St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   calmness
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الهدوء - البابا شنوده الثالث

4- تاريخ الهدوء

 

الهدوء هو الأصل، في هذا الكون...

وهو الأصل قبل خلق الكون أيضًا.

كان الله وحده منذ الأزل، في هدوء كامل.

ملايين السنوات مرت، أو ملايين، بل ما هو أكثر، بل قبل أن يوجد الزمن، وقبل أن تعرف مقاييسه. والهدوء هو الأصل...

وأخذ الله يعمل في هدوء. وكان عمله الأول هو الخلق.

في هدوء كامل خلق الله كل شيء... " قال الله ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه أحسن.." (تك 1: 3، 4).

"وقال شبًا وبقلًا... وشجرًا ثمر يبذر بذرًا كجنسه... وكان كذلك... ورأى الله ذلك أنه حسن" (تك 1: 11، 12).

وهكذا كل قصة الخلق كاملة، تمت في هدوء. خلق الله الكون، وعاش الكون في هدوء. وكمثال ذلك كانت الأجرام السمائية تتحرك في الفلك، بكل نظام ودقة، وبكل هدوء، بدون إضطراب... نهار يعقبه ليل، وليل يعقبه نهار. لا ضجيج ولا صراع.

إذن متى بدأ الكون يفقد هدوءه؟

St-Takla.org Image: "The Lord is thy keeper" (Psalm 121: 5.) - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations. صورة في موقع الأنبا تكلا: "الرب حافظك" (مزامير 121: 5) - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا.

St-Takla.org Image: "The Lord is thy keeper" (Psalm 121: 5.) - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "الرب حافظك" (مزامير 121: 5) - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا.

كان ذلك بعد أن خلق الله مخلوقات عاقلة، ذات إرادة حرة...

مرت على هذه الكائنات العاقلة فترة وهي هادئة: ليس من يتشاجر ولا من يتخاصم، ولا من يحتج، ولا من يخالف، ولا من يعصى. وليس من يثير مشكلة أو إضطرابًا بأية صورة من الصورة.

ثم كان أول فقدان للهدوء، بسبب الشيطان...

فقد الشيطان هدوء قلبه في الداخل، حينما دخله فكر الكبرياء (إش 14: 13، 14). إنها رغبة دخلت إلى قلبه، أن يصير مثل الله. وهذه الرغبة عكرت القلب كله، ففقد هدوءه ولم يكتف بهذا، بل قاد ثورة في السماء، واسقط معه مجموعة من الملائكة من رتب متنوعى، نتيجة لحرية افرادة التي أساء إستخدامها.

وطرد الشيطان وملائكته من السماء. وبقيت السماء هادئه...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ومن جهة البشرية، عاش آدم أولًا في هدوء، وهو في الجنة...

حتى الوحوش، كانت تحيا معه في هدوء... لا عداوة بينه وبينها ولا عراك. لا هي تفترسه، ولا حتى تهجم عليه... ولا هو يصيدها أو يطاردها، ولا هو يخافها... بل تجمعه معها رابطة من الألفة والمعيشة المشتركة الهادئة. وبنفس الوضع كانت الوحوش والحيوانات مع أبينا نوح في الفلك...

الحيوانات المفترسة، لم تكن مفترسة، في أيام آدم.

لم يكن الافتراس قد دخل بعد إلى العالم، إذ كان العالم لا يزال يحتفظ بهدوئه. وكانت الوحوش في ذلك الحين تأكل العشب (تك 1: 28). ما كانت تفترس حيوانًا أضعف منها، ولا كائنًا من غير نوعها مثل آدم. لم تكن فيها (الوحشية) التي دعيت بها وحوشًا. كانت هادئة وكان الإنسان هادئًا أيضًا...

والعجيب أن الإنسان فقد هدوءه، وهو لا يزال في الجنة.

لما أخطأ خاف، واختبأ وراء الأشجار... ولما أخطأ خجل، وخاط له من أوراق التين ما يستر عريه. وطرد الله آدم وحواء من الجنة.

ثم كانت خطيئة قايين، لما فقد هدوءه القلبي بسبب حسده لأخيه هابيل. وتطورت مشاعره الداخلية إلى انه " قام على اخية وقتله" (تك 4: 8).

ولما قتل قايين أخاه، فقد هدوءه إلى الأبد، فعاش تائهًا وهاربًا في الأرض (تك 4: 12) خائفًا من الله والناس (تك 4: 14).

بدأت تعصف به الأمراض النفسية من خوف وقلق واضطراب. وكان عينة لهذا الأمراض، ومقدمة لدخولها إلى الطبيعة البشرية. وزاد على خوف قايين من الله، خوفه من الناس، وأيضًا صيحته المرة: "ذنبي أعظم من أن يُحْتَمَل...

فيكون كل من وجدنى يقتلنى" (تك 4: 13، 14).

وكان قتل قايين لهابيل مقدمة للحروب التي إجتاحت الأرض فيما بعد، ومعها فقد العالم هدوءه...

" لامك " الذي من نسل قايين، كان قاتلا أيضًا. وقد اعترف بذلك لزوجتيه. وقال: "إنه ينتقم لقايين سبعة اضعاف، وأما للامك فسبعة وسبعين" (تك 4: 23، 24).

وهكذا دخل الانتقام إلى الأرض. وامتلأ العالم شرًا، وفقد هدوءه. ووجد في الأرض " طغاة " و" جبابرة" (تك 6: 4).. وأغرق الله العالم الصاخب بالطوفان...

وبعد الطوفان " ولد نمرود، الذي إبتدأ يكوت جبارًا في الأرض" (تك 10: 8)

وتفرقت الشعوب في الأرض بعد برج بابل (تك 11: 9).

وقامت النزاعات بين الأمم. فسدت الطبيعة البشرية وفقدت هدوءها. وشجع على التنافس والتنازع بين الناس. حتى أنه بسبب تخاصم الرعاة على الأرض المعشبة، نسمع عن رجلين قديسين هما إبراهيم لوط أنه: "لك تحتملها الأرض أن يسكنا معًا" (تك 13: 6).

إنها قصة مأساة: تحول بها الإنسان من عمق الهدوء إلى اللاهدوء...

فما هو الهدوء؟ وما عناصره؟ وما نتائجه؟ وما الفضائل التي ترتبط بالهدوء؟ وتفقد بفقده؟ وكيف يمكن للإنسان أن يحصل على الهدوء، ويستمر فيه؟ هذا وغيره ما نود أن نعرض له في هذا الكتاب الصغير...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/calmness/history.html

تقصير الرابط:
tak.la/3zqfm5r