"للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز1:24).
الكل له، وهو للكل.
هو إله الكل، خالق الكل. وهو المعتنى بالكل. وكل أحد له نصيب فيه. وهو ضابط الكل ومدبرهم.
هو إله الملائكة والبشر والحيوان والطير، والطبيعة الجامدة.
ما دام الله قد خلق السموات والأرض (تك1:1)، فهو إذن إله السماء وكل ما فيها، وإله الأرض وكل ما عليها، وكل ما تحت الأرض، وما بين السماء والأرض.
هو إله الحقول التي يغذيها بالماء، فتحيا وتنموا. ويحوله شهدًا. وإله الإنسان الذي يأكل هذا الشهد المصنوع من هذا الرحيق.
إنه إله الطيور التي لا تزرع ولا تحصد وتجمع إلى مخازن، وهو الذي يفوتها (مت26:6) وهو إله زنابق الحقل التي لا تتعب ولا تغزل، ومع ذلك ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها (مت28:6، 29). إنه إله العصفور، ينجيه من فخ الصيادين (مز7:124). وهو أيضًا إله الصيادين الذين نصبوا الفخ للعصفور...
هو الذي يعطي البهائم طعامًا، ويعطي قوتًا للغربان التي تدعوه (مز9:147). بل يرسل طعامًا للدودة التي تسعى تحت حجر...!
 |
هو إله الأرواح، وإله الأجساد. إله الأحياء الذين على الأرض، وإله الذين رقدوا وتركوا العالم الحاضر.
هو إله الكل، إله كل الشعوب الذين في العالم.
إله اليهود، وإله الأمم، وإله السامريين، وإله سائر الشعوب الذين على وجه الأرض. لقد ظن البعض خطأ أن السيد المسيح جاء يبشر اليهود فقط! كلا. بل هو قد جاء للبشرية كلها. وهكذا قال لتلاميذه قبل صعوده "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت19:28، 20). وقال لهم أيضًا:
"اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر15:16).
وقال كذلك "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا: في أورشليم وكل اليهودية، وفي السامرة، وإلى اقصى الأرض" (أع8:1). إن الله هو إله الكل، هنا وفي الأبدية...
وهذا ما قد وضحه يوحنا الرسول في سفر الرؤيا:
إذ قال "بعد هذا نظرت، وإذا جميع كثير لم يستطع أحد أن يعده، من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة، واقفون أمام العرش وأمام الحمل، متسربلين بثياب بيض، وفي أيديهم سعف النخل. وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللحمل..." (رؤ9:7، 10).
هذا كله من ناحية الإيمان. لذلك نحن نقول عنه في صلواتنا اليومية: الداعي الكل إلى الخلاص من أجل الموعد بالخيرات المنتظرة". ويقول الرسول:
"... مخلصنا الله. الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تي 3:2، 4).
من أجلنا أرسل الأنبياء والرسل، وأقام الرعاة والمعلمين. وفي هذا يقول القديس بولس الرسول "وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين. لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح. إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان..." (أف11:4-13).
وفي هذا الجسد الواحد، يرعى أنواعًا من الأعضاء، ونرى الرب إلهًا للكل على مختلف نوعياتهم... نراه إلهًا للأقوياء، وإلهًا للضعفاء:
إلهًا للأقوياء أمثال شمشون وجدعون (عب32:11، 33) "الذين بالإيمان قهروا ممالك... سدوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار". وأقوياء مثل داود الذي هزم جليات، وقيل عنه إنه "جبار بأس، ورجل حرب" (1صم18:16). ومثل زربابل الذي قال الرب عنه في سفر زكريا النبي: "مَنْ أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا" (زك7:3).
إنه إله الأقوياء أمثال نحميا الذي بنى أسوار أورشليم، وعزرا زميله الذي نقي الشعب من أخطائه. وفي نفس الوقت هو إله الضعفاء مثل يعقوب الذي كان مرتعبًا من أخيه عيسو، وصلى إلى الرب قائلًا "نجني من يد أخي، من يد عيسو. لأني خائف منه أن يأتي ويضربني الأم مع البنين" (تك11:32).
إنه إله هابيل الذي قتله أخوه قايين.
إله كل الذين قُبِضَ عليهم، وألقوا في السجن، ولم يستطيعوا أن ينقذوا، فجلدوا أو قتلوا بالسيف. واستشهدوا لأجل اسمه... إنه إله يوحنا المعمدان الذي قطعت رأسه، وسلمت على طبق إلى ابنة هيروديا (مت11:14). وهو إله اسطفانوس أول الشمامسة الذي رجمه اليهود، بينما نظر السماوات مفتوحة. وهو ممتلئ بالروح رأى مجد الله (أع55:7، 56).
إنه إله الحكماء، وإله البسطاء.
إله سليمان الحكيم، الذي كان أحكم أهل الأرض. وإله بولس الرسول الرجل المثقف الذي تهذب عند قدمي غمالائيل (أع3:22). وموسى النبي الذي تهذب بكل حكمة المصريين (أع22:7). وإله أرسانيوس معلم أولاد الملوك. وإله أثناسيوس أبو عِلم اللاهوت، الذي ظهر نبوغه في مجمع نيقية المسكوني...
وفي نفس الوقت هو إله جُهَّال العالم الذين أخزى بهم الحكماء (1كو27:1). إله الرسل الصيادين، وإله القديس بولس البسيط. إله كل البسطاء الذين لم يأخذوا حكمة من العالم، فمنحهم حكمة سماوية من فوق...
إنه إله المرضى والأصحاء.
إله مريض بيت حسدا، الذي قضى 38 سنة في مرضه، وليس له إنسان يلقيه في البركة. فوجد أخيرًا من يقول له "قُمْ احمل سريرك وامش" (يو5:5-8). إله المرضى بكل نوع الذين كان يضع يديه على كل واحد منهم فيشفيهم (لو40:4). وهو إله الأصحاء الذين منحهم القوة من عنده.
هو إله الأبرار الذين يحبهم، وإله الخطاة الذين قادهم إلى التوبة.
إله الآباء والأنبياء الذين سبق فعرفهم، فعينهم ودعاهم وبررهم ومجدهم أيضًا (رو29:8، 30). إله قديسي البرية في عمق قداستهم. وإله أوغسطينوس وموسى الأسود، وبيلاجية ومريم القبطية... أولئك جميعًا الذين نقلهم من الخطية إلى التوبة، بل إلى درجات عالية من القداسة إنه إله شاول الطرسوسي في حالتيه: حالته وهو مضطهد للكنيسة، وحالته وهو رسول للأمم، يكرز في كل مكان، ويتألم لأجل اسمه. إنه يمثل الذين لم يذهبوا إلى الله، بل الله كان البادئ والمفتقد والداعي...
إنه إله زكا العشار، الذي سمع منه عبارة: اليوم حصل خلاص لأهل هذا البيت (لو9:19). وإله لمتى العشار الذي صار له رسولًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إنه إله الكل، لذلك فنعمته تعمل في الكل. والمهم في الأمر أن الإنسان يستجيب لعمل نعمته.
أريانوس والى أنصنا الذي كان أقسى ولاة ديوقلديانوس اضطهادًا للمسيحية، وأكثرهم افتنانًا في تعذيب المسيحي، استجاب لعمل الله فيه أخيرًا، وآمن وصار شهيدًا. وكبريانوس الساحر استجاب أيضًا لعمل النعمة فيه، فتاب ثم صار أسقفًا. أما الذين رفضوا عمل الله، فهلكوا... مثل فرعون الذي شاهد العجائب الكثيرة، ولكن قلبه تقسى. ومثل أغريباس الملك في قوله لبولس الرسول "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع28:26). ولكنه لم يصر لأنه أضاع الفرصة. ومثله فيلكس الوالي، الذي أرتعب حينما كان بولس الرسول يتكلم عن البر والدينونة والتعفف (أع25:24)... ولكنه لم يستفد من عمل النعمة فيه، بل قال لبولس "اذهب الآن. ومتى حصل لي وقت استدعيك". ولم يقل الكتاب إنه حصل له وقت!!
الله أيضًا إله الكل. إله البتوليين وإله المتزوجين:
إله كل الرهبان والنساك والمتوحدين والسواح وأمثالهم من البتوليين. وأيضًا إله إبراهيم وإسحق ويعقوب وأمثالهم من المتزوجين.
على جبل التجلي كان الرب محاطًا بموسى وإيليا: إيليا البتول الذي صعد إلى السماء في مركبة نارية (2مل11:2). وموسى الذي تزوج بأكثر من واحدة (عد1:12).
وحول الصليب كانت توجد القديسة العذراء، ويوحنا البتول. وأيضًا كانت توجد مريم زوجة كلوبا التي كان لها أولاد كثيرون.
الله أيضًا هو إله الذين يحيون حياة التأمل. وإله الذين يعيشون في حياة الخدمة.
إله أنطونيوس أب جميع الرهبان، العابد في البرية. وإله أثناسيوس البابا العشرين في خدمته الرعوية وتنقلاته الكثيرة دفاعًا عن الإيمان...
إله المتفرغين لحياة الصلاة. وإله يوسف الصديق الذي كان يعمل كوزير تموين، يخزن القمح ويبيعه بحكمة لكي ينقذ الناس من المجاعة.
الله هو إله الإكليروس، وإله العلمانيين.
إله البابا ابرآم بن زرعة، وإله سمعان الدباغ. وبصلاة هذا وإيمان ذلك تم نقل الجبل المقطم... إله البابا كيرلس الرابع، بطل الإصلاح. وإله إبراهيم الجوهري رئيس كتبة محمد على، أي وزير ماليته، وكذلك إله أخيه جرجس الجوهري شريكه في البر وفي العمل الحكومي...
إله الأنبا ابرآم أسقف الفيوم، والأنبا صرابامون أبو طرحه أسقف المنوفية، وإله سيدهم بشاى القديس الشهيد. إله البابا متاؤس البطريرك القديس، ومعاصره الأنبا رويس الذي لم تكن له أية رتبة كهنوتية أو رهبانية، ومع ذلك صنع الله به عجائب ومعجزات.
إنه إله الطاهرين، والذين يطلبون الطهارة بكل قلوبهم.
إنه إله القديسين، والذين يسعون إلى الحياة في القداسة. وإن قادهم الله إليها يستجيبون
إنه إله يوحنا، تلميذه المحبوب الواقف إلى جوار صليبه... وإله ديماس اللص المصلوب معه، الذي قال "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو42:23). وإله الذين صلبوه وقال عنهم "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون" (لو34:23).
إن كان الله إله الكل، فهل الكل بمساواة؟ وماذا عن الرافضين له كإله؟
هؤلاء كان الله لهم. أما هم فرفضوا أن يكونوا له.
ولذلك يجمع الكتاب هذين الأمرين معًا، لتكون منها رابطة تجمع بين الله والناس. فيقول "هم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم" (رؤ3:21).
ما دام الله على الأرض إلهًا للكل. فهو بالأكثر إله للضعفاء.
هؤلاء الذين ليس لهم غيره. حتى أنفسهم عاجزة عن إنقاذهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/god-of-all.html
تقصير الرابط:
tak.la/ggv2r94
