St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   calmness
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الهدوء - البابا شنوده الثالث

15- الهدوء الداخلي: الفكر والنفس

 

لا يكفي أن يكون الإنسان هادئًا من الخارج، في كلامه وفي أعصابه، وإنما يجب أن يكون هادئًا في الداخل أيضًا... تكون نفسه هادئة...

وهدوء النفس من الداخل، ينبع منه الهدوء الخارجى.

أما النفس التي تغلى من الداخل، فإنها حيثما حلت يحل الغليان ويحل التوتر. وتعيش كشعلة حيثما ألقيت أحرقت وأنتشرت نارها هنا وهناك، لدرجة أن أمثال هؤلاء الناس إذا دخلوا مكانًا، يتهامس البعض قائلين: [يا رب استر]

ولكن الإنسان الهادئ من الداخل، نرى هدوءه الداخلي يفيض هدوءًا في الخارج. تجد صوته هادئًا، ومشيته هادئة، ومعاملاته هادئه، ومناقشاته هادئة ومريحة... وبهدوئه لا يصيح ولا يتشاجر، بل تكون علاقاته طيبة مع جميع الناس، إذ لا يلجأ إلى المشادة أو غلى العنف مع أحد... هذا من جهة الخارج...

أما في الداخل، فيتمتع بهدوء الفكر، وهدوء القلب:

الإنسان غير الهادئ من الداخل، تجد داخله أفكارًا كثيرة، تموج وتطيش، وتروح وتجئ، ولا تثبت على حال. ففكر يجذبه إلى هنا، وفكره يشده إلى هناك. وذهنه دائم التغير. والأفكار تؤثر على نفسه، لأنها غير مستقرة...

وغير الهادئ، يقاسي أيضًا من عدم الهدوء في مشاعره:

انفعالاته وأحاسيسة غير هادئة. رغباته وآماله طائشة غير مستقرة. بجذبها الخيال إلى آفاق عالية لا يستطيع الوصول إليها، ويحطه الفكر العملى إلى واقعه البعيد عن آمال. ويظل يضطرب بين الرغبة والواقع. وتضطرب معه انفعالاته... وقد يقع في إضطرب بين الرغبة والواقع. وتضطرب معه انفعالاته... وقد يقع في إضطراب بين الرغبة والواقع. وتضطرب معه انفعالاته... وقد يقع في إضطرابات نفسيه عديدة، نذكر أمثلة منها:

St-Takla.org Image: The sunset - Bahir Dar and Blue Nile Falls - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008, Ethiopia. صورة في موقع الأنبا تكلا:  الغروب - صور مدينة بحردار وشلالات النهر الأزرق، الحبشة - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت، إبريل-يونيو 2008 م.

St-Takla.org Image: The sunset - Bahir Dar and Blue Nile Falls - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008, Ethiopia.

صورة في موقع الأنبا تكلا:  الغروب - صور مدينة بحردار وشلالات النهر الأزرق، الحبشة - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت، إبريل-يونيو 2008 م.

فالشخص الذي يعيش في قلق، هو فاقد لهدوئه...

فالقلق يدل على عدم هدوء في النفس. والقلق يدفع إلى الخوف. والإنسان القلق أفكاره غير هادئة غير مستقرة.

والقلق قد يدعو إلى الشك. والشك لا يجعل النفس هادئة.

والإنسان الشكاك لا يكون هادئًا مطلقًا من الداخل. يسائل نفسه باستمرار هل هو على حق في شكوكه؟ وهل من الممكن أن تكون شكوكه غير حقيقية؟ وكيف يمكنه أن يتحقق من هذه الشكوك ويثبتها... وتبقى أفكاره غير هادئه... وقد تعذبه نفسيًا وتتعبه. وهذا التعب يزيد من عدم هدوئه... كما أن الشك قد يتعب الشخص في علاقاته مع الآخرين...

والشك له أنواع. كلها تفقد الهدوء...

سواء كان شكًا في وقائع أو في أشخاص... أو شكًا في علاقات... أو كان شكا في عقيدة أو في الله نفسه. وربما يكون الشك في مستقبله وما ينتظره فيه... وفي كل ذلك الشك يكون العقل مضطربًا والنفس مضطربه...

على أية الحالات هدوء القلب يجلب هدوء الأفكار.

إذا كان القلب مستريحًا وهادئًا، تصبح أفكار صاحب هذا القلب مستريحة أيضًا وهادئة. وإذا اضطراب القلب، واضطربت أفكاره. وحسبما يكون القلب، تكون الأفكار. إن كانت في القلب عواصف وبراكين، تجد الأفكار كأنها في سوق يبيعون فيه ويشترون. وبالعكس إذا كان القلب هادئًا، تهدأ معه أفكاره...

هناك أشخاص نفسياتهم ضعيفة يضطربون لأتفه الأسباب.

وربما لمجرد الوهم، بغير سبب حقيقي. وفي إضطرابهم يفقد القلب هدوءه، ويفقد الفكر هدوءه، وينعدم الهدوء الداخلي. ويظهر عدم الهدوء في تصرفاتهم...

ومن مظاهر عدم هدوء الفكر، حالة الفكر الطائش الجوال.

الفكر الهادئ مركز، مستقر في موضوع تفكيره، وله عمق في التفكير. أما الفكر غير الهادئ، فأنه يجول من يجول من موضوع إلى موضوع، ويطيش في أمور متعددة. كمن تطيش أفكاره أثناء الصلاة. وكما قال أحد الآباء: [إذا كانت النار طعامها الوقود، فإن الفكر طعامه الحكايات]

الفكر الطائش غير يهوى الحكايات، وينتقل من خبر إلى خبر، ومن قصة إلى قصة، ومن شخص، ومن بلد إلى بلد، دون أن يهدأ، حتى أثناء الصلاة. يذكرنا بالشيطان الذي عمله " الجولان في الأرض والتمشي فيها" (أي 1: 7).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ومن ومظاهر عدم هدوء الفكر، حالة الفكر النقاد:

الفكر الذي لا يعجبه أحد، ولا يعجبه أي شيء، فهو باستمرار ثائر على الأوضاع، يرى أن الحق فيها قد ضاع، فينتقد كل ما يعرض أمامه، حتى إن كان لا دخل له فيه، وحتى إن كان لم يدرس الموضوع ولم يفهمه... ولكنه مع ذلك ساخط على كل شيء، متذمر من كل شيء، منتقد لكل شيء، فاقد لهدوئه...

والفكر الفاقد لهدوئه، يعمل على إشاعة عدم الهدوء في نفوس الآخرين.

ينشر أفكاره القلقة غير الهادئة، يصبها في آذان، يصبها في آذان الأخرين، ويتحمس لها، ويعمل على إقناع الناس بها. وقد يفلح وقد لا يفلح. وحتى إن لم ينجح في نشر أفكاره غير الهادئة، فإنه يسبب عدم هدوء بسبب مناقشاته غير الهادئة...

ومن أفكار غير الهادئة: الفكر اللحوح:

الفكر الذي يلح على ذهن الإنسان إلحاحًا، ويضغط عليه بطريقة متعبة. ويحاول أن يتخلص الإنسان منه فلا يستطيع. وبالالحاح يفقده هدوءه... وبخاصة ذلك الفكر الذي الفكر الذي ينام به الإنسان ويصحو. ويلح عليه حتى أثناء عمله، وأثناء صلاته، وأثناء راحته، بلا هوادة، وبلا راحة...

الأفكار المُلِحَّة غالبًا ما تكون حربًا من الشيطان:

لأن الأفكار الروحية هادئة باستمرار. أما الشيطان فإنه يضغط بأفكاره بلا رحمة، ويدفع الشخص إلى سرعة التنفيذ. وهو بالحاحه يضغط على الأعصاب ويتعبها، لكي تحسب أن التنفيذ هو أسهل وسيلة لراحتها. إن الفكر اللحوح فكر مشاغب، لا يشاء أن يترك للإنسان فرصة للمشورة، ولا فرصة للصلاة، ولا فرصة لفحص الفكر ومناقشته! كما لو كان يريد أن يرغم الإنسان إرغامًا..!

ومن أنواع الأفكار غير الهادئة: الفكر المتقلب:

الذي يعرض الشيء وعكسه. وتارة يوافق على الأمر، وتارة يعارضه. يتحمس للموضوع حينًا، ويفتر حماسه بعد حين. كأمواج البحر تروح وتجئ، بغير ثبات... إنه فكر متقلب، أو هو فكر متردد، يسبب لصاحبه عدم هدوء وعدم إستقرار.

أما الفكر الهادئ، فإنه يشبه السفينة التي تشق طريقها في هدوء، في مسار واحد، لا تضطرب فيه، ولا تنحرف يمنه ولا يسره...

الأفكار غير الهادئة تفقد القلب هدوءه. وكذلك القلب غير الهادئ يزعج الأفكار.

لأنه أحيانًا يكون القلب غير هادئ، بكل ما فيه من عواطف ومن مشاعر وأحاسيس وانفعالات... كالحزن، والشهوة، والتعب، والغيظ والحقد، والحسد، والرغبة في الإنتقام، والرغبة في التملك أو في السيطرة... القلب الذي فيه شيء من هذه المشاعر وما يماثلها لا يمكن أن يكون هادئًا، وكذلك أفكاره... ومما يفقد القلب هدوءه بالأكثر: الرغبات التي تطلب سرعة تحقيقها، بينما هذه السرعة غير متوفرة في الواقع العملى... فيفقد القلب هدوءه.

القلب الهادئ يرى كل شيء هادئًا، فلا يضطرب لشئ. أما القلب غير الهادئ، فيرى في كل شيء سببًا للإضطراب. لذلك يضطرب، ويثير الإضطراب حيثما حل..!!

القلب الهادئ لا تزعجه المشاكل الخارجية. وإنما يتقبلها في هدوء، ويتناولها بعقل، ويحللها، ويفحصها، يحلها في هدوء. ولا يسمح للإضطراب الخارجى أن يدخل إلى داخل نفسه لكي يعكر صفاءها..!

إنه لا يترك المشكلة تنتصر عليه، بل ينتصر هو عليها.

يقول لنفسه، لا أريد أن تزعجنى هذه المشكلة، ولا أريدها أن تدفعنى إلى الغضب أو النرفزة أو الحزن... ولا أن تفقدنى سلامي. أريد أن هذه المشكلة تيقى خارجى، ولا تدخل إلى داخل نفسي...

القلب الهادئ بحر عميق. قد تطفو المعكرات على سطحه ولا تزعج هدوء. أما إن هبطت إلى أعماقه، فإنها تذوب وتتلاشى...

أما إذا إنزعج الإنسان من الداخل وفقد هدوءه، فإنه يعجز عن حل إشكالاته، فتزعجه، ويظهر عدم الهدوء في التصرفاته وفي التعامل مع الناس والأحداث.

القلب الهادئ يصلح للعمل الروحي...

اما إذا فقد القلب هدوءه، فإنه لا يقدر على التأمل. وإن حاول الصلاة تسرح أفكاره.

وإن قرأ كتابًا يسرح أثناء القراءة...

لأجل كل هذا، كان آباؤنا يبحثون عن الهدوء والسكون، لأنه في الجو الهادئ، وفي المكان الهادئ، يمكنهم أن يمارسوا عملهم الروحي...

القلب الهادئ يبسط هدوءه على الإنسان كله:

هدوء القلب يسبب هدوء الفكر، وهدوء الأعصاب، وهدوء الملامح. وقد تحدثنا من قبل عن هدوء الأعصاب وهدوء الفكر ونتكلم الآن عن هدوء الملامح:


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/calmness/inner-calm.html

تقصير الرابط:
tak.la/w6hpmpc