St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   god-and-man
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الله والإنسان - البابا شنوده الثالث

26- الله يعمل... ويعمل في هدوء

 

أقول لكم اليوم(1): أود أن تهدأوا. وأنا أعرف أنكم هادئون، إنما أود أن تستمروا في هذا الهدوء. وثقوا أن الله يعمل. وطريقته أن يعمل في هدوء.

إن الله دائم العمل. ونحن كمؤمنين بالله - لا بُد أن نضع أمامنا عمل الله باستمرار.

والله يعمل من أجلنا، حتى دون أن نطلب.

لقد خلق الله الكون، دون أن يطلب الكون نعمة الوجود. فالعدم ما كان بإمكانه أن يطلب. وخلق الله الإنسان، دون طلب للتراب أن يصير إنسانًا!

والله من أجلنا عمل كل شيء. أعد للإنسان الشمس والقمر والأنهار والبحار، وأعد له الأشجار والثمار، وكل وسائل الراحة، دون أن يطلب الإنسان شيئًا منها...

وخلق الله لآدم حواء، دون أن يطلبها، وإنما لمجرد معرفة الله آدم يحتاج إليها، كمعين إلى جواره.

لقد عمل الله كل شيء، بدافع من محبته ورعايته.

وظل الله يرعى هذا الكون، ويحيطه بعنايته:

يشرق بشمسه على الجميع، ويعطي ثمر الأرض للكل، حتى للملحدين الذين ينكرون وجوده، حتى للمجدفين عليه.

ويعطي أيضًا حتى للخطاة، الذين يعصونه ويكسرون وصاياه.

إنه الإله المحب، العامل في الكون، الذي يجول يصنع خيرًا، يعطي البركة والنعمة، ويعطي لكل أحد.

هو الحب المطلق، وهو الخير المطلق، وهو كل شيء بالنسبة إلينا. إنه أب لجميعنا. ولا ينتظر الأب من ابنه أن يطلب حتى يعطيه. بل هو يدرك احتياجاته فيعطيه إياها؟!

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: A plant's spikes - Various photos from Assisi, Italy - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 23, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: سنابل أحد النباتات - صور متنوعة من أسيزي، إيطاليا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 23 سبتمبر 2014 م.

St-Takla.org Image: A plant's spikes - Various photos from Assisi, Italy - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 23, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: سنابل أحد النباتات - صور متنوعة من أسيزي، إيطاليا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 23 سبتمبر 2014 م.

وما أجمل آيات الإنجيل المقدس في ذلك:

"أبوكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها" (مت32:6)...

إنه يعرف احتياجات كل نفس، ويحس خفقات كل قلب. ويقرأ أفكار كل واحد منا ومشاعره، ويدرك رغباته.

إن كان الله يعطي طعامًا للعصافير دون أن تطلب، وإن كان يمنح ألوانًا جميلة تكتسي بها زنابق الحقل دون أن تطلب، فكم بالأولى البشر الذين أعتبرهم الله ابناءه...؟

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إنه ضعف إيمان، أن ننسى عمل الله لأجل الإنسان!

فلنضع الله أمامنا إذن، في كل احتياجاتنا الشخصية، وفي كل احتياجات بلادنا. وأيضًا من جهة العالم كله، المحتاج إلى السلام المحتاج إلى الحب، العالم الذي تطحنه الحروب والصراعات، حتى لقد أصبح الأخ فيه ضد أخيه...

لكن الله في عمله، قادر أن يملأ قلوب الناس حبًا، وقادر أن يغرس في مشاعر الكل أسمَى العواطف وأنبلها.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

والله لا يعطي الناس العطايا المادية فقط، وإنما يعطيهم أيضًا المشاعر الطبية ويعطي التوبة أيضًا للناس.

روحه القدوس يعمل في القلب البشري، ونعمته المملوءة حبًا، تزور كل إنسان لتعمل فيه. وأرواح قديسيه ترفرف من حولنا، تقدم هي أيضًا معونة للبشر بتكليف من الله.

الله أيضًا يعطي الوحي، ويعطي الإلهام، ويعطي الصوت الداخلي في أعماق النفس، ويعطي جميع المواهب.

ونحن نؤمن أن كل عطية صالحة، هي نازلة من فوق، من عند الله نفسه.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

لذلك نضع الله أمامنا باستمرار، ونثق بعمله.

لقد عمل الله في القديم، وما زال يعمل الآن، وسيعمل في كل حين، وإلى الأبد.

وما أجمل قول السيد المسيح في ذلك "أبي يعمل حتى الآن، وأنا أيضًا أعمل" (يو17:5).

يكفي أن ننام في حضن الله، ونستريح هناك.

يكفي أن نريح رؤوسنا على صدر الله، ونتركها هناك.

واثقين أن قلب الله مملوء حبًا وعطفًا. وواثقين أن الله يعرف عمله، وأنه يعمل، ويتقن عمله.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

يوسف الصديق كان في السجن، ولكن الله كان يعمل من أجله. وفي الوقت المناسب أخرجه من السجن إلى أرفع مناصب الدولة، دون أن يطلب يوسف ذلك.

ويونان، أنقذه الله من البحر، دون أن يحلم بذلك!

"كان الرب قد أعد حوتًا عظيمًا فابتلع يونان" (يون17:1) ثم أوصله سالمًا دون أن يفكر يونان في إنقاذ كهذا، أو يطلبه. ولكن الله كان يعمل من ذاته لأجل يونان.

وهوذا المزمور يقول "من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم -يقول الرب- أصنع الخلاص علانية" (مز5:12)

لم يقل من أجل صلواتهم وطلباتهم، وإنما من أجل شقائهم، حتى دون أن يطلبوا، يقوم الرب ويصنع خلاصًا...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ولست أتكلم فقط عن حفظ الله لنبي كيونان، أو قديس كيوسف الصديق، بل صدقوني إنه حتى كل حسرة تدب على الأرض، أو تسعى تحت التراب، إنما تجد رعاية من الله، الذي يقدم لها طعامًا وحفظًا، دون أن تطلب.

إنه الله الذي يعمل من أجل الكل، بمحبته، ورعايته، ومعرفته وعدله، فيحفظ التوازن في هذا الكون العريض.

إنه الله القادر على كل شيء، القابض بيده كل زمام العالم كله، حتى نسميه ف صلواتنا "الله الضابط الكل"...

إنه أب لجميعنا بكل ما تحمل كلمة الأب من حنان وحب ورعاية، وعمل على إراحة أولاده. نناديه في صلواتنا "أبانا الذي في السموات"...

إنه وهو يعمل كلي القدرة، قال عنه الكتاب:

"غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله" (مز27:10).

وكل من يلتصق بالقوة التي تسند وتعين.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

لهذا عملنا الأول، هو أن ندخل الله في كل عمل.

وإذا دخل الله في أعمالنا، يقدر أن ينجح مسيرتها.

ونتأمل نحن عمل الرب، وليكن الرب مباركًا في كل حين.

ونحن واثقون أن إلهنا المحب القوي، لا بُد سيعمل من أجل مصر، التي قال عنها قبلًا "مبارك شعبي مصر" (أش25:19).

وسنرى بركات الله في مصر، حسبما يتسع إيماننا لنرى.

وعمل الله لأجلنا، يمنحنا الإيمان، والرجاء، والإطمئنان.

لذلك نحن نطلب دائمًا أن يشترك الله معنا في العمل، ونقول في قداساتنا في الأواشي "اشترك في العمل مع عبيدك، في كل عمل صالح"... ويجيب الله "ها أنا معكم كل الأيام، وإلى إنقضاء الدهر" (مت20:28)...

أما نحن فإننا نحس وجود الله في حياتنا، ويقول كل منا مع المرتل "جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني لكي لا أتزعزع" (مز8:16). إننا نرى الله واقفًا بيننا وبين كل إشكال. وفي الحب الذي نعيشه مع الله نقول:

إن عشنا فاللرب نعيش. إن متنا فللرب نموت... إن عشنا أو متنا، فللرب نحن... (رو8:14).

الله بالنسبة إلينا، هو الكل في الكل...

نعيش في قلب الله، ويعيش الله في قلوبنا.

الله هذا الذي نعبده، له اليقظة الدائمة، لا ينعس ولا ينام. معرفته تدرك ما لا يدركه البشر والآلات.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

الله يعمل دائمًا. ولكن طريقته أن يعمل في هدوء.

في هدوء خلق الكون، وفي هدوء يرعاه ويدبره، انظر إلى قوانين الفلك، كيف تتحرك الأجرام السماوية كلها في هدوء. وتتعاقب الفصول، ويتعاقب الليل والنهار في هدوء أيضًا. وبنفس الهدوء تنمو الأشجار قليلًا قليلًا، بطريقة تكاد لا تحس. وبنفس الهدوء أيضًا تعمل كل الأجهزة في جسم الإنسان تتلقى أوامرها من مراكزها، وتعمل في صمت.

حينما كلم الله إيليا النبي، لم يكلمه في العاصفة ولا في الزلزلة ولا في النار، وإنما في "صوت منخفض خفيف" (1مل11:19-13) في هدوء. وبنفس الهدوء أنقذ الله يوسف، وأنقذ المجوس. وبنفس الهدوء قام الرب بعمل التجسد وعمل الفداء.

وحينما أعد الله خدامه، أعدهم أيضًا في هدوء البرية، كما أعد موسى النبي بعيدًا عن صخب قصر فرعون. وكذلك أعد داود النبي في رَعي الغنم، في الهدوء، في ظل المزمار والعود والقيثار...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

العجيب يا أخوتي، أن جميع الكواكب هادئة، ماعدا هذا الكوكب الذي نعيش فيه.

هذه الكرة الأرضية هي التي تفقد هدوءها بين الحين والآخر، وتهزها الصراعات والإنقسامات والحروب... ككل...

وحتى الأفراد، ما أكثر ما نرى العقل صاخبًا، والحواس والأعصاب صاخبة، والنفس تموج بتيارات من المشاعر والأحاسيس. ويتساءل الناس: متى يهدأ الإنسان عقلًا وقلبًا وجسدًا؟

في العالم الآخر، سيتحقق حلم الناس في الهدوء.

هناك، حيث لا ضجيج ولا صخب ولا صراع، سترجع البشرية إلى هدوئها، وتعود لتحيا في الهدوء الذي أراده الله للناس، حينما خلق الله الإنسان على صورته ومثاله... وهناك سيكونون كملائكة الله في السماء، كلهم في هدوء، لا يختلفون ولا يتصارعون، بل يملك عليهم الحب والسلام...

ونحن نصلي أن يمنحنا الله هذا الهدوء الذي يريده الله لنا. ونتمتع بمذاقة الهدوء ههنا، حتى نحس جمال الهدوء في الأبدية السعيدة.

إن الهدوء يعطي مجالًا للتفكير السليم، للحلول السليمة.

نصلي أيضًا أن يمنح الله هدوءًا لبلادنا، ولكل العالم معًا، فيحيا العالم هذا الهدوء، لا أن يعجب به فقط.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) أُلْقِيَت هذه العظة في الكاتدرائية الكبرى يوم الجمعة 16 مايو 1980 في ظروف سياسية صعبة. بعد أن ألقى الرئيس السادات خطبة في مجلس الشعب يوم 14/5 هاجمنا فيها بلهجة شديدة جدًا (العظة مسجلة صوتيًا).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/works-quietly.html

تقصير الرابط:
tak.la/3p5vgft