهب يرمز إلي الشيء الثمين، ويرمز إلي النقاوة.

ولذلك نري كيف كان الذهب مستخدمًا في الهيكل في العهد القديم.

كان تابوت العهد مغشي بالذهب النقي من الداخل والخارج، وغطاؤه من ذهب نقي، والكاروبان اللذان عليه من الذهب أيضًا (خر 37: 2، 6، 7). وكانت المائدة مغشاة بالذهب النقي، والأواني من الذهب النقي (خر 37: 11، 16). وكانت المنارة من ذهب نقي (خر 37: 17).

ومذبح البخور كان مغشي بذهب نقي، وله إكليل من ذهب حواليه... (خر 37: 26). والمجامر يقول عنها سفر الرؤيا أنها كانت من ذهب (رؤ 5: 8) وكذلك كانت في العهد القديم (عب 9: 4).

كل هذا كان رمزًا إلي عظمة الخدمة ونقاوتها.

والسيدة العذراء كانت تشبه أيضًا المجمرة الذهب، وبتابوت العهد المغشي بالذهب من الدخل والخارج، رمزًا إلي عظمة العذراء ونقاوتها. وكانت العذراء أيضًا بقسط المن هو من ذهب أيضًا (عب 9: 4).

فهل نفسك أيضًا غالية، يرمز إليها الذهب؟

هل نفسك التي تقدمها للمسيح، هي من النفوس الغالية الثمينة التي يرمز إليها الذهب؟ وهل هي في نقاوتها مثل الذهب النقي، مثل تابوت العهد المصفَّح بالذهب من الداخل والخارج؟

هل نفسك غالية وثمينة بالنسبة إلي كل المحيطين بها، بالنسبة إلي الكنيسة وإلي المجتمع؟ وغالية عند الله نفسه؟ تقدمها لله من ذهب نقي، لا شوائب فيها... ليتك كلما تنظر إلي نفسك، تتذكر النفوس الغالية عند الله...

تأمل معي بعضًا من هذه النفوس الغالية الثمينة...

يوحنا المعمدان مثلًا، الذي كان غاليًا عند الله، حتى أنه من بطن أمه امتلأ من الروح القدس، وقيل عنه إنه كان عظيمًا أمام الرب (لو 1: 15).

والطفل موسي، الذي كانت نفسه غالية عند الله، حتى أنه أرسل إليه في طفولته أميرة لتنتشله من الماء، وتدعوه ابنها، وتهتم به اهتماماُ خاصًا (خر 2)... موسي الذي دافع عنه الله بكل قوة وحب، لما تكلمت عليه مريم وهرون (عدد 12).

ويوحنا الحبيب، كان نفسًا غالية عند الرب، حتى سمح له أن يتكئ في حضنه (يو 13: 23).

وكالمعمدان وموسي ويوحنا الحبيب، كان أبونا إبراهيم.

هذا الذي دعاه الله وباركه وجعله بركة (تك 12). ودافع عنه لما أخذ أبيمالك سارة زوجة إبراهيم. فهدد الرب أبيمالك بالموت. وقال له " رد امرأة الرجل، فإنه نبي، فيصلي لأجلك فتحيا" (تك 20: 7)... إبراهيم الذي سمح له الله أن يناقشه قبل حرق سدوم (تك 18)، كما سمح لموسى أن يناقشه لما أراد إفناء الشعب (خر 32)...

ويعوزني الوقت إن تحدثنا عن النفوس الغالية.

التي كانت ثمينة جدًا عند الله، حتى أنه دعاها وبررها وقدسها، وكان يقبل شفاعتها في غيرها، وكان يجعلها هيكلًا يحل فيها روحه القدوس... النفوس التي ائتمنها الرب علي المواهب، وائتمنها علي رعاية شعبه، أو علي رِسالات يوصلونها إليهم... والنفوس التي كان يرسل لها الله ملائكة لخدمتها، أو لإنقاذها...

فهل نفسك هي من هذه النفوس الغالية؟

الذي يشعر أن نفسه غالية، لا يفسدها...

إن كانت نفسك غالية عند الله والناس، حافظ عليها، ولا تتسبب في هلاكها وضياعها، ولا تسمح أن تفقد نقاوتها وتفقد صورتها الإلهية. لتكن باستمرار ذهبًا خالصًا نقيًا مثل منارة الذهب، والمجمرة الذهب، وتابوت العهد...

إن المجوس لما قدموا للرب ذهبًا، قدموا أثمن ما عندهم.

فهل أنت أيضًا تقدم أثمن ما عندك للرب؟

وأثمن ما عنك هو قلبك. فهل تقدمه للرب؟ وهل تقدم للرب أيضًا من أعوازك، كما قدمت الأرملة التي امتدح الرب عطاءها؟ هل أنت لا تبخل علي الله بشيء مهما كان ثمينًا عندك؟ حتى ابنك الوحيد تكون مستعدًا لتقديمه كما فعل أبونا إبراهيم لما طلب منه الرب وحيده اسحق؟

أنت تقدم أثمن ما عندك من ذهب، وأيضًا تقدم لبانًا...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Offerings made by the wise men from the East.: And when they were come into the house, they saw the young child with Mary his mother, and fell down, and worshipped him: and when they had opened their treasures, they presented unto him gifts; gold, and frankincense, and myrrh. (Matthew 2:11) (image 1) - from "Figures de la Bible" book, 1728. صورة في موقع الأنبا تكلا: هدايا مجوس المشرق: "وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبا ولبانا ومرا" (مت 2: 11) (صورة 1) - من كتاب "صور كتابية"، 1728.

St-Takla.org Image: Offerings made by the wise men from the East.: And when they were come into the house, they saw the young child with Mary his mother, and fell down, and worshipped him: and when they had opened their treasures, they presented unto him gifts; gold, and frankincense, and myrrh. (Matthew 2:11) (image 1) - from "Figures de la Bible" book, 1728.

صورة في موقع الأنبا تكلا: هدايا مجوس المشرق: "وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبا ولبانا ومرا" (مت 2: 11) (صورة 1) - من كتاب "صور كتابية"، 1728.

اللبان

اللبان يرمز إلي الكهنوت وإلي العبادة...

يرمز إلي الكهنوت، لأن اللبان هو حبات البخور التي توضع في المجمرة. وتقديم البخور هو من عمل الكهنة فقط (خر 30: 8).

وبخور اللبان يرمز إلي العبادة أيضًا، كما يقول المرتل "فلتستقم صلاتي كالبخور قدامك. وليكن رفع يدي كذبيحة مسائية" (مز 141: 2).

وقيل عن البخور في سفر الرؤيا إنه صلوات القديسين.

صلوات القديسين هي بخور ذكي الرائحة، صاعد إلي الله...

فأربعة والعشرون كاهنًا، كانوا يحملون جامات من ذهب " مملوءة بخورًا هي صلوات القديسين" (رؤ 5: 8). وحبات اللبان حينما توضع في النار، تتحول إلي بخور أو دخان تذكرنا بصلوات القديسين، هذه الصلوات التي تتعطر بها الكنيسة المقدسة كما قيل عنها في سفر نشيد الأناشيد:

"كأعمدة من دخان، معطرة بالمر واللبان" (نش 3: 6).

والمر واللبان، هما كلاهما من الهدايا التي قدمها المجوس للرب في يوم ميلاده. فهل نفسك التي تقدمها لله تكون معطرة بهما أيضًا، كما هي ثمينة كالذهب، وهكذا تجمع التقدمات الثلاثة معًا...

هل نفسك تصعد كرائحة بخور أو لبانًا أمام الله؟

تقدم رائحة زكية، يتنسم منها الله رائحة الرضا (تك 8: 21).

وهل صلواتك أيضًا تصعد كرائحة بخور، في عطرها وفي حرارتها؟

هل أنت لبان؟ وإن كنت لبانًا، كيف تتحول إلي بخور؟

البخور هو لبانًا محترق، لبان دخل المجمرة.

إنه لبان دخل إلي النار، نار الله المقدسة، اشتعلت فيه، واستسلم هو لها، فتحول إلي بخور. فهل أنت قد دخلت إلي النار من أجل الله؟ وهل تحولت فيها إلي "محرقة بخور" حسب تعبير الكتاب؟

والبخور (اللبان المحترق) يعتبر ذبيحة، كانت تقدم إلي الله علي مذبح البخور (خر 37: 35).

فهل أنت تقدم حياتك كلها، وليس مجرد صلاتك، كذبيحة لله، كمحرقة بخور؟ ليتك في هذا تستمع إلي قول الرسول "أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله، أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة، مرضية عند الله عبادتك العقلية" (رو 12: 1).

نفسك الثمينة يمثلها الذهب. وعبادتك النقية يمثلها اللبان المحترق كبخور. فماذا عن المر إذن؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

المُر

المر هو رمز الألم. وهو أيضًا عطر.

المر نوع من العطور. هو عطر سائل. ولذلك قيل في سفر النشيد "معطرة بالمر واللبان" (نش 3: 6). وقالت عذراء النشيد "قمت لأفتح لحبيبي، ويداي تقطران مرًا، وأصابعي مر قاطر علي مقبض القفل" (نش 5: 5). وفي سفر أستير قيل إن الملكات " كانت تكمل أيام تعطرهن ستة أشهر بزيت المر" (اس 2: 12). وقيل عن عطر المر في سفر المزامير " المر والميعة والسليخة من ثيابك" (مز 44).

الكنيسة تصعد إلي الله، معطرة بالمر.

"معطرة بالمر واللبان، وكل أذرة التاجر "... صلواتها، التي هي لبان محترق، هي عطر أمام الله، رائحة بخور. وآلامها التي يرمز إليها المر، هي أيضًا عطر. وهذا هو ما نعرفه عن المر:

المر في رائحته عطر، وفي مذاقته مر.

وهذا يعطينا فكرة جميلة عن الألم الذي يرمز إليه المر... أنه في نفس الوقت عطر... أي أن الآلام لها رائحة ذكية أمام الله، فتتعطر الكنيسة بآلامها حينما تقف أمام الله. ويتنسم الله من آلامها رائحة الرضا.

ليتنا نتأمل هذا التعبير: الكنيسة تتعطر بالآلام.

هكذا كان الشهداء والمعترفون، آلامهم هي عطورهم، تفوح منها رائحة جميلة أمام الله والناس... وهكذا أيضًا كانت كل الآلام التي تحملها الخدام في الخدمة.

ولذلك قال الرب عن أكاليل بولس الرسول "سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي" (أع 9: 16). لا يكفي إذن أن تكون لبانًا، إنما تكون لبانًا عطرًا، معطرًا بالمر، تتحمل الألم لأجل الرب، تمشي في الطريق الكرب، وتدخل من الباب الضيق (مت 7: 14). وبضيقات كثيرة ينبغي أن ترث ملكوت الله (أع 14: 22).

ونحن لا يمكن أن نستقبل المسيح بغير المر.

حتى السيدة العذراء نفسها، بكل محبتها لله، وبكل محبة الله لها، قيل لها "وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف" (لو 2: 35).

واصبح المر ليس فقط من سمات أولاد الله، بل من الهبات التي يهبها الرب لنا، إذ قيل لنا "وهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (في 1: 29).

والسيد المسيح نفسه قدم لنا مثالًا للمر في حياته.

ذاق المرارة طول حياته، وبلغت أقصاها في آلامه علي الصليب. وعليه أيضًا قدموا له مرًا ليشرب... وخروف الفصح الذي كان يرمز لليد الرب في عمله الفدائي وورد في الكتاب إنه يؤكل "علي أعشاب مرة" (خر 12: 8). وتقدمة الدقيق التي كانت ترمز لتجسد الرب، ورد في أوصافها أنه لا يكون معها عسل (لا 2: 11)، لأن العسل لا يتفق مع المر. بل قيل يوضع عليها اللبان (لا 2: 15)، لأن اللبان يتفق مع المر...

والمسيحية لا يمكن أن تبعد عن المُرّ...

لا يمكن أن تبعد علي الصليب أو تنفصل عنه، إن أرادت أن تكون لبانًا وتصعد إلي الله كرائحة بخور. لا بد أن يكون المر معها "معطرة بالمر واللبان "...

وإن أرادت أن تكون ذهبًا خالصًا، لا بد أن تكون مرًا قاطرًا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هذه الثلاثة معًا

لا بُد أن تجتمع هذه الثلاثة معًا في حياة إنسان الله: يجتمع الذهب واللبان والمر. وسنري أمثلة كثيرة لذلك:

في حياة داود النبي، نري الذهب واللبان والمر.

كان في حياته الذهب، كملك، كمسيح للرب، إنسان نفسه غالية أمام الله، في حياته وبعد موته. وكثيرًا ما كان الله يقول " من أجل داود عبدي" (1 مل 11: 13).

وفي حياة داود لبان، نراه في صلواته وفي مزاميره، التي كانت كرائحة بخور...

وفي حياته أيضًا نري المر: ذاقه من شاول الملك، ومن أبنير رئيس الجيش ويوآب بن صروية، وذاق هذا المر أيضًا من غبنه أبشالوم، ومن شمعي بن جيرا، ومن أعداء كثيرين حتى قال " يا رب لماذا كثر الذين يحزنونني" (مز 3). وقال أيضًا " أكثر من شعر رأسي، الذين يبغضونني بلا سبب" (مز 69: 4).

وأبونا إبراهيم كان في حياته الذهب واللبان والمر.

الذهب في حياته يظهر في عظمته وغناه، إذ هزم أربعة ملوك واستقبله في رجوعه ملكان (تك 14). كما كان عظيمًا أيضًا في نظر الله، الذي اختاره ودعاه وباركه (تك 12). والذي جعله بركة، وكان يقبل شفاعته (تك 18: 17 - 32).

وفي حياة أبينا إبراهيم كان اللبان، ككاهن للأسرة، وكرجل قدم للرب خدمة المذبح وتقديم المحرقات... وفي حياته أيضًا كان المر، في حياة الغربة التي عاشها، وفي حرمانه من البنين حتى شاخ، وفي تجربته، وفي ضيقاته من كثيرين...

St-Takla.org Image: From the Inspiration of the Nativity - book cover (b), by Pope Shenouda III. صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب من وحي الميلاد - البابا شنوده الثالث (غلاف ب).

St-Takla.org Image: From the Inspiration of the Nativity - book cover (b), by Pope Shenouda III.

صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب من وحي الميلاد - البابا شنوده الثالث (غلاف ب).

حياة كل إنسان مع الرب، لا يمكن أن تكون ذهبًا، إلا إذا كانت أيضًا لبانًا ومرًا.

وهذا الشرط لازم جدًا، فاللبان والمر، هما الطريق الذي يسلكه الإنسان ليصير ذهبًا أمام الله. وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جدًا في الكتاب المقدس.

لنأخذ حياة القديس بولس الرسول كمثال:

مما لا شك فيه أن حياته صارت ذهبًا، هذا القديس الذي صعد إلي السماء الثالثة ورأي أشياء لا ينطبق بها (2 كو 12: 4)... هذا الذي صنع به الله آيات وعجائب وقوات (2 كو 12: 12)، وتكلم بألسنة أكثر من الجميع (1 كو 14: 18)، وبشر بالإنجيل في أماكن متعددة، واختاره الرب ليكون رسول الأمم، ليحمل اسمه إليهم (أع 9: 15)...

ولكنه لم يصر ذهبًا، إلا بعد أن صار مرًا.

فمن أول دعوته أراد الملك الحارث أن يمسكه، فدلوه من السور في زنبيل ونجا منه (2 كو 11: 33). وكان في الأتعاب أكثر من باقي الرسل، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارًا كثيرة ". جلد من اليهود خمس مرات، ثلاث مرات ضرب بالعصي، مرة رجموه حتى ظن أنه مات، ثلاث مرات انكسرت به السفينة... وعاش في تعب وكد، في جوع وعطش، في برد وعري... (2 كو 11: 23 - 27). وقضي حياته مع زملائه في الخدمة " كمضلين... كمجهولين... كمائتين... كمؤدبين... كحزانَى... كفقراء... (2 كو 6: 8-10).

وفيما كان ذهبًا ومرًا، كان لبانًا أيضًا.

كرئيس كهنة، كرسول، كأب لأساقفة من أمثال تيموثاوس وتيطس... كرجل عبادة وتأملات " في أسهار، في أصوام" (2 كو 6: 6)، حياة بلا لوم أمام الله والناس، لا يجعل نفسه عثرة في شيء، لئلا تلام الخدمة (2كو 6: 3)...

وأنت ماذا تقدم للمسيح، من ذهب ولبان ومر؟

ليس من هذه الأشياء المادية التي قدمها المجوس، وإنما كيف تقدم حياتك كذهب؟ وكيف تقدم حياتك كلبان ومر؟ كي تفتح قلبك للمسيح، ويداك تقطران مرًا (نش 5: 5)، أي ويداك معطرتان بالمر في كل ما تقدمه هاتان اليدان لأجله... عطر الآلام التي تتقدس بها نفسك أمام الله.

إن أجمل ما في الحياة، هو الألم لأجل الله.

الألم المقدس، الذي يسربه به الرب، لأنه يدل علي البذل النابع من الحب... مثل آلام الشهداء والخدام والكارزين... ولكنه ليس ألما من حياة كلها حزن...!كلا، بل كما قال الرسول عن آلامه زملائه " كحزانَى ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 10).

والسيد المسيح علي الصليب، كان ذهبًا ولبانًا ومرًا.

كان مرًا، لأنه ذاق أقسي الآلام من أجلنا، وحسب عارًا وخطية، وأحصي مع الأثمة (أش 53: 12). وكان علي الصليب كاهنًا يقدم ذبيحة عن خطايا العالم كله، أعني ذبيحة نفسه... وكان ملكًا، لأنه قيل إن الرب ملك علي خشبة (مز 95)، ملك وهو مسمر علي خشبة الصليب، حيث حطم كل مملكة الشيطان، وأنقذنا من أسره، فبدأ ملكوت الله بالفداء...

فإن أردت أن تملك معه، اصعد علي الصليب.

اصعد معه علي الصليب، وتألم معه لكي تتمجد معه (رو 8: 17). اصعد معه علي الصليب، فهناك عرشه. ولا يمكن أن تملك معه، إلا إذا كنت تغني مع الرسول وتقول " مع المسيح صلبت" (غل 2: 20).

فإن صعدت إلي الصليب مع المسيح، وذقت المر معه، حينئذ تملك معه. ويضع علي رأسك إكليلًا من ذهب، هو إكليل الملك. وتكون حياتك بخورًا يصعد إلي الله، أي تكون لبانًا أيضًا، لبانًا محترقًا في نار الله المقدسة.

وفي صليبك تتحقق التقدمة الثلاثية في حياتك. نعم هذه هي الصورة التي أحب أن تضعوها باستمرار أمام أعينكم، صور المسيح المصلوب.

صورة المسيح المصلوب، هي صورة تقدمات المجوس.

تري فيها الذهب واللبان والمر، الملك والكهنوت والألم. فيها تري المسيح الملك، وعلي صليبه لافته مكتوب عليها " يسوع الناصري ملك اليهود "...

ولم تكن مملكته من هذا العالم، إنما كانت أسمي من العالم، ارتفع فيها عن الأرض وعن التراب، روحيًا وجسديًا. وعلي الصليب نكون ملوكًا معه، لا بالمعني الحرفي، بل بالمعني الروحي.

إذن حينما يطلب إليك أن تكون ذهبًا ولبانًا ومرًا، إنما يطلب إليك أن تصعد علي الصليب.

والذي لم يصعد علي الصليب، لم يدخل المسيحية بعد.

لم يذق طعمها بعد، لم يذق مرها وملكها، لأن المسيحية صلب مع المسيح، موت مع المسيح، منذ المعمودية التي يقول عنها الكتاب "دفنا معه في المعمودية. متحدين معه بشبه موته... عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه" (رو 6: 4-6). وهكذا نستمر معه في " شركة آلامه" (في 3: 10).

شركة آلامه، ليست في المر فقط، بل وفي اللبان والذهب.

واضحة جدًا شركة الآلام في المر. ولكن كيف تكون في اللبان؟

إن اللبان لا يمكن أن يصير بخورًا، وتصعد رائحته، وتصعد رائحته إلي الله، إلا إذا وضع في النار، إلا إذا دخل في المجمرة واحترق. وتكون المجمرة بالنسبة إليه صليبًا، يختبر فيها الرب وشركة آلامه... فماذا عن الذهب إذن، الذي يرمز إلي الملك؟

إن الإنسان لا يمكن أن يملك مع الرب، إلا إذا تألم معه. لا يمكن أن يتكلل بأكاليل من ذهب، إلا إذا تعب من أجل الرب " وكل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1 كو 3: 8). وهكذا نجد أن شركة الآلام هي الطريق إلى الذهب، إلي الملك، ومجد الأبدية.

صدقوني أنا متعجب من هؤلاء المجوس.

كيف استطاعوا أن يقدموا للرب تقدمات تحمل كل هذه الرموز؟ لعلهم كانوا مسوقين في ذلك بالروح القدس. ولعلهم صاروا فيما بعد شهودًا للمسيح في بلادهم، وحملوا اسمه كأول من آمن به من الأمم "وسجدوا له" (مت 2: 11).

فهل يقودك النجم مثلهم؟ وهل تسجد معهم وتقدم ذهبًا ولبانًا ومرًا؟

وإن لم تستطع أن تقدم كل هذا:

علي الأقل قدم شيئًا، أي شيء، قدم ما تستطيعه.

إن لم تستطيع أن تقدم النفس كلها، قدم مشاعر النفس. وعلي رأي القديس يوحنا ذهبي الفم حينما يقول: إن الله يجول طالبًا سببًا لخلاصك. ولو دمعة تذرفها لأجله، يأخذها الرب، فيها أن يختطفها شيطان المجد الباطل، ليكافئك عليها.

إذن قدم للرب شيئًا. قل له في هذا اليوم:

أنت يا رب قدمت من أجلي كل شيء.

ولم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك. من أجلي أخليت ذاتك. وقدمت هذه الذات علي الصليب من أجلي. وأعطيتني حبك كاملًا، وأعطيتني جسدك ودمك. وأقمت عهدًا بيني وبينك، فيه قدمت لي الخلاص مجانًا... فعلي الأقل لا بد أن أقدم لك شيئًا مع هؤلاء المجوس.

وإن كان هؤلاء المجوس -وهم من الأمم الغرباء- قد عرفوا أن يقدموا كل هذه الهدايا العميقة في رمزها، فكم ينبغي أن تكون هدايانا نحن المخلصين بدمك...

هناك كلمة جميلة يمكن أن تقال في مناسبة الهدايا هذه، وهي:

لا تقف أمام الله فارغًا...

فقد قال الرب عن شعبه، وبخاصة في زمن الحصاد "لا تظهروا أمامي فارغين" (خر 23: 15)... عجيب أن الرب وهو مالك السماء والأرض وكل شيء، وهو مصدر الخير كلها، يطلب منك ألا تقف أمامه فارغًا، وإنما لا بد أن تقدم له شيئًا، أي شيء. وحبذا لو قدمت له خير ما عندك، كما قدم هابيل "من أبكار غنمه ومن سمانها" (تك 4: 4). وحبذا أيضًا لو قدمت له من أعوازك كما قدمت الأرملة (مز 12: 44).

علي ان أثمن ما تقدمه هو قلبك.

فكثيرون يقدمون للرب عطايا هي من خارج أنفسهم، بينما نفوسهم ليست له...!

أما الرب فيقول لكل هؤلاء " يا ابني أعطني قلبك" (أم 23: 26).

قلبك هو الذهب واللبان والمر. هو منبع المشاعر والعواطف كلها. وكل عطية ليست من قلبك، أو لم يشترك فيها قلبك، ليست فيها قلبك، ليست هي مقبولة أمام الله. إذن قدم من قلبك ما تستطيعه، مهما كان قليلًا، ما دمت تقدم في جب.

والقليل الذي تقدمه، سيكون ثمينًا في نظر الله.

ونحن نصلي في أوشية القرابين من أجل "أصحاب الكثير، وأصحاب القليل "، بل حتى من أجل "الذين يريدون أن يقدموا، وليس لهم"... حتى مجرد هذه النية أو هذه الرغبة مقبولة أمام الله...

قدم أي شيء، ولا تخجل من قلته وضعفه.

قدم صلاة ولو فاترة. واطلب من الله أن يقبلها ويعطيك الحرارة.

قدم توبة، ولو ضعيفة ومترددة. واطلب منه الثبات والقوة.

قدم ضعفك، ليقويك. وقدم خلوك لكي يملأك. قل له:

أنا يا رب لا أملك ذهبًا ولا لبانًا ولا مرًا.

لا أملك ما أقدمه لك مثل هؤلاء المجوس... فعلي الأقل سأمشي معهم، وأذهب إليك معهم، وأنظر إليك، ولو مجرد نظرة، ويدي فارغة. ولو مجرد نظرة تأسف واعتذار علي فراغي... حينئذ سأجد يدي مملوءة ذهبًا ولبانًا ومرًا، من عندك أنت. وحينئذ أقول لك:

"من يدك أعطيناك" (1 أي 29: 14).

يا رب اغفر فراعي، وارحم فراغي، واعطني ما أعطيك...

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ألقيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبرى العباسية مساء الجمعة 11/ 1 / 1980 م.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/nativity-inspiration/gold-frankincense-myrrh.html

تقصير الرابط:
tak.la/6q3wkat