St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   nativity-inspiration
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب من وحي الميلاد - البابا شنوده الثالث

2- بَارَكْتُ طبيعتي فيك

 

مباركة الطبيعة البشرية

   لا تقل طبيعتي هكذا

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بسم الآب والابن والروح القدس - الإله الواحد آمين

 

أود أن أكلمكم في هذه الليلة عن:

إحدى بركات التجسد الإلهي، وهي مباركة الطبيعة البشرية:

وأعني بهذا أن السيد المسيح، لما لبس طبيعتنا، بارك هذه الطبيعة. ولذلك نقول في القداس الإلهي (الغريغوري) "وباركت طبيعتي فيك "...

فالطبيعة البشرية -بتجسد السيد المسيح- لم تعد طبيعة فاسدة.

وكما قال القديس أثناسيوس الرسولي: إن الإنسان خلق علي صورة الله ومثاله. ولكنه فسد الخطية، وفقد صورته الإلهية. فجاء السيد المسيح يقدم للإنسان صورة الله مرة أخري في الطبيعة البشرية التي لبسها.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

عادت إلي صورة الله

بارك هذه الطبيعة، لتعود كما كانت: صورة الله ومثاله.

ولذلك فإنه في هذه الطبيعة ذاتها، عالج كل الضعفات التي وقع فيها الإنسان الأول، كما عالج ضعفات الإنسان بصفة عامة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Jesus Christ with His disciples in the last sermon and commandments - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح مع تلاميذه في عظته الأخيرة ووصاياه - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909.

St-Takla.org Image: Jesus Christ with His disciples in the last sermon and commandments - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح مع تلاميذه في عظته الأخيرة ووصاياه - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909.

وأعطَى طبيعتنا روح القوة

أخذ الطبيعة الضعيفة المهزومة، وأعطاها روح القوة.

هذه الطبيعة الساقطة المغلوبة المهانة، باركها الرب وأعطاها قوة لم تكن لها. ولذلك فالإنسان في المسيح يسوع لم يعد إنسانًا ضعيفًا...

تصوروا إنسانًا مثل بولس الرسول يقول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13). حقًا، من يجرؤ أن يقول "أستطيع كل شيء"؟! يقولها من يناجي الرب بعبارة "باركت طبيعتي فيك ".

لأن من يؤمن بعمل المسيح فيه، يعرف أيضًا قول الكتاب "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مز 9: 23).

ومن بركات الرب التي بارك بها طبيعتنا، أنها:

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صارت هيكلًا للروح القدس

وهذه الطبيعة المباركة أمكن أن تكون هيكلًا للروح.

الروح القدس أصبح يحل في هذه الطبيعة البشرية، بسر المسحة، سر الميرون. وأصبحت أداة لينة طيعة في يد الروح القدس يعمل بها عجائب. وتظهر فيها ثمار الروح (غل 5: 22). وأصبحت أيضًا مجالًا لمواهب الروح (1 كو 14)... وهكذا أصبح جسد الإنسان هو هيكل للروح القدس (1 كو 7: 19).

وبارك الرب هذا الجسد أيضًا، فأصبح له.

هذا الجسد الساقط، الذي اشتهي الثمرة المحرمة وأكل منها، والذي كثرت شهواته فيما بعد، والذي ارتبط بالمادة وخضع لها... لما بارك السيد المسيح طبيعتنا البشرية، لم يعد هذا الجسد فاسدًا كما كان من قبل. بل إن القديس بولس الرسول يقول:

مجدوا الله في أجسادكم، وفي أرواحكم التي لله (1 كو 6: 20).

أي أن هذا الجسد لما بوركت طبيعتنا، صار أداة لتمجيد الله، وصار لله. وكيف تبارك هذا الجسد؟ ومتي؟ تبارك لما لبس الرب جسدًا (يو 1: 14)، لما أخذ الجسد واتحد به في طبيعة واحدة...

هناك فارق كبير بين العهد القديم والجديد، خذوا مثالًا له:

في العهد القديم كان من يمس جسد ميت يتنجس (لا 21: 1)، ذلك لأنه يمس جسدًا مات وهو تحت حكم الدينونة، بم تبرأ من خطيته بعد، بل سيذهب إلي الجحيم...

أما في العهد الجديد، لما بارك الرب طبيعتنا، تغير الوضع تمامًا.

أصبحنا نلمس أجساد الذين انتقلوا، فنتبارك بها.

لقد قدس الرب طبيعتنا بدمه الطاهر، وحمل الخطايا التي كانت تنجس هذا الجسد... وهكذا أصبحنا نتبارك من عظام القديسين. ولم يعد لمس جسد الميت نجاسة كما كان الأمر في العهد القديم...

السيد المسيح لما بارك طبيعتنا، وبارك الجسد إذ اتحد به، أرانا أن الجسد يمكن أن يسلك بطريقة روحانية، وأن الجسد يمكن أن يخدم الله كما تخدمه الروح، وأن طبيعتنا البشرية كلها، جسدًا وروحًا ونفسًا يمكن أن تكون مقدسة وطاهرة...

إننا نتعب حينما تسيطر الخطية علي الجسد، وتستخدمه لأغراضها.

فالعيب إذن في الخطية، وليس في الجسد...

وحتى لو خضع الجسد للخطية، لا يكون العيب في الجسد ذاته كطبيعة، إنما العيب هو في هذا الخضوع. أما الجسد فقد باركه الرب وقدسه. ومن اهتمام الله بهذا الجسد، انه سيقيمه في اليوم الأخير، وسينعم عليه بأن يكون جسدًا نورانيًا روحانيًا، يتجلَّى في مجد...

ماذا فعل السيد المسيح أيضًا، لما بارك طبيعتنا فيه؟

لقد قدس الرب جميع غرائز الإنسان.

كل ما في الطبيعة البشرية أصبح طاهرًا "كل شيء طاهر للطاهرين". قدس الرب الأكل لما أكل، كما قدس الصوم لما صام. قدس الراحة والتعب. قدس النوم والصحو، لما مارس كل هذا...

السيد المسيح الوديع الهادئ، الذي "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته"، قدس الوداعة والاتضاع بوداعته واتضاعه... وأيضًا قدس الغضب، لما أمسك سوطًا وطرد الباعة من الهيكل...

وأرانا أن الغضب يمكن أن يكون مقدسًا...

وذلك إذا ما استخدم حسنًا، ومن أجل الحق، وفي حدود معينة تجعله بعيدًا عن الخطأ، بل لازمًا في بعض الأحيان.

وقدس الرب كل الأعمال البشرية التي مارسها.

قدس الخدمة والكرازة، تمامًا كما قدس الوحدة والتأمل.

ذلك أنه سلك الأمرين معًا، إذ كان يقضي الليل في الصلاة في الجبل في بستان جثسيماني. وفي نفس الوقت كان يجول يصنع خيرًا، يطوف المدن والقرى يكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض (مت 4: 23).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الطبيعة التي تغلب الشيطان

في الطبيعة البشرية التي باركها المسيح، أعطانا روح الغلبة. أعطانا أن نغلب العالم ونغلب الشيطان.

الطبيعة الأولي الساقطة أيام آدم، كانت تخاف الشياطين. وكان الشيطان رعبًا للبشر، وقد تعود أن يسقطهم. ولذلك قيل عن الخطية إنها " طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26). ذلك لأن الشيطان استهان بالطبيعة البشرية، فلم يفلت من بين يديه أحد من البشر.

"الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله"،

"ليس من يعمل صلاحًا. ليس ولا واحد" (مز 14: 3).

واستمر الحال هكذا، والشيطان مسيطر. حتى صار لقب الشيطان هو "رئيس هذا العالم" (يو 16: 11). وكان الشيطان يفتخر بإسقاط بني البشر، حتى أنه وقف متحديًا في قصة أيوب الصديق، وقال عنه للرب مرتين " ولكن ابسط الآن يديك... فإنه في وجهك يجدف عليك" (أي 1: 11؛ 2: 5).

كان الشيطان يفتخر بأنه اسقط الكل، أو يستطيع أن يسقطهم...! إلي أن لبس المسيح طبيعتنا البشرية، واستطاع فيها أن يقول " من منكم يبكتني علي خطية؟!" (يو 8: 46). واستطاع أيضًا أن يقول:

"رئيس هذا العالم يأتي، وليس له في شيء" (يو 14: 30).

ولأول مرة يجد الشيطان نفسه مهزومًا. ليس فقط حينما قال الرب عنه " رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو 10: 18). وإنما أيضًا أحس الشيطان بالضعف والفشل في التجربة على الجبل (مت 4).

هزمه كإبن للإنسان، نائبًا عن طبيعة الإنسان.

في كل المواضع التي انهزم فيها الإنسان الأول، انتصر المسيح علي الشيطان. ورأي الشيطان أمامه طبيعة أخري يقف عاجزًا أمامها... وكان سهلًا علي الشيطان في كل حروبه مع السيد المسيح، أن يقبل انهزامه أمام ابن الله... أما أن ينهزم أمام " ابن الإنسان "، فكان هذا أمرًا يغيظ الشيطان ويتعبه.

وأصر السيد المسيح علي استخدام لقب "ابن الإنسان"، علي اعتبار أنه جاء نائبًا عن الإنسان، ليس فقط في دفع ثمن خطية الإنسان، إنما أيضًا بتقديم صورة طاهرة للإنسان ترضي قلب الله الآب، كما ترمز تقدمة الدقيق في سفر اللاويين (لا 2)...

الإنسان الطاهر المنتصر الذي يقول: باركت طبيعتي فيك.

أراد الرب أيضًا أن يشعرنا أن طبيعتنا يمكن أن تنتصر. وهكذا رفع الرب معنوياتنا، وأعطانا الرجاء في حياة الغلبة. وقال لنا: " في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33).

ولكن أي رجاء يعطينا، أنك قد غلبت العالم؟

نحن نعلم تمامًا أنك قادر أن تغلب العالم، فأنت القادر علي كل شيء. ولكن كنا نود أن نسمع منك عبارة " ثقوا أنكم ستغلبون العالم "... ولكن الرب يشرح لنا ما هو المقصود بقوله " ثقوا أنا قد غلبت العالم "... وكأنه يقول: أنا قد غلبته كإبن للإنسان. غلبته بهذه الطبيعة البشرية التي لبستها، وأعطيت لهذه الطبيعة القدرة علي حياة الغلبة.

غلبت العالم بطبيعتكم، كعربون لكي تغلب طبيعتكم العالم.

صار ممكنًا منذ الآن أن الطبيعة البشرية تغلب العالم، بعد أن غلبته أنا فيها...حقًا يا رب: باركت طبيعتي فيك... وأعطيتني أنا الإنسان الضعيف طبيعة جديدة قادرة أن تغلب العالم... طبيعة يقف أمامها الشيطان خائفًا منها، بعد أن كانت خائفة منه. أصبح يخاف الطبيعة البشرية ليس في شخص المسيح فقط الذي اتحد بها لاهوته، إنما أيضًا في أشخاصنا نحن البشر الذين الرب طبيعتنا.

ولنتأمل هذه الطبيعة البشرية المباركة التي يخافها الشيطان...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

طبيعة تنتصر علي الموت 

قال السيد المسيح لتلاميذه وهو يرسلهم للخدمة "اكرزوا قائلين إنه قد اقترب ملكوت السموات". هذه حرب تعلن ضد الشيطان، ولكنها قد لا تخيفه. فماذا أيضًا؟ قال لهم "أقيموا موتي. أخرجوا شياطين" (مت 10: 7، 8). حقًا هنا يكمن الخوف للشيطان. ولكن هل هناك ارتباطا بين هاتين العبارتين:

"أقيموا موتي. أخرجوا شياطين " أي ارتباطا بينهما؟

واضح أن عبارة " أخرجوا شياطين " فيها سلطان علي الشيطان، رجع بعدها التلاميذ فرحين يقولون للرب "حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ!" (لو 10: 17). ولكن السؤال الهام هنا هو:

ماذا يخيف الشياطين في عبارة: أقيموا موتَى؟

الأمر واضح أيضًا: إن الموت هو التحطيم الذي استطاع به الشيطان أن يحطم الطبيعة البشرية. هو أجرة الخطية التي جلبها الشيطان. ولذلك نقول للآب في القداس الإلهي " والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس، هدمته... ". والشيطان يظن أن هذا الموت هو نهاية للإنسان. ولكن عندما يري الإنسان يقوم، يشعر أن عمله الشيطاني بلا نتيجة.

على أن كثيرين قاموا من الموت، ورجعوا فماتوا مرة أخري مثل ابن أرملة صرفة صيدا، وابن الشونمية، ومثل الذين أقامهم الرسل من الموت. ولكن إقامة الموتَى هنا كانت مقدمة لعمل أعظم يحطم كل دولة الشيطان وهو:

قيامة السيد المسيح، التي لا موت بعدها...

هذه القيامة كانت ترعب الشيطان لأنها تهدم كل عمله الذي تعب فيه من قبل. وقد وعدنا الرب أن نقول من الأموات. وحقًا سنقوم في شبه مجد قيامته بجسد روحاني لا يموت. وبهذا الجسد نرث الحياة الأبدية... إذ بارك الرب طبيعتنا فيه.

طبيعتنا المائتة، وهبها الرب ببركته عدم موت...

كما قال الرسول عن جسدنا المائت "هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد. وهذا المائت يلبس عدم موت" (1 كو 15: 53). وهذا الموت الذي من أجله نصب الشيطان كل فخاخه وحبائله، وكل مكره وحيله، سوف نغني له ونقول:

أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ (1 كو 15: 55).

وحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ابتلع الموت إلي غلبة (1 كو 15: 54). وشكرًا لله الذي يعطينا الغلبة يسوع المسيح، هذا الذي بارك طبيعتنا فيه، وأعطانا نعمة الحياة وعدم الموت.

إذن كانت إقامة الموتَى التي وهبت للتلاميذ هي " بروفة " لتحطيم معنويات الشيطان. هي مقدمة ورمز للقيامة الخالدة التي لا موت بعدها.

وماذا تعني عبارة "لا موت"؟ تعني لا خطية. لأن أجرة الخطية هي موت (رو 6: 23). ونحن كنا أمواتًا بالخطايا. وعدم الموت بالنسبة إلينا، معناه أن الله قد محا الخطية ولم يعد يذكرها (أر 31: 34). وهذا أخوف ما يخافه الشيطان، لأنه ضياع لكل ثمرة تعبه خلال عصور وأجيال طويلة...

إن عبارة "أين شوكتك يا موت؟!"، لا شك أنها تتعب الشيطان...

يقول بولس الرسول " إني متيقن أنه لا موت ولا حياة... تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع" (رو 8: 38، 39).

عبارة "لا موت" أصبحت ترعب الشيطان، لأن كل عمل الشيطان هو أن يجلب حكم الموت علي الناس. أما في الطبيعة الجديدة التي أخذناها من الرب فإننا نقول:

ليس موت لعبيدك، بل هو انتقال...

حقًا إنك باركت طبيعتي فيك، ولم يعد الموت يخيفنا، إذ لم تعد له سيطرة علينا. شوكته قد انتهت، بعد أن ألغاها السيد الرب بالقيامة. وكأننا حينما نسمع كلمة الموت، "نموت من الضحك" قائلين له "أين شوكتك يا موت". وإذ بارك الرب طبيعتنا فيه، أصبحنا نسخر من الشيطان ودولته. وماذا أيضًا؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أصبحت لنا طبيعة جديدة 

وكما قال الرسول "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 5: 17). لقد خلعنا الإنسان العتيق مع أعماله ولبسنا الجديد (كو 3: 9). وما هو هذا الجديد الذي لبسناه يقول الرسول:

لأن جميعكم اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح (غل 3: 27).

أي مجد هذا؟ حقًا يا رب، لقد باركت طبيعتي فيك... أرجعتنا إلي صورتنا الإلهية، وأصبح إنساننا الجديد هذا يتجدد حسب صورة خالقه (كو 3: 9). أصبحت طبيعتنا مؤهلة لأن يحل فيها الروح القدس، وبحلوله نلبس قوة من الأعالي وكما قال الرب:

ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم (أع 1: 8).

وهذه القوة هي من سمات الطبيعة الجديدة، وبها نستطيع أن نشهد للرب. وبها لا نخاف الخطية، ولا نخاف الشياطين، ولا نخاف الموت. لقد أصبحت الطبيعة البشرية شيئًا آخر بعد أن باركها المسيح.

ولذلك نقرأ عن أشياء عجيبة في الأصحاح السادس من رومية:

إنساننا العتيق قد صلب. دفن بالمعمودية (رو 6: 6، 4).

"متنا عن الخطية"، "ليبطل جسد الخطية"، "كي لا نعود نستعبد أيضًا للخطية"، "هكذا نسلك في جدة الحياة" (رو 6: 2-6).

هذه هي الطبيعة الجديدة، التي باركها المسيح فيه، التي خلصها من كل أخطائها، وغسلها في المعمودية، لتبيض أكثر من الثلج (مز 50). لذلك حسنًا بشر الملاك بالميلاد قائلًا "أبشركم بفرح عظيم. إنه ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب" (لو 2: 10، 11).

ما هو هذا الخلاص الذي نلناه في التجسد الإلهي؟

خلصنا من عقوبة الخطية، من نتائجها، من الموت، من الدينونة... ولكن هل الخلاص من هذا فقط؟! كلا بلا شك. لأنه لو خلصنا من عقوبة الخطية وترك طبيعتنا كما هي فاسدة، تسيطر عليها الخطية مرة أخري، وبالخطية الموت، لقنا ما الذي استفدناه. ولكن السيد الرب عمل معنا ما هو أعظم:

فكما خلصنا من عقوبة الخطية، خلصنا من فساد الطبيعة البشرية.

خلصنا من الفساد. هذا هو الأهم. صلب إنساننا العتيق. أماته. لم يعد للشيطان سلطانًا علينا، بل أعطانا سلطانًا علي جميع الشياطين (مر 3: 13؛ مت 10: 1). أصبحت طبيعتنا لها سلطان علي الأرواح النجسة. وأعطي هذا العربون للتلاميذ أولًا...

لبست طبيعتنا المسيح (غل 3: 27) فلبست القوة والقداسة.

لبست المسيح في المعمودية. والمسيح غلب العالم. وهكذا لبست أنت هذه الغلبة التي في المسيح يسوع، كما لبست البر الذي في المسيح يسوع، ولبست القوة التي بها هزم الشيطان وهزم الموت... هذه هي البركة العظمي التي نالها طبيعتنا، لما جددها الرب مرة أخري.

بارك المسيح طبيعتنا، بأن خلصها من كل سقطاتها.

كيف كان ذلك؟ وما هي السقطات التي خلصها منها الرب؟

لقد أمسك السيد بكل نقاط الضعف ومواطن السقوط في هذه الطبيعة، وهزم الشيطان فيها، ووضع أنفه في الكبرياء، وأراه هذه الطبيعة البشرية منتصرة في كل شيء، ومستعيدة صورتها الإلهية.

بالطاعة الكاملة للآب، خلص طبيعتنا من سقطة العصيان.

سقطت الطبيعة البشرية في العصيان، وخالفت الرب، وتمادت في المخالفة إلي أقصي حد. فجاء المسيح بهذه الطبيعة، وأعطاها أن تطيع حتى الموت موت الصليب (في 2: 8)، وأن تقول لله الآب " لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك" (لو 22: 8)، " لا ما أريده أنا، بل ما تريد أنت" (مز 14: 26)، وقال أيضًا "لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الآب الذي أرسلني" (يو 5: 30)، "لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني" (يو 6: 38). وقال أيضًا "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو 4: 34).

وعلمنا أن نقول للآب في صلواتنا: لتكن مشيئتك.

وهكذا قدم السيد المسيح صورة للطبيعة البشرية المطيعة لله، الذي طعامها أن تفعل وصاياه، ومشيئتها هي مشيئته. وبذلك صحح الخطأ القديم الذي شوه الطبيعة البشرية منذ ًادم وخلال كل العصور...

وفي هذه الطبيعة التي باركها، هزم الشيطان بطريقتين:

هزمه بالضربة القاضية علي الصليب. وغلبه كذلك بالنقط، بنجاح علي طول الخط، خلال كل فترة تجسده علي الأرض. ولم يعطه مطلقًا أية فرصة. وأراه أن الطبيعة البشرية التي باركها، يمكن أن تنتصر عليه.

هذا من جهة الشيطان. أما من جهة الله الآب، فقد أرضاه في التجسد، إذ قدم له الطبيعة البشرية طائعة له حتى المنتهي. فكان بذلك رائحة سرور للرب، ليس فقط كذبيحة محرقة، أو كذبيحة خطية، فوق الصليب، إنما أيضًا:

كان أيضًا رائحة سرور للآب، في حياته المقدسة.

ناب عن البشرية في تقديم رائحة السرور هذه لله الآب، في حياة طاهرة، كاملة في طهارتها وبرها وقداستها وطاعتها...

وبهذا أوجد صلحًا بين الآب والبشرية. وكأنه يقول لله الآب: أنا أريد أن أصالحك مع هؤلاء. هم أغضبوك بعدم الطاعة. وأنا بالنيابة عنهم سأقدم لك هذه الطاعة كرائحة سرور أمامك.

وبهذا حقق السيد المسيح ثلاثة أهداف بعمل واحد.

وهذا العمل الواحد هو حياته المقدسة. وأما الأهداف الثلاثة فهي:

أ‌- حطم أسطورة الشيطان المنتصر، إذ هزمه وأذل كبرياءه.

ب- أرضي قلب الآب بتقديم الطاعة الكاملة له من الطبيعة البشرية.

ج- رفع معنويات الإنسان. وكيف ذلك؟

كما رفع داود معنويات الجيش كله، بهزيمته لجليات.

كان كل أفراد الجيش خائفين من ذلك الجبار، شاعرين بصغر نفس أمامه، معترفين عمليًا وفكريًا بأنهم عاجزون أمامه. فلما ضربه داود وهزمه، ارتفعت معنويات الكل، وأدركوا أن غير المستطاع عند الناس، هو مستطاع عند الله (مز 10: 27). وأدركوا أيضًا أن الله لا يتخلَّى عن أولاده، وإنما يقودهم في موكب نصرته. وهكذا فعل المسيح في تجسده، إذ رفع معنويات الطبيعة البشرية، وأشعرها أن الانتصار سهل وممكن أمامها...

وظهر الانتصار واضحًا في التجربة على الجبل...

انتصار علي المادة والأكل، الأمر الذي وقع فيه أبوانا الأولان...

وانتصار علي الكبرياء ومحبة المناظر، برفض منظر أن تحمله الملائكة، ورفض الملك والسيادة، ورفض استخدام سلطانه كابن لله لتحويل الحجارة إلي خبز... وإذا بالطبيعة البشرية التي سقطت حينما أرادت أن تصير مثل الله (تك 3: 5)، أصلح الرب مسارها، حينما " أخلي ذاته وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان" (في 2: 7).

وهكذا بارك الطبيعة بالاتضاع، فخلصها من الكبرياء.

خلصها من حب العظمة الذي وقع فيه الشيطان حينما قال "أصير مثل العلي" (اش 14: 14)، والذي أراد أن يوقع به الإنسان حينما قال لأبوينا الأولين "تصيران مثل الله عارفين الخير والشر" (تك 3: 5).

وصار الاتضاع بركة، من يعيش فيه، يكون في صورة الله المتضع.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: From the Inspiration of the Nativity - book cover (c), by Pope Shenouda III. صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب من وحي الميلاد - البابا شنوده الثالث (غلاف ج).

St-Takla.org Image: From the Inspiration of the Nativity - book cover (c), by Pope Shenouda III.

صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب من وحي الميلاد - البابا شنوده الثالث (غلاف ج).

وبارك طبيعتنا بالرجاء

أعطاها نعمة الرجاء مهما كانت خطيتها. لأن الشيطان كان يحارب باليأس أيضًا، كما أهلك به يهوذا الإسخريوطي... يهوذا هذا الذي ندم علي ما فعله، وأرجع المال وقال "أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا" (مت 27: 4)، عاد الشيطان فأسقطه في اليأس، في خطيته قطع الرجاء، فمضي وخنق نفسه (مت 27: 5)... كيف باك المسيح طبيعتنا، وحصنها ضد اليأس:

باركها بالرجاء وعدم اليأس، بقبوله اللص اليمين.

قبل إليه هذا اللص، الذي استمر في شروره إلي آخر ساعات حياته، إذ كان يعير الرب علي الصليب مع اللص الآخر كما يروي معلمنا مرقس الإنجيلي (مز 15: 32). ولكن اللص اليمين عاد فاستجاب لعمل النعمة فيه، وبكت اللص الآخر، واستحق أن يسمع من الرب عبارة " اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43). وهكذا خلص اللص أخيرًا، وأصبح مثالًا لمباركة الطبيعة البشرية بعمل الرجاء فيها مهما كانت الظروف المحيطة.

فهل من مثال آخر إلي جوار مثال اللص؟ نعم هناك مثال:

بطرس الذي أنكر المسيح، كان مثالًا آخر للرجاء.

كان يمكن أن ييأس، وبخاصة لو ركز علي قول الرب "مَنْ ينكرني قدام الناس، أنكره أنا أيضًا قدام أبي الذي في السموات" (مت 10: 33). ولكن الرب الذي قال هذا، هو نفسه الذي قبل بطرس إليه، بل أعاده إلي رتبة الرسولية بقوله له بعد القيامة "ارْعَ غَنَمِي. ارْعَ خرافي" (يو 21: 15، 16).

حقًا إن الرجاء بركة عظيمة بوركت بها طبيعتنا.

فاليأس هو لعنة تورث الحزن، وتورث الهلاك. أما نحن ففي بركة الرجاء، نعيش حسب وصية الرسول " فرحين في الرجاء" (رو 12: 12).

وأولاد الله في هذه الطبيعة التي تباركت بنعمة الرجاء، ينطبق عليهم قول أشعياء النبي " وأما منتظرو الرب، فيجددون قوة، يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون" (أش 40: 31).

الله يعطي رجاء، حتى لطبيعة العاقر التي لم تَلِد (اش 54: 1).

إذن فلنعش في الرجاء، وفي انتظار ملكوت الله. ولا يقل أحد مهما كانت خطيئته: لا فائدة من إصلاحي. إن طبيعتي هكذا...!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لا تقل طبيعتي هكذا

لا تيأس من طبيعتك. إنما سبح الرب بعبارة " باركت طبيعتي فيك".

لقد بارك الرب طبيعتك في نواح متعددة...

باركها في المعمودية، حينما صلب فيها الإنسان العتيق ووهبها جدة الحياة (رو 6). كما وهبها البنوة لله (يو 3: 3-5). وباركها في المسحة المقدسة بحلول الروح القدس، وباركها بالتطهير المستمر في سر التوبة. وباركها بالتناول من الأسرار المقدسة، وبنعمة الثبات فيه (يو 6: 56).

لقد باركها وقدسها، وأعطاها المواهب والمواعيد.

بررها الله وقدسها، لتكون مشابهة لصورة ابنه، ومجدها أيضًا (رو 8: 29، 30). وأهلها للمواهب. وما أجمل أن نضع أمامنا صورة يوحنا المعمدان الذي وهو جنين امتلأ من الروح القدس (لو 1: 15). وارتكض في بطن أمه للقاء المسيح، وامتلأت أمه من الروح القدس (لو 1: 41). وماذا عن طبيعتك أيضًا في مباركة الرب لها؟

وقدس الرب طبيعتنا في كل مراحل العمر:

قدس الطفولة لما مر بهذه المرحلة. وقدس الفتوة وهو فتي. وقدس مرحلة الشباب وهو شاب، ومرحلة الرجولة وهو رجل. وقيل عنه أنه كان ينمو. وكان يتقدم... (لو 2: 52). وهكذا قدم لنا مثالية في كل مرحلة من مراحل العمر تمر بها طبيعتنا.

وكذلك قدَّس طبيعتنا في كل الظروف.

قدس مواجهة العدو، لما أتوه للقبض عليه، فواجههم وقال لهم " أنا هو" (يو 18: 5،6). وقدس البعد عن الشر بالهروب إلي مصر.

قدس الاحتمال لما احتمل ظلم الأشرار. وقدس الجدل البناء لما جادل الكتبة والفريسيين والصدوقيين. قدس الصمت لما صمت. وقدس الكلام لما تكلم. وإذا بطبيعتك البشرية يا أخي تتبارك في كل عمل. وماذا أيضًا؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نالت طبيعتك نعمة البنوة

فالذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله (يو 1: 12). والقديس يوحنا الحبيب يتغنَّى بهذا الأمر فيقول "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعي أولاد الله" (1 يو 3: 1).

والبنوة تصحبها أيضًا المواعيد، والميراث والبركات... وهذا موضوع طويل لست أري الوقت متسعًا له... ولكني أقول:

كل هذه البركات هي من ثمار التجسد الإلهي.

ومن ثمار الفداء الذي كان هدف التجسد أيضًا.

وفي هذه البركات يقول لنا الرب " لا أعود أسميكم بعد عبيدًا بل أحباء" (يو 15: 15). له المجد في محبته من الآن وإلي الأبد آمين.

 

إن ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ألقيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية مساء الجمعة 28 / 11 /1980 م.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/nativity-inspiration/bless-nature.html

تقصير الرابط:
tak.la/gd7a679