St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   john-cassian
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديس يوحنا كاسيان: حياته، كتاباته، أفكاره - القمص تادرس يعقوب ملطي

211- مناظرة 11: 13- الخوف الكامل

 

13- الخوف الكامل

 

مَنْ يثبت في هذا الحب الكامل، بالتأكيد يتدرج إلى درجة أعلى وهي الخوف النابع من الحب، الذي هو ليس الخوف من العقوبة أو فقدان المجازاة، إنما الخوف من الحب العظيم. فأي ابن في محبته للأب اللطيف لا يهابه، أو الأخ لا يخاف أخاه، أو الصديق صديقه أو الزوجة زوجها، ولكن ليس خوفًا من الضرب، بل حرصًا على مشاعر الحب لكي لا تجرح. فيحرص في كل كلمة وكل تصرف لئلا تفتر محبته تجاهه.

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 59), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024. صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 59)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 59), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024.

صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 59)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

يصف أحد الأنبياء عظمة هذا الخوف بدقة قائلاً: "حكمة ومعرفة هما عن الخلاص، مخافة الرب هي كنزه"[8]، فلم يستطع أن يصف قيمة الخوف بوضوح أكثر من أن يقول إنه غنى خلاصنا الذي يتكون من حكمة الله ومعرفته الحقيقية اللتين لا يمكن حفظهما إلا بواسطة مخافة الرب.

تدعو الكلمة الإلهية على لسان النبي في المزامير، ليس فقط الخطاة، بل والقديسين أيضًا قائلة لهم: "اتَّقوا (خافوا) الربّ يا قديسيهِ لأنهُ ليس عوز لمتَّقيهِ (خائفيهِ)" (مز 9:34). فمن يخاف الله بهذا الخوف بالتأكيد لا يعتاز شيئًا قط من الكمال.

 واضح أن ما تحدث عنه الرسول يوحنا هو الخوف من العقوبة إذ قال: "الذي يخاف لم يكمل بعد في المحبة"، لأن الخوف له عذاب[9].

يوجد فرق بين الخوف الذي لا ينقصه شيء، والذي هو كنز الحكمة والمعرفة (إش 6:33) والذي هو رأس الحكمة (مز 10:111)، وبين الخوف من العقوبة، هذا الذي يُستبعد عن قلوب الكاملين بملء المحبة. لأنه "لا خوف في المحبَّة، بل المحبَّة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1 يو 18:4).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

لذلك يوجد خوف مزدوج:

1- أحدهما للمبتدئين، أي الذين لازالوا تحت العبودية المرعبة، التي نقرأ عنها: "العبد يكرم سيدهُ" (مل 6:1)، وفي الإنجيل يقول: "لا أعود أسمّيكم عبيدًا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيدهُ" (يو 15:15). "والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أمَّا الابن فيبقى إلى الأبد" (يو 35:8). لذلك يعلمنا الله أن ننتقل من الخوف من القصاص إلى ملء حرية المحبة وثقة الأحباء أبناء الله.

أخيرًا فإن الرسول المبارك بقوة حب الله عبر مرحلة عبودية الخوف، لكي يحتقر الأشياء الأرضية، ويعلن أنه فد اغتني بأمور الله الصالحة إذ يقول: "لأن الله لم يُعطنا روح الفَشَل، بل روح القوَّة والمحبَّةِ والنصحِ" (2تي7:1).

هؤلاء أيضًا الذين التهبوا بحب كامل نحو أبيهم السماوي، والذين بالتبني الإلهي صاروا أبناءً لا عبيدًا، يخاطبهم الرسول: "إذ لم تأْخذوا روح العبوديَّة أيضًا للخوف بل أخذتم روح التبنّي الذي بهِ نصرخ يا أَبا الآب" (رو 15:8).

2- أما عن الخوف الآخر فيتكلم النبي عن الروح ذو السبع جوانب، الذي بحسب سرّ التجسد يحل بكمالٍ على الإله المتجسد: "ويحلُّ عليهِ روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب" (إش 2:11). بل ويضيف على وجه الخصوص: "ولذَّتهُ تكون في مخافة الرب" (إش3:11). نلاحظ أنه لم يكمل قائلاً، "يحلَّ عليك روح الخوف"، بل "لذَّتهُ تكون في مخافة الرب". لأن هذا هو عظمة غنى هذا الخوف أنه إذ يستقر على أحد بقوته لا يستحوذ على جزء من عقله بل كل عقله. وليس ذلك بغير إدراك، لأنه مرتبط ارتباطا وثيقًا بالحب الذي "لا يسقط أبدًا".

إنه ليس فقط يملأ الإنسان، بل ويبقى على الدوام ويستمر في الإنسان الذي بدأ فيه، فلا تؤثر فيه إغراءات الفرح العالمي كما في حالة الخوف المنبوذ (الأول).

هذا هو الخوف الذي ينتمي للكمال، إذ الإله المتجسد الذي جاء ليس فقط ليخلص البشرية، وإنما لكي يرسم لنا أيضًا صورة الكمال ومثال الصلاح، لأنه ابن الله الحقيقي "الذي لم يفعل خطيَّةً ولا وُجِد في فمهِ مكر" (1بط22:2) لا يشعر بخوف العقوبة المرعب[10]...

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[8] الترجمة الحرفية لما ورد في النص (إش6:23).

[9] الترجمة الحرفية لما ورد في النص (1يو18:4).

[10] سأل القديس جرمانيوس بخصوص إمكان دوام الإنسان في حياة الهدوء بغير اضطراب شهواني... وأجابه الأب عن قوة المحبة التي بها نلتصق بالله، تاركًا إجابة السؤال إلى المناظرة التالية الخاصة بـ (الطهارة).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-11-complete-fear.html

تقصير الرابط:
tak.la/9pxtsrz