St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   judge-not-others
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب إدانة الآخرين - البابا شنوده الثالث

8- النصح والهداية والتوبيخ

 

5- النصح والهداية والتوبيخ

 

يقول الرسول "أن ضل أحد بينكم عن الحق، فرده آخر، فليعلم أن من رد خاطئًا عن ضلال طريقة، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 19، 20). فهل معرفتك أن أحد قد ضل عن الحق، هي إدانة له؟ كلا طبعًا، ما دامت تريد رده عن ضلاله طريقه، ولست تقصد التشهير به...

ونحن لا نهدي الخطاة، إلا إذا عرفنا أنهم خطاه.

تمامًا مثلما يعرف الطبيب نوع المريض، لكي يصف طريقة علاجه. هكذا إذا درسنا الأخطاء التي يتقاسى منها فرد أو مجموعة، أو حتى كنيسة بأسرها، لا نكون قد وقعنا في خطية إدانة، ما دام الهدف هو الإصلاح وليس الإساءة إلى سمعة الغير...

والآيات الخاصة بالنصح وهداية الآخرين كثيرة جدًا... والنصح والهداية قد يحملان التوبيخ أحيانًا. ولا يحمل هذا التوبيخ خطية إدانة. وفي هذا يقول الكتاب:

"لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحري وبخوها" (أف 5: 11). فليست معرفتنا أنها أعمال ظلمه خطية إدانة. بل ان تبكيتنا لهذه الأعمال هو فضيلة لأنه تنفيذ للوصية.

بل أن تبكيتنا لهذه الأعمال هو فضيلة، لأنه تنفيذ للوصية. على أننا نرجوا أن نرجع إلى هذه النقطة فيما بعد، لنعرف الكيفية السليمة لتنفيذ هذه الوصية.

وتدخل في مجال هذا التبكيت، ما يلزم لأعمال الرعاية.

حسبما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "وبخ، انتهر، عظ، بكل أناه وتعليم" (2 تي 4: 2).

وإن كانت الإدانة في أسلوب النصح والتوبيخ، ينبغي أن يعرف الإنسان كيف تكون:

ومثال ذلك أبيجايل التي وبخت داود النبي، ومنعته من إتيان الدماء والانتقام لنفسه، بأسلوب كله حكمة، بدأته بالخضوع وبالمديح، ثم مسكت المشكلة بطريقة غير جارحة، لم تخدش بها شعور داود. بل صارحته ولكن في أدب وفي تواضع... (1 صم 25).

في كل نصيحتها له، كانت تقول "يا سيدي" وتقول عن نفسها "أمتك"، "جاريتك"... بدأت لقاءها معه بأن قدمت له ما كان يطلبه من الأطعمة، وسجدت له واعتذرت عن خطأ زوجها، وقالت "عليَّ أنا يا سيدي هذا الذنب، ودع أمتك تتكلم في أذنيك، واسمع كلام أمتك".

والعطايا التي قدمتها له لم تجرحه بها، بل قالت "والآن هذه البركة التي أتت بها جاريتك إلى سيدي، فلتعط للغلمان السائرين وراء سيدي، واصفح عن ذنب أمتك".

St-Takla.org Image: A loving heart reading the Holy Bible - by Amged Wadee صورة في موقع الأنبا تكلا: قلب مُحِب يقرأ في الكتاب المقدس - رسم امجد وديع

St-Takla.org Image: A loving heart reading the Holy Bible - by Amged Wadee.

صورة في موقع الأنبا تكلا: قلب مُحِب يقرأ في الكتاب المقدس - رسم امجد وديع.

وبعد كل هذا المديح وأسلوب الاتضاع مست أبيجايل خطأ داود مقدمه له بمديح آخر، فقالت:

"سيدي يحارب حروب الرب، ولم يوجد فيك شر كل أيامك"، "لتكن نفس سيدي محزومة في حزمة الحياة مع الرب إلهك..". وهنا دخلت في توبيخه على نقطة الضعف فقالت "ويكون عندما يصنع الرب لسيدي حسب كل ما تكلم به من الخير من أجلك، ويقيمك رئيسًا على إسرائيل، أنه لا تكون لك هذه مصدمه ومعثرة قلب لسيدي، أنك قد سفكت دمًا عفوًا، أو أن سيدي قد انتقم لنفسه". نبهته إلى أنه مقدم على الأنتقام لنفسه، وعلى سفك دم بلا سبب يستدعي ذلك، ونصحته بالابتعاد عن هذا، حتى لا يصبح هذا الأمر معثرة قلب له فيما بعد....

وهذا النُّصح المؤدب، والتوبيخ الضمني، قبله منها داود وشكرها عليه...

وقال لها"... مبارك عقلك، ومباركة أنت، لأنك منعتني اليوم عن اتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي" (1 صم 25: 32). وتقبل منها عطيتها، وصرفها بسلام، ورفع وجهها ولم يقم بايذاء زوجها المخطئ إليه، مستمعًا لنصيحتها.

 

حقًا ما أجمل النصح، إن كان بلياقه وأدب. وهنا يسرنا أن نضع قواعد للنصح وللتبكيت:

 

1- قد يكون من حقك أو من واجبك أن تنصح أو توبخ. ولكن ليكن هذا النصح بأدب وباتضاع وبمحبة.

إن التوبيخ بروح الكبرياء والتعالي أو بأسلوب الاحتقار والاستصغار، ولا يمكن أن يكون مقبولًا. أما إذا نصحت إنسانًا أو وبخته وأنت تقول له:

"أنت تعرف يا (فلان) مقدار محبتي لك، ومقدار حرصي على سمعتك لذلك أنا غير مستريح إطلاقًا لتصرفك (الفلاني). وأشعر أنه سيضرك ويسيء إليك، وربما يتخذه أعداؤك فرصه ليقولوا عنك إنك... وإنك... لذلك ابعد عن هذا الأمر وحاول أن تصحح ما فعلته بكذا وكذا...".

هذا الكلام مقبول. بعكس إنسان آخر يقابل شخصًا فيقول له "كيف تفعل كذا؟ كيف سمح لك ضميرك؟ هل هذه تصرفات إنسان عاقل؟! هل هذه تصرفات إنسان يحترم نفسه؟! "إنك كذا وكذا وكذا" ويصب عليه سيلًا من الألفاظ الجارحه تشعره أنه أمام عدو...!

لذلك إن كَلَّمت إنسانًا من أجل خلاص نفسه، فغضب ولم يقبل منك راجع نفسك: ربما نصيحتك له كانت خاليه من المحبة أو من الاتضاع.

ومن الجائز أن نفس النصيحة يقدمها له خادم آخر، ولكن بأسلوب مقبول يستريح له ويشكره عليه. لذلك حسنًا قال الكتاب "رابح النفوس حكيم" (أم 11: 30).

لذلك إن قلنا إنه من أبواب الإدانة غير الخاطئة: النصح والهداية... إنما نقصد النصح الحكيم، المملوء حبًا واتضاعًا... ولا نقصد كل نصح مهما كان أسلوبة

فحسب نوعية الأسلوب يصير النصح خطأ أو صوابًا.

وحسب نوعية الأسلوب، يدخل النصح والتوبيخ في نطاق الإدانة غير الخاطئة.

إنك تستطيع أن تدرك تمامًا أن كان الذي يوبخك هو مشفق عليك، أم هو يحترقك ويزدريك. روحه في الحديث، ولهجته، وألفاظه ومشاعره، هي التي تترك في نفسك أثرًا. ربما أكثر من موضوعية التوبيخ...

 

2- كذلك ينبغي أن يكون التبكيت بحق، وليس ظلمًا:

ولعلنا نذكر مثلًا للتبكيت الظالم، موقف عالي الكاهن من حنة زوجة القانه. كانت عاقرًا لا تنجب. وكان لضرتها فننة أولاد، فكانت تلك تغيظها. وذهبت حنة إلى هيكل الرب , وسكبت نفسها أمامه. كانت تصلي وهي مرة النفس، وقد بكت بكاء، ونذرات نذرًا أن إعطاها الرب نسلًا أن تقدمه نذيرًا للرب يخدمه كل أيام حياته. كانت تكلم الرب في قلبها، وصوتها لم يسمع، وشفتاها فقط تتحركان، حتى أن عالي الكاهن ظنها سكري، ووجد من واجبه أن يوبخها!! فقال لها "حتى متى تسكرين؟ انزعي خمرك عنك" (1 صم 1: 9: 14).

إنه كاهن، وله سلطان، وهو إنسان مسئول، ومن حقه أن يوبخ وان يدين. ولكنه في هذا الموقف كان مخطئًا.

لم يكن يوبخ عن حق. بل كان ظالمًا في إدانته، ظالمًا في حكمه عليها قاسيًا وجارحًا في أسلوبه. ومع أن حنه أجابته في أدب شديد يليق باحترام كهنوته. ولكنه مع ذلك كان مخطئًا. ومع أنه دعا لها بالخير إلا أنه لم يعتذر لها عن سابق كلامه...

لذلك يجب ان يسبق التوبيخ الفحص والتدقيق.

ولا يجوز أن يوزع إنسان توبيخاته عفوًا بدون أن يتأكد من صحه الخطأ...! إنما أن وثق تمامًا أن ما يزمع أن يبكت عليه هو من "أعمال الظلمة غير المثمرة"، حينئذ تنطبق وصية "بل بالحري بكتوها".

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

3- كذلك لا يجوز التبكيت لنفس مرة معذبة.

لقد وقع في هذه الخطيئة أصحاب أيوب الثلاثة، وجرحوه أكثر من مرة، وهو مر النفس، حتى أثاروه باتهاماتهم وتوبيخاتهم -وكانت ظالمًا- فقال لهم أيوب "حتى متى تعذبون نفسي وتسحقوني بالكلام؟ هذه عشر مرات أخزيتموني. لم تخجلوا أن تحكروني"، "تراءفوا تراءفوا أنتم على يا أصحابي، لأن يد القدير قد مستني" (أي 19: 2، 3، 21).. وقال لهم عبارته المؤثرة "أنا أيضًا أستطيع أن أتكلم مثلكم، لو كانت أنفسكم مكان نفسي. وأن أسرد عليكم أقوالًا" (أي 16: 4).

الإنسان المُرّ النفس يحتاج إلى كلمه تعزية، وليس إلى كلمه توبيخ ونصائح وإدانة!

فإن وجدت إنسانًا مر النفس، مهما كان مخطئًا، لا تسمح لنفسك أن توبخه، لئلا يبدو توبيخك لونًا من الشماتة. قُلْ له كلمة طيبة، كلمة تعزية. فالتوبيخ ليس الآن وقته، وهو حاليًا لا يحتمله. يكفيه ما هو فيه. واسمع قول الحكيم "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت" (جا 3: 1). وهنا نقول الملاحظة التالية:

 

4- النصح والتوبيخ لا يصلحان إلا في وقتها المناسب:

وهنا تخطر على بال قصة طريفة وهي: قيل أن صبيًا نزل إلى البحر يستحم وكان المكان خطرًا فيه دوامات جذبت الطفل، فكاد يغرق وصاح يطلب النجدة فمر عليه رجل ورآه في هذه الحال. فقال له "يا ولد... كيف أن تستحم في البحر، وأنت لا تتقن السباحه؟ وكيف بلغ بك الجهل أن تستحم في هذه المنطقة الخطر؟ وكيف...؟ فقال له الصبي "انقذني يا سيدي الآن. ثم وبخني بعد ذلك..."

حقًا تمر أوقات على الخطاة، يحتاجون فيها إلى مَن ينقذهم، وليس إلى من يوبخهم...

إن للتوبيخ وقتًا، ربما لا يكون الأول في الترتيب. قد تبدأ أولًا بالحب وبالمعونه. وبكل عوالم الانقاذ، وتؤجل التوبيخ إلى حين آخر. وقد يكون الخاطئ في حالة من الندم الشديد، وقد بكت نفسه بتبكيت مر شديد، لا يحتاج فيه إلى مزيد.

تأمل الآب الحنون في قصة الابن الضال. إنه لم يبكت هذا الابن بعبارة واحدة بل رآه من بعيد فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله، وألبسه الحلة الأولى، وذبح له العجل المسمن... (لو 15: 17-23)... كان ذلك وقت فرح. ولم يكن وقت تبكيت...

إن النصح والتبكيت قد يدخلان في نطاق الإدانة غير الخاطئة، ولكن بشروط...

هي ما ذكرناه... وبغير ذلك قد يتغير الأمر، ويتحول التبكيت إلى جرح وإهانة وإدانة، وربما يأتي بنتائج عكسية. نقطة أخرى نقولها في شروط النصح والتبكيت وهي:

 

5- أحيانًا يصلح تبكيت الخاطئ، إن كان ذلك "فيما بينك وبينه وحدكما" (متى 18: 15).

حيث لا يتعرض للخجل أمام الناس، وحيث لا تنكشف أخطاؤه أمام الآخرين. وحيث يستطيع أن يعترف بالخطأ. ويعتذر عنه، ويقبل التبكيت عليه، إذ لا يراه أحد، فلا يراق ماء وجهه أمام الآخرين، ولا ينفضح أمام الناس. هذا هو النصح فيما بينك وبينه، والتبكيت المستور، والمقبول.

أما إن قمت بتبكيته أمام الناس، فقد يضطر ان ينكر، أو يدافع عن نفسه، أو يكابر!

حتى لو فعلت ذلك بمحبة واتضاع. ولكن انكشافه أمام الآخرين قد يضطره إن يحمي سمعته بالدفاع الباطل، وربما بالكذب... وتكون أنت قد أعثرته ودفعته كل ذلك لأنك فضحته علنًا، وخدشت حياءه، وجرحت كرامته...

وقد لا يخجل، بل يتبجح ويقول "نعم قد فعلت".

ليس في انسحاق قلب، وإنما في تحد وفي مقاومه. وفي اصرار على ان لا يبدو ضعيفًا.

أما الذين قال عنهم الرسل "وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف" (1 تي 5: 20) فهؤلاء هم الذين خطيتهم معروفه للكل، وأصبح الأمر يتعلق بسلامه الكنيسة كلها وحفظ قيمها وروحياتها... وصار الهدف هو "لكي يكون عن الباقين خوف"... مثال ذلك أناس وقفوا في وسط الكنيسة يحدثون ضوضاء وهياجًا ويتكلمون بما لا يليق بغير مبالاة، فهؤلاء يحتاجون إلى توبيخ عام، وليس فيما بينك وبينهم.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/judge-not-others/advice-guidance-rebuke.html

تقصير الرابط:
tak.la/qvt35yz