St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   jesus-eucharist
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المسيح في سر الإفخارستيا - القمص تادرس يعقوب ملطي

11- إنجيل عملي

 

كلمة الله الواحد(149)

إذا استعرضنا تاريخ خلاصنا كله، نجد قراءة الكتاب المقدس أو جزء منه نقف جنبًا إلى جنب مع تقديم الذبائح، فإن كليهما عمل تعبدي واحد، لا يُعزل أحدهما عن الآخر...

1.      ففي سفر الخروج، قبلما يستلم موسى الذبائح الدموية كختم للعهد أعطيت له كلمة الله التي يعلن فيها الله عن نفسه وعن إرادته ومقاصده تجاه البشرية(150).

2.      وفي كل مرة يتقدم فيها الشعب للتوبة، يلتزم أن يبدأ أولًا بقراءة علنية لكلمة الله قدام الجميع، بعدها تُقدم الذبائح، ويعيّدون بوليمة الفصح[151].

3.      عند تقديس الفصح السنوي، قبل البدء في تناول خروف الفصح "الذبيحة"، يسرد رب الأسرة قصة الخروج (من واقع كلمة الله)، ويتحدث عن العهد الذي أقامه الله مع آبائهم[152].

4.      إذ التقى ربنا نفسه بتلميذي عمواس فسّر لهما الكتب المقدسة، مبتدئًا من موسى والأنبياء، موضحًا لهما الأمور المختصة به، وبعد ذلك كسر الخبز[153].

5.      عندما رسم لنا لوقا الإنجيلي صورة للكنيسة في عصر الرسل أوضح لنا أن الشعب مع الرسل كانوا مواظبين على تعليم الرسل... وكسر الخبز[154].

6.      وصف القديس يوستين -من رجال القرن الثاني- ليتورچيا الأحد، موضحًا أنها تتكون أولًا من قراءات الأنبياء والرسل والمسيح وعظة ثم الإفخارستيا[155].

نخلص من هذا كله أنه يستحيل عزل مائدة الله عن مائدة الإفخارستيا (الذبيحة)، لأن الإفخارستيا هي جسد كلمة الله القدسي sacramental، والكتاب المقدس ما هو إلاَّ دعوة للإتحاد مع "الكلمة" ذاته نشاركه موته وقيامته ومجده. لأنه يوجد الكلمة الواحد، والمسيا الواحد، وعمل خلاصي واحد.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

العلاقة بين الإفخارستيا وكلمة الله

أولًا: ما هو الكتاب المقدس إلاَّ صوت كلمة الله الذي يدوي عبر الأجيال معلنًا حبه للإنسان. أما سرّ الإفخارستيا فهو جسد كلمة الله المحقق لذات الصوت الإلهي. لهذا فإن سرّ الإفخارستيا في الحقيقة يربط ويوحّد مفاهيمنا الكاملة للكتاب المقدس.

St-Takla.org Image: Coptic Beshara, the Holy Gospel cover (used during the Holy Liturgy) صورة في موقع الأنبا تكلا: البشارة، غطاء فضي للإنجيل الكريم - يُستخدم في القداس الإلهي

St-Takla.org Image: Coptic Beshara, the Holy Gospel cover (used during the Holy Liturgy)

صورة في موقع الأنبا تكلا: البشارة، غطاء فضي للإنجيل الكريم - يُستخدم في القداس الإلهي

فإن كان الكتاب المقدس ينقسم إلى:

أسفار تشريعية، وأسفار تاريخية، وأسفار حكمية وتسبيحية، وأسفار نبوية، فإن سرّ الإفخارستيا يكشف لنا وحدة هذه الأسفار جميعها، التي في مجموعها تحدثنا عن عمل الله السرّي تجاه الإنسان، العمل الخلاصي الواحد الفريد، المستمر عبر الأجيال.

فإذ يوهب لنا إعلان هذا السرّ نكتشف على ضوء محبة الله أن الكتاب المقدس في كليته أو التاريخ المقدس في مجموعه إنما هو عمل واحد عجيب.

فخلال سرّ الإفخارستيا نفهم أسفار الناموس لا كسجلات لشرائعٍ وأوامرٍ ونواهٍ جامدة يرضخ تحتها الإنسان، إنما هي حياة يمارسها المؤمن متذوقًا القداسة على مثال الله.

فيه أيضًا تكمل الأسفار التاريخية، فلا نعد نراها مجرد أحداث ماضية بل نجدها حدثًا إيمانيًا واحدًا، قصة خلاصنا الفريدة التي أعدها التدبير الإلهي منذ الأزل لأجل الدخول بنا الأبدية، عابرين فوق كل حدود التاريخ والزمن.

فيه كذلك تتحقق أسفار الترنم والتسبيح فبسرّ الصليب ننال الغلبة والنصرة على الخطية ويصير التهليل طبعنا، وتتحول حياتنا الأرضية القائمة إلى حياة سماوية مفرحة.

أما الأسفار النبوية فقد تمت بتحقق الخلاص على الصليب، الذي نعيشه في القداس الإلهي.

هكذا يحضرنا تقديس سرّ الإفخارستيا وتناول الأسرار المقدسة إلى أعماق الكتاب المقدس، فندخل إلى روح الوحي والحق الخفي وراء الشريعة والتاريخ والتسابيح والنبوات... وهكذا ندرك أن كلمة الله في حقيقتها هي حضور الله الحيّ بكمال قوته عاملًا وخالقًا وواهبًا الحياة، ديّانًا، ومخلصًا[156]...

على ضوء الإفخارستيا يقدر المؤمن أن يفهم الكتاب المقدس ويتعرف على كلمة الله كما ينبغي، فيعرفها:

‌أ.        قوة خلاقة، إذ قيل[157]: "بكلمة الرب صنعت السموات، وبنسمة فيه كل جنودها... لأنه قال فكان، هو أمر فصار". خلال سرّ الإفخارستيا ندرك أنه بالكلمة الإلهي صُنعت السموات في داخلنا، فصرنا هيكل الله واتحد ساكن السماء بنا.

‌ب.    قوة مخلصة، إذ يقول المرنم[158]: "أرسل كلمته فشفاهم، ونجاهم من تهلكاتهم". هذا الخلاص عرفناه في ذبيحة الصليب التي هي وراء كل عمل إلهي في تاريخ خلاصنا، وموضوع كل طقس في عبادتنا.

‌ج.     خلال سرّ الإفخارستيا نفهم ونذوق ما ورد في المزمور ١١٨ (١١٩) عن كلمة الله كحياة ونور وحكمة وطعام ورجاء وراحة وضمان وسعادة لمن يعيش بها.

أخيرًا يبقى أن نقول أنه في هذا السرّ نعرف الكلمة ونختبرها كحضرة إلهية عاملة في حياتنا لخلاصنا وقوتنا... غير منفصلة عن الله نفسه.

 

ثانيًا: سرّ الإفخارستيا يقودنا إلى الكتاب المقدس، غايته أن نكون شعبًا كتابيًا، خلاله لا يزال الله يتحدث مع شعبه والمسيح يعلن إنجيله.

منذ القرن الأول كانت تُقرأ كثير من فصول الكتاب المقدس لا كإعداد للإفخارستيا بل هي من صُلْب السرّ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي الليتورچيا يقدم لنا الله خبز الحياة، لا من مائدة جسد المسيح فحسب بل من مائدة كلمة الله، إذ يمنحنا كلمته خلال تناولنا جسد الكلمة ودمه كما يحدثنا خلال قراءة الكتب المقدسة.

وقد تحدث الآباء في صراحة عن تناول الكلمة بطريقتين:

خلال القراءة من الكتب المقدسة،

وخلال الخبز الإفخارستي[159].

وكما يقول العلامة أوريجنوس: "الآن نقول أننا نشرب دم المسيح ليس فقط خلال الطقس السرّي sacramental، بل وخلال كلماته أيضًا، التي تكمن فيها الحياة، إذ يقول: كلامي روح وحياة".

 

ثالثًا: يحتل الكتاب المقدس مركز الصدارة في تقديس سرّ الإفخارستيا، إذ نقرأ الفصول: البولس والكاثوليكون والأبركسيس، والإنجيل، ومنه تسبحة المزامير...

جميع صلوات الليتورچية وتسابيحها كتابية في روحها، كذلك طقوسها وإشارتها مستقاه مفاهيمها من الكتاب المقدس[160].

 

رابعًا: اقتبس الكتاب المقدس بعض عبارات من صلوات الليتورچيا، فعلى سبيل المثال ما ورد في الرسالة إلى أهل كورنثوس[161]: "كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه"، هذه العبارة لم ترد في سفر من أسفار الكتاب المقدس، إنما غالبًا ما اقتبست من صلوات الليتورچيا المستخدمة في ذلك الحين[162].

 

خامسًا: غاية الكتاب المقدس أن نكون شعبًا إفخارستيا، أي شعب الله الكهنوتي، المجتمع في بيت الآب السماوي، ينعم بمائدة الخلاص. إنه يدعونا للتمتع بسرّ المسيح المصلوب القائم من الأموات، أي للإتحاد مع المسيح ليتورچيتنا.

 

سادسًا: نحن في حاجة إلى الكتاب المقدس في مجموعه لنتفهم الإفخارستيا بالنسبة لنا وبالنسبة للعالم، خلال استنارة الروح الداخلية.

فخارج الكتاب المقدس لا نقدر أن نتفهم ما هو سرّ الإفخارستيا، بل وتتحول الأسرار إلى أوهام. لهذا تحرص الكنيسة -قبل كسر خبز الإفخارستيا- أن تكسر خبز الكلمة في الرسائل والإنجيل والعظة، فتقدم لنا الفهم المشرق من الكتاب المقدس، مبددًا كل ظلمة عدم فهم فينا.

لا يمكننا قبول وليمة المسيا إن لم ننصت أولًا إلى ما تعنيه هذه الوليمة خلال فمهنا الكتاب المقدس. وإذ ننعم بالوليمة نبقى أيضًا في عوز إلى سماع كلمة الله.

لهذا كان الموعوظون منذ العصور الأولى يتمتعون بليتورچيا الكلمة "قداس الموعوظين" كإعداد لهم لتقبل الأسرار المقدسة. وإذ ينالون أسرار العماد والمسحة والتناول يبقون محتاجين لسماع الكلمة أيضًا بلا انقطاع.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(149) Crichton: The Mass and People of God, 65 – 81.

Bouyer: The Liturgy Revived.

(150) Exod. 19 : 34.

[151] 2Kings 23 : 1 – 3, 21 – 23; Neh 8.

[153] Luke 24.

[154] Acts 2 : 24.

[155] Migne P. G. 6 : 429.

[156] Crichton, Ch 4.

[157] Ps 32 (33) : 6 – 9.

[158] Ps 106 (107): 19, 20

[159] Hamman: The Mass, ancient liturgies and patristic texts, p 24.

[160] The New Com. on the Holy Bible.

[161] 1Cor 2 : 9.

[162] Crichton, p 69.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/jesus-eucharist/gospel.html

تقصير الرابط:
tak.la/8rgcs9n