St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1555- هل أيوب أنكر بالبعث مِن الأموات بدليل قوله: "السَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ - وَالإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ"؟

 

س 1555: هل أيوب أنكر بالبعث مِن الأموات بدليل قوله:

أ- " السَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ" (أي 7: 9، 10).

ب- " وَالإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَاوَاتُ، وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ... إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟" (أي 14: 12-14)(10)؟

ويقول " م. ريجسكي": "فإن موضوعة الحياة الآخرة والثواب الأبدي غريبة عن أيوب وعن أصدقائه المجادلين أيضًا. فأيوب مقتنع بأن الموت نهاية كل شيء، نهاية المسرة والأحزان، لا بل نهاية كل أصل: "أَمَّا الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. الإِنْسَانُ يُسْلِمُ الرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ.وَالإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَاوَاتُ، وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ" (أي 14: 10، 12)(1).

ويقول " د. مصطفى محمود": "وأكثر من هذا يُنكر النبي أيوب في التوراة البعث فيقول في سفر أيوب أصحاح 14: "للشجرة أمل إن قُطعت تعود فتخلف...  ومن رائحة الماء تفرخ وتنبت زرعًا كالغرس. أمَّا الرب فيموت ويُبلى الإنسان يسلم الروح. فأين هو..؟ تنفذ المياه من البحر والنهر يجف. والإنسان يضطجع ولا يقوم... لا يستيقظون حتى لا تبقى السموات، ولا ينتبهون من نومهم..."(2).

ويقول " د. محمد علي البَار": "كُفر صريح ووقاحة متناهية وقلَّة أدب في خطاب الرب وتهديده: كُفَّ عني قبل أن أذهب ولا أعود. سأموت ولن تقدر عليَّ. سأذهب إلى الظلام، إلى الهاوية؟ هكذا هي عقائد اليهود، لا بعث ولا نشور ولا حساب. الموت هو الظلام هو النهاية التي ليس بعدها نهاية. هو الهاوية التي ليس لها قرار. لهذا هم يرتعبون من الموت"(3).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- كشف سفر أيوب عن الحياة الأبدية الخالدة التي عاشت في قلب أيوب وذاكرته، وكشفت أعمال أيوب الصالحة وأقواله الحكيمة عن حقيقة هذه الحياة، فلولا إيمان أيوب بالحياة الأخرى، ما كان يسلك بمثل هذه الاستقامة والتدقيق، وحملت كلمات أيوب أريج الأبدية، فمثلًا:

أ-  عندما اشتهى أيوب الموت أوضح أن الموتى يستريحون، أي أنهم لا يفنون، فقال: "حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحًا مَعَ مُلُوكٍ وَمُشِيرِي الأَرْضِ، الَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَامًا لأَنْفُسِهِمْ" (أي 3: 13، 14) فأيوب يؤمن أن ملوك قدماء المصريين الذين ماتوا لم يُفنوا، لكن لهم وجود بأرواحهم، واشتهى الذهاب إليهم، واشتهاء أيوب للموت يعكس إيمانه بالحياة الأخرى بعد الموت، وإن الموت ليس نهاية المطاف.

ب-  آمن أيوب بالدينونة ولذلك قال: "لأَنِّي وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أُجَاوِبُ، بَلْ أَسْتَرْحِمُ دَيَّانِي" (أي 9: 15)، وهذا ما أكده في موضع آخر عندما قال: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ" (أي 19: 25).

جـ-  قال أيوب: "أَمَّا الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. الإِنْسَانُ يُسْلِمُ الرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ؟" (أي 14: 10) فواضح أن الجسد يُبلى أمَّا الروح فهي خالدة، وعند الموت يُسلِم الإنسان روحه، وهذه الروح التي تغادر الجسد تذهب إلى مكان آخر خاص بالأرواح.

د- قال أيوب: "الإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَاوَاتُ، وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ" (أي 14: 12)، فمادامت السموات المنظورة باقية فأنه من المستحيل أن يستيقظ الموتى، ولكن في اليوم الأخير عندما تزول السموات والأرض بضجيج حينئذ يقوم جميع الذين في القبور. كما أن قول أيوب عن الموت تارة أنه اضطجاع " الإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ " وتارة أخرى أنه نوم " لاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ " فهذا يعكس إيمانه بالقيامة، لأن المضطجع أو النائم لا بد أن يستيقظ، والموتى لا بد أنهم سيقومون، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "إذ يموت الإنسان يُبلى الجسد ويُفنى، إذ يصير كالتراب، وتنطلق الروح ولا تعود بعد إلى الجسد في هذا العالم. بالرغم مما يبدو من بعض كلمات أيوب في السفر كمن لا يعتقد في القيامة، إلاَّ أنه هنا يدعو الموت رقادًا والقيامة استيقاظ من المضطجع، مما يؤكد إيمانه الحي بالقيامة من الأموات...

 (ويقول "الأب هيسيخيوس الأورشليمي"): "بدعوة الموت رقادًا يُقدِّم لنا أيوب بوضوح الرجاء في القيامة. يقول أننا لا نقيم أنفسنا مادامت السماوات (المنظورة) قائمة. هذه شهادة أن " السماء ستنطوي كدرج " كما يقول إشعياء " وكل قوات السموات ستنحل، والقمر سيظلم، والنجوم تتساقط، تسقط كورقة الشجر" (إش 13: 10، مت 24: 29). عندئذ عندما يضرب البوق (مت 24: 30-31، 1كو 15: 25، 1تس 4: 16) تقيمنا الملائكة من الموت كما من الرقاد..."(4).

هـ-  قال أيوب لله: "لَيْتَكَ تُوارِينِي فِي الْهَاوِيَةِ، وَتُخْفِينِي إِلَى أَنْ يَنْصَرِفَ غَضَبُكَ، وَتُعَيِّنُ لِي أَجَلًا فَتَذْكُرَنِي" (أي 14: 13) فأيوب يثق أنه وإن نزل إلى الهاوية فإن الله سيصعده إلى الحياة الجديدة، ولم يقل أيوب: "ليتك تفنيني في الهاوية " بل قال " لَيْتَكَ تُوارِينِي " كما واريت نوح في الفُلك وأغلقت عليه باب الفُلك، وبعد عبور الطوفان أخرجته حيًّا، لأنك حفظته للعالم الجديد، ويقول " متى هنري": "إذا ذهبنا إلى القبر في الإيمان فإننا نستطيع بعين الإيمان أن نتطلع من خلال ظلمة القبر -كما فعل أيوب هنا- ونرى بعد القبر أيامًا أفضل من عالم أفضل"(5).

و- قال أيوب بأجلى بيان: "وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ" (أي 19: 26) أي بعد موتي وتحلُّل جسدي أرى الله بروحي... أليس هذا إيمان واضح وصريح بالحياة الأخرى؟!

 

2- عندما قال أيوب: "السَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ" (أي 7: 9، 10) كان يتكلَّم بلا شك عن الحياة الزمنية على أرضنا هذه، فالإنسان بعد موته لن يقوم ثانية ويعود إلى بيته، فهو يتحدَّث عن الوضع الراهن في هذه الحياة حيث تتعاقب الأجيال، فلن يعود جيل قد مضى ولا يقوم شخص قد مات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذا لا يعني أن أيوب ينكر القيامة العامة في نهاية الأزمنة، حيث يقوم جميع الموتى أبرار وأشرار للدينونة والحساب... عندما مات ابن داود قال داود النبي: "أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ وَأَمَّا هُوَ فَلاَ يَرْجعُ إِلَيَّ" (2صم 12: 23) وقول داود لا يعني أبدًا أنه يُنكر البعث، ولكن قوله يعكس إيمانه بالحياة الأخرى التي ذهب إليها ابنه، وهو في طريقه إليها. والتشبيه الذي استخدمه أيوب وهو اضمحلال السحاب يوضح في عمقه أن هناك صورة أخرى للحياة بعد الموت، لأن السحاب لا يفنى بل يتحوَّل إلى صورة أخرى، فقد يتبدد ومع هذا تبقى ذرات المياه، وقد يتجمع ويتكثف ويهطل أمطارًا تروي الأرض العطشي فتنبت نباتًا وأزهارًا وثمارًا، وأيوب في حديثه هنا لا يُعلن عقيدته فيما بعد الموت، إنما يتحدَّث عن الموت الذي يُنهي حياة الإنسان على هذه الأرض.

 

3- يقول " متى هنري " تعليقًا على ما جاء في (أي 14: 7-14): "سبق أن بيَّن أيوب أن الموت آتٍ، وأن ساعته قد حُدّدت فعلًا، والآن نراه يُبيِّن:

أولًا: أن الموت هو انتقال من هذا العالم إلى الأبد. لقد سبق أن تحدَّث عن هذا من قبل (ص 7: 9، 10) والآن يذكره مرة أخرى، فرغمًا من أنه حقيقة لا تحتاج إلى برهان، لكنها تحتاج إلى تفكير طويل ومستمر للانتفاع بها.

فالإنسان إذ يقطعه الموت لا يعيش ثانية، كما أن الشجرة إذا قُطعت لا تعيش ثانية. ولقد وضح أيوب بكل جلاء مصير الشجرة إذا ما قُطعت (ع 7-9)، فالشجرة إن قُطِع جسمها وبقى جذعها فقط في الأرض، وبدأ كأنها ذبلت وماتت إلاَّ أنها تنبت ثانية أغصانًا صغيرة كأنها قد غُرست حديثًا. فرطوبة الأرض وأمطار السماء تؤثر في جذعها لكي تعيش من جديد، لكن هذه العوامل لن تحدث أقل تأثير في جثة الإنسان.

إن الحياة النباتية رخيصة وسهلة، ورائحة المياه تنعشها... أمَّا النفس العاقلة فإنها إن رقدت لا يمكن أن تعيد إليها الحياة أية قوة من قوى الطبيعة... " أمَّا الرجل فيموت ويبلى. الإنسان يُسلم الروح، فأين هو؟" (ع 10)

     الإنسان خليقة تموت، وقد وصف (أيوب) الإنسان بما يحدُث له:

(1) قبل الموت: فهو " يُبلى " بصفة مستمرة، يموت كل يوم، ينفق كل يوم من ذخيرة الحياة. الأمراض والشيخوخة تُبلي الجسد والقوة والجمال.

(2) عند الموت: فهو " يسلم الروح". النفس تُغادر الجسد وترجع إلى الله الذي أعطاها أبي الأرواح.

(3) بعد الموت: "فأين هو؟ " ليس هو حيث كان، وموضعه لا يعرفه فيما بعد. لكن ألا يوجد في أي مكان؟ هو في مكان ما... لقد ذهب إلى عالم الأرواح وذهب إلى الأبدية. ذهب على أن لا يعود مرة أخرى إلى هذا العالم...

ثانيًا: ومع ذلك فالإنسان سوف يعود ثانية إلى الحياة في عالم آخر، في نهاية الزمن حينما " لا تبقى السموات". البشر سوف يستيقظون ويقومون مِن نومهم. لا شك أن القيامة من الأموات كانت جزءًا من عقيدة أيوب كما يظهر في (ص 19: 26)"(6).

 

4- يقول " القديس كيرلس الأورشليمي": "بخصوص العبارة: "هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ" (أي 7: 9). لاحظ ما جاء بعد ذلك " لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ " ولمَّا كان العالم كله سينتهي، وكل بيت سيخرب، كيف يرجع ثانية إلى بيته عندما تكون أرض جديدة مغايرة؟ لكن كان يجب أن يسمعوا أيوب يقول: "لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ رَجَاءً. إِنْ قُطِعَتْ تُخْلِفْ أَيْضًا وَلاَ تُعْدَمُ خَرَاعِيبُهَا. وَلَوْ قَدُمَ فِي الأَرْضِ أَصْلُهَا وَمَاتَ فِي التُّرَابِ جِذْعُهَا. فَمِنْ رَائِحَةِ الْمَاءِ تُفْرِخُ وَتُنْبِتُ فُرُوعًا كَالْغِرْسِ. أَمَّا الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. الإِنْسَانُ يُسْلِمُ الرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ " أنه يتكلَّم بعتاب ولوم، يقول إذا كانت الشجرة تقع ثم تحيا ثانية، ألا يحيا الإنسان مرة ثانية الذي من أجله وُجِد الشجر كله؟ ولكي لا تتصوَّر أنه ختم الكلمات اقرأ ما يتبع ذلك: "إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟" (أي 14: 14)، وحالًا يضيف: "سأنتظر إلى أن أقوم". وفي موضع آخر: "بَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا. وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ" (أي 19: 26) وفي إشعياء: "تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ" (إش 26: 19). وفي حزقيال: "هأَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ" (حز 37: 12)، وفي دانيال: "وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ " (دا 12: 2)(7).

 

5- إن كان حديث العهد القديم عن قيامة الأموات حديث قليل، فذلك لأن السيد المسيح لم يكن قد قهر الموت بعد بموته وقيامته، ولذلك كانت نظرة الإنسان للموت غير مريحة، وهكذا نظرة أيوب في الأصحاح الرابع عشر نظرة تشاؤمية، إذ ينظر لله على أنه يفضل الشجرة على الإنسان، فالشجرة متى قُطعت يمكن أن تنبت خراعيبها ثانية، أمَّا الإنسان الذي يموت فأنه يفقد الحياة الزمنية إلى الأبد، ولا يعود إلى بيته ثانية، فقد اجتاحت الكآبة أيوب كسحابة كثيفة سوداء، فيقول: "إِنَّمَا عَلَى ذَاتِهِ يَتَوَجَّعُ لَحْمُهُ وَعَلَى ذَاتِهَا تَنُوحُ نَفْسُهُ" (أي 14: 22)، فقد انحصر أيوب حول نفسه حتى أنه لم يستطع أن يرى ما وراء لحظات الألم التي يحياها الآن، وفقد روح الفرح والرجاء وأخذ يرثي نفسه ويبكيها، وقد يعكس الاكتئاب خللًا في كيمياء الدم مما يجعل المكتئب في أشد الحاجة للعلاج والدواء، وهذا لم يجده أيوب الذي ظلَّ يُعاني جسمانيًا ونفسانيًا حتى أعلن الله له ذاته وردَّ له بهجة حياته.

وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "لا توجد سوى إشارات قليلة للقيامة في العهد القديم، ولكن ليس معنى هذا أنها غير موجودة، بل موجودة، ولكن ليست بصورة بارزة كما في العهد الجديد. لقد كان رجال العهد القديم رجالًا عمليين جدًا، يركزون همهم على أن يقضوا حياتهم الحاضرة في خدمة الله... ثم لا ننسى أنهم كانوا يعيشون على الجانب الآخر من قيامة المسيح التي أعطت للقيامة معناها وأهميتها... وأوضح عبارة في العهد القديم عن القيامة هي التي جاءت في نبوءة دانيال... (دا 12: 2، 3) ومن الواضح أنه يذكر قيامة الأبرار وقيامة الأشرار، كما يشير إلى النتائج الأبدية لأعمال البشر، وهناك بعض الفصول الأخرى التي تشير إلى القيامة وبخاصة في سفر المزامير (أرجع مثلًا إلى مز 16: 10، 11؛ 49: 14، 15).

ويدور جدل شديد حول المعنى الدقيق لقول أيوب: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ، وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي" (أي 19: 25-27) ولكن لا يمكن -بأي حال- نكران أن ثمة إشارة إلى القيامة في هذه الأقوال"(8).

 

6- عاش أيوب قبل عصر الشريعة، فكانت انطباعاته عن الموت قاسية، فقال: " أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ اتْرُكْ! كُفَّ عَنِّي فَأَتَبَلَّجَ قَلِيلًا، قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، أَرْضِ ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ، وَإِشْرَاقُهَا كَالدُّجَى" (أي 10: 20-22). ويقول " القمص تادرس يعقوب": "قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ": يضع الموت أمام عينيه، فيطلب شيئًا من الراحة، ربما لكي يستعد للرحيل، ولكي لا يخطئ ولو بفكره تحت ثقل التجارب. وكما يقول المُرتِّل: "أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاَّ أَنَامَ نَوْمَ الْمَوْتِ" (مز 13: 3). طلب وقتًا يرجع فيه إلى نفسه، ويطلب عمل الله في حياته قبل أن يموت ويُغلق الباب " أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ؟" (مز 88: 10)(9).

 

7- قال أيوب: "السَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ" (أي 7: 9، 10) وهذا يشابه قول القرآن أن كل شيء هالك إلاَّ وجه الله، وأن كل ما على الأرض فانٍ:

أ- " وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ. لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (سورة القصص 28: 88).

ب- " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ" (سورة الرحمن 55: 26، 27).

وبالرغم من أن الدكتور مصطفى محمود، والدكتور محمد علي وغيرهما يؤمنون بهذه النصوص، لكن لم يقل أحد منهم أن هذه النصوص القرآنية تقرَّ فناء الإنسان.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة الدكتور آحو يوسف - أنبياء التوراة والنبوات التوراتية ص 239.

(2) التوراة ص 29.

(3) أباطيل التوراة 2 - الله والأنبياء في التوراة والعهد القديم ص 490.

(4) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 575، 578.

(5) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 210.

(6) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 207-209.

(7) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 278، 279.

(8) دائرة المعارف الكتابية جـ6 ص 266.

(9) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 400.

(10) البهريز جـ2 س257.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1555.html

تقصير الرابط:
tak.la/969w6jb