St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1332- ما ذنب أليشع في حصار ملك آرام للسامرة، حتى أن ملك إسرائيل أراد الانتقام منه وسفك دمه (2 مل 6: 31)؟

 

ج: 1- اشتد الحصار على السامرة، وطارد الجوع السامريين، فالجوع الكافر يعض بأسنانه على سكان المدينة المحاصرة، وبينما كان الملك يهورام يسير على السور يتفقد مأساة مدينته وشعبه، صرخت إليه امرأة ليخلصها، فقال لها إن لم يخلص الرب فمن أي يخلصها..؟ ليس في البيدر حنطة، ولا في المعصرة زيتًا، ثم سألها: "مَا لَكِ؟ فَقَالَتْ: إِنَّ هذِهِ الْمَرْأَةُ قَدْ قَالَتْ لِي: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ الْيَوْمَ ثُمَّ، نَأْكُلَ ابْنِي غَدًا. فَسَلَقْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهَا فِي الْيَوْمِ الآخَرِ: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ فَخَبَّأَتِ ابْنَهَا. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الْمَرْأَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَهُوَ مُجْتَازٌ عَلَى السُّورِ، فَنَظَرَ الشَّعْبُ وَإِذَا مِسْحٌ مِنْ دَاخِل عَلَى جَسَدِهِ. فَقَالَ: هكَذَا يَصْنَعُ لِي اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنْ قَامَ رَأْسُ أليشع بْنِ شَافَاطَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ" (2مل 6: 28 - 31). لقد تلامس ملك السامرة من قبل مع عمل أليشع حيث ضرب جيش آرام بالعمى في دوثان وقاده إلى السامرة وأعاد إليه بصره، فظن يهورام أن غضب أليشع على شعب السامرة هو الذي جرَّ عليها هذا الوبال، وهو السبب في هذا الحصار المر، وتجاهل أن السبب الحقيقي لهذه المأساة هي خطية الملك والشعب، ولم يتعدى دور أليشع إلاَّ أنه أنذر هذا الشعب وأعلن غضبة الله عليه كما اتهم الملك أليشع بأنه يرفض إنقاذ السامرة، رغم قدرته على ذلك.

          ويقول " القمص تادرس يعقوب": "ألقى الملك باللوم على أليشع، الذي لم يتحرك لينقذ البلاد من هذه الكارثة، فأقسم بقتله فورًا. ثار عليه لأنه ظن أنه قادر أن يخلصه دون أن يقدم توبة لله صادقة"(1).

          ويقول " القديس يعقوب السروجي": "أيها الملك، بماذا أذنبَ إليك نبي الرب؟ أنه صامت في بيته، وهو مُحاصَر مثلك في المدينة؟ إن أكلت النساء أبناءهن، فما شأنه وبنات السامرة اللواتي قتلن وأكلن أحباءهن؟. إن كان يضايقك الأراميون، فما شأنه..؟ بماذا أخطأ إليك هذا الرجل النبي، حتى تهدد بقطع رأسه كأنه أرامي..؟ عرف ملك السامرة من هو الرجل، وكان واثقًا من أنه إن أراد يصنع الخلاص... فكر بأنه إن صلى... تخرج صلاته وتهلك آلاف الأراميين. إن دعا النار تنزل على الذين في الخارج، وإن أمر الأرض بإشارة لابتلعتهم. إن أرسل كلمته تخرج على صفوفهم، ويهزمهم بلا قتال، ويبيدهم... هذا الملك هو ابن إيزابل المتعطشة إلى الدم، وقد تهيأ ليجدد ما صنعته أمه... المدينة مُحاصَرة بسبب خطايا بني الشعب، والجاهل يهدد بقطع رأس هذا القديس"(2).

 

St-Takla.org Image: Elisha (details), Coptic art, used with permission, private collection, France, 2009 - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer). صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع (تفاصيل)، مقتنيات خاصة، فرنسا، 2010 م.، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية.

St-Takla.org Image: Elisha (details), Coptic art, used with permission, private collection, France, 2009 - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer).

صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع (تفاصيل)، مقتنيات خاصة، فرنسا، 2010 م.، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية.

2- سبق أليشع وأشار على يهورام ملك إسرائيل بأن لا يستسلم لبنهدد ملك آرام، وأن الله سينجي السامرة إذا تاب شعبها عن شروره، وفعلًا تذلَّل يهورام ولبس المسوح على جسده ولم يلبسها على قلبه، ارتدى المسوح من أجل الخلاص من الكارثة، وليس حزنًا وندمًا على خطاياه وخطايا شعبه، تمسك بمظاهر التوبة دون أن يقدم توبة حقيقية، كان بعيدًا منطق التوبة "ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ. وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ" (يؤ 2: 12، 13). وعندما لم يجد يهورام بارقة أمل اشتد غضبه على رجل الله، وصمَّم على تنفيذ حكم الإعدام عليه في هذا اليوم " هُوَذَا هذَا الشَّرُّ هُوَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. مَاذَا أَنْتَظِرُ مِنَ الرَّبِّ بَعْدُ؟" (2مل 6: 33) أي أن الرب هو الذي أراد لنا هذا الشر، ورغم تذللنا لم يشأ أن يرفع غضبه عنا، فماذا أنتظر بعد؟! ولماذا أترك نبيه حيًّا بعد؟!!.

     ويقول " الخوري بولس الفغالي": "وحاصر بنهدد السامرة، ودبت المجاعة في المدينة بحيث أكلت بعض النساء أولادهن... غضب الملك على أليشع لأنه، على ما يبدو، دفعه إلى مقاومة ملك آرام، ووعده بعون من الله، ولكن هذا العون تأخر"(3).

 

3- كان الملك يظن أن أليشع يملك قدرة خارقة يستطيع أن يهلك بها جيش آرام إن شاء، أو على الأقل يصرفه عن المدينة إن أراد، وظن أن أليشع الذي يملك تلك القوة الخارقة يضنُّ بها على شعبه، لأنه لا يريد لهذا الشعب خيرًا. إذًا فهو لا يستحق الحياة، وقد يكون أليشع قد بكَّت الملك ووبخه على خطاياه، ولهذا قرَّر تنفيذ حكم الإعدام الفوري فيه، وجاء في " التفسير التطبيقي": "لماذا لام الملك أليشع بسبب المجاعة ومتاعب الحصار؟ إليك بعض الأسباب المحتملة:

(1) يقول بعض المفسّرين أن أليشع لا بُد قد أخبر الملك أن يتكل على الله لينجيه، ففعل الملك ذلك، بل ولبس مسوحًا (2 مل 6: 30) ولكن بدأ الموقف الآن ميئوسًا منه، وواضح أن الملك ظن أن أليشع قد قدم له نصيحة رديئة، ولن يستطيع الله أن يساعده.

(2) على مدى سنوات طويلة، كان هناك صراع بين ملوك إسرائيل وأنبياء الله، فكثيرًا ما تنبأ الأنبياء بأوقات مظلمة بسبب شر الملوك، فرأى الملوك أن الأنبياء هم سبب المتاعب.

(3) لعل الملك تذكَّر كيف أن إيليا أنهى مجاعة (1مل 18: 41 - 46) وإذ كان يعلم أن أليشع هو رجل الله، فلعله ظن أنه كان في قدرته أن يصنع أي معجزة يريدها، فغضب عليه لأنه لم يفعل شيئًا لإنقاذ المملكة"(4).

 

4- بينما كان رسول الموت يسرع في طريقه إلى أليشع بناء على أمر ملكي، بل أن الملك ذاته كان يتبعه، عرف أليشع بالروح ما حيك له والأمر الذي صدر بإعدامه، فقال لمن حوله: "هَلْ رَأَيْتُمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاتِلِ هذَا قَدْ أَرْسَلَ لِيَقْطَعَ رَأْسِي؟ انْظُرُوا! إِذَا جَاءَ الرَّسُولُ فَأَغْلِقُوا الْبَابَ. أَلَيْسَ صَوْتُ قَدَمَيْ سَيِّدِهِ وَرَاءَهُ؟" (2مل 6: 32) وجاء الرسول يتبعه ملكه، وإذ بأليشع يصدمهم بنبؤته أنه في الغد نحو هذا الوقت تزول النقمة وتحل النعمة، وتنتهي المجاعة ويعمُّ الخير الوفير أرض السامرة، هكذا يحدث بين عشية وضحاها، وكان الملك متعطش لسماع هذه الكلمات من فم رجل الله، أما جندي الملك فلم يصدق " وَقَالَ هُوَذَا الرَّبُّ يَصْنَعُ كُوًى فِي السَّمَاءِ" (2مل 7: 2)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأنك يا أليشع لو قلتَ أن الخير سيأتي من جوانب الأرض الأربعة فلن يستطيع أن يدخل المدينة أحد وهي تحت هذا الحصار القوي، فليس هناك حلًا إلى أن يأتي الخير من السماء، وقال هذا مستهزئًا، فصدر الأمر الإلهي على هذا الجندي أنه سيبصر بعينيه هذا الخير ولكن لن يأكل منه، وتحققت نبوءة أليشع النبي إذ أصدرت السماء هديرها ففرَّ جيش آرام، وانطلق الجائعون يأكلون ويشربون ويتنعمون وتحققت المعجزة... ولكن من يتذكر إحسانات الله؟!!

يقول "الأرشيدياكون نجيب جرجس": "كان الملك جاهلًا لأنه ألقى اللوم على أليشع وعزم على قتله، والمؤمن الحكيم هو الذي يراجع نفسه ويسأل ضميره لماذا حلت به الضيقات، وبدل أن يعتب على الله أو على الناس يلوم نفسه ويرجع إلى الله تائبًا، ولقد قال أرميا النبي " لِمَاذَا يَشْتَكِي الإِنْسَانُ الْحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصَاصِ خَطَايَاهُ؟ لِنَفْحَصْ طُرُقَنَا وَنَمْتَحِنْهَا وَنَرْجعْ إِلَى الرَّبِّ" (مرا 3: 39، 40)"(5).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر الملوك الثاني ص 218.

(2) المرجع السابق ص 218.

(3) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 493.

(4) التفسير التطبيقي ص 793.

(5) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الثاني ص 91.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1332.html

تقصير الرابط:
tak.la/f8xr8xt