St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   john-cassian
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديس يوحنا كاسيان: حياته، كتاباته، أفكاره - القمص تادرس يعقوب ملطي

246- مناظرة 14: 15، 16- ما بين المعرفة الباطلة لغير المؤمنين، والمعرفة الروحية للمؤمنون

 

15- اعتراض

 

 جرمانيوس: هذا بالتأكيد يبدو لنا غير صحيح أو غير مؤسس على سبب قوي. لأنه إن كان من الواضح أن كل الذين لم يتقبلوا الإيمان بالسيد المسيح أو الذين فسدوا بتعاليم الهراطقة الشريرة قلوبهم غير نقية، فكيف نجد أن كثير من اليهود والهراطقة وبعض المؤمنين[3] الذين لهم خطايا واضحة، لهم معرفة بالكتاب المقدس، ويفخرون بعظمة تعليمهم الروحي، بينما نجد من الجانب الآخر حشود لا حصر لها من القديسين الذين تنقت قلوبهم من كل وصمات الخطية، قانعين بالتقوى الذي للإيمان البسيط دون أن تكون لهم معرفة بأسرار المعرفة الحقيقية؟! كيف تستقيم هذه الفكرة التي تنادي بها ناسبًا المعرفة الروحية لأنقياء القلب وحدهم؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

16- نسطور: لا يقدر أن يكتشف قيمة ما أكدته إلا الذين يزنون كل كلمة ننطق بها بميزان دقيق. فقد بدأنا الحديث عن أناس ماهرين في النقاش لكنهم عاجزين عن الدخول إلي عمق الكتاب المقدس واكتشاف معانيه الروحية. لأن المعرفة الروحية يطلبها عابدو الله وحدهم، ولا ينالها الذين قيل عنهم: "اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم أعين ولا يبصرون، لهم آذان ولا يسمعون" (إر 21:5). وأيضاً: "قد هلك شعبي من عدم المعرفة، لأنك أنت رفضت المعرفة، أرفضك أنا حتى لا تكهن لي، ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضًا بنيك" (هو 6:4).

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 59), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024. صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 59)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 59), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024.

صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 59)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

 فكما قيل أنه في السيد المسيح تكمن كل كنوز الحكمة والمعرفة (كو 3:2)، فكيف يمكننا أن نقول بأن الذي يحتقر التعرف على السيد المسيح، أو عندما يجده يجدف عليه بشفتيه المدنستين، أو على الأقل يدنس بأفعاله الشريرة إيمانه الذي حسب الكنيسة الجامعة، كيف يقدر أن ينال معرفة روحية؟!

 "إن الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر، ولا تحل في الجسد المسترق للخطيئة، لأن روح التأديب القدوس يهرب من الغش، ويتحول عن الأفكار السفيهة، وينهزم إذا حضر الإثم" (حك 4:1، 5).

 إذن لا يوجد طريق لبلوغ المعرفة الروحية غير ذلك الطريق الذي وصفه النبي بدقة قائلاً: "ازرعوا لأنفسكم بالبرّ، احصدوا بحسب الصلاح، احرثوا لأنفسكم حرثًا، فإنه وقت لطلب الرب حتى يأتي ويعلّمكمْ البرّ" (هو 12:10). يلزمنا أولاً أن نزرع بالبرّ، أي بأفعال البرّ نوسع الكمال العملي. بعد ذلك يجدر بنا أن نحصد رجاء الحياة، أي عن طريق نزع الخطايا الجسدية نجمع ثمار الفضائل الروحية. وهكذا سوف ننجح في إضاءة أنفسنا بنور المعرفة.

 يرى المرتل بالمزامير أيضًا أن هذا النظام يلزمنا إتباعه إذ يقول "طوباهم الذين بلا عيب في الطريق، طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته" (مز119: 1، 2). فإنه لا يقول في الأول "طوبى للذين يفحصون عن شهاداته" وبعد ذلك "طوباهم الذين هم بلا عيب"، إنما يبدأ بالقول "طوباهم الذين هم بلا عيب"، مظهرًا أنه لا يستطيع الإنسان أن يأتي إلى فحص شهادات الله بلياقة ما لم يسلك في طريق المسيح بلا عيب بحياته العملية.

فأولئك الذين تشير إليهم لا يملكون المعرفة التي لا يملكها غير الأنقياء، إنما يقتنون معرفة باطلة يتحدث عنها الرسول قائلاً: "معرضًا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم" (1تي20:6). هؤلاء الذين يظهرون أنهم ينالون نوعًا ما من المعرفة، أو أولئك الذين يكرسون نفوسهم لقراءة المجلدات المقدسة، واستذكار الكتب المقدسة غير متخلين عن الخطايا الجسدية، هؤلاء قيل عنهم في سفر الأمثال: "خزامة ذهب في فِنطِيسة خنزيرةٍ، المرأَة الجميلة العديمة العقل" (أم 22:11). لأنه ماذا ينتفع الإنسان إن اقتنى الزينة السماوية التي للبلاغة، والجمال الكثير الثمن الذي للكتاب المقدس، إن كان يفسد هذا الالتصاق بالأفعال القذرة والأفكار الشريرة، دافعًا إياها في أرض دنسة، أو ينجسها بالتمرغ في قذارة شهواته؟! النتيجة هي أن ما هو حلي بالنسبة للذين يستعملونه استعمالاً حسنًا، يصير بالنسبة لهم ليس عاجزا عن تزينهم فحسب بل قذارة ووحل متزايد، لأنه "لا يجمل الحمد في فم الخاطئ" (ابن سيراخ9:15). إذ يقال له بالنبي. "مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك؟!" (مز 16:50). مثل تلك النفوس لا تملك مخافة الرب بأي شكل من الأشكال إذ قيل: "مخافة الرب أدبُ حكمةٍ" (أم 33:15). ومع هذا فإنها تحاول أن تستخلص معاني الكتاب المقدس بالتأمل المستمر فيه، وبلياقة يسألون في سفر الأمثال: "لِمَاذَا فِي يَدِ الْجَاهِلِ ثَمَنٌ؟ أَلاقْتِنَاءِ الْحِكْمَةِ وَلَيْسَ لَهُ فَهْمٌ؟" (أم 16:17).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 ليس للمعرفة الحقيقية الروحية فصاحة زمنية، تلك التي هي مدنسة بوصمات الخطايا الجسدية، فإننا نعرف أنه أحيانًا ينالها بصورة عظيمة من هم بلا فصاحة لسان بل والأميين. هذا يظهر بوضوح في حالة الرسل وكثير من القديسين الذين لهم مظهر الأوراق الكثيرة لكنهم منحنون بفعل ثقل ثمار المعرفة الروحية الحقيقية. عن هؤلاء جاء في أعمال الرسل: "فلما رأَوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعامّيَّان تعجَّبوا، فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع" (أع13:4).

فإن كنتم شغوفين لنوال تلك الرائحة الذكية التي لا تزول، يلزمكم أولاً أن تجاهدوا بكل طاقتكم للحصول على نقاوة الطهارة من الرب. لأنه لا يقدر أحد من الذين فيهم محبة الشهوات الجسدية أن ينال المعرفة الروحية، خاصة الذين لا يزالون يترنحون بالزنا...

 يعلمنا الرسول الطوباوي ضرورة الحصول على المعرفة الروحية التي تحدثنا عنها، لأنه عندما رغب في تسجيل قائمة فضائله جميعها وصف ترتيبها مظهرًا أيهما الأولى وأيهما التالية، وما هي الفضيلة التي تتبع سابقتها وتتولد منها... قائلاً "في ضرباتٍ في سجونٍ في اضطراباتٍ في أتعابٍ في أسهارٍ في أصوامٍ في طهارةٍ في علمٍ في أناةٍ في لطفٍ في الروح القدس في محبةٍ بلا رياءٍ" (2كو5:6، 6). بهذا الإحصاء يعلمنا بوضوح أن نبدأ بالسهر والصوم إلى الطهارة، ومن الطهارة إلى العلم (المعرفة)، ومن المعرفة إلى طول الأناة، ومن طول الأناة إلى اللطف، ومن اللطف إلى الروح القدس، ومن الروح القدس إلى مكافأة الحب غير الواهن. بهذا النظام وهذا التدبير، إذ تأتي إلى المعرفة الروحية، لا تكون معرفتك عقيمة مملوءة كسلاً، بل معرفة حية مثمرة. وترتوي بذرة كلمة الخلاص التي تبذرها في قلوب السامعين بأمطار الروح القدس الغزيرة. لهذا وعد النبي قائلاً: "ثم يعطي مطر زرعك الذي تزرع الأرض بهِ، وخبز غلة الأرض، فيكون دسمًا وسمينًا، وترعى ماشيتك في ذلك اليوم في مرعى واسع" (إش23:30).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[3] النص الإنجليزي "التابعين للكنيسة الجامعة".


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-14-false-vs-spiritual-knowledge.html

تقصير الرابط:
tak.la/n6zh66w