St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   nativity-inspiration
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب من وحي الميلاد - البابا شنوده الثالث

5- فاعلية الميلاد في حياتنا

 

ليس الاحتفال بالعيد هو إنهاء صومنا،

أو مجرد تبادل التهاني والمجاملات،

أو فرحنا فرحًا عالميًا في مظاهر معينة،

إنما العيد الحقيقي، وفرحته، واحتفالاته:

في أن ننال الفضائل التي يوحي بها العيد،

فتكون له فاعليته فينا...

فكيف يكون ذلك؟

 

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بسم الآب والابن والروح القدس - الإله الواحد آمين

أهنئكم جميعًا بعيد الميلاد المجيد، راجيًا لكم حياة مقدسة مباركة، كما أرجو أن يكون هذا العيد سعيدًا عليكم، تنالون البركات التي فيه، وتشعرون بفاعلية العيد في حياتك. وبهذه المناسبة، أحب أن نتأمل معًا بضعة أمور، لعل في مقدمتها:

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Rest on the Flight into Egypt (The Holy Family beside a sphinx) - painting by Luc-Olivier Merson, 1880, Height: 71.8 cm (28.2 in); Width: 128.3 cm (50.5 in), Museum of Fine Arts, Boston, Massachusetts, USA. صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة الراحة في أثناء الرحلة لأرض مصر (العائلة المقدسة بجانب تمثال لأبو الهول) - رسم الفنان لوك-أوليفر ميرسون، بمقاس 71,8×128,3 سم، متحف الفنون الجميلة، بوسطن، ماساتشوستس، أمريكا.

St-Takla.org Image: Rest on the Flight into Egypt (The Holy Family beside a sphinx) - painting by Luc-Olivier Merson, 1880, Height: 71.8 cm (28.2 in); Width: 128.3 cm (50.5 in), Museum of Fine Arts, Boston, Massachusetts, USA.

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة الراحة في أثناء الرحلة لأرض مصر (العائلة المقدسة بجانب تمثال لأبو الهول) - رسم الفنان لوك-أوليفر ميرسون، بمقاس 71,8×128,3 سم، متحف الفنون الجميلة، بوسطن، ماساتشوستس، أمريكا.

الله رَتَّب لنا أعيادًا

إن الله أراد لأولاده أن يفرحوا، فرتب لهم أعيادًا.

إنه شيء جميل، يليق بالتأمل، أن الله يحدد أيامًا معينة للفرح، ويوجد مناسبات تحسب أعيادًا، يعيد فيها الناس ويفرحون.

لم ينس الله هذه النقطة، بل اهتم بها. وعندما أعطي البشرية شريعة، لم تكن شريعته مجرد أوامر ونواه. وإنما وضع ضمن الشريعة أيامًا للفرح، وأيامًا للأعياد، لأنه يريد لأولاده أن يفرحوا، وأن يعيدوا، وتبتهج قلوبهم.

وهذا واضح في الأصحاح الثالث والعشرين من سفر اللاويين:

حيث نقرأ فيه "وكلم الرب موسي قائلًا: كلم بني إسرائيل وقل لهم مواسم الرب التي فيها تنادون محافل مقدسة، هذه هي مواسمي... هذه مواسم الرب..." (لا 23: 1 - 4).

فالأعياد في الكتاب المقدس، هي مواسم للرب، أيام للرب.

ومن ضمن هذه الأعياد، يوم الرب، يوم الراحة الأسبوعي. هذا اليوم هو أول عيد. إذ يقول الله " ستة أيام يعمل فيها عمل. أما اليوم السابع ففيه سبت عطلة، محفل مقدس. عملًا ما لا تعملوا. إنه سبت للرب" (لا 23: 3)... وبهذا المعني تكلم الرب أيضًا عن باقي الأعياد. إنها أيام للرب، أيام للراحة. ولا يصح أن يكون يوم العيد يوم عمل، لأنه يوم للرب. والعمل فيه كسر للوصية الإلهية.

حيث أن يوم العيد يوم مقدس، مخصص للرب.

العالم ليس له نصيب فيه، لا من جهة العمل، ولا من جهة اللهو والعبث. إنه يوم عطلة. ولكن عطلة للرب. ولعل الترجمة الإنجليزية للكلمة تعطي معني أجمل:

يوم عطلة ترجمته HOLIDAY أي يوم مقدس.

إذن أيام الأعياد، مع يوم الراحة الأسبوعي، هي أيام مقدسة حسب الشريعة، وهي أيام مخصصة للرب، ينبغي أن تشعر فيها تمامًا أنها كلها من نصيب الرب. وقد كانت للأعياد قديمًا طقوس دينية معينة تمارس فيها، مثلما كان يحدث في عيد الفصح وعيد الفطير (خر 12)، وفي عيد الحصاد وغير من الأعياد (لا 23). وما زالَت للأعياد طقوسها وصلواتها في العهد الجديد.

ولكن لا يصح أن نكتفي في تقديس يوم العيد، بالصلوات التي تقام في الكنيسة، إنما يجب أن نحرص علي أن تكون له قدسيته الكاملة. وكيف ذلك؟ إن أهم ما يجعل للعيد قدسيته هو:

أن نتذكر الفضائل التي يوحي بها العيد، ونحياها...

فما هي الفضائل التي يقدمها لنا عيد الميلاد مثلًا، حتى ننفذها ونحيا بها؟... وبهذا يكون ليوم العيد فاعليته في حياتنا وسلوكنا، ونحتفظ بقدسيته عمليًا... لأنه ما الفائدة أن نحتفل بالعيد، وليست للعيد فاعلية نشعر بها، ويشعر بها الناس، في حياتنا العملية...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

عدم الاهتمام بالمظاهر

من الدروس الهامة التي نتعلمها في عيد الميلاد، عدم الاهتمام بالمظاهر. فالسيد المسيح لمن يهتم بها إطلاقًا. وإلا، فبماذا نفسر إرادته في أن يولد ببلدة صغيرة هي بيت لحم، وفي مكان حقير هو مزود بقر، وفي يوم لا يعلن للناس... وبدون احتفالات...؟!

كان في كان في إمكانه أن يأتي إلي العالم في موكب مهيب، علي مركبة من الشاروبيم والسارافيم. ولكنه لم يهتم بالمظاهر. وولد في يوم شديد البرودة، لم يجد فيه أقمطة كافية ولا دفئًا. فعلينا إذن أن نتأمل هذه النقطة ونأخذ منها درسًا.

فإن بعدنا عن المظاهر العالمية، ندخل في فاعلية الميلاد. فالعظمة الحقيقية، ليست في المظاهر الخارجية من غني وملابس وزينة... وباقي أمثال هذه الأمور التي فيها إعلان عن الذات، إنما العظمة الحقيقية هي في القلب المنتصر المملوء بالفضائل...

ابحثوا إذن ما هي المظاهر الخارجية التي تقعون في حبها، وتجنبوها... إن أردتم أن تكون للميلاد فاعلية في حياتكم... وماذا أيضًا؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من دروس الميلاد: الاتضاع...

إن، ميلاد السيد المسيح هو أكبر درس في الاتضاع. وقصة الميلاد بدون الاتضاع، تفقد جوهرها الإلهي. تأملوا إذن في اتضاع الرب، الذي في تجسده " أخلي ذاته، وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان" (في 2: 7، 8). وتأملوا في صورة الميلاد أيضًا، أمنا العذراء التي قالت عن اختيار الرب لها "نظر إلي اتضاع أمته" (لو 1: 48).

فإن أردنا الاحتفال بالميلاد، فلنحتفل بالاتضاع فيه وفينا.

ولنبحث ما هي أعماق الاتضاع، وكيف تكون، وكيف نحياها؟ وما هي الأمور التي تضاد الاتضاع في حياتنا لكي نتجنبها؟ لأنه ما الفائدة أن ننظر إلي اتضاع المسيح، دون أن نقتني هذا الاتضاع، ونشابهه فينا، إذ قد ترك لنا مثالًا (يو 13: 15)، حتى كما سلك هو، ينبغي أن نسلك نحن أيضًا (1 يو 2: 6). وماذا غير الاتضاع والبعد عن المظاهر؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من دروس الميلاد: البساطة

نلاحظ في قصة الميلاد أن هناك أشخاصًا اختارهم الرب، وأعلن لهم مشيئته... بينما هناك آخرون -على الرغم من علو مكانتهم ومراكزهم- لم يقع اختيار الرب عليهم. فمثلًا أعلن الرب بشارة الميلاد للرعاة، وللمجوس، فسمعوا وفرحوا، وذهبوا إلي هناك، وسجدوا...

حدث هذا، بينما لم تعلن هذه البشارة لكثيرين من القادة، كالكتبة والفريسيين والكهنة وشيوخ الشعب... فلماذا؟

ذلك لأن أسرار الرب، تعلن لقلوب بسيطة تفرح بها.

المجوس والرعاة كانوا بسطاء، سمعوا فصدقوا ففرحوا واَمنوا. وذهب المجوس وقدموا هداياهم. وكما أرشدهم الرب في حلم، نفذوا ما أراد (مت 2: 12).

أما الكبار فلم تكن قلوبهم مستعدة، ولم تكن بسيطة... ومثل ذلك هيرودس الملك، الذي لما سمع الخبر "اضطرب وكل أورشليم معه" (مت 2: 3). واستخدام الفحص والاستقصاء، وأيضًا الكذب والحيلة والتآمر...

أمامك النوعان من الناس. فمن أي نوع أنت؟

هل أنت من المستحقين أن يعلن لهم الرب أسراره؟

ولعلك تسأل: من أين لي أن أعرف؟ فأجيبك أن الاستحقاق يحتاج إلي بساطة قلب، كقلوب الرعاة البسطاء. وكالمجوس الذي علي الرغم من كونهم حكماء، إلا إنهم كانوا بسطاء أيضًا، ولم يكن في قلوبهم مكر كهيرودس وأمثاله. فلما أرشدهم النجم، صدقوا وتبعوه. ولما أعلن لهم في حلم ألا يرجعوا إلي هيرودس، صدقوا ونفذوا. ولما رأوا الرب كطفل، وفي مزود، لم يشكوا، بل آمنوا وصدقوا... إن الإيمان يحتاج بلا شك إلي بساطة قلب...

العذراء القديسة، كانت لها بساطة قلب أيضًا، فآمنت بما قيل لها من قبل الرب (لو 1: 45). وصدقت أنها ستلد وهي عذراء. ويوسف النجار أيضًا آمن بنفس الموضوع، لما أوحي له بذلك في حلم... ونحن في هذه المناسبة علينا أن نسأل أنفسنا:

هل نسلك ببساطة قلب، أم بتعقيد وشك؟

إن العالم المعاصر -للأسف الشديد- في حياته الكثير من التعقيد. وإن كان للمدينة المعاصرة أخطاء، فلعل في مقدمتها أنها أفقدت العالم بساطة القلب.

والبساطة كنز عظيم، من الخسارة أن يضيع. والبساطة غير السذاجة.

ويمكن أن تكون بسيطًا وحكيمًا. ولقد دعانا الرب أن نكون بسطاء وحكماء "بسطاء كالحمام، وحكماء كالحيات" (مت 10: 16). والمجوس كانوا بسطاء وحكماء. فليتنا نحن أيضًا نكون كذلك. نكون بسطاء في غير انقياد وفي غير جهل، إنما مع حكمة، ولكن في غير تعقيد...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ومن دروس الميلاد: ملء الزمان...

قيل عن السيد المسيح إنه جاء "في ملء الزمان" (غل 4: 4). مع أن الوعد بالخلاص أعطي لآدم وحواء قبل ذلك بآلاف السنين.

ونحن في ميلاد الرب نتذكر "ملء الزمان" هذا، وأن كل شيء يتم في حينه الحسن، حسب إرادة الرب الذي يحدد الأزمنة والأوقات.

إيماننا بملء الزمان، يجعلنا نصبر، ولا نقلق...

بل في طمأنينة كاملة، ننتظر الرب "من محرس الصبح حتى الليل" (مز 129)، عالمين أن السرعة ليست هي المقياس السليم، بل اختيار الرب للوقت المناسب. وعندما يأتي الوقت المناسب، لا بُد أن يعمل الرب عملًا...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سعي الله لخلاصنا

من المعاني الروحية التي نتعلمها من قصة التجسد والميلاد، أن الله هو الذي يسعَى لخلاصنا. وأن خلاص الإنسان هو عمل الله نفسه، حتى لو قصر الإنسان أو أهمل في خلاص نفسه، فإن الله يهتم به.

كانت البشرية الخاطئة عاجزة عن تخليص نفسها، فأتي الله ليخلصها.

قال القديس يعقوب السروجي، إنه كانت هناك خصومة بين الله والإنسان.

ولما لم يستطع الإنسان أن نذهب إلي الله ليصالحه، نزل الله إلي الإنسان لكي يصالحه...

إذن الله هو الذي بدأ عملية الخلاص هذه. هو الذي وعد بها، وهو الذي أعد لها، وهو الذي تمم العمل كله. وما كان ممكنًا أن يتم الخلاص بدونه.

قصة الميلاد هي بداية عمل الخلاص كله. لذلك لما رأي سمعان الشيخ هذه البداية، قال " الآن يا رب تطلق عبدك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك" (لو 2: 29، 30).

إن ميلاد السيد المسيح، ليس هو مجرد ميلاد عادي، إنما هو دليل الحب الإلهي العجيب " هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16). وطبعًا أرسل ابنه لكي يبذله عن العالم. فهذا البذل أو الفداء هو سبب التجسد الإلهي. هو مجيء محبة الله إلي العالم.

وكلما ننظر إلي صورة ميلاد المسيح، نتذكر حب الله للبشرية.

نتذكر سعيه لخلاصهم. نتذكر الرب الذي جاء "يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو19: 10). من أجل خلاصنا أخلي ذاته، وأخذ شكل العبد. تجسد، واحتمل ضعف البشرية، وجاع وعطش وتعب، وتعرض للإهانات، وتحمل الآلام، صلب، وقبر وقام. أي حب أعظم من هذا، نتذكره كلما تأملنا ميلاده...

ولد في مزود بقر، لكي يرفعنا إلي العرش في الأبدية.

صار ابنًا للإنسان، لكي يجعل الإنسان ابنًا لله.

أخذ الذي لنا، لكي يعطينا الذي له. حمل خطايانا، لكي نحمل بره.

مجيئه إلي العالم، كان لونًا من الافتقاد ومن الرعاية، افتقد به جنسنا البشري. أرسل الأنبياء والرسل والملائكة لتعد الطريق قدامه. ثم جاء أخيرًا بنفسه. وكل هذا يدل علي عمق محبته لنا، وأنه لا يشاء أن نهلك في خطايانا.

فإن كان الله يحبنا بهذا المقدار، فلنحبه نحن أيضًا.

وإن كان الله يسعَى إلي خلاصنا بكل هذه التضحية والبذل، فلنحرص نحن علي خلاصنا، ولنشترك معه في العمل... نسعى لعلنا ندرك الذي لأجله أدركنا المسيح (في 3: 12).

هذا أيضًا درس آخر نتعلمه من الميلاد. وإن كنا لا نهتم بخلاصنا، لا نكون قد دخلنا إلي فاعلية الميلاد في حياتنا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

روح المناسبة

لا بد أن هناك دروسًا أخري كثيرة نأخذها من ميلاد الرب. ولكن الشيء المهم هو أن ندرب أنفسنا علي الاستفادة من هذه الدروس.

في هذا العيد، وفي كل عيد يمر بكم، وفي كل مناسبة روحية، ادخلوا في " روح المناسبة ". اكتشفوا روحياتها، وطبقوها في حياتكم. قولوا في أنفسكم: أي درس يريد الله أن يعطيه لنا في هذه المناسبة؟ وما هي رسالة الله إلينا فيها؟

استفيدوا من هذا اليوم المبارك، فلا يمر مرورًا عابرًا دون أن يكون له اثر في حياتكم العملية.

أشعروا أن العيد قد أحدث في حياتكم تغييرًا إلي الأفضل.

وأن العيد كانت فيه دفعة قوية، دفعتكم إلي قدام، وقربتكم بالأكثر إلي الله.

واذكروا أن العيد هو أحد مواسم الرب وأعياده. وقد أعطانا الرب أن نفرح فيه فرحًا روحيًا، لتكون لنا فيه حياة، ويكون لنا أفضل.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) محاضرة ألقيت في عيد الميلاد المجيد سنة 1972 م.(2)

(2) توضيح من الموقع: في الحاشية السابقة كُتِبَ سنة 1972 م.، ولكن في التصدير كُتِبَ 1973 م.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/nativity-inspiration/our-lives.html

تقصير الرابط:
tak.la/5c2zchg