St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-012-Father-Abdel-Messih-Basiet-Abo-El-Kheir  >   006-Al-Engil-Kayfa-Koteb
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟ - القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

104- برهان من داخل إنجيل يوحنا على كاتبه

 

لم يذكر القديس يوحنا أسمه في الإنجيل كما لم يضعه على الإنجيل ولكن دون أن يقصد فقد ترك أثارًا على حقيقته وهويته وتقول من هو.

ا- الإعلان الذاتي في الإنجيل:

يقول القديس في مقدمة الإنجيل "ورأينا مجده مجدًا" (253) والرؤيا المقصودة هنا هي الرؤية بالعين، الرؤية الفسيولوجية وليست الرؤيا الروحية، فهو يقول "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده وهذا يعنى أنه، هو، الكاتب، كان أحد شهود العيان، تلاميذ المسيح، كما قال في رسالته الأولى "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (254). وما يؤكده سياق نص الآية هو أن الكاتب القديس يريد أن يؤكد للقارئ أن الحقائق المدونة في الإنجيل موثقة بشهادة شهود العيان ومدونه بواسطة أحد شهود العيان وعند الحديث عن طعم الجندي لجنب السيد المسيح بحربة يقول "لكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحرية وللوقت خرج دم وماء. والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (255)، وهنا نجد كلمات "عاين" و"شهادة" مع تأكيد إنه يقول الحق، وقد كتب ما شاهده وعاينه لكي يؤمن القراء "وهو يعلم إنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم"، وهو يؤكد هنا شهادته، هو، بصفة فردية، كشاهد عيان لما حدث، وبما كتب.

وفى خاتمة الكتاب يقول "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق" (256). وهذه الآية تؤكد بصورة مطلقة وحاسمة أن كاتب الإنجيل هو شاهد عيان، فقد شاهد وشهد بكل ما كتبه في الإنجيل.

St-Takla.org Image: Arabic daily Bible readings manuscript صورة في موقع الأنبا تكلا: مخطوط عربي يصور القراءات اليومية من الكتاب المقدس

St-Takla.org Image: Arabic daily Bible readings manuscript.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مخطوط عربي يصور القراءات اليومية من الكتاب المقدس.

وكشاهد عيان يذكر الزمان والمكان والتفاصيل الدقيقة، فيقول "وفى الغد" (257)، "وجاء إلى يسوع ليلًا" (258)، "وبعد اليومين خرج" (259)، "في الساعة السابعة" (260)، "ولما كان المساء" (261)، "وفى اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل (262)"، "هذا قاله يسوع في الخزانة وهو يعلم في الهيكل (263)"، "وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان (264)"، "ولم يكن قد جاء إلى القرية بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرثا (265)"، وكذلك يذكر الأعداد "وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة (266)"، "فلما كانوا قد جدفوا نحو خمسة وعشرين أو ثلاثين غلوة (267)"، "أما التلاميذ الآخرون فجاءوا بالسفينة لأنهم لم يكونوا بعيدين عن الأرض إلا نحو مئتي ذراع (268)"، "وجذب الشبكة إلى الأرض ممتلئة سمكًا كبيرًا مئة وثلاثًا وخمسين (269)"، هذه الأرقام التي ذكرها والأوقات وتحديد الأماكن بكل دقة تدل دلالة قاطعة على أن الكاتب القديس عاشها بنفسه وشاهدها كشاهد عيان وكان أحد التلاميذ الاثنا عشر الذين عاشوا مع السيد المسيح ورافقوه في كل مكان ذهب إليه.

ومن التفصيلات الدقيقة التي تؤكد وتقطع بأن الكاتب كان موجودًا شخصيًا وعايش الأحداث كشاهد عيان تحديده للخمسة أرغفة بأنها كانت "أرغفة شعير (270)" ووصفه للطيب الذي "امتلأ البيت من رائحته (271)" وإيماء بطرس غليه للسؤال عن الخائن (272)، ووصفه لرد فعل الجنود عند القبض على المسيح (273)، وذكره لوزن الأطياب التي استخدمت في تكفين المسيح "مزيج مر وعود نحو مئة منا (274)".

وكان للكاتب القديس ملاحظاته الخاصة على ردود أفعال التلاميذ في المواقف المختلفة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). بعد تحويل الماء إلى خمر يقول "وأظهر مجده فآمن به تلاميذه (275)"، ولما كان مع المرأة السامرية "كانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة (276)"، وعندما نظروه ماشيًا على الماء "خافوا"، ويعلق على بعض الأحداث بقوله "هذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولًا. ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه (278)"، كما كان له ملاحظاته على ردود أفعال السيد المسيح نفسه (279)، بل وقد ذكر أسماء أشخاص من التلاميذ وغيرهم في مواقف معينة، وهذه الأسماء لم تذكر في نفس المواقف في الأناجيل الثلاثة الأخرى؛ ففي معجزة إشباع الجموع يذكر فيلبس وأندراوس (280)، ويذكر مريم أخت ليعازر التي دهنت المسيح بالطيب، كما يذكر اسم خادم رئيس الكهنة الذي قطع بطرس أذنه بالسيف وقت القبض على السيد المسيح (282)، ويذكر أسماء نثنائيل ونيقوديموس ولعازر الذين لم يذكروا في الأناجيل الثلاثة الأخرى. والواضح أن أسلوب الكتابة عن هؤلاء الأشخاص أن الكاتب يعرفهم جيدًا وبصفة شخصية، وكان حاضرًا لتلك الأحداث التي كتب عنها بدقة وتفصيل.

ب- التلميذ المحبوب. من هو؟

يذكر الإنجيل هذا التلميذ المحبوب "الذي كان يسوع يحبه" في خمسة مواقف هامة وكل منهم له مغزاه الخاص؛ وأول ما يذكر يذكر في العشاء الرباني كأقرب واحد من السيد المسيح "وكان متكئًا في حضن يسوع"، وعند حديث الرب عن التلميذ الخائن "وقال الحق الحق أقول لكم أن واحدًا منكم سيسلمني"، يقول الكاتب "وكان متكئًا في حضن يسوع واحدًا من تلاميذه كان يسوع يحبه. فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه. فاتكأ ذاك (التلميذ المحبوب) على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو ؟ (283)". إنه هنا أقرب التلاميذ إلى السيد والوحيد منهم الذي تجاسر على سؤاله عن الخائن. وهناك ملحوظة ذات اعتبار وهى ارتباطه بالقديس بطرس الذي أومأ إليه أن يسأل السيد. والموقف الثاني الذي يذكر فيه عند الصليب حيث نرى ثقة الرب فيه وهو يضع أمه القديسة العذراء في أمانته وتحت رعايته "فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفًا قال لأمه يا امرأة هوذا أبنك. ثم قال للتلميذ هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته (284)". وفى الموقف الثالث عندما ذهبت المجدلية إلى قبر المسيح ووجدت الحجر مرفوعًا والقبر خاليًا من الجسد فذهبت إلى بطرس وهذا التلميذ بصفة خاصة لتخبرهما بذلك "فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما اخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه (285)"، وذهب الاثنان إلى القبر وبعدما شاهدا ما يبرهن على قيامة الرب يركز الكاتب في تعليقه على هذا التلميذ فقط بقوله "ورأى فآمن (286)". أما الموقف الرابع فهو عندما ذهب سبعة من التلاميذ ليصطادوا على بحر طبرية بعد القيامة وظهور الرب لهم، وهؤلاء التلاميذ هم "سمعان بطرس وتوما الذي يقال له التوأم ونثنائيل الذي من قانا الجليل وأبنا زبدي واثنان آخران من تلاميذه". ونلاحظ هنا أنه يذكر أسماء ثلاثة من التلاميذ، ويذكر لقب يعقوب ويوحنا "ابنا زبدي" فقط دون أن يذكر أسماء، ثم يشير فقط إلى "اثنان آخران من تلاميذه" قد لا يكونا من التلاميذ الاثني عشر. والموقف الخامس والأخير هو عندما ظهر الرب لهؤلاء التلاميذ السبعة ودار حديث بينه وبين بطرس عرف فيه بطرس من الرب مصيره وكيف سيترك هذا العالم وأراد أن يعرف مصير هذا التلميذ "فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه.. فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع يا رب وهذا ماله. قال له يسوع إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك. اتبعني أنت. فشاع هذه القول بين الأخوة إن ذلك التلميذ لا يموت" ثم نعرف أن هذا التلميذ المحبوب هو كاتب هذا الإنجيل "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا (287)".

ما سبق يؤكد لنا أن هذا التلميذ المحبوب، بالطبع، كان قريبًا من الرب يسوع المسيح وانه كان دائمًا مرتبطًا ببطرس (في العشاء وعند القبر وعند سؤال بطرس للسيد عن مصير هذا التلميذ)، ولم يذكر وحده إلا عند الصليب عندما كان بطرس يتبع الرب من بعيد. وعند محاكمة المسيح كان الاثنان معًا، ولأن هذا التلميذ كان معروفًا من رئيس الكهنة فقد توسط عند البوابة وأدخل بطرس (288) دار رئيس الكهنة. ونعرف من الأناجيل الثلاثة الأولى أنه كان على رأس التلاميذ الاثني عشر دائرة خاصة مقربة من السيد المسيح مكونة من "بطرس ويعقوب ويوحنا"، وهؤلاء الثلاثة أصلًا كانوا شركاء في سفينة لصيد السمك (289)، وقد أخذهم الرب معه في أخص المواقف، فقد كانوا شركاء في سفينة لصيد السمك (290) وعلى جبل التجلي (291) وكانوا أقرب التلاميذ إليه في بستان جثسيماني قبل القبض عليه مباشرة (292) وكان بطرس ويوحنا بالذات مرتبطين معًا، فقد أرسلهما السيد المسيح وحدهما معًا ليعدا الفصح (293)، وبعد القيامة وحلول الروح القدس كانا دائمًا معًا، فقد ذهبا إلى الهيكل معًا عندما حدثت معجزة شفاء المُقعد على بابا الهيكل وحاكمهما رؤساء اليهود معًا (294)، وذهبا إلى السامرة معًا مرسلين من بقية الرسل (295)، ويذكرهما القديس بولس مع "يعقوب أخي الرب" كالأعمدة الثلاثة في الكنيسة الأولى (296).

والشيء الجدير بالملاحظة هو أن أسم بطرس كان يذكر دائمًا أولًا ثم بعد ذلك أسم يوحنا وذلك في الأناجيل الثلاثة الأولى "بطرس ويوحنا" (297)، وفى سفر الأعمال كان بطرس دائما هو المتقدم سواء في ذكر الأسماء أو في الفعل "وصعد بطرس ويوحنا" (298)، "أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا" (299)، وحتى عندما ذكر القديس بولس يعقوب أخو الرب أول الثلاثة الأعمدة ذكر بطرس بعده ثم يوحنا أخيرًا "يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا". وكان القديس بطرس هو المتكلم دائمًا. وهنا في الإنجيل الرابع نجد أن القديس بطرس للتلميذ المحبوب أن يسأل الرب يسوع عمن سيسلمه، وعندما قام المسيح وذهبت المجدلية إلى القبر وجدت الحجر مرفوعًا عن القبر ذهبت إلى بطرس ثم هذا التلميذ، وآتيًا إلى القبر وبرغم أن هذا التلميذ سبق بطرس ووصل أولًا ألا أنه لم يدخل القبر إلا بعد أن جاء بطرس ودخل أولًا "فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر" (300)، وعند الذهاب للصيد عند بحر طبرية كان بطرس هو الداعي لذلك، ولما ظهر لهم الرب وعرفه هذا التلميذ قبل الجميع أخبر بذلك بطرس أولًا وقبل الجميع "فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبهُ لبطرس هو الرب"، وعندما كشف الرب لبطرس مصيره وكيف ستنتهي حياته على الأرض أهتم بطرس بمعرفة مصير هذا التلميذ فقط دون بقية التلاميذ.

كل هذا يؤكد أن هذا التلميذ "الذي كان يسوع يحبه" والذي كتب الإنجيل الرابع هو القديس يوحنا ابن زبدى. وما يؤكد هذه الحقيقة أيضًا هو أن القديس يوحنا لم يذكر أسمه بالمرة في الإنجيل الرابع، بينما أسمه مذكور في الأناجيل الثلاثة الأولى 20 مرة، كما أن يذكر يوحنا المعمدان باسمه "يوحنا" فقط بدون لقب المعمدان مما يدل على أن يوحنا ابن زبدى كاتب الإنجيل كان معروفًا للجميع وقت كتابة الإنجيل بلقب آخر هو التلميذ المحبوب.

ويجد البعض صعوبة في أن يصف القديس يوحنا نفسه بالتلميذ الذي كان يسوع يحبه، ويجد من أيضًا أنه من الصعب أن يكون هذا الحب تفضيلي بمعنى أن الرب فضل يوحنا على بقية التلاميذ. ولكن ما كتبه القديس يوحنا في رسالته الأولى عن المحبة وحب الله الذي ظهر في المسيح، وما ركز عليه أيضًا في الإنجيل الذي كتبه بالروح القدس عن حب الله الأبدي ومحبته للبشرية التي تفوق الوصف "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (301)، وكذلك إدراكه لحب السيد المسيح العظيم الذي لا حد له، واقترابه من فكر السيد وعقله وقلبه أنعكس عليه هو نفسه ولهذا صار التلميذ المحبوب، وأشتهر بذلك في شيخوخته. وكان هذا اللقب علامة تواضع أكثر منه تفضيل فقد أخفى أسمه وذكر ما يمتلكه أكثر من أسمه وأعظم، وهو حب الرب يسوع المسيح له.

ج- الخلفية اليهودية الفلسطينية للكاتب:

بينا أعلاه أن كاتب الإنجيل الرابع هو شاهد عيان لما سجله ودونه بالروح القدس في الإنجيل وأنه يوحنا ابن زبدي تلميذ المسيح وأحد الثلاثة المقربين من الرب والتلميذ "الذي كان يسوع يحبه".

وفيما يلي نقدم الأدلة على أنه كان من يهود فلسطين:

(1) معرفته الدقيقة بالعادات اليهودية:

يقدم القديس يوحنا معلومات دقيقة، وأن كانت بصورة عفوية، وتلقائية عن عادات وشرائع اليهود كيهودي يعرف عادات وشعائر قومه، فيتكلم عن شريعة التطهير "وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود" (203)، وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير" (203)، وكان فصح اليهود قريبًا، فصعد كثيرون من الكور المحيطة إلى أورشليم قبل الفصح ليطهروا أنفسهم" (304)، ويتكلم عن نظرة لليهود للأمم كنجسين "ولم يدخلوا هم (رؤساء اليهود) إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلوا الفصح" (205)، ويذكر عادة اليهود في تكفين الموتى "فأخذوا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كم لليهود عادة أن يكفنوا" (306). ويذكر أهم أعياد اليهود كالفصح والمظال والتجديد ويتكلم عنها بالتفصيل (307). ويتكلم عن الحرم اليهودي من المجمع والذي يعنى القطع من جسم الأمة (308). وذكر عادة اليهود في عدم بقاء أجسام المحكوم عليه بالإعدام معلقة في السبت العظيم (309). وتحدث عن فكر اليهود من جهة المرأة وإقلالهم من شأنها "وكانوا يتعجبون أنه (المسيح) يتكلم مع امرأة (310)". وتكلم عن عادة اليهود فيما يختص بتحريم أي عمل في السبت "أنه سبت. لا يحل لك أن تحمل سريرك (311)". كما تحدث عن فكرهم من جهة وراثة الخطية "من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى (312)".

ويجب أن نضع في اعتبارنا أنه عندما يتحدث عن اليهود بعبارات مثل "حسب عادة اليهود"، "فصح اليهود" لا يعنى أنه يتكلم عن أناس لم يكن هو منهم من قبل، بل على العكس، فهو يؤكد أنه منهم بقوله عنهم أنهم خاصة الله "جاء إلى خاصته (313)" وبتأكيده أنه التلميذ الذي كان يسوع يحبه وكل تلاميذ المسيح أصلًا من اليهود. كما أنه كان من عادة الرسل كُتاب العهد الجديد برغم أنهم جميعًا -عدا القديس لوقا- من أصل يهودي أن يتكلموا عن اليهود واليهودية كأصحاب ديانة أخرى ودين آخر، لأنه بانضمامهم للمسيحية وتركهم لليهودية فقد انفصلوا تمامًا عن اليهود واليهودية وصاروا ينظرون إليها كديانة أخرى عن ديانتهم المسيحية، وعلى سبيل المثال يقول القديس بولس الرسول والذي كان يهوديًا متعصبًا ومضطهدًا للمسيحية "من اليهود خمس مرات قبلت خمسين جلدة إلا واحدة (314)"، "اليهود الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن. وهم غير مرضيين لله وأضداد لجميع الناس (315)".

(2) معرفته الدقيقة بالتاريخ اليهودي المعاصر:

يقدم القديس يوحنا معلومات وفيرة عن تاريخ اليهود المعاصر للسيد المسيح كواحد من الذين عاشوا في تلك الفترة فيذكر المدة التي بنى فيها الهيكل الذي بناه هيرودس بقول الآية "في ست وأربعين سنة بنى هذا الهيكل (316)"، ويذكر المواقف السياسية لليهود من جهة عداوتهم للساريين "لأن اليهود لا يعاملون السامريين (317)"، وازدرائهم بيهود الشتات "فقال اليهود فيما بينهم إلى أين هذا (المسيح) مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن، ألعله مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين ويعلن اليونانيين (318)"، ويسجل تاريخ رؤساء الكهنة المعاصرين ويذكر أن "قيافا كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة (319)"، وأن "حنان حما قيافا الذي كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة (320)".

(3) معرفته الدقيقة بجغرافية فلسطين:

كما يقدم القديس يوحنا أيضًا معلومات دقيقة عن جغرافية فلسطين ويبدو واضحًا من تعليقاته معرفته الشخصية بكل ما ذكره وسجله في الإنجيل الرابع. فيسجل الاسم العبري لبركة كانت بالقرب من باب الضان "وفى أورشليم عند باب الضان بركة يقال لها بالعبرانية بيت حسدا لها خمسة أروقة (321)"، وهذه التفصيلات برهنت عليها الحفريات الحديثة التي كشفت عن بركة ذات خمسة أروقة، بالقرب من الهيكل ولها صفات تفترض أنه للماء خواص شفاء. وتكلم عن الموضع الذي كان فيه كرسي الولاية وذكر اسمه العبري "جباثا"، "وجلس (بيلاطس) على كرسي الولاية في موضع يقال له البلاط وبالعبرانية جباثا(322)"، وهذه المنطقة برهنت الاكتشافات الأثرية على وجودها بالقرب من برج انطونيا الذي يطل على منطقة الهيكل.

ويفسر معنى اسم "بركة سلوام" بقوله "الذي تفسيره مرسل (323)"، ويقول عن موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة (324)".

ويذكر التفاصيل الطبوغرافية (325) للمدن التي سار فيها المسيح بدقة، فيحدد موضع "بيت عبرة في عبر الأردن (326)"، و"عين نون بقرب ساليم (327)"، و"سوخار بالقرب من الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه (328)"، ويذكر اسم طبرية كاسم متبادل لبحر الجليل "بحر الجليل وهو بحر طبرية (329)"، ويميز بيت عنيا القريبة "من أورشليم نحو خمسة عشرة غلوة (330)" من بيت عبرة التي "في عبر الأردن (331)"، ويميز بين "قانا الجليل (332)" و"بيت صيدا الجليل (333)" وغيرهما، ووصف الطريق من قانا إلى كفر ناحوم بالانحدار "أنحدر إلى كفر ناحوم (334)". وتحدث عن أورشليم كخبير بمواقعها ودروبها وعلى سبيل المثال يذكر موقع بستان جثسيماني بقوله "عبر وادي قدرون حيث كان بستان (335)"، وذكر موقع "بركة سلوام" و"بركة بيت حسدا (336)" وميز بينهما، وحدد موقع باب سليمان والخزانة في الهيكل (337)، وحدد موقع افرايم بالقرب "من البرية (338)".

وهذه المعلومات الجغرافية الطبوغرافية الدقيقة التي كتبها بصورة تلقائية عفوية تبرهن وتؤكد بل وتقطع أن الكاتب عاش في هذه البلاد وتربى فيها وصار في مدنها وعرف كل مواقعها. وهذا ينطبق تمامًا على القديس يوحنا الرسول ابن زبدي الصياد الجليلي، صاحب سفينة صيد السمك والذي كان يعرفه رئيس الكهنة في أورشليم والذي تجول مع السيد المسيح مدة أكثر من ثلاث سنوات في معظم مدن فلسطين وبراريها وطرقها العامة.

(4) أسلوب الكاتب ولغته يدلان على أصله الآرامي:

عند قراءة الإنجيل، خاصة في لغته اليونانية، يبدو واضحًا للدرس أن الإنجيل مكتوب بلغة آرامية وأسلوب آرامي في حروف وكلمات يونانية، فهو يسجل أقوال السيد المسيح وخُطبه ويدونها بأسلوبها الآرامي وتعابيرها العبرية من "ثنائيات" و"رباعيات" ويكرر استخدام أدوات الربط والعطف كثيرًا، ويكتب كلمات آرامية وعبرية ويفسرها أو يترجمها إلى اليونانية، وأحيانًا يذكر الكلمة في اليونانية ويرجعها إلى أصلها العبري؛ مثل "ربى الذي تفسيره يا معلم (339)"، "مسيا الذي تفسيره المسيح (340)"، "مسيا الذي يقال له المسيح (341)"، "أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس (342)"، "بركة سلوام الذي تفسيره مرسل (343)"، "ربوني الذي تفسيره يا معلم (344)"، "توما.. الذي يقال له التوأم (245)"، "موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة (346)".

وتكررت في الإنجيل كلمات بذاتها وبحروفها مرات كثيرة بما لا يتفق أبدًا مع اللغة اليونانية، فقد نقل الكاتب القديس كلمات المسيح في الآرامية بحرفها وأسلوبها إلى اليونانية مراعيًا تسجيل ما قاله وعمله السيد المسيح كما هو بكل دقة في نفس صياغتها الآرامية وأسلوبها الآرامي ولكن بكلمات يونانية وحروف يونانية، فقد كرر كلمات "عرف" 55 مرة، "آمن" 98 مرة، "أحب" 45 مرة؛ وهو يكرر ألفاظ "الحقيقة" 25 مرة، و"النور" 23 مرة، و"الحياة" 26 مرة، و"العالم" 78 مرة، و"الظلمة" 13 مرة، و"الاسم" 25 مرة، و"الكلمة" 50 مرة، و"العمل" 27 مرة، و"الآية" 15 مرة، و"الشهادة" 47 مرة، و"إحياء" 52 مرة، و"مجد" 42 مرة (347)".

(5) استخدام الكاتب لنص العهد القديم العبري:

وما يدل أيضًا على أن الكاتب يهودي من فلسطين هو استخدامه لنص العهد القديم العبري عندما يشير إلى نبوات العهد القديم عن السيد المسيح، وقد نقل ثلاث نبوءات من النص العبري مباشرة (348)، بل أنه في بعض النبوات التي ينقلها عن النص اليوناني للترجمة السبعينية يراجع النص اليوناني على النص العبري وينقحه (349). وهذا عكس ما فعله الكتاب اليونانيين الذين كانوا يعتمدون على الترجمة السبعينية بالدرجة الأولى.

وهكذا اتضح لنا بالدليل والبرهان العلمي أن كاتب الإنجيل الرابع هو القديس يوحنا، وأن ما قاله النقاد سابقًا فقد تراجعوا عنه اليوم أمام الأدلة والبراهين الحاسمة، كما أن ما يقوله بعضهم اليوم من أن جامع الإنجيل ومدونه هم تلاميذ القديس يوحنا، برغم أن كثيرًا من كتب الأنبياء قد جمعها تلاميذهم وأتباعهم من بعدهم ولم يقلل هذا من قيمتها لأنهم جمعوها بكل أمانة ودقة، إلا أن الإنجيل ذاته يؤكد بصورة واضحة لا لبس فيها أن كاتبه هو التلميذ الذي كان يسوع يحبه "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا (350)"، القديس يوحنا ابن زبدي تلميذ المسيح ورسوله. وبعد هذا القول فليستد كل فم ويصمت كل مكابر ويصغى فقط لصوت الحق.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-012-Father-Abdel-Messih-Basiet-Abo-El-Kheir/006-Al-Engil-Kayfa-Koteb/The-Holy-Bible_Writing-n-Reaching-Us__104-John-Gospel-Proof.html

تقصير الرابط:
tak.la/qrga5nx