St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   calmness
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الهدوء - البابا شنوده الثالث

14- هدوء اللسان

 

اللسان الهادئ محبوب من الكل. واللسان غير الهادئ يوقع صاحبه في أخطاء كثيرة. وعدم هدوء اللسان له مظاهر عديدة نذكر من بينها:

1- اللسان الكثير الكلام، الذي لا يتوقف، بينما يقول الكتاب: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم 10: 19)

إنه لسان يتكلم باستمرار، في أي موضوع، حتى في ما يخرج عن إختصاصه وعمله. لا يستطيع أن يصمت. لا يستطيع أن يضبط ذاته داخل شفتيه وأسنانه. لا بُد أن يخرج وأن يتكلم، ولا يبطل الكلام إطلاقًا... حتى في أدق نقط العلوم، حتى في أدق أخبار السياسة! المهم أن يتكلم وكفى... حتى في أخبار الناس، وفي أسرار الناس وفي خصوصيات غيره. إنه لسان غير هادئ غير منضبط. ومن عدم هدوئه لا يستطيع صاحبه أن يتحكم فيه، ولا أن يهدئه. يقول يعقوب الرسول:

" إن كان أحد فيكم يظن أنه دَيِّن، وهو ليس يلجم لسانه، بل يخدع قلبه، فديانة هذا باطلة" (يع 1: 26).

إذن يحتاج كل إنسان أن يلجم لسانه، ولا يتركه على حريته جامحًا يجرى من موضوع إلى موضوع، بغير إنضباط وبغير هدوء... وإن لم يستطع، فليصل ويقول: "ضع يا رب حافظا لفمى، وبابا حصينا لشفتى".

 

2- ومن عدم هدوء اللسان: حدة الصوت وعلوه وصخبه.

يعطينا الكتاب مثالًا عن الكلام الهادئ، في حديث الله مع إيليا النبي:

"حدثت زلزلة وريح عاصفة نار. ولم يكن الله في الزلزلة، ولا في الريح، ولا في النار. وإذا صوت منخفض خفيف يقول له: مالك ههنا يا إيليا" (1مل 19: 11- 13). وكان هذا هو صوت الله إليه...

الهادئ يتكلم بصوت هادئ، كأنه النسيم العابر. أما غير الهادئ فيتكلم بصوت كأنه العاصفة الهوجاء.

هناك أشخاص حتى في الوعظ، يعظون بصوت عال وحاد، وينتهرون الشعب في عنف، وأمامها ما كان يقال عن الخطباء قديمًا، إنهم [يهزون أعواد المنابر]. ويكون السامعون جالسين على أعصابهم...

ويكون تأثير هذا الوعظ هو الانفعال وليس التأثير الروحي.

الواعظ الروحي يقنع الناس بالتعليم الروحي في هدوءء، وبعمل الروح فيه وفيهم، يشعلهم بمحبة الله، بانفعال الروح وليس بانفعال حواس الجسد... لذلك كثيرون ينفعلون أثناء العظة من الواعظ الانفعالي. ثم يفقدون هذا تأثيرًا داخل النفس...

وإن كان الصوت العالي يستخدم أحيانًا وسط الجماهير لكي يسمعوا، فما لزوم استخدامه في الأحاديث الخاصة؟!

الشخص الهادئ لا يرفع صوته وهو يتحدث مع الآخرين. لا يعلو صوته فوق إحتياج السامع. لذلك في نقاشه لا يحدث ضجيجًا. أليس أمرًا معينًا أن يتناقش البعض فتعلو أصواتهم وتتداخل، حتى ليحسبهم سامعوهم يتشاجرون!!

نعم، هناك أشخاص يصيحون حين يتكلمون، ويصرخون حين يهمسون. ويتكلمون بسرعة، وفي صوتهم ضوضاء...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

St-Takla.org Image: A girl praying in awe - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III. صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة في حالة صلاة وخشوع - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

St-Takla.org Image: A girl praying in awe - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة في حالة صلاة وخشوع - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

3- من مظاهر عدم هدوء الصوت أيضًا: الألفاظ الشديدة الجارحة.

إنسان مثلًا، كلامه شديد وصعب، كلام مر وجارح، ناقد ولاذع وهدام تخرج الكلمات من فمه، كأنها قذيفة إتدفعت من صاروخ... بينما يستطيع هذا الإنسان ان يعبر عن رأيه وقصده بألفاظ هادئة.

 

4- ومن مظاهر هدوء اللسان، هدوء الحوار:

الإنسان الهادئ يناقش في هدوء، وبه يكسب الأخرين. كما كان يفعل القديس ديديموس الضرير الذي كان يناقش الفلاسفة والوثنيين في أدب جم، دون أن يهاجم كانت طريقته أن يربحهم، لا أن يحطمهم أو يخجلهم...

أما المناقش غير الهادئ، فإنه يحول الحوار إلى عراك وإلى وإلى شجار، تحمى فيه المناقشة، ويتوتر الجو ويتكهرب إلى أبعد حد.

تجد في أسلوبه تحفزًا وهجومًا، وإستعدادًا عنيفًا للرد قبل أن يسمع الرأي. وهو يحاورك لا لكي يفهمك أو يصل معك إلى الحقيقة... إنما يناقشك لكي يفحمك، ولكي يهزمك، ويحطم آراءك، ويهزأ بك وبها... كأنك عدو يريد أن ينتقم منك.

أما المناقش الهادئ، فإنه يكسبك صديقًا أثناء حواره. يتكلم في موضوعية، بكل هدوء، ولا يتعرض لشخصك، ولا يقاطعك أثناء الكلام. وإن كنت ثائرًا يهدئك...

وقد يقنعك، وتوافقة على رأيه، دون أن تشعر أنك خرجت منهزمًا... هدوءه لا يشعرك مطلقًا أنكما خصمان، إنما صديقان يحاولان معًا أن يصلا إلى الحقيقة. بعكس المناقش غير الهادئ، الذي تحمر عيناه أثناء المناقشة، ويعلو صوته ويحتد، ويعترض في عصبية وعنف. وقد يتلفظ بألفاظ تحمل معنى الإهانة.

غير الهادئين إذا تناقشوا يقاطعون بعضهم بعضًا.

قد يكون خمسة في مناقشة: أربعة يتكلمون في نفس الوقت، وواحد فقط يسمع هذا الضجيج. وليس عند أحد إستعداد لأن يسمع غيره. وإنما كل منهم يقاطع الآخر بينما إن كان مائة من الهادئين يتناقشون، يكون ذلك بنظام شديد، ولا تسمع في الخارج صوتًا...

إن أفكارًا كثيرة تتصارع، بينما الحق واحد. ولكن كل إنسان يرى أن الحق هو فكرة الخاص.

بالهدوء يمكن أن يتلاقى الناس، مهما إختلفت أفكارهم، في هدوء الحوار المشبع بالحب.

 

5- وما نقوله عن الحوار يمكن أن نقوله عن العتاب.

العتاب الهادئ يوصل غلى الصلح. والعتاب الصاخب يزيد الفرقة والخصومة. ولنا مثال جميل في عتاب السيد المسيح لبطرس بعد القيامة. لم يقل له: [تعال يا خائن، يا من خفت من جارية، يا من سببت ولعنت وقلت لا أعرف الرجل... أهذا ما سبق أن وعدت به وقلت: "لو أنكرك الجميع، فأنا لا أنكرك "..!].

لم يقل له السيد المسيح كلمة جارحة واحدة، إنما سأله في هدوء: "يا سمعان بن يونا، أتحبنى أكثر من هؤلاء؟"، "إرع غنمى، وإرع خرافى" وكرر السؤال ثلاث مرات، حتى فهم بطرس (يو 21: 15-17). وأتى العتاب بنتيجته، وثبت الحب، ولم يجرح القلب.

 

6- ليس المطلوب فقط أن يكون اللسان هادئًا، بل بالأكثر أن يكون أيضًا مهدئًا

ومن أمثلة الكلام المهدئ، قول الكتاب: "الجواب اللين يصرف الغضب، والكلام الموجع يهيج السخط" (أم 15: 1).

مثال آخر هو أب الاعتراف المريح، الذي يهدئ نفس المعترف عليه، ويمنحه سلام القلب، ويريحه من إضطراب القلب بسبب خطاياه، وبعكس ذلك أن الاعتراف الذي يخرج المعترف من عنده وقد فقد هدوءه، وادركه اليأس، وشعر أنه هالِك لا محالة.

الشخص الهادئ يفيض من هدوئه على الآخرين، فيهدئهم إن كانوا ثائرين. أما غير الهادئ فيعديهم بهياجه، ويثيرهم إن كانوا هادئين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/calmness/quiet-tongue.html

تقصير الرابط:
tak.la/83dxt7j