إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم (عب3).
إن الله يكلمنا بأنواع وطرق شتي، كما كلم آباءنا في القديم (عب1: 1). فما هي هذه الطريق؟
نلاحظ في حياة القديس الأنبا أنطونيوس أن صوت الله عن طريق الأحداث. فشعر أن موت ابيه رسالة أخرى من الله إليه، وسمع صوت الله عن طريق إمرأة تعرت ونزلت تستحم أمامه في النهر.
وهكذا نرى أن صوت الله وصل إلى الأنبا أنطونيوس، عن طريق الكنيسة والكتاب، وعن طريق الأحداث، والناس... وليتنا نبحث هذه المصادر وغيرها لنتبع صوت الله...
كثيرون سمعوا صوت الله من افواه رجاله القديسين، وكثيرون سمعوا صوت الله داخلهم. أو سمعوه في اية مناسبة من المناسبات.
المهم ان تكون لنا الحواس المدربة، لندرك صوت الله.
فالله كلم صموئيل الطفل، فظن ذاك أنه صوت عالي الكاهن، ولم يميز صوت الله، لِصِغَر سنه، وقلة خبرته (2 صم 3: 4-7).
والقديس بولس الرسول قال عن الرجال الذين كانوا معه وقت رؤياه في طريق دمشق، إنهم [رأوا النور، ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كان يكلمني] (أع22: 9).
ذلك لأنهم كانوا غير مستحقين، ولم تكن الدعوة موجهة إليهم.
وأنت لا بُد سيصلك صوت الله، بطريقة ما. فكن يقظًا جدًا إدراك هذا الصوت وسماعه، والاستجابة له...
قد يأتيك هذا الصوت في عظة، أو في قراءة روحية:
آية معينة تقرؤها في الكتاب أو تسمعها في الكنيسة، تشعر انها موجهة لك شخصيًا، وأن الله يخاطبك بها، كما لو كانت لك أنت وحدك، وتشعر أن لها معني معينًا وقصدًا خاصًا في حياتك، وأنها صوت الله إليك.
وقد يكون ما قرأته أو سمعته كثيرًا. ولكن هذه الآية بالذات، دون الباقي، تجد لها وقعًا خاصًا في فكرك وفي قلبك، وفي مشاعرك وفي إقتناعك، وتسمع فيها صوت الله إليك. وقد يحدث نفس هذا الأمر بالنسبة إليك، في عبارة من عظة تسمعها. وتشعر انك أنت بالذات هو المقصود بها... في هذه الحالات، تذكر قول الكتاب "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 15). ولا تدع الصوت يعبر دون عمل.
 |
صوت الرب موجود، يصل إلى كل أحد، وإلى جواره قول الكتاب "من له أذنان للسمع فليسمع" (مت9:13)...
لقد وصل كلام الله "إلى الخليقة كلها" (مر15:16). "إلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" (مز19)... والمشكلة هي: "من له أذنان للسمع". لهذا قال الرب لتلاميذه: "أما أنتم فطوبى لآذانكم لأنها تسمع" (مت16:13)...
فرعون كانت له أذنان، ولكن ليس للسمع، ونفس الوضع كان مع أهل سادوم ومن أغرقهم الطوفان...
كلهم سمعوا صوت الرب: فرعون عن طريق موسى، وأهل سادوم عن طريق لوط، والباقون عن طريق نوح... ولكنهم لما سمعوا تقست قلوبهم، لأن آذانهم لم تكن للسمع... لم تكن تقدر أن توصل الكلام إلى القلب، ولا إلى الإرادة... أو لم تكن تريد...
بل أن الشاب الغني الذي سمع النصيحة من فم المسيح نفسه، لم تكن له أيضًا أذن للسمع، فمضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة بعد أن سمع صوت الرب! إنه لأمر مؤسف حقًا، أن يصل صوت الرب إلى النفس، ولكنها تسمع وتتقسَّى ولا تستجيب!!
عذراء النشيد أيضًا سمعت في إحدى المرات صوت الرب يناديها بكل رقة، ولكنها اعتذرت عن لقائه، فتحول وعبر (نش6:5).
في وقت رفضها، لم تكن آذانها للسمع، لذلك تقسى قلبها. غير أن هذه العذراء قد ندمت أخيرًا، وقالت "نفسي خرجت عندما أدبر" واختبرت الحرمان في عبارتها "طلبته فما وجدته، دعوته فما أجابني"... واستيقظت لنفسها وأخذت تبحث عنه" (نش7:5).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
صوت الله قد يأتيك أحيانًا عن طريق الضيقات.
قد تكون في ضيقة لا تعرف منها مخرجًا... وتجد صوت الله يصرخ في داخلك أن هذه الضيقة بسبب خطاياك، أو تسمع صوته في أعماقك، يقول لك: "تُب والضيقة تنتهي" ويشفق عليك الرب بسبب توبتك.
وقد يأتيك صوت الله في مرضك، أو مرض أحد أحبائك، وتَجِد هاتفًا شديدًا في أعماقك، يدعوك إلى الصلاة، أو إلى أن تنذر نَذْرًا، ويكون صوت الله...
حدث لما ضغطت الضيقة على أخوة يوسف في مصر، عندما أتوا لشراء القمح أن "قالوا بعضهم لبعض: حقًا أننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة" (تك21:42). وقالوا فيما بعد ليوسف "ماذا نتكلم!! وبماذا نتبرر؟! الله قد وجد إثم عبيدك..." (تك16:44). إنه صوت الله في داخلهم، ذكرهم بخطاياهم، وبكتهم...
وداود لما شتمه شِمعي بن جيرا، سمع صوت الله في داخله يبكته على خطيته القديمة، فقال للمحيطين به "الله قال لهذا الإنسان اشتم داود"...
إن صوت الله قد يسمعه العالم كله أيام المجاعات والزلازل...
يصرخ قائلًا للناس "إرجعوا إلى فأرجع إليكم" (ملا7:3)، وقد يكون دعوة للبعض أن يعينوا البلاد المنكوبة، ودعوة للبعض أن يتعظوا وأن يتوبوا، أو أن يستعدوا للقاء الله.
لذلك، في كل ضيقة، انصت إلى صوت الله في قلبك، ماذا يريد أن يقول لك...
وقد يصلك صوت الله في داخلك بواسطة عمل الروح القدس.
قد يتكلم روح الله في داخلك باشتياقات روحية معينة، فإذا بك في وقت من الأوقات تشتاق إلى التوبة، تشتاق إلى صلاة، تجد في داخلك حنينًا إلى الله، أو زهدًا في العالم، أو إشمئزازًا من الخطية، دون أن تعرف سببًا لهذا كله، سوى أنه صوت الله في داخلك بفعل الروح القدس...
بعض القديسين يسمون هذا الأمر "زيارة النعمة".
نعمة الله تدفعك في طريقه، تبكتك على خطية، تمنحك اشتياقًا لعالم روحي... إنه الله الواقف يقرع على بابك (رؤ20:3)، ويطلب إليك أن تفتح له... فلعلك تستجيب...
كان صوت الله واضحًا أيام الشهداء، فآمن كثيرون.
من خلال احتمال الشهداء، ونعمة الله التي كانت عليهم، ومن خلال المعجزات التي حدثت لهم أو منهم، كان صوت الله يدعوا الناس إلى الإيمان، ولكن القلوب المقفلة لم تؤمن!
كثيرًا ما سمع الناس صوت الله أثناء المعجزات...
من الذي دعا اللص اليمين إلى الإيمان؟ لا أحد... ولكنه "لما رأى الشمس أظلمت، والأرض تزلزلت، والقبور تفتحت، صرخ قائلًا "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو43:23)... إن تلك المعجزات كان لها صوت دعاه إلى الإيمان.
وبنفس الوضع آمن الجندي الذي طعن المسيح بالحربة، لم يسمع صوتًا من أي كارز. ولكن صوت الله كان مسموعًا خلال الدم والماء اللذين خرجا من جنب المسيح...
المعجزات التي حدثت عند ظهور العذراء في الزيتون كان لها أيضًا صوت أقوى من أصوات الكارزين، كان صوت الله... ولكن كثيرين يبصرون المعجزات ولا يسمعون صوت الله، لأن لهم آذانًا ولكنها لا تسمع، وقد قسوا قلوبهم...
فقد وصل صوت الله حتى إلى أشر الخطاة.
يهوذا الخائن، وصل إليه صوت الله وبكته على خطيئته، فأخذ المال وأرجعه إلى رؤساء الكهنة، واعترف قائلًا "أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا" (مت3:27، 4)... صوت الله جعله يندم، لكن يهوذا استسلم لليأس فشنق نفسه...
بيلاطس أيضًا وصله صوت الله، وتكلم بالحق في قلبه. فقال "لست أجد علة في هذا البار". وحاول أن يطلقه بأية وسيلة (مت27). ولكنه استسلم أخيرًا للشعب وأمر بصلبه!
ليتنا نحن أيضًا ننصت إلى صوت الله، في كل مناسبة، ومن شتى المصادر، ولا نقسي قلوبنا.
إن صوت الله ينادي، بأنواع وطرق شتى... ولكن المهم أن نميزه، وأن تكون لنا آذان للسمع، لكي نسمع... وأيضًا "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم"...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/do-not-harden-your-hearts.html
تقصير الرابط:
tak.la/xfymv75
