St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   calmness
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الهدوء - البابا شنوده الثالث

7- فضائل تتعلق بالهدوء

 

1- الهدوء علاقة بالمحبة، يأخذ منها ويعطيها:

 

فالإنسان المحب يكون هادئًا في علاقته مع الناس. إنه لايثور عليهم، لأنه يحبهم. أما الكراهية فإنها إن دخلت إلى قلب، تكون كالبركان الثائر الذي لا يهدأ، تريد أن تنتقم وأن تحطم. ولا تهدأ حتى تنفذ ما تريد، وتحطم كل شيء...

العالم يحتاج إلى الحب والهدوء، لكي يحل مشاكله:

يحلها بالتصالح، وليس بالتصارع. ففى الهدوء، والهدوء، يمكن أن يتلاقى الناس مهما إختلفت أفكارهم، ليحلوا مشاكلهم في هدوء الحوار المشبع بالحب.

أما إن إختفى الهدوء، فإن الحب يختفي معه، إذ لا تبقى المحبة مع التشويش والصخب والضوضاء، والحدة في الصوت، والحدة في التصرف...

يمكنك أن تحب الإنسان الهادئ. هدوؤه يجذبك.

مجرد ملامح وجهة الهادئة، تجعلك تحبه. وطريقته الهادئة في معالجة الأمور، تجعلك أيضًا تحبه. وإن كنت متضايقًا منه لسبب ما، فإن هدوءه يغلبك، ويصرف ضيقك... لذلك حسنًا قال الرب عن الودعاء: إنهم يرثون الأرض (مت 5: 5) الأرض هنا، وفي السماء... يكسبون محبة الناس على الأرض بوداعتهم وهدوئهم، كما يكسبون أرض الأحياء أيضًا (مز 27: 13).

 

2- وهكذا ترتبط فضيلة الهدوء بالسلام أيضًا:

 

فالإنسان الهادئ يكون دائمًا مسالمًا. والإنسان المسالم يكون أيضًا هادئًا. الهادئ " لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته " كما قيل عن السيد المسيح (مت 12: 19). لذلك يعيش مع الناس في سلام، لأنه لا يتشاجر مع أحد، ولا يرفع صوت على أحد، ولا يحل مشاكله مع الناس بالعنف، وإنما بالهدوء.

إن السلام قد يفقد بين عنيف وعنيف. ولكنه لا يفقد بين عنيف وهادئ، لأن الهادئ يحتمل العنيف.

وكما قيل إن النار لا تطفئها نار، بل يطفئها الماء... وإن كان الهادئ يستطيع بهدوئه أن يسالم العنيف، فمن باب أولَى، يمكن أن يوجد السلام بين اثنين هادئين.

كذلك الهدوء هو مظهر من مظاهر السلام الداخلي، وهو أيضًا سبب يؤدى إليه. فالذي يحتفظ بهدوئه، يحتفظ بسلامة الداخلي.

 

St-Takla.org Image: "Let your garments always be white," (Ecclesiastes 9: 8) - from "Treasures of the Bible" book, by Henry Davenport Northrop, D.D., 1894. صورة في موقع الأنبا تكلا: "لتكن ثيابك في كل حين بيضاء، ولا يعوز رأسك الدهن." (الجامعة 9: 8). - من كتاب "كنوز الإنجيل"، لـ هنري دافينبورت نورثروب، د. د.، 1894 م.

St-Takla.org Image: "Let your garments always be white," (Ecclesiastes 9: 8) - from "Treasures of the Bible" book, by Henry Davenport Northrop, D.D., 1894.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "لتكن ثيابك في كل حين بيضاء، ولا يعوز رأسك الدهن." (الجامعة 9: 8). - من كتاب "كنوز الإنجيل"، لـ هنري دافينبورت نورثروب، د. د.، 1894 م.

3- العلاقة بين الهدوء والوداعة، علاقة بديهية.

 

إذ أن الهدوء هو فروع الوداعة، أو مظهر من مظاهرها، حتى أن اسميهما قد يتبادلان المواقع. فحينما تتكلم عن الهادئ تتكلم عن الوديع. وحينما تتكلم عن الوديع تتكلم عن الهادئ. والإنسان الذي يفقد هدوءه، لا شك يفقد وداعته. إذن حنيما نتكلم عن العلاقة بين الهدوء والوداعة، إنما نتكلم عن العلاقة بين الجزء والكل.

 

4- العلاقة بين الهدوء والعمق:

 

الإنسان الهادئ يمكنه بهدوئه أن يصل إلى العمق، إن كانت له موهبة التأمل... ولكن لا يشترط أن يكون كل هادئ عميقًا. إنما الأصح أن نقول إن كل إنسان عميق يكون هادئًا... وهنا تعجبنى عبارة قالها أحد الأدباء الروحيين. ولعلنى كررتها عليكم أكثر من مرة وهي:

[حينما رمى بي الله حصاة على بحيرة الحياة، أحدثت فقاقيع على سطحها، ودوائر لا حصر لها. ولكنني حينما وصلت إلى القاع، صرت هادئًا]

كذلك الأمواج تكون صاخبة على سطح البحر، أما عمق البحر أو عمق المحيط، فيكون هادئًا... وهكذا الإنسان فإنه في فترة طياشته، وفترة الحياة السطحية غير العميقة، يريد أن يحدث فقاقيع على سطح الحياة ودوائر لا حصر لها... ولكنه حينما يصل إلى الناضجة، وإلى الفكر العميق، يصير هادئًا...

الإنسان السطحى غير العميق لا يكون هادئًا، بل يجول باحثًا عن ذاته، أو محاولًا أن يحقق ذاته، هنا وهناك!

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

5- هنا وأحب أن افرق بين العمق والذكاء، وعلاقة كل منهما بالهدوء...

 

بعض الأذكياء يكون الذكاء عندهم مجرد قدرات عقلية. ولا تكون نفوسهم ولا قلوبهم في نفس مستوى عقولهم، فلا يصلون إلى العمق بمعناه الكامل، أقصد العمق في الفكر وفي القلب وفي النفس وفي الروح.

فليس كل ذكي عميقًا. ولكن العميق يكون ذكيًا.

الذكي بدون عُمْق، قد يقع في أخطاء تفقده هدوءه.

ربما يفهم الذكى ما لا يفهمه غيره، فيستصغر هذا الغير، ويشبعه لومًا وانتهارًا، إن كان يعمل معه أو تحت إمرته، ويفقد الهدوء في تعامله معه أو تحت إمرته، ويفقد الهدوء في تعامله معه. وربما لذكائه يكتشف كثيرًا من أخطاء الناس، فيثور عليهم، أو يتضايق في داخله من أخطائهم، وهكذا يفقد هدوءه من الداخل ومن الخارج.

إن الذكاء -مجرد الذكاء- له حروبه وله متاعبه، إن لم يكن مصحوبًا بالوداعة والاتضاع...

وهكذا إن كان العقل ضخابًا ومتعاليًا، فقد هدوءه. وإن تكبر العقل واعتزبذاته، فقد الهدوء والسلام في علاقته مع الله ومع الناس. فعلى كل من يهبه الله ذكاء، أن يصلى ليهبه الله وداعة وتواضع قلب، حتى لا يقع الذكاء في الغرور، والغرور يفقده الهدوء.

 

6- علاقة الهدوء بفضيلة الإتضاع:

 

قال القديس دورثيئوس: [الإنسان المتواضع لا يغضب أحدًا، ولا يغضب من أحد]. إنه لا يغضب أحدًا، لأنه يطلب بركة وصلاة كل أحد. وهو لا يغضب من أحد، لأنه باستمرار يأتي بالملامة على نفسه في كل شيء. ومن كان هذا شأنه، يعيش في هدوءه مع جميع الناس. فإن فقد إتضاعه، يفقد هدوءه.

كذلك المتواضع لا يفقد هدوءه بسبب الرغبات والسعى وراءها، لأنه لا يرى نفسه مستحقًا لشئ، ولا يحب أن يرتفع عن الوضع الذي هو فيه...

 

7- علاقة الهدوء بالإيمان والتسليم:

 

الذي يحيا حياة حياة الإيمان، يعيش في هدوء مسلمًا حياته بالكلية لله، ويقبل كل شيء بإيمان من يديه الحانيتين، فلا يضطرب لشئ ولا يتضايق، بل يكون هادئًا باستمرار يقول مع داود النبي: "وإن قام على جيش، ففى ذلك أنا مطمئن "

بالإيمان يقول: "كله للخير ". وإن حاقت به مشكلة، يؤمن أن الله سيحلها، لذلك يبقى قلبه هادئًا، إن أتعبته الضيقات يقول: "مصيرها تنتهي"، فبدأ قلبه...

وبعكس ذلك من يبعد عن حياة الإيمان والتسليم، تتعبه أفكاره ولا يهدأ أبدًا. وإن ألمت به المشاكل ترهقه إرهاقًا، لأنه لا يضع أمامه معونة تأتى من فوق.

ومن الناحية الأخرى فإن الذين لا يحيون حياة الإيمان، يحاولون أن يكونوا سببًا لتعكير هدوء غيرهم، بما يجلبونه عليهم من إيذاء وإضرار.

 

8- علاقة الهدوء بالحياة مع الله

 

ما أجمل قول القديس أوغسطينوس في كتاب إعترافاته، مخاطبًا الرب بهذه العبارة الجميلة العميقة:

[سيظل قلبي مضطربًا، إلى أن يجد راحته فيك].

ذلك لأن هدوء القلب ليس مصدره العالم وشهواته ورغباته، إنما مصدره الله وحده. فكل من يعيش بعيدًا عن الله، لا يمكن أن يحيا في هدوء، ويظل قلبه مضطربًا تعصف به الأهواء، إلى أن يعرف الله ويذوق حلاوة العشرة معه. وحينئذ فقط يجد الهدوء والسلام، كمسافر في بحر مضطرب وصل إلى ميناء الأمان...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/calmness/virtues.html

تقصير الرابط:
tak.la/varpb72