St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   god-nothing-else
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الله... وكفى - البابا شنوده الثالث

6- التدرُّج

 

[5]

التدرج

 

إجعل الله هدفًا لك، وتقدم نحوه خطوة خطوة...

طبيعي أنك لا تستطيع أنك تبدأ حياتك الروحية بالكمال، وأن يكون الله هو الكل بالنسبة إليك. ولكن ابدأ بأن تعرف الله، على أن تنمو في هذه المعرفة. وأن تحب الله، وتنمو في هذا الحب. وتعطي الله من قلبك، وتنمو في الإعطاء وتفتح داخلك لله ليسكن فيه، وتوسع مكان سكناه.

درب نفسك أن تترك باستمرار بعض ما تحبه لأجل الله...

إلى أن يأتي الوقت الذي تستطيع فيه أن تترك كل شيء لأجله. خذ الصوم مثلًا: هل هو مجرد ترك طعام شهى لأجل الله؟ كلا، وإنما هذا الصوم هو تمهيد لأن تترك كل ما تشتهيه من أجل الرب. إنه فترة روحية، تقوى فيها الروح على الجسد، لتقترب إلى الله، ويزداد اقترابها يومًا بعد يوم.

وكلما تقل محبتك للعالميات، تزداد محبتك لله. المهم أنك لا تقف عند خطوة معينة، إنما تقدم باستمرار.

كن كالبذرة، التي تصير شجرة، ثم تنمو وتنمو...

قال السيد الرب "هكذا ملكوت الله: كأن إنسانًا يلقى البذار على الأرض، وينام ويقوم ليلًا ونهارًا، والبذار يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف، لأن الأرض من ذاتها تأتي بثمر، أولًا نباتًا، ثم سنبلًا ثم قمحًا ملآن في السنبل" (مر26:4-28).

هكذا طبيعة النمو: بذرة، عشب، نبات، سنبل، ثمر...

هات أية بذرة، والقها في الأرض، فإنها لا تتوقف عن النمو. وإن صارت شجرة، تظل الشجرة كل يوم تنمو، بل كل ساعة وكل لحظة. النمو هو طبيعة فيها، سواء لاحظت أنت هذا يوميًا أو لم تلاحظ. طبيعي أنك إذا غبت فترة عنها، وأتيت ستجد النمو واضحًا... والشجرة لا تمل من الصعود، ولا تتوقف.

كن أنت مثل هذه الشجرة، التي تطلع دائمًا إلى فوق، وتمتد يمينًا ويسارًا. وتتدرج من بذرة تحت الأرض، إلى نبات فوق الأرض، إلى كيان ينمو ويعلو ويكبر، وكمثال حبة الخردل التي تشبه بها الملكوت...

هكذا أنت خذ درسًا من الشجرة التي تنمو. خصص وقتًا لله، واجعل هذا الوقت يزيد هذا الحب يومًا بعد يوم، وتظهر هذه الزيادة واضحة في حياتك وعلاقتك بالله.

ولكن احذر... إن لم تستطع أن تنمو، وتوقفت...

أحترس كل الاحتراس، من أن ترجع إلى الوراء...

وحينئذ يقول لك الرب"عندي عليك، أنك تركت محبتك الأولى" (رؤ4:2).

St-Takla.org Image: Stairs - Kidesta Mariam Koskam (St. Mary of Coscam church), Gonder - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, during the website's visit to Ethiopia, April-June 2008. صورة في موقع الأنبا تكلا: سلالم أو أدراج - من ألبوم صور كنيسة العذراء مريم سيدة قسقام، جوندر، الحبشة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008 م.

St-Takla.org Image: Stairs - Kidesta Mariam Koskam (St. Mary of Coscam church), Gonder - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, during the website's visit to Ethiopia, April-June 2008.

صورة في موقع الأنبا تكلا: سلالم أو أدراج - من ألبوم صور كنيسة العذراء مريم سيدة قسقام، جوندر، الحبشة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008 م.

إنها مأساة حقًا، أن محبة الإنسان لله، بدلًا من أن تزداد، تتوقف، ثم تفتر أو تبرد، ويرجع إلى الوراء، ويشتهي يومًا من الأيام السابقة، أيام حرارة الروح، فلا يجدها. ويصرخ قائلًا "يا ليتني كما في الشهور السالفة، وكالأيام التي حفظني الله فيها، حين أضاء سراجه على رأسي، وبنوره سلكت في الظلمة" (أي 2:29، 3).

إن كنت ترجع إلى الوراء، فمتى تصل أيها الأخ؟ ومتى تصلين أيتها الأخت؟ والمشوار أمام كل منكما طويل، والهدف ما يزال بعيدًا.

لقد عرفت الله. هذا حسن جدًا. ليتك تنمو في المعرفة.

لكن لعلك تسأل: ما حدود هذا النمو؟

إن شئت الصراحة، لا حدود...

أنت اصطلحت مع الله بالتوبة، وكونت معه علاقة في النقاوة، وَسِرْت في طريقه بالمحبة، عاشرته وصادقته وأحببته. وماذا بعد؟ يقول الرسول: "ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم. وأنتم متأصلون متأسسون في المحبة، حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين، ما هو العرض والطول والعمق والعلو، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" (أف19:3).

"لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله".. ما أعجبها عبارة!

إنني أقف أمام هذه العبارة مذهولًا، لا أعرف... كلما حاولت أن أعوض إلى أعماقها، أجدها أعمق من فهمي ومن إدراكي..! حقًا من منا يستطيع أن يدرك "كل ملء الله"..؟ ومن منا يستطيع أن يقترب من هذا الملء..؟ أو على الأقل ملء المحبة، التي تربط الإنسان بالله..؟

أنتقل بكم إلى عبارة أخرى أخف، هي قول الرسول:

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

"امتلئوا بالروح" (أف18:5)..

ليس فقط أن تكون لك علاقة بالروح، أو خضوع وطاعة للروح، أو أن يحل عليك الروح، بل أن تمتلئ بالروح... لا يخلو جزء منك من ملء الروح، لا قلبك، ولا فكرك، ولا حواسك... الروح يملأ كل ما فيك. ما أعظمها درجة..!

فهل وصلت إلى الامتلاء بالروح؟ هل فرغت ذاتك من كل شيء آخر، لكي يملأ الروح كل ما فيك، فتحيا بالروح، وبالروح تميت أعمال الجسد (رو13:8)؟

أنظر إلى قول القديس يوحنا الرسول في سفر الرؤيا "كنت في الروح، في يوم الرب" (رؤ10:1). ولأنه كان في الروح، رأى السماء مفتوحة، ورأى عرش الله، ورأى السيد المسيح ووجهه كالشمس في قوتها... كل ذلك، لأنه كان في الروح... إذن ما معنى عبارة "الامتلاء بالروح"؟ وكيف يصل الإنسان إليها؟

إن لم تصل إليها، لا تقف. سر نحوها...

اعرف أنك إن كنت سائرًا نحو هدف معين، وقطعت نصف الطريق إليه أو ثلاثة أرباعه. فأنت لم تصل بعد إلى غايتك، فيجب أن تكمل مسيرتك نحو هدفك، بكل أمانة. يعز بك قول المرتل في المزمور الكبير "طوباهم الذين بلا عيب، في الطريق" (مز1:119).

باستمرار كن ماشيًا في الطريق، متقدمًا فيه، ولو خطوة خطوة. تقترب إليه اليوم أكثر من أمس، وباكر أكثر من اليوم، وبعد باكر أكثر من باكر. وقل مع الرسول:

"ليس إني قد نلت أو صرت كاملًا، لكني أسعى لعلي أدرك".

ويشرح ذلك بقوله "أيها الأخوة، أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت. ولكني أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما وراء، وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض.." (في 12:3-14). سِرْ مع القديس بولس أيها الحبيب، وامتد معه إلى قدام...

كل يوم يمر عليك، فليقربك إلى الله بالأكثر...

في نموك الروحي، وفي علاقتك بالله، اجعل كل يوم يمر عليك، يزيدك معرفة بالله، ويزيدك حبًا له، والتصاقًا به، وثباتًا فيه. ويزيدك خدمة له وبناء لملكوته. وفيما أنت تقترب كل يوم إلى الله، احترس من المعطلات التي تقابلك في الطريق.

احترس من الأهداف الجانبية، التي تعوقك عن الله...

الله هو هدفك الوحيد، وليس لك هدف آخر غيره. ولكن العدو إذ يريد أن يعطلك، يقدم لك- في مسيرتك الروحية- أهدافًا أخرى جانبية، ربما تبدو سليمة أمامك. ولكن القصد منها تعطيلك عن التركيز في الله ومحبته... فاحترس منها.

صدقني، إن ملائكة الله في السماء أو وهي "مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب14:1)، هذه الملائكة تعجب جدًا، إذ تجدنا متمسكين بأمور تافهة، جاعلين منها أهدافًا تعطل مسيرتنا نحو الله!

حقًا، إن كل رغبة غير الله، هي رغبة تافهة، ولا يمكن أن تشبع القلب إشباعًا حقيقيًا. وكما قال القديس أوغسطينوس، مناجيًا الله في اعترافاته:

"ستظل قلوبنا قلقة، إلى أن تجد راحتها فيك".

إن الله إن رآنا بدلًا من الامتداد إلى قدام، في الطريق إليه، قد توقفنا عند بعض الأهداف الجانبية، فشغلتنا عنه، ووهبناها من الوقت والجهد والصحة والعاطفة والاهتمام، ما كان يجب أن نقدمه إليه هو، الهدف الحقيقي وحده... فإنه يقول لنا نفس العبارة التي قالها قديمًا للشعب التائه في البرية:

"كفاكم قعودًا في هذا الجبل" (تث6:1).

امتد إذن إلى قدام. ولا تسمح لأي شيء أن يعطلك في الطريق. كل محبة تشغلك عن محبة الله، أو تحاول أن تحل بدلًا من محبة الله في قلبك، وكل رغبة أو شهوة تسبب لك فتورًا في روحياتك، اقلعها والقها عنك... واحتفظ بالله وحده في قلبك، لا ينافسه شيء، ولا ينافسه أحد...

وليكن الرب معك، يقويك وينميك،

ويقود خطواتك إليه.

آمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-nothing-else/gradual.html

تقصير الرابط:
tak.la/b8p48yj