St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   god-and-man
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الله والإنسان - البابا شنوده الثالث

67- أمثلة وأسباب عن الثبات في الله

 

أمثلة وأسباب

 

إن بولس الرسول يعطينا مثلًا رائعًا عن الثبات في الرب، فيقول في استغراب واستنكار، وفي تعجب وإندهاش:

"مَن سيفصلنا عن محبة المسيح: أشدة أم ضيق، أم اضطهاد، أم عُرْي أم خطر... لكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو8). فيرى أن كل هذه الشدائد، ليست فقط لا تزعزع الثبات في الرب، بل أن فيها كلها يعظم الانتصار...!

وهكذا يستطرد الرسول الثابت في الرب، فيقول في ثقة: فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ملائكة ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو38:8، 39).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

نفس الدرس نأخذه من الشهداء والمعترفين الذين تعرضوا لكل أنواع التعذيب والآلام، وظلوا ثابتين في الإيمان لم يتزعزعوا...

لم تستطع كل قسوة التعذيب من سلخ وجلد، ونزع الأظافر والأسنان، والحرق والسحل... أن تنال من قلوبهم الثابتة القوية. بل قابلوا كل ذلك بفرح، وكانوا يرتلون في السجون... كما قيل عن الآباء الرسل بعد سجنهم وجلدهم "فخرجوا فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسمه" (أع41:5).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن الإنسان الثابت في الرب، هو الثابت في محبته. علاقته بالله ليست مجرد شكليات أو ممارسات أو طاعة أو قهر للذات.

إنما هي محبة ملتهبة، من النوع الذي قال عنه الكتاب "المحبة لا تسقط أبدًا" (1كو8:13) "المحبة قوية كالموت... مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش6:8، 7). هذه المحبة تعطي ثباتًا في الرب.

والثبات في السيد المسيح هو ثبات في محبته...

وفي هذا يقول الرب "اثبتوا في محبتي" (يو9:15). ويقول الرسول "الله محبة. مَن يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه" (1يو16:4).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: Jesus and his first disciples: (John 1: 35-51.) - "We have found him, of whom Moses in the law, and the prophets, did write, Jesus of Nazareth". (John 1: 45.) - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations. صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع وأول تلاميذه: (يوحنا 1: 35-51): "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء: يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يوحنا 1: 45) - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا.

St-Takla.org Image: Jesus and his first disciples: (John 1: 35-51.) - "We have found him, of whom Moses in the law, and the prophets, did write, Jesus of Nazareth". (John 1: 45.) - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع وأول تلاميذه: (يوحنا 1: 35-51): "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء: يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يوحنا 1: 45) - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا.

الإنسان الثابت في الرب هو إنسان راسخ لا يتزعزع.

محبته لا تسقط أبدًا، مهما كانت العوائق، فهي لا تستطيع أن تهزه. لذلك يقول الرسول "إذن يا أخوتي الأحباء، كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو58:15).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

هناك أشخاص لا يثبتون في الرب بسبب الوسط أو البيئة أو الظروف الخارجية. لكن الأشخاص الراسخين مهما كانت الأسباب المحيطة يظلون ثابتين.

أبونا نوح، كل الوسط المحيط به كان وسطًا خاطئًا جدًا، حتى أن الله أغرق كل ذلك العالم بالطوفان. لكن نوحًا ظل ثابتًا في الرب، ولو أدى الأمر أن يعبد الله وحده.

من الأمثلة الواضحة في الثبات تلاميذ المسيح الإثني عشر، الذين قال لهم الرب:

أنتم الذين ثبتم معي في تجاربى" (لو28:22).

قال لهم هذا، لأن كثيرين آخرين لم يثبتوا معه. من هؤلاء أولئك الذين رجعوا إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه، لما تحدث عن التناول من جسده ودمه (يو66:6) حتى أنه قال للإثني عشر: "ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا؟" فأجابه سمعان بطرس "إلى من نذهب يا رب، وكلام الحياة الأبدية هو عندك...؟!"

ومن هؤلاء التائبين أيضًا: أولاد يوحنا الروحيون الذين يقول لهم في رسالته الأولى "أكتب إليكم أيها الأحداث، لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير" (1يو14:2).

إن المسيح يريد أن يكون أولاده أقوياء ثابتين، غالبين باستمرار. هؤلاء الثابتون يعرفون هدفهم. ويثبتون عيونهم في هذا الهدف. لا يتأرجحون بين طريقين، ولا يعرجون بين الفرقتين. وإنما كما قيل عن المسيح إنه كان قد ثبت وجهه نحو أورشليم"...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

هذا الشخص الثابت: هدفه واضح أمامه، وطريقه واضح أمامه لا يعود يفكر مرة أخرى، ولا يعود يتردد.

لو قرأنا تاريخ الكنيسة لرأينا أمثلة جبارة من الثابتين.

أولئك الذين انتصروا على كل تعذيبات وقسوة نيرون وديوقلديانوس والوالي أريانوس وغيرهم من الوحوش البشرية. كما انتصروا على شكوك الفلسفات وكل الآراء المعارضة "مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح" (2كو5:10).

الإنسان الثابت في الرب، هو إنسان ليس فقط لا يرتد إلى الوراء وإنما دائمًا يمتد إلى ما هو قدام. نموه المستمر يعطيه حرارة والتهابًا ودفعًا لا يلتفت فيه إلى ما حوله. بل يثبت وجهه دائمًا نحو أورشليم.

هو إنسان له هدف واضح ثابت أمامه، لا يتغير، ولا يتزحزح هو عنه. هدفه هو الله، ومحبته له تزيده ثباتاُ في هدفه، وتزيد محبته اشتعالًا.

مثال ذلك: كوب ساخن تضعه على المائدة فيبرد. أما إناء موضوع فوق النار فإن السائل الذي فيه لا يبرد أبدًا...

كن باستمرار مشتعلًا بالنار، نار الروح. كن مثل المحرقة في سفر اللاويين التي قيل إن نارها تتقد دائمًا على المذبح، لا تطفأ...

"هي المحرقة، تكون على الموقدة فوق المذبح، كل الليل حتى الصباح... والنار على المذبح تتقد عليه. لا تطفأ. ويشعل عليها الكاهن حطبًا كل صباح... ويوقد عليها شحم ذبائح السلامة. نار دائمة تتقد على المذبح. لا تطفأ" (لا6).

إن أردت أن تكون ثابتًا في الرب، كن كالمحرقة التي تشتعل فيها النار، ويضاف عليها الوقود باستمرار، وكذلك شحم ذبائح السلامة. ولا تقصر في أية واسطة من وسائط النعمة.

إن الثابت في الإيمان والمحبة لا يتزعزع. بل يعبد الله حتى لو وقف وحده: مثلما فعل نوح في جيل أغرقه الله بالطوفان...

ومثلما فعل موسى وسط شعب صلب الرقبة، ويوسف وسط أجواء الخطية والإغراء، وأرميا في جيل قال له الرب عنه "لا تصل من أجل هذا الشعب، ولا ترفع من أجلهم طلبة، فإني لا أسمع لك" (أر16:7).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

الإنسان الثابت في الله، ليست علاقته به علاقة واجبات، وأوامر ونواه لكنها علاقة شخصية، علاقة ابن بأبيه، محبة وإيمان.

هذه العلاقة لا تؤثر عليها علاقاته الأخرى بباقي البشر...

فلا يَقُل أحد غالبية الناس هكذا، هل أقف وحدي...؟ ما شأنك يا أخي بالأغلبية؟! أغلبية الناس صلبت المسيح، فهل تصلبه مثلهم؟ غالبية الناس غرقت بالطوفان، فهل تغرق مثلهم؟

إن قدوتك الأولى والعظمى هي حياة السيد المسيح، ثم سير القديسين الذين كملوا في الإيمان...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

لا يصح أن تسير مع التيار، فتعلو بعلو الناس، وتهبط بهبوطهم وتعثر بأخطائهم. كن ثابتًا في الرب ولا تعثر بأحد...

لا تتأثر بالناس. فليسقط من يسقط، وقل "أما أنا وبيتي، فنعبد الرب" (يش15:24). لا تعثر إن تعب غيرك في طريق الرب. قد يتعب هو ولا تتعب أنت. ربما له ظروف ومحاربات ليست لك.

لا تعثر من الذين سقطوا، بل بالحري صل من أجلهم، وكن ثابتًا.

إن كان إنسان يهبط عزيمتك أو يضعف روحياتك، اهرب منه. فإن الكتاب يقول "إن كانت يدك اليمنى تعثرك، اقطعها والقها عنك" (مت30:5).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

مثل الزارع فيه أنواع من الثبات وعدم الثبات.

هناك زرع نما قليلًا، ولكن الشوك أحاط به فخنقه. وهناك زرع لم يكن له أصل في الأرض، لم تكن جذوره ممتدة إلى الأعماق، لذلك فإنه سرعان ما جف. وهناك بذار لم تثبت: إما لأسباب خارجية، أو لأن التربة غير صالحة.

الأرض الجيدة، فلا بُد أن تعطي ثمرًا جيدًا. ولكن الثمر الرديء يأتي من أرض رديئة.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن رياح الخريف لا تهز السنديانة القوية أو البلوطة الراسخة، إنما تسقط الأوراق الجافة الميتة فقط.

لا تستطيع أن تسقط الأغصان الثابتة، ولا حتى الأوراق الخضراء، لأن فيها حياة تستطيع أن تصارع الضياع. في تاريخ البلشفية Bolsheviks، عندما قالوا للبطريرك سرجي "أن البلشفية ضيعت المسيحية"، أجاب بعبارته العجيبة العميقة:

"إن البلشفية لم تضيع المسيحية، ولكنها نقت المسيحية من المسيحيين الشكليين"...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن الأسماك الميتة هي التي تطفو على سطح الماء. أما السمك القوي فيمخر عباب الماء ويقاوم التيار. الإنسان الثابت في محبة الله، لا تستطيع قوة تزعزعه.

أما الذي يعتذر بالأسباب الخارجية فهو إنسان ضعيف. لأن الأسباب الخارجية استطاعت أن تهزه. القوي لا يهتز...

لذلك أعطانا الرب مثال البيت المبني على الصخر (مت7).

ما هي إذن الوسائط التي تجعل الإنسان يثبت في الله؟ وماذا عن الذين لم يثبتوا ورجعوا إلى الوراء، أو الذين يعرجون بين الفرقتين؟ وما أسباب ذلك كله؟

هذا ما سوف نذكره بمشيئة الله...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/examples.html

تقصير الرابط:
tak.la/2tvq89m