مقدمة:
في بدء عام جديد سعيد وإشراقة نور باهر لامع سطع على المسكونة كلها باختيار السماء لبطريركنا المعظم أقدم إهداء هذا الكتاب لغبطته راجيًا من الرب يسوع أن يديمه للكنيسة ذخرًا سنين كثيرة وأزمنة سالمة مديدة.
1) أنه عالم لاهوتي فذ جليل القدر، يشرح القضايا اللاهوتية العميقة بطريقته الفريدة التي تمتاز بالسهولة واليسر والوضوح والدقة البالغة في التعبير، شرحًا يفهمه مختلف الطبقات من المتعلمين وعامة الشعب، الأمر الذي اتسمت به أقواله وكتاباته حتى صار له علامة مميزة. كثيرون قد تبحروا في اللاهوت على ممر القرون في معاقل الأرثوذكسية العريقة لكن أنوار تعاليمهم كانت تنعكس بالأكثر على أنفسهم، لا يستطيعون أن يوصلوا المعلومات اللاهوتية إلى قلوب السامعين وعقولهم ولم تكن الأغلبية حتى من صفوة المتعلمين بقادرة على استيعاب العلوم والمعارف اللاهوتية استيعابًا تستريح له الخواطر ويستقر في الجوانح وهي من أصعبها مراسًا ومراجعهًا من أكثرها تعقيدًا يُخْشَى معه لشتي المذاهب والنِّحَل من المعاثر والزلل، وتحتاج لدراسات مقارنة ودراسة الفلسفة وتاريخ الهرطقة والانشقاق والبدع ودحض الافتراءات ومجابهة شتي الاعتراضات. وليس أقدر من الأنبا شنوده فيمن يعرفهم العالم المسيحي من الشخصيات العالمية على الخوض في هذه المواضيع.
2) مؤرخ متعمق في النواحي التاريخية المتشعبة وبالأكثر في سير القديسين وأقوالهم، لا تسأله عن سيرة أي من القديسين إلا ويجيبك على الفور عن كل ما تحتاج إليه حتى لِيُخَيَّل إليك أنه لم يلبث أن يكون قد فرغ من دراستها درسًا وافيًا مستفيضًا، ويفتح لك مغاليق فقط كثيرة تكون غامضة لدى مؤلف السيرة نفسه الذي يكون قد أمضَى في دراسته لها زمنًا طويلًا وأجهد نفسه في البحث والتنقيب وربما كرس لها وحدها معظم جهده وأهم وقته.
3) متبحر في دراسات الكتاب المقدس العهدين الجديد والقديم، يفسر الأشياء عسرة الفهم في بساطة ويسر.
في اللغة القبطية وفي طقوس الكنيسة وقوانينها علم من الأعلام البارزة تشهد بذلك مؤلفاته الكثيرة في هذه الفروع وعي صدره الكبير جميع أطراف المعرفة من علوم الأولين والآخرين، له مقدرة عجيبة ومثابرة نادرة وتركيز بأسلوبه البليغ السهل الممتنع، ولا عجب فهو الشاعر الصادق الحس والصحفي والكاتب الأديب.
4)5) أما عن الروحيات فحدث عنها ولا حرج، فهو ممتاز من صباه، مرشد روحي من الطراز الأول تجلي إليه وكأنك مع الآباء القديسين القدامَى، إذا تكلم أوفي موضوعه واستوفي وقائعه وشد انتباه سامعيه. لكلامه أثر فعال في القلوب، لذلك أحبه الألوف من الشبان في الجامعات والمعاهد وأخذوا يتهافتون إلى سماع عظاته الروحية خصوصا ما يتعلق منها بالتوبة والرجوع عن الخطية، المشهد الذي لم يكن أحد يراه قبلًا، فعلى قدر عزوف الشباب عن الاجتماعات في كثير من الأزمنة الماضية على قدر ما أصبحت هذه الاجتماعات محبوبة في القرن العشرين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكلنا يعرف كيف تحضر الألوف قبل العظات بساعات حتى تستطيع أن تجد لها مكانًا، ورغم استمراره في الوعظ والتعليم على مدى سنوات وشهور طويلة فإن الزحام يشتد وعدد الحاضرين ينمو ويتكاثر.
6) معلم بارع في كل فروع المعارف وقادر على التعليم، لا يقتصر منهجه على تمجيد الماضي بل هو القديس المبتكر يخرج من كنوزه كل يوم وكل ساعة جددا وعتقاء في تنسيق بديع يستريح له رعاه ورعية العصر الذي نعيش فيه. آراؤه لها وزن في شتي المحافل الدولية والمؤتمرات العالمية، فضلًا عن الأوساط العالمية المختلفة.
إلى جانب كل ذلك فقد تحلي بفضائل كثيرة - المحبة للكل، محبته للصوم الانقطاعي والصلاة، العبادة والنسك هو علم بارز وصل إلى درجة التوحد التي لا يقوي على احتمالها إلا الجبابرة في الروحيات وهو واحد منهم. إنه بحق قاضي المسكونة وعمود الفتوى والشريعة.
أما عن اتضاعه الكثير فهو معروف للجميع، إذا تحدث إليك نسيت أنك تتحدث مع أسقف ورئيس كهنة، إنه متضع الاتضاع الحقيقي، ولذلك نظر الرب إلى اتضاعه فرفعه إلى كرسي مارمرقس الرسول وأصبح في عِداد البطاركة القديسين، إنه الأنبا شنوده الثالث البطريرك الـ117.
ويكفي أن نذكر هنا ما كتبه عنه -منذ أن كان راهبًا وقبل أن يرسم أسقفًا للتعليم- أحد العلماء الأجانب وهو دكتور مثاردس في كتابه: الرهبان والأديرة طبعة سنة 1960 من ص 278 - 280 وكان ما قاله: "أنه بين كل الرهبان الأقباط في منتصف القرن العشرين، على ما يبدو أبونا أنطونيوس هو الأفضل في المعرفة والأغزر علمًا".
وأختم هذا التعريف المتواضع بهذه الشهادة لأهميتها.
وإذا كان العلماء الأجانب كتبوا عن غبطة الآب البطريرك لما كان راهبًا - وهو الراهب انطونيوس السرياني فخليق بنا أن نكتب عنه، وما أقل ما نعرفه.
وإذ تجيء شهادة أحد الأجانب عنه وهو راهب فهي بلا شك لها وزن يختلف عن أية شهادة إذ صار بطريركا يبعث في الأرثوذكسية نهضتها ويقوي من شوكتها، وقد عرفته كنائس العالم وكبار لاهوتييه. لما عرفوا أن آراءه لها وزنها على الصعيد العالمي. يدرس نفسية الشباب ويعرف متطلبات الجماهير وحاجة الوطن فيعالج أدواء المجتمع ويبني قدرات الشباب ويشكل مواهبهم لخير الكنيسة والأمة والأجيال.
وفي غمرة أفراحنا وسرورنا براعي الرعاة وأب الآباء ورئيس رؤساء الكهنة البطريرك أنبا شنودة لا ينبغي أن نغفل أمر أبيه حضرة صاحب النيافة الحبر الجليل الأسقف أنبا تاوفيلس رئيس دير السريان العامر، قضى فيه الآب البطريرك أكثر أيام رهبنته وكان محبوبًا جدًا لديه، وقد انعكست على الدير العامر محبة ووداعة أبينا المكرم الأسقف أنبا تاوفيلس الذي كان يفتح قلبه قبل أن يفتح باب الدير لاستقباله في أي وقت يريد، في كل أجازاته وفي الأعياد فقد كان ميالا للرهبنة منذ صباه.
ولا غرابة فإن محبة نيافة الأسقف أنبا تاوفيلس لأولاده في الرهبنة أشاد بها كل الرهبان وأفاض في وصفها كل الزوار.
وإن هذا الكلام صادر عن إحساسي بالحاجة الشديدة للكتابة عن أبينا القديس نيافة الأنبا تيؤفيلس. ومما دعا إلى تسطيره، وأثار فينا الرغبة لتحريره هو حُسْن استقباله وضيافته للزائرين من مختلف بلاد القطر. وإنك لترى عجبًا في أسبوع الآلام يؤم الدير خلق كثير -خاصة الشباب- حتى تمتلئ بهم الكنيسة يؤدون العبادة في خشوع وهدوء، وما أجمل وأروع التفاف الشباب حول أبيهم في هذه الأيام المقدسة.
ومن معالم محبته لمنفعة أولاده بيت الخلوة وغرفه الكثيرة والراحة الكبيرة التي يوفرها لكل قاصد لديره.
وكانت هذه السطور ليعجز عن الشكر لنيافته ويذكر بالعرفان فضله.
أطال الله حياة الآب المعظم البطريرك أنبا شنوده والأسقف المكرم أنبا تاوفيلس.
وتيمنا وتبركا أفتتح باكورة كتاباتي سنة 1972 عن غبطة أبينا المعظم أنبا شنوده لاستجلاء بعض النواحي في سيرته العطرة.
سنون كثيرة يا سيدنا البابا المعظم أنبا شنوده.
يوسف حبيب
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/pope-shenouda/intro.html
تقصير الرابط:
tak.la/pj6mb8k