St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   god-and-man
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الله والإنسان - البابا شنوده الثالث

4- الله الخالق

 

إن عملية الخلق عجيبة جدًا. هي مستوى فوق العقل، نقترب إليه عن طريق الإيمان والوحي. فالخالق غير الصانع يصنع أشياء من مادة موجودة. أما الخالق فيخلق من العدم، ينشئ شيئًا من لا شيء!!

والعجيب في الله أنه صنع كل شيء، من لا شيء.

كما أن في خلقه للكل: ألوانًا من القدرة والحكمة والفن والنظام والجمال، والتواضع. فمن تواضع الله، أنه لم يشأ أن يكون الوجود له وحده. فأوجد كائنات أخرى، منحها الوجود، لتكون معه...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

سبب خلقه للموجودات حاليًا، هو جوده وكرمه ومحبته.

هو لم يكن محتاجًا إلى هذا الكون، بل الكون هو المحتاج إلى الله. وكما نقول في القداس الغريغوري "لم تكن أنت المحتاج إلى عبوديتى بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك"... إن الله لم يخلق الإنسان ليمجده، فقد كان الله -قبل الإنسان- ممجدًا من ملائكته. ولم يكن الله محتاجًا إلى الملائكة لتمجيده ولا للطبيعة كلها. فالله ممجد من صفاته، ممجد من طبيعته التي لا تحد ولا يدركها عقل ولا فهم... إذن فقد خلق الكون كرمًا منه.

هنا ونسأل: متى خلق الله كل شيء.

في وقت لا نعرفه... أطلق عليه الكتاب عبارة "في البدء أي في بدء عمل الخلق. فقيل "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك1:1). خلق السماء وما فيها، والأرض وما فيها. خلق الروح وخلق المادة. "خلق الملائكة أرواحًا" (مز4:104). ومن المادة خلق كل الكائنات الجامدة.

والله أيضًا منح بعض مخلوقاته نعمة الحياة.

منح الحياة للنبات والحيوان والإنسان، ومن قبل ذلك للملائكة. ومن محبته منح للإنسان روحًا خالدة، وكذلك الملائكة... ومنح للحيوان نفسًا تنتهي بموته. وجعل درجة الحياة على مستويات تتنوع بين النبات والإنسان والحيوان.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: A plant's spikes - Various photos from Assisi, Italy - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 23, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: سنابل أحد النباتات - صور متنوعة من أسيزي، إيطاليا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 23 سبتمبر 2014 م.

St-Takla.org Image: A plant's spikes - Various photos from Assisi, Italy - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 23, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: سنابل أحد النباتات - صور متنوعة من أسيزي، إيطاليا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 23 سبتمبر 2014 م.

الله ذاته خلق كل مستويات الخليقة، حتى الذي يبدو ضئيلًا منها!!

وهذا دليل أيضًا على تواضع الله. خلق العاقل وغير العاقل. خلق الحي والجماد. خلق الفيل الضخم، خلق الدودة التي تسعى تحت حجر. خلق الأسد القوي الشجاع، كما خلق الأرنب الضعيف الخائف. خلق القرد كما خلق الغزال. خلق الجبل العالي والوادي السحيق. خلق الحر والبرد، النور والظلام. الكل صنعة يديه... ولعل البعض يسأل:

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

وماذا عن الشيطان؟ هل يخلق الله شيطانًا؟

إنه أيضًا من خلق الله. ولكن الله لم يخلقه شيطانًا. لقد خلقه ملاكًا بكل ما تحمل طبيعة الملاك من عظمة وروعه. ولكن هذا الملاك حول نفسه إلى شيطان بإرادته التي انحرفت. وقد كان الشيطان من رتبة الكاروبيم. وصفة سفر حزقيال النبي بأنه "الكاروب المنبسط والمظلل" (حز14:28، 16). وقال إنه في يوم خلقه كان "ملآن حكمة وكامل الجمال" (حز12:28).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ومن العجيب في قدرة الله في الخلق، العدد الهائل لمخلوقاته وتنوعها.

ملايين الملايين من المخلوقات، تتكرر كل جيل، وبعضها يتكرر كل سنه أو عدة سنوات، وبعضها لا يُحْصَى مثل رمل البحر، ومثل نجوم السماء وما في السماء من كوكب ومن مجرات.

ونحن نعرف فقط الظاهر من مخلوقات الله، ولا نعرف الخفي منها.

أو نبذل الجهد لكي نعرف ما خفي منها. فنحن مثلًا لا نعرف ما في باطن الأرض من أسرار. ولكن نبذل الجهد بحفريات كثيرة لنعرف ما تلفظة البراكين من باطن الأرض. كذلك بالتنقيب يمكن أن نتعرف على ما في جوف الجبال من ذهب ومعان وأحجار كريمة وغير ذلك.

أضف إلى ذلك ما في أعماق البحار. ولذلك كله توجد معاهد لعلوم البحار، وللجيولوجيا. وبدأت تتكون دراسات أخرى لعلوم الفضاء، ربما يذهلنا منها مناطق انعدام الوزن التي يخرج فيها رائد الفضاء من مركبة الفضاء ليسير على قدميه في الجو!!

وعن كل ذلك نقول إننا نعرف "بعض المعرفة" (1كو12:13)، ليس فقط كما قال القديس بولس الرسول عن العالم الآخر، وإنما حتى عن هذه الأرض التي نعيش فيها، أنما نعرف بعض المعرفة عنها وعما يحيطها...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

والعجيب في الله الخالق أيضًا أنه خلق العالم وكائناته بنظام عجيب.

يكفي أن ننظر مثلًا إلى الفلك وما فيه من عجب ومن نظام.

من حيث الرابطة التي تربط هذه الأجرام السمائية بقوانين تحفظها قائمة في مكانها في الجو، مع علاقات ببعضها البعض تنظم حياتنا نحن أيضًا. فالأرض تدور حول نفسها أمام الشمس دورة كل 24ساعة، لا تختل على مدى الدهور الطويلة، وينتج عنها أوجه القمر من هلال وتربيع وبدر وأحدب ومحاق... كل هذا في نظام ثابت، يدل على أن الذي نظم هذه القوانين الفلكية هو مهندس عظيم، كان يسميه الفلاسفة القدماء بالمهندس الأعظم...

إلى جوار هذا، ما وضعه الله من نظام عجيب للأجواء.

نظام للحر والبرد، والرياح والأمطار، وضغط الهواء، وتوالي الليل والنهار، والظلمة والنور، والرطوبة والجفاف... بدقة عجيبة، بحيث يمكن أن يستنتج الإنسان ما يمكن أن يحدث بعد حين. خلق الله النور للعمل، والظلمة للراحة... إنه عالم منظم متسق.

وكالنظام والتناسق في فلك السماء وأجواء الأرض، هكذا أيضًا في جسم الإنسان.

الإنسان الذي يسمونه العالم الصغير Micro Kosmos. فالتأمل في تكوين أجهزة الإنسان وعلم وظائف الأعضاء، يرى عجبًا يدل على قدرة الخالق: سواء في المخ وتركيبه وعمله، وما يصدره من أوامر لباقي أعضاء الجسد، وما فيه من مراكز للحركة والبصر والسمع والذاكرة وغير ذلك. بحيث لو تلف شيء من مراكزه، لا توجد قوة تعيده إلى وضعه الأول. كذلك عمل القلب والجهاز الدوري في الجسم، وما يتعلق بذلك من ضغط الدم، وضخه وتوزيعه. وفضائل هذا الدم التي تتغير من إنسان إلى آخر. وكيف يتركب الدم في جسم الإنسان، وكيف تتركب الأنسجة، ودنيا الأعصاب وعملها. وباقي الأجهزة مثل الجهاز الهضمى، والجهاز التناسلى، وقوانين الوراثة، كل ذلك عجب في عجب.

صدقونى حتى مجرد الأسنان، هذه العظام الصغيرة التي ليست في حجم العمود الفقرى وباقي عظام الأذرعة والسيقان والأقدام. كل سنة منها عالم عجيب، تربطه أعصاب ودم وتركيب عجيب وعمل متناسق، لا يمكن إطلاقًا أن تماثله أسنان صناعية.

بل إن عجب الله يظهر عميقًا جدًا في بصمات الإنسان.

كل إنسان خلق الله له في أصابعه بصمة تدل عليه، وتختلف عن بصمة أي إنسان آخر. وهنا نقف في ذهول أمام ملايين ومئات وآلاف الملايين من البصمات التي تشابه بعضها بعضًا!! أي مهندس أو رسام -مهما كانت براعته- هل يستطيع أن يرسم أشكالًا متنوعة من بصمات أصابع، مثلما فعل الله في خلقه العجيب!!

بل نضم إلى هذه بصمات الصوت أيضًا، بحيث يكلمك إنسان تليفونيًا من مئات الأميال، فتميز صوته وتتعرف عليه...!

هل نستطيع أن نضيف إلى هذا ما خلقه الله من ملامح عديدة.

كل ذلك من رجل واحد وامرأة واحدة، توجد ملامح مميزة لملايين من البشر، في شكل الوجه، وفي العينين والنظرات. أتقول إن هذا يتعلق بقوانين الوراثة؟ إن قوانين الوراثة وضعها الله أيضًا... ومع ذلك، فإن كل هذا يعتبر سهلًا، إن قارناه بالعالم الروحي.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن عالم الأرواح يدل على خالق عجيب في قدرته.

نبدأ أولًا بعالم الملائكة الذين قيل عنهم إنهم ملائكة من نور (2كو14:11). أولئك الذين قيل عنهم في المزمور "الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نارًا تلتهب" (مز4:104)... الملائكة في تعدد رتبهم مثل رؤساء الملائكة، والكاروبيم والسارافيم، والأرباب والعرش والسلاطين والقوات... هؤلاء الذين ينتقلون من السماء إلى الأرض في لمح البصر، والذين يعملون بقوة عجيبة في الإنقاذ وفي العقاب. كالملاك الذي في قصة دانيال النبي "سد أفواه الأسود" (دا22:6)، والملاك الذي ضرب كل أبكار المصريين أيام موسى النبي (خر12)... الملائكة الذين منحهم الخالق قوة صنع المعجزات.

بل ننزل من مستوى الملائكة إلى عجب الخالق الذي خلق روح الإنسان.

لا تزال روح الإنسان عجبًا: في صلتها بالجسد، في علاقتها بالعقل والروح والضمير، وبالحياة والموت. هذه الروح الخالدة العاقلة الناطقة، ومصيرها بعد الموت، وعودة الروح مرة أخرى إلى الجسد في القيامة العامة. ما أكثر ما فكر علماء الأرواح. وما أجدر أن تتغطَّى معلوماتهم بعبارة "لا أعرف".

ولماذا نتكلم عن هذا المستوى العالي للأرواح في الملائكة والبشر...

لننزل إلى المخلوقات البسيطة جدًا كالحشرات... كالنحلة والنملة.

هنا نرى عجب الخالق العظيم في أن يمنح حشرة كالنحلة حكمة التدبير في نظامها، وحكمة الإنتاج للشهد وغذاء الملكات. كل ذلك من رحيق الأزهار، تستطيع أن تحوله بدقة عجيبة إلى عسل النحل، وتحفظه في خلايا دقيقة...!

كذلك النملة أيضًا في نظام حياتها النشيط الذي لا يهدأ، وفي تعاون أفرادها، ودقة اتصال بعضهم بالبعض، وطريقة تخزين غذائهم.

إن عجائب الله في خليقته لا تُحْصَى. لا تكفيها كتب عديدة.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

خلق الله العالم كله بترتيب عجيب.

خلق الإنسان آخر الكل، في اليوم السادس، بعد أن أعد له كل شيء. كما نقول في القداس الغريغورى "أقمت لي السماء سقفًا، ومهدت لي الأرض لكي أمشى عليها. من أجلي ألجمت البحر. من أجلي أخضعت طبيعة الحيوان... لم تدعنى معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك".

جعل الطبيعة كلها في خدمته. أوجد له النور، والدفء، والطعام والشراب، والأشجار والثمار والأطيار... ثم خلقه أخيرًا. وكذلك الحيوان، خلق له الله النبات والعشب طعامًا، والماء شرابًا، ومكانًا لسكناه، ثم خلقه بعد ذلك، بحكمه وترتيب.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ولعل البعض يسأل عن أيام الخليقة الستة.

هذه التي كتب عنها الكثير من القديسين فيما أسموه هكساميروس أي (الأيام الستة) مثل أكسماروس باسيليوس، وأكسماروس ابيفانيوس، وأكسماروس يوحنا ذهبي الفم. وموضوع الأيام الستة الذي كان موضع جدال بين علماء الدين وعلماء الجيولوجيا الذين أعطوا أعمار للأرض تقدر بملايين السنين!

نقول إن أيام الخليقة ليست أيامًا شمسية طول كل منها 24 ساعة!!

أولًا لأن الشمس صنعها الله في اليوم الرابع. إذن فالأيام الأربعة الأولى ليست أيامًا شمسية. كذلك اليوم السابع لم يقل الكتاب إنه قد انتهى. فما زلنا من أيام آدم وحواء نحيا في اليوم السابع الذي سينتهي القيامة العامة ونهاية هذا الدهر.

أيام الخليقة هي فترات زمنية غير محدودة. قد يكون اليوم منها لحظة من الزمان، أو ملايين من السنين، اصطلح على بدايتها ونهايتها بعبارة "كان مساء وكان صباح...".


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/the-creator.html

تقصير الرابط:
tak.la/3wkrm9h