St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   god-and-man
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الله والإنسان - البابا شنوده الثالث

68- كيفية الثبات في الله

 

إن أردت أن تثبت في الله، والله فيك، فلتكن علاقتك به علاقة حب، علاقة قلب بقلب.

ذلك لأن هناك أشخاصًا علاقتهم بالله هي علاقة منفعة، علاقة طلب وأخذ. يسيرون وراء الله لكي يقضي لهم أمورهم ويسهل طريقهم. وإن لم يعطهم الرب ما يريدون، يغضبون ويتضايقون. وقد ينفصلون عنه!

هم كالطفل الذي يحب من يدلله ومن يعطيه. بعكس الإنسان الناضج روحيًّا، الذي في حبه يبذل ويضحي ويعطي.

هؤلاء، الله بالنسبة إليهم لا وسيلة لا غاية!!

ولا يمكن بهذه الحالة أن يثبتوا في الله...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

أما أنت فلتكن علاقتك بالله، علاقة الحب الذي ينمو إلى البذل والعطاء. فتعطي الله قلبك وعاطفتك، وتجد لذة في أن تعطيه وقتك. ومن أجله تبذل كل شيء، حتى ذلك... بهذا تثبت في الله، والله فيك. ولا تهتز علاقتك بالله، ولا تتزعزع.

أبونا إبراهيم أبو الآباء هو مثال لعلاقة الحب والبذل:

أول دعوة إليه من الله، كانت أن يترك أهله وعشيرته وبيت أبيه، ويذهب إلى الجبل الذي يريه الله إياه (تك 1:12)... وبعد أن بدأ حياته بهذا الترك والبذل، رفعه الله إلى مستوى أعلى، بأن يبذل ابنه وحيده الذي تحبه نفسه، ويذهب ليقدمه محرقة وهو في عمق الإيمان (تك2:22). ولم يعترض إبراهيم ولا ناقش، بل وذهب لينفذ...! هكذا كان أبونا إبراهيم ثابتًا في الله، لا يعوقه عن الله حتى بذله ابنه الوحيد.

إذن المحبة الثابتة في الله، هي أنك لا تحب أحدًا أو شيئًا أكثر منه.

أليس هو القائل "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني، فلا يستحقنى. ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر مني، فلا يستحقنى" (مت37:10). ثم أليست الوصية الأولى هي أن "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك" (مت37:22) (تث5:6).

وبهذا لا يكون لله منافس في قلبك ولا في فكرك.

يصير الله في قلبك هو الكل في الكل، وليس سواه. مثل هذه العلاقة تظل ثابتة لا تهتز.

تقول: وهل معنى هذا أني لا أحب أحدًا سوى الله فقط؟! كلا، يمكنك أن تحب جميع الناس. ولكن بمحبة داخل محبة الله. وليس في منافسة مع محبة الله... ولتكن محبتك للناس جزءًا من محبتك لله. تحبهم لأنه يحبهم. وتحبهم فتدعوهم إلى محبته. وتحبهم في طهارة وبر... بهذا تظل ثابتًا في الله، مهما حاربك الشيطان في هذا الثبات.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

الإنسان الذي ينجح في حروب الثبات، هو الذي جعل هدفه الله وحده، وليس ما يمنحه الله من خيرات...

هو الإنسان الذي يحب الله من أجل ذاته، وليس من أجل خيراته. فالإنسان الذي يحب خيرات الله، إذا قلت هذه الخيرات تتزعزع صلته بالله. إذا رسب في امتحان، أو لم يشف مريض له، أو إذا وقع في تجربة، حينئذ يهتز إيمانه ويتعب...

لتكن محبة الله هي غذاؤك وشرابك، كما يقول الكتاب:

"ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز8:34).

وبذلك تحيا روحك بكل كلمة تحرج من فم الله (مت4:4). وفي حبك لله تقول له "تحت ظلك اشتهيت أن أجلس" (نش3:2). "شمالك تحت رأسي، ويمينك تعانقني" (نش6:2). هي إذن ليست علاقة رسمية، ولا محبة سطحية. ذلك لأن المحبة السطحية لا تثبت، ولا العلاقة الرسمية تثبت...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: Jesus tells who are blessed (Matt. 5: 1-16.): "Blessed are the pure in heart: for they shall see God". (Matthew 5:8) - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations. صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيح يخبرنا من هو المطوب (متى 5: 1.-16): "طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله" (متى 5: 8) - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا.

St-Takla.org Image: Jesus tells who are blessed (Matt. 5: 1-16.): "Blessed are the pure in heart: for they shall see God". (Matthew 5:8) - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيح يخبرنا من هو المطوب (متى 5: 1.-16): "طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله" (متى 5: 8) - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا.

فهل أنت كذلك، أم الله بالنسبة إليك هو الإله البعيد...

الإله البعيد جدًا... في سماء السموات. بينك وبينه مسافات طويلة، وفواصل...! ولست تشعر بوجوده في داخلك وفي أعماقك...! أتظنك بهذا تثبت فيه؟! كلا، بل تثبت في الإله الذي تشعر أنك به تحيا وتوجد وتتحرك (أع28:17)... الله الذي تقول عنه: "حبيبي لي، وأنا له، الراعي بين السوسن" (نش3:6).

تشعر أنها علاقة عشرة طويلة، سرت فيها مع الله، واختبرته، وذقت حلاوة محبته.

وإن لم تكن عشرة طويلة، فعلى الأقل هي عشرة عميقة...

مثال ذلك أوغسطينوس، الذي لم تكن له بالله عشرة طويلة. إذ قال له "تأخرت كثيرًا في حبك أيها الجمال غير المدرك". ولكنه منذ عرفه صارت عشرته معه عميقة جدًا، أعمق من كثيرين جدًا ممن سبقوه... هذه هي المعرفة الثابتة والمحبة الثابتة...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

حقًا. هناك أشخاص حينما يعرفون الله، يندمون على كل حياتهم السابقة لمعرفته.

وهناك آخرون: عندما يعرفون الله، يندمون على معرفتهم له، لأنهم حملوا صليبًا بسببه... شعروا بصليبهم ثقيلًا، إذ جربوا عبارة "في العالم يكون لكم ضيق" (يو33:16)... أو تعبوا قليلًا في تنفيذ الوصية. أو تعبوا في قهر الذات. فصار الله ثقلًا عليهم!!

حملوا صليب الله على أكتافهم، ولم يحملوه داخل قلوبهم.

لم يختبروا قول الرب "نيري هين، وحملي خفيف" (مت30:11). فتذمروا على الحياة مع الله. ولم يستطيعوا أن يثبتوا فيه، بل رجعوا إلى الوراء وارتدوا.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

والبعض عاشوا في علاقة سطحية شكلية مع الله، فلم يثبتوا.

علاقة فريسية، مجرد الثبات في أوامر ونواه، بدون روح، حب، شأنهم شأن الناموسيين. فلم يثبتوا... ينفذون الوصايا، بأسلوب عبد يطيع سيده، ولو بدون اقتناع، وليس من قلوبهم. وقد يستمرون على هذه الحال فترة، ثم لا يستطيعون أن يستمروا. وتكون علاقتهم هي مع الناموس، وليس مع الله.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

أريدكم أن تخرجوا من نطاق الحرام والحلال، والشر والخير، والناموس والوصايا، وتدخلوا في دائرة الحب الإلهي.

رابطة الحب التي تربطك بالله، هي أعلى من الناموس والوصايا. ولذلك وضعها الرسول الأولى في ثمار الروح القدس (غل22:5).

إن الفضائل الصادرة عن الحب هي المقبولة من الله. أما الخالية من الحب، فقد قال الرب عنها لليهود "ملك حملها. صارت على ثقلًا" (إش14:1).

لا يصح أن نبتدئ بالأمور الخارجية، وننسى المحبة القلبية. فلنحب الله أولًا. ولتكن كل هذه الفضائل تعبيرًا عن الحب، ونتيجة له، وإحدى لوازمه. ولا تكن مستقبلة وحدها.

لذلك ركز السيد المسيح كل توبيخه لملاك كنيسة أفسس في عبارة واحدة: "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى" (رؤ4:2).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن أردت أن تكون ثابتًا في محبة الله، احترس من محبة العالم التي قال عنها القديس يعقوب الرسول: "محبة العالم عداوة لله" (يع4:4).

والتي قال فيها القديس يوحنا الرسول "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1يو15:2).

ديماس مساعد بولس الرسول في أعمال الكرازة، لم يستطع أن يثبت، وإنما يقول عنه القديس بولس "ديماس تركني لأنه أحب العالم الحاضر" (2تي 10:4). هناك أشخاص من هذا النوع، يتركون محبتهم لله، ويحبون العالم الحاضر، ويتركون بولس والكرازة. أما أنتم فكونوا ثابتين غير متزعزعين.

بل هناك من تركوا الرب نفسه "رجعوا إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه" (يو66:6). لأنهم لم يكونوا ثابتين. أما الثابتون فقالوا له "يا رب إلى من نذهب؟! كلام الحياة والأبدية هو عندك" (يو68:6).

امرأة لوط أيضًا مثال للذين لم يثبتوا، لأنها نظرت إلى الوراء (تك26:19). لذلك قال الكتاب: "ليس أحد يضع يده على المحراث، وينظر إلى الوراء، يصلح لملكوت الله" (لو62:9).

لا شك أن امرأة لوط لم تخرج بكل قلبها من أرض سادوم، لذلك لم تثبت، و نظرت إلى الوراء.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

هناك أشخاص لا يثبتون، لأن في طبيعتهم التردد، أو التقلب أو في طبيعتهم ضعف وعدم صلابة.

هم أشخاص لا يحتملون المقاومة لمدة طويلة... الواحد منهم ربما يقاوم الخطية يومًا، أو يومين، أو عدة أيام، أو شهورًا... ثم يتعب ويستسلم. إنه غير ثابت، طبيعته ليست صلبة، ليست قوية... أو هي طبيعة مترددة متقلبة لا تثبت على حال... تفشل بسرعة، وتيأس بسرعة، ترجع بسرعة...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

أما أنت فكن ثابتًا، ولا تأبه لحروب الشياطين.

من الجائز أن يشن عليك الشيطان كل حروبه: يحاربك بالأفكار، يحاربك بالشهوات، يحاربك بالإغراءات، يحاربك بالمال، بالشهرة، بالكبرياء، يحاربك محاربات منظورة وأخرى غير منظورة، محاربات سريعة وأخرى إلى مدى طويل... ولكنه في كل ذلك، لا سلطان له عليك. بل أنت؟ أعطيت سلطانًا أن تدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو19:10). اثبت إذن في الحروب، وكُن قوي القلب...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن الرب يريدنا أن نثبت على الدوام، لذلك قال:

"مَنْ يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص" (مت13:24).

... "إلى المنتهى" لأن الحياة الروحية، ليست ليوم أو يومين، أو تداريب مؤقتة، إنما هي حياة، هي العمر كله. يصبر فيها الإنسان إلى آخر لحظة، إن الذي يصبر إلى المنتهى، هو ولا شك شخص ثابت. ولهذا قال الرب أيضًا "كن أمينًا إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤ10:2). عبارة "إلى الموت" تعني الثبات الدائم مدى الحياة...

هناك عوامل وضعها الكتاب المقدس للثبات في الله، نحاول أن نستعرضها أمامنا لنخرج بالقواعد الروحية اللازمة للثبات في الرب.

* من العناصر اللازمة للثبات، التناول من جسد الرب ودمه لأنه يقول "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو56:6).

* من وسائل الثبات أيضًا حفظ الوصايا والسلوك الروحي السليم. فالرب يقول "إن حفظتم وصاياى تثبتون في محبتى، كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته" (يو10:15). وكما قال يوحنا الرسول عن الرب "م قال إنه ثابت فيه، ينبغي إنه كما سلك ذاك، هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2).

* ارجع إلى القراءات التي كانت تؤثر فيك قديمًا، وإلى ما كان يؤثر فيك من تأملات وعظات وقداسات وألحان...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

* أعرف نفسك، واعرف الأشياء التي تقويها، والتصق بها... لا تترك نفسك بدون وقود يشعلك...

* لا تتراخ ولا تتهاون. فإن الذين تراخوا وتهاونوا وتكاسلوا، وصلوا إلى الاستهتار واللامبالاة بعد حين...

عندما تكلم السيد المسيح عن أواخر الأيام، لعله كان يقصد أيضًا هذا الثبات. لأنه قال إنه في الأيام الأخيرة، سيحل الشيطان قليلًا من سجنه ليضل الأمم، ويحدث الإرتداد العظيم، ولو أمكن يضل المختارين أيضًا. ولكن من رحمة الله أنه سيقصر تلك الأيام. ولو لم يقصرها ما كان يخلص أحد (مت22:24)... كلام خطير، يحتاج إلى ثبات.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن الكنيسة يلزمها أن تثبت أولادها كثيرًا في الإيمان، حتى إذا حل الشيطان من سجنه، وأتت أيام الإرتداد، تبقى الكنيسة ثابتة.

لأنه في تلك الأيام سيعمل الشيطان بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، بكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس9:2، 10). وكما قال المسيح لتلاميذه: "الشيطان مزمع أن يغربلكم..." (لو31:22). إذن "كونوا راسخين غير متزعزعين" (1كو58:15).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/remain-firm-in-god.html

تقصير الرابط:
tak.la/42sfswm