St-Takla.org  >   books  >   fr-sarafim-elbaramousy  >   toward-repentance
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب نحو التوبة - الراهب سارافيم البرموسي

11- لطف الله

 

هل سبق لك أن توقَّفْتَ أمام كلمات داود النبي، بعد أن نجَّاه الرب من أعدائِه، حينما قال مُخاطِبًا الله: «لطفك يعظمني» (مز18: 35). لقد عظَّم يسوع انكسار قلب المرأة الخاطئة، لم يتوقَّف عند خطيئتها ليُعظِّمها للدينونة، ولكنه توقَّف عند انكسارها وانسحاق نفسها ليُعظِّمه للغفران...

فالله دائمًا يبحث في حياتك عن أيَّة ثمرة ولو صغيرة، لكي ما يُثني عليها ويُشجِّعها ويجعل منها باكورةً لحقلٍ مُثمِر وممتلِئ بثمار الروح المتنوِّعة. يُفتِّش عن أيَّة بادرة خضراء مُبشِّرة ليرويها ويجعلها شجرة كبيرة تتآوى بين أغصانها الطيور. ولكن، متى يُعظِّم الله فلسينا الصغيريْن، وتوبتنا الغير كاملة، وصلواتنا التي لم ترتق بعد لتكون صرخات الروح فينا؟؟

St-Takla.org Image: Coptic Christians in the middle of this world's waves and tribulations, details from Faith painting, 2013, used with permission - by Mina Anton صورة في موقع الأنبا تكلا: مسيحيون أقباط وسط أمواج وحروب العالم، تفاصيل من لوحة الإيمان، 2013، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

St-Takla.org Image: Coptic Christians in the middle of this world's waves and tribulations, details from Faith painting, 2013, used with permission - by Mina Anton

صورة في موقع الأنبا تكلا: مسيحيون أقباط وسط أمواج وحروب العالم، تفاصيل من لوحة الإيمان، 2013، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

إن الإجابة نجدها تتلخَّص في كلمتين وهما؛ التسليم والحبّ. إن التسليم والحبّ هما دفَّتا الشراع اللذان نرفعهما عاليًا في رحلتنا الدهريِّة. فالتسليم الواثق في الرب ليقود هو دفّة الحياة ليُوجِّهها لتحقيق مشيئته بما يتوافق مع خلاص الإنسان، هو الطريق الوحيد الذي يُحوِّل ميزان الأمور ليُرجِّح كفَّة الخلاص لصالحنا مهما كانت المُعوِّقات. فالرياح العاتية التي تُحاول أن تضرب سفينة حياتك، ستتحول  حينما تُسلِّم كيانك بكليَّته للثالوث  إلى قوَّة دفع تُسرِع من مسيرتك وترسو بها على شاطِئ الحياة. ستحملك وكأنها جناحا ملاك أرسله الله ليُوفِّر لك العون والحماية. وسترى أن الرياح بجموحها وقسوتها لن تستطيع أن تخرج عن إطار الخلاص المُعَد لك. لا ولن تصير عائق على الطريق، لأن مشيئة الرب مُختفيَّة هناك. فرياح التجارب ستقودك إلى شواطِئ ليست في مُخطَّط ارتحالك، ولكنك ستعاين على تلك الشواطِئ أن لك رسالة لتؤديها، وأن هذا التحوُّل في المسيرة هو المسيرة ذاتها التي أعدَّها الرب ليُثقِّل بها المجد المُعدّ لك في الأبديَّة.

إن الفخ الذي سينصبه لك إبليس، سيتحوَّل إلى سور حصين. فالمياه التي أغرقت فرعون وجنوده، كانت هي هي المياه التي صارت سورًا لبني إسرائيل في العبور الأشهر على مرِّ التاريخ. ولكن يجب أولًا أن تُسلِّم قيادة النفس للرب ليُحارب عنها ويَعْبُر بها بحار التجارب، فيُرسل سيفه (كلمته) ليُلاشي ويبيد الأعداء. لن يبقَى (ولا واحد) يقف أمامك، طالما أنك تُؤمن أن الله يستطيع، وأنك بالمسيح، تستطيع كلّ شيءٍ... كلّ شيءٍ (في إطار التوبة)...

«فرجع الماء و غطَّى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون

الذي دخل ورائهم في البحر

لم يبق منهم ولا واحد.

وأمَّا بنو إسرائيل

فمشوا على اليابسة في وسط البحر

والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم» (خر14: 28-29)

وتأتي محبّة الله لتؤكِّد على المبدأ الأول (التسليم). فالمحبّة تستُر الخطيئة، وتُشعِل الروح، وتقود إلى الله من أقصر الطرق.

لقد أعلن داود عن محبّته لله القوي في مُسْتَهل المزمور الذي نَظَمْه شُكرًا وتسبيحًا للرب الذي نجَّاه من يد شاول الذي كان يلاحقه، إذ قال: «أحبّك يا رب يا قوتي» (مز18: 1)، إنه تعبير عن شوق قلب يريد أن يتجسد في كلمات. هو إعلان عن حبّ يُولَد، من جديد، من رَحِم النُصرة، وتلك النُصرة ليست بقوَّة ذاتيَّة بشريَّة بل بقوَّة إلهيَّة مُتداخلة في حياتنا، تلمَس ضعف الإنسان وحيرته فتُشدِّده لينهض ويُحارب وينتصر. 

لذا فإن محبّة الرب المستحوذة على شِغاف القلب يجب أن يلازمها إعلان عن ثقة النفس في قيادته لحياتها، وحينها ستُعاين النفس عينيْ الله التي تُعظِّم القليل، «لأنه ليس للرب مانع عن أن يُخلِّص بالكثير أو بالقليل» (1صم14: 6).

فالحُبّ النابت من أرض التسليم الخِصْبة، وحده يستطيع أن يُعوِّض نقص الكَمْ!! فصلاة قصيرة مملوءة بالشوق والاحتياج إلى الله، والمُتولِّدة من خضم صراع شرس مع الشيطان، الذي يحاول بشتَّى الطرق تضليلها عن مَخْدَع الصلاة، لهي أفضل من صلاةٍ طويلةٍ جافةٍ نابتةٍ من وهم السلام الزائف، تؤول إلى تنمية البرّ الذاتي في النفس -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- وتُبعدها عن الله وهي مُتوهِّمة أنها في مَحْضَره تُصلِّي!!

فحينما يكون الحبّ هو شريعتنا في تعاملنا مع الله، والتسليم هو موقفنا من كلّ ما يُجابهنا في الحياة، يكون اللطف هو منظار الله الذي يُكبِّر أعمالنا الصغيرة، ويُنميها ويُصيِّرها فضائل مثمرة. وتلك هي النُصرة الحقيقيَّة المرهونة بقدرتنا على الحبّ والتسليم. النُصرة التي نتذوَّقها أثناء مسيرتنا خلف المسيح، ربَّان النفس وقائدها. لذا يكتب القديس مكاريوس قائلًا:

حيث يركب الرب ويمسك بزمام النفس بيديه،

فإنه دائما يغلب، لأنه بمهارة يدير ويقود مركبة النفس

إلى ذهنٍ سماويٍّ مُلهم إلى الأبد.

فإن كان لنا ذلك الذهنُ السماويُّ الذي يخلقه فينا الروح، حينما يستلم المسيح دفّة النفس، نبدأ في التحرُّر من الخطيئة والتعرُّف على وجه يسوع، وهنا تبدأ التوبة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-sarafim-elbaramousy/toward-repentance/god.html

تقصير الرابط:
tak.la/4h38cvt