أن الإصحاح الرابع كله من سفر يونان، يتركز في هذه الحقيقة وحدها تقريبًا، وهي أن الله يحب أن يَتَفَاهَم مع أولاده: يناقشهم ويشرح لهم، ويصل معهم إلى نتيجة وإلى إقناع، ويرضى قلوبهم في النقاش
..حقًا أن الله أعطانا في هذا السفر أمثلة من العقوبة ومن الإنذار، ولكن فيه أيضًا أمثلة من التفاهم..
ومحبة الله للتفاهم واضحة في الكتاب المقدس كله
. "هلم نتحاجج يقول الرب" (أش1: 18). قصة حرق سدوم، تعطينا فكرة واضحة عن كيف تفاهم الله مع إبراهيم (تك 19). كذلك تفاهم الرب مع موسى النبي، ونفذ له رأيه (خر32).وأعطانا صورة رائعة للتفاهم فالله ليس هدفه في كل مرة يتفاهم فيها معنا أن يقنعنا بشيء
يفرضه علينا، وإنما قد ينزل إلى رأينا ويأخذ بفكرتنا، كما تناقش معه موسى فكانت النتيجة أن الرب ندم على الشر الذي تكلم أن يصنعه فلم يصنعه..والله قد تفاهم مع يونان، وهو الذي بدأ بالتفاهم
.. قال له: تعال يا يونان لكي نتفاهم، ولا تغضب. "هل اغتظت بالصواب حتى الموت".. حقًا أن صوابك قد إطار صوابي (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)!! ولم يتضايق الله من رد يونان، بل ظل يقنعه عمليا وبالكلام، بأنه كان يجب الإشفاق على نينوى..أن الله لا يستعمل جبروته في تنفيذ مشيئته
. انه لا يستخدم عبارة "أنا قلت كده. يعني كده". هذا الأسلوب يوجد عند الإنسان. والإنسان قد يكون أحيانًا غير واثق من كرامته، ويريد أن يثبت كرامته بالتشبث برأيه. إنها عقدة نقص في الإنسان، ولا توجد عند الله المتناهي في كماله، الذي يرى أنه لا ينقص شيئا حينما يتفاهم وحينما يبدو أنه قد رجع عن رأيه.والعجيب أن الله
في تفاهمه مع يونان لم ينظر إلى التفاوت الكبير بينهما. لم يقل "من هو يونان هذا حتى أتفاهم معه!؟ أنا خالق الكل ورب الكل. أيليق بي أن أتفاهم مع حفنة تراب ورماد؟! ".. كلا. لم يقل الله هكذا...نلاحظ حاليًا أن الدول تتفاهم مع بعضها البعض على مستويات
. رؤساء وملوك مع رؤساء وملوك، ووزراء مع وزراء، وسفراء مع سفراء، قناصل مع قناصل، نقابات مع نقابات، لكن لا يمكن أن يحدث أن يتفاهم رئيس دولة مع مدير أداره أو سكرتير محافظة!! يقول أن هذا لم يصل إلى مستوى التفاهم معي. يمكن أن يتفاهم مع شخص في مستواه..ولكن الله لم يفعل هكذا مع يونان
. لم يقل: أنا لا أتفاهم معه مباشرة. يمكنني أن أرسل له ملاكًا أو نبيًا مثله، أو أرسل له حوتًا آخر ليتفاهم معه! إنما تنازل الله ليتفاهم مع يونان، ويتفاهم معه مباشرة بلا وسيط.. ويقنعه.ولعل البعض يسأل: وما الذي يحوجك يا رب أن تتفاهم مع يونان ونقنعه؟! أنت الإله الكلي الحكمة، والمفروض في يونان أن يؤمن بحكمتك
. ويؤمن أن تصرفك سليم دون نقاش. وليس من الضروري أن تقنعه. تكفي كلمتك، وإذا كان هو لا يؤمن بحكمة تصرفاتك فانه يكون قد أخطأ خطأ جديدا يحتاج إلى عقوبة.. يونان يجب عليه الطاعة والخضوع، وليس من حقه الجدل مع الله، والتفاهم!ولكن الله ليس من هذا النوع
. انه حنون وطيب. يقول أنا أنزل إلى يونان لكي أرفعه من مستواه...أنا أتفاهم مع يونان لكي أكسبه. لا أريد أن أخسر هذا التراب
.أريد أن أربح الكل
. عن رضى وليس عن إرغام، لا بد أن يتمتع يونان بسعة صدري. ويدرك أني لا أضيق به مهما شرد.إن قصة الله في العهد القديم هي قصة تفاهم
. وما إرساله للأنبياء والرسل إلا محاولة منه للتفاهم.الله لا يفرض مشيئته ولا يستبد في تصرفاته
. إنه مثال للتفاهم. وحتى في معاملته لنا الآن يريد أن يتفاهم.لقد أعطانا الصلاة كي نتفاهم معه.
لو كان الله لا يميل إلى التفاهم، فما فائدة الصلاة والحديث معه والمناقشة.. أليس حقًا أنه لم يسمح فقط أن نتفاهم معه، بل سمح أيضًا أن نصارعه ونجاهد معه؟! ألم يصارعه يعقوب حتى الفجر قائلًا له "لا أتركك
.."؟! كما لو كان له سلطان أو له قدرة ألا يتركه!بلغ من تواضع الله، أنه تفاهم مع الشيطان..! نلاحظ هذا واضحا في قصة أيوب الصديق، الله يقول للشيطان "هل وضعت قلبك على عبدي أيوب؟" ويجيب الشيطان "أمجانا يعبد أيوب الرب؟"
. ويأخذ الشيطان سلطانا من الله أن يجرب أيوب لكي يثبت صحة كلامه.إنه مبدأ تكافؤ الفرص يتمتع به الشيطان أيضًا
.وظهر تفاهم الله مع الشيطان أيضًا في
التجربة على الجبل. وظل الرب يرد عليه أية بأية. ولم ينتهره إلا عندما تجاوز حدوده بما لا يطاق..وللآن، يريد الرب أن يتفاهم معنا، ونحن الذين نرفض
.درس آخر نأخذه من قصة يونان، وهو أن كل تدابير الله
آلت إلى النجاح:
كل تدابير الله ناجحة |
تأملات في سفر
يونان النبي البابا شنودة الثالث |
الله للجميع |
*
سفر يونان
*
تفسير سفر يونان
*
قصة يونان النبي والحوت،
2،
3 من قسم
الإعجاز العلمي للكتاب المقدس
*
مقالات في صوم نينوى
*
جاليري الكتاب المقدس
*
طقس صوم يونان
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/y67kbza