St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   god-and-man
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الله والإنسان - البابا شنوده الثالث

85- لنفرح بالرب

 

نحن لا نفرح بالعالم، إذ ليس شيء يشبعنا...

"العالم يبيد، وشهوته معه" (1يو17:2). وكل أموره المادية والزائلة، لا ترضي روحياتنا، ولا تملأ حياة تقدست بالرب، ولا نستطيع أن تسعد قلوبًا صارت هياكل للروح القدس، ومسكنًا لله. نحن لا نفرح بالعلم، لأنه دائمًا يأخذ ولا يعطي، فكل ما يعطيه "باطل وقبض الريح" (جا1). وهو أيضًا غير ثابت على شيء، في علاقاته وفي عطائه، ولا تفرح به نفوس قد ارتبطت بالأبدية، وبدأت مسيرتها من الآن.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

نحن لا نثق إلا بالله وحده، ولا نفرح إلا به.

والفرح بالله، هو فرح حقيقي، وهو فرح ثابت... وهو أيضًا فرح طاهر، تشترك فيه الروح بالنصيب الأكبر. إنه يبدأ حينما نجد الله، ونتعرف إليه، ونذوق حلاوته، فنحبه، ونحيا بهذا الحب، ولا نطلب شيئًا سواه...

وإلى هذه المتعة المقدسة يدعونا المرتل بقوله "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز8:34). وحينما نذوق الرب، ندخل إلى جمال الحياة الحقيقية، وننسى كل حياتنا السابقة، ولا نذكر سوى الرب وحده، يملأ القلب والفكر والروح، جميعًا...

كم كان فرح نثنائيل، حينما قال له فيلبس "وجدنا الذي كتب عنه موسى..." (يو45:1). وكم كان فرح السامرية، لما تعرفت على المسيا، وذهبت تبشر به (يو4)... وكم كان فرح شاول الطرسوسي، الذي تقابل مع الرب، وقال في ذلك "خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح، وأوجد فيه" (في8:3، 9).

إن معرفة الرب كنز عظيم، ومذاقته فرح لا يعبر عنه. هذا الكنز "وجده إنسان مخفى في حقل، فمن فرحه، مضى وباع كل ما كان له، واشتراه" (مت44:13).

فهل وجدت هذا الكنز؟ وهل خبأته في "قلبك"؟ وهل حسبت كل الأشياء نفاية، من أجل فضل معرفته؟

لقد فرح به أوغسطينوس، أكثر من كل فلسفة العالم وشهوات الجسد، وفرح به سليمان أكثر من كل الغِنَى والمتعة، وأيضًا التلاميذ فرحوا حين رأوا الرب (يو20:20).

St-Takla.org Image: On the road to Emmaus with Jesus Christ (image 1) - The walk to Emmaus (Luke 24:28) - from "Standard Bible Story Readers", book 5, Lillie A. Faris. صورة في موقع الأنبا تكلا: التلاميذ في الطريق إلى عمواس مع السيد المسيح (لوقا 24: 28) (صورة 1) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب الخامس، ليلي أ. فارس.

St-Takla.org Image: On the road to Emmaus with Jesus Christ (image 1) - The walk to Emmaus (Luke 24:28) - from "Standard Bible Story Readers", book 5, Lillie A. Faris.

صورة في موقع الأنبا تكلا: التلاميذ في الطريق إلى عمواس مع السيد المسيح (لوقا 24: 28) (صورة 1) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب الخامس، ليلي أ. فارس.

إن الفرح بالرب، هو الفرح الوحيد، الذي لا ينزع منا.

إنه يبدأ ههنا، ويستمر في الأبدية أيضًا، وينمو باستمرار، كلما يكشف لنا الرب ذاته، ويسكب محبته في قلوبنا...

وكل فرح، ليس مصدره الله، لا بُد سينتهي...

لقد ذاق سليمان كل أفراح العالم، ثم عاد فسئم كل هذه الأفراح ولم تعد لها بهجة كما كانت في القديم... فتركها ليبحث عن شيء آخر أعمق وأسمَى...

ولوط فرح قليلًا بسادوم، الأرض المعشبة، ورأى أنها "كجنة الله، كأرض مصر" (تك10:13). ثم انتهت بكارثة...!

وآخاب فرح بحقل نابوت اليزرعيلي، فرحًا إنتهى بهلاكه! (1مل21).

وأمنون وضع كل قلبه في ثامار، ثم عاد فكرهها وأبغضها (2صم14:13، 15).

وشمشون فرح بدليلة، فرحًا جرّه إلى الضياع...! (قض16).

إن أفراح العالم، ليست أفراحًا حقيقية. يمكن أن تسميها لذة أو متعة أو سرورًا مؤقتًا، لا يرقَى لمستوى الفرح.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إن قلب الإنسان شيء أعظم من العالم، وأسمَى من المادة لأنه خلق على صورة الله ومثاله.

وحينما يفرح الإنسان بالعالم، أو يحزن لفقده شيئًا من العالم، إنما يكون قد نسى ذاته الحقيقية، ويكون قد ابتعد عن صورته الإلهية، وتاه... وحينما يرجع إلى ذاته، حينئذ يحس بتفاهة ما كان فيه، وقد يبكي على ذلك بكاء مرًا، كما حدث لداود النبي، حينما نسى نفسه، واستجاب في لحظات إلى شهوة العالم الباطلة... (مز6).

إن روحك لا تستريح إلا في الله، ولا تفرح إلا به، هذا إذا كنت تعيش حسب الروح... أما إن ضللت عن روحك، فحينئذ يكون لأفراح العالم وزن عندك.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

لهذا كله ينصحنا الرسول قائلًا "افرحوا في الرب" (في1:3).

"افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا" (في4:4).

ما أجمل أن يقول الرسول "كل حين" ويكررها (1تس16:5).

ذلك لأن الله هو مصدر كل فرحك، موجود معك كل حين، ويعمل من أجلك كل حين، ولا يغفل عنك لحظة واحدة، لذلك لا توجد لحظة تمنعك من الفرح...

حتى في اللحظات، التي تبدو فيها الأحزان محيطة بك.

يقول الرسول "كحزانَى، ونحن دائمًا فرحون" (2كو10:6).

وهكذا كان الرسول يرتل، ويسبح، ويغني أغاني روحية وهو في السجن الداخلي، ورجلاه مربوطتان في المقطرة... (أع24:16، 25).

إن فرحه لا ينبع من ظروفه الخارجية، إنما من الله.

من جهة الظروف الخارجية "كحزانَى" - ومن الله "نحن دائمًا فرحون"...

حينما يضع الإنسان كل همه في ظروفه الخارجية، قد يكتئب، لأنه قد بدأ يخرج من الإنشغال بالله والاهتمام به، إلى الإنشغال والاهتمام بالعالم، وحينئذ يبدأ العالم يلعب به، ويدخله في لعبة المنح والمنع... فيتعب...

أما أنتم فقد جعلكم الله من "خاصته" و"أهل بيته" (أف19:2). ويريدكم أن تتركوا كل أموركم له، ولا تهتموا بشيء.

بل يقول الرسول "لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء، بالصلاة والدعاء مع الشكر..." (في6:4).

ويقول أيضًا "أريدكم أن تكونوا، بلا هم" (1كو32:7).

ويقول الرب "لا تهتموا بما للغد" (مت34:6). الرب يهتم بكم...

وما دام الرب يهتم بك، تعيش في فرح، بلا هم.

إن هذا الهم، معناه إنك بدأت تحمل المسؤلية بدلًا من الله الذي تعهد بحملها، والذي قال "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (مت28:11). فبدلًا من أن تأتي إليه، أتيت إلى ذاتك، وحملتها كل همومك، فزادت أتعابك... ومعنى ذلك أيضًا أنك لم تَعُد تنتظر في ثقة إلى عمل الله! ليتك تلقى كل أتعابك عند قدميه، وتفرح بالرب.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ستفرح حتمًا بالرب، إن اعتبرته الراعي الصالح، المهتم بخرافه.

لذلك لما تذكر داود هذه الحقيقة، فرح بالرب، ورنم قائلًا الرب يرعانى، فلا يعوزنى شيء. في مراعي خضر يربضني، وإلى ماء الراحة يوردني... إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا لأنك أنت معي" (مز23).

فهل اتخذت الرب راعيًا، وهل اعتمدت على رعايته. افعل ذلك فتفرح...

وأنت تفرح أيضًا، تذكر كل صفات الله الجميلة، وكل وعوده لك، وللكنيسة فتتعزى...

مَنْ مِثل إلهنا، ليس مثله، ولا من يشبهه...

إنه لا يخيفنا بلاهوته، ولا يرهبنا بعظمته، إنما يجذبنا بحبه.

إننا نفرح به كراع، يبذل نفسه عن الخراف، ونفرح به كأب، بكل ما في الأب من حنان، ونفرح به كحبيب لنفوسنا.

إنه يقول "لا أعود أسميكم عبيدًا، بل أصدقاء" (يو15:15) ونحن نفرح بهذا. ونفرح بقوله عنا إنه "أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى" (يو1:13).

وهو ليس صديقًا عاديًا، بل هو يقول "ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر" (مت20:28). "إن نسيت الأم رضيعها، أنا لا أنساكم"، "نقشتكم على كفى..." (أش16:49).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ما أشد فرحنا بهذا الإله المحب، الوديع، المتواضع القلب.

الذي نقول عنه في النشيد "تحت ظله أشتهيت أن أجلس" (نش3:2)... الذي جعل العلاقة به تخرج من حدود الرسميات، وتصير كلها حبًا وعاطفة، بما في ذلك الصلاة، وكل ألوان العبادة وأصبحت حياة القداسة تتلخص في عبارة واحدة:

"تحب الرب الهك، من كل قلبك، ومن كل فكرك"... (مت37:22).

ولم نعد مطالبين بوصايا عديدة في حياتنا الروحية، إنما بوصية واحدة هي المحبة، تشمل كل شيء... "وَمَنْ يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه" (1يو16:4).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ونحن نفرح بالله، الذي لم يتركنا لأنفسنا، بل لنعمته.

نفرح به، لأنه يعرف طبيعتنا وضعفنا، ويذكر أننا تراب نحن (مز4:103). لذلك لم يتركنا لضعف هذه الطبيعة، إنما زودنا بالنعمة، وعمل روحه القدوس، وأعطانا مع كل وصية قوة على تنفيذها، ومغفرة إن كسرناها وتبنا...

إننا نفرح بالله، الذي اختبره داود النبي فقال "أقع في يد الله، ولا أقع في يد إنسان، لأن مراحم الله واسعة" (2صم14:24). هذا الإله المحب، الذي فدانا وخلصنا، وحول لنا العقوبة خلاصًا، الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا...

نفرح به في عمله مهنا، وفي حفظه لنا، وفي وعوده...

ونفرح بعشرته ومحبته، ونجد لذة في الوجود معه...

وفي فرحنا بالرب، لا نحزن لشئ، بل يملك الإطمئنان على قلوبنا، في كل حال... لا نستمد فرحنا من ظروفنا، إنما من الإيمان العميق بهذا الإله وعمله معنا.

بهذا عاشت الكنيسة في كل جيل، وبهذا ستعيش إلى أبد الدهر، تفرح بالله الضابط الكل، السائر في وسط المناير السبع، الممسك السبعة الكواكب في يمينه (رو1:2) المشرق بنوره على الكل، الذي يحصي حتى شعور رؤوسنا (مت30:10).

مبارك هو الرب، فلنفرح به، ونسبح له تسبحة جديدة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/rejoice-in-the-lord.html

تقصير الرابط:
tak.la/pf4pp9k