St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   fear-of-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مخافة الله - البابا شنوده الثالث

15- الباب السابع: المحبة والمخافة معًا: المخافة بمعنى المهابة

 

المخافة بمعنى المهابة

 

قال ماراسحق "إن مخافة الله تسبق محبة الله".

وقال "المخافة هي عصا الله التي تسوقنا إلى محبة الله". وقال أيضًا كما أنه لا يمكن عبور النهر بدون سفينة، كذلك لا يمكن لأحد أن يعبر إلى محبة الله، بدون التوبة والمخافة. لأن التوبة هي السفينة، والمخافة مدبرها. والمحبة هي ميناء السلامة والكرامة، حيث يلقى المتعبون راحتهم"...

المخافة توصل إلى المحبة. ولكن لا تفارقها.

المحبة مستوى أعلى من المخافة، ولكن لا يتعارض معها.

هي مستوى تصعد إليه، ولكن لا تفقد ما تحته. مثل درجات السلّم. أو مستوى طالب جامعي ارتفع فوق معلومات التعليم الثانوي والابتدائي، ومع ذلك لم ينسها، بل يعتمد عليها. هي لا تزال في ذهنه، لم يفقدها، وإنما أخذ شيئًا فوقها... ولا تتعارض علومه الجامعية، مع التعليم الأساسي في المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية.

المخافة تقود إلى المحبة، ثم تقف لتحرسها...

والمحبة تحتفظ بالمخافة داخلها، ولو باسم آخر.

الذين في محبتهم تركوا المخافة، هم عرضة لأن يتركوا محبتهم الأولى، ويسقطوا ويحتاجوا إلى توبة، كما حدث لملاك كنيسة أفسس، الذي كان له محبة، وقد تعب من أجل اسم الرب ولم يكل (رؤ 2: 3 - 5). الذي وصل إلى المحبة الكاملة، تبقى في أعماقه أمور عديدة من خصائص المخافة، فما هي؟

يبقى في قلبه الحرص والتدقيق والجدية والالتزام.

ويبقى في قلبه أيضًا للجهاد، حفظ الوصايا، ذلك لأنه تعود كل هذا في حياة المخافة. وتبقى فيه أيضًا حياة التوبة وما يتبعها من انسحاق ودموع. وإن كان الإنسان المحب لله لم يعبر على هذه كلها في طريقه الروحي، ولم يحتفظ بهذه كلها في منهجه الروحي، فلا شك أنه قد أخطأ الطريق إلى الله...

St-Takla.org Image: A girl praying in awe - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III. صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة في حالة صلاة وخشوع - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

St-Takla.org Image: A girl praying in awe - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة في حالة صلاة وخشوع - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

الذي يريد أن يقفز إلى المحبة، دون إن يعبر على المخافة، هذا قد يصل إلى الاستهانة والتدلل!

والقديس الأنبا أنطونيوس الكبير، حينما قال لتلاميذه "أنا لا أخاف الله"، كان يقصد بلا شك ما وصل إليه، وليس ما بدأ به... لأنه واضح تمامًا أنه قد بدأ بالمخافة، حينما نظر إلى جثمان أبيه الميت، وقال له "لقد خرجت من العالم على الرغم منك. ولكنني سأخرج منه بإرادتي، قبل أن يخرجوني كارهًا".

إن المخافة كالجذور بالنسبة إلى الشجرة، هذه التي تعلو وترتفع وتؤتي ثمارها. وفي كل هذا، تبقى الجذور كما هي، وإن كانت مختفية. ولا يمكن أن تستغني عنها الشجرة، وإلا فإنها تموت...

أما عبارة "المحبة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج" فمعناها تطرح الرعب.

الرعب من البحيرة المتقدة بالنار والكبريت في الظلمة الخارجية (رؤ 20: 10) (مت 13: 42) حيث البكاء وصرير الأسنان... تلك النهاية المخيفة التي قال عنها الرسول "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب 10: 31). فالإنسان الذي يصل إلى المحبة الكاملة، لا يخاف الانفصال عن الله والوصول إلى الظلمة الخارجية.

ولكن تبقى في قلبه المخافة بمعنى المهابة... مهما وصل إلى المحبة الكاملة.

كانت خيمة الاجتماع في العهد القديم تمثل سكنى الله مع شعبه. وكانت خيام الشعب تحيط بها، ولكن من بُعد، هيبة للمكان الذي يحلّ فيه مجد الله عند تابوت العهد، وحيث يكلم الرب موسى...

وموسى النبي نفسه، كانت بينه وبين الله دالة يستطيع بها أن يقول له "ارجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك" (خر 32: 12). ومع ذلك لما أتى إلى الجبل ليتسلم الوصايا من الرب، قال "أنا مرتعب ومرتعد" (عب 12: 21)... وهكذا هي هيبة الله "المرهوب على كل الآلهة".

المحبة إذن تطرد الخوف بمعنى الرعب، وتستبقى المخافة بمعنى المهابة والتوقير والإجلال.

فمع إننا ندعو الله أبانا في الصلاة، إلا إننا مع ذلك، نركع في صلواتنا ونسجد... لأننا لا نتكلم مع أب عادي، وإنما نكلم "أبانا الذي في السموات"... وهنا يمكننا أن نسأل: ما معنى الخشوع في الصلاة؟ أليس هو لونًا من المخافة، بمعنى التوقير والإجلال. كذلك ما معنى التمجيد؟

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

أليس التمجيد لونًا من مخافة الله وتوقيره؟

كما قال الملائكة في سفر الرؤيا "من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك، لأنك وحدك قدوس، لأن الأمم سيأتون ويسجدون أمامك.." (رؤ 15: 4). وبنفس المعنى رأى القديس يوحنا الإنجيلي ملاكًا طائرًا في السماء، وهو يحمل بشارة أبدية لكل الشعوب، ويقول بصوت عظيم "خافوا الله وأعطوه مجدًا" (رؤ 14: 7).

هنا خوف الله يرتبط بتمجيده. ونحن نرتبط بكليهما، كلما تذكرنا عظمة الله وعلو مجده...

والرب نفسه يطالبنا بهذا، حتى لا ننسى مجد الله وهيبتنا له، فنخطئ إليه... وهكذا لما ظهر الله لموسى في العليقة، قال له "اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة" (خر 3: 5) أليس هذا مثالًا من مخافة الله...

من الأمثلة الأخرى ألا ننطق باسم الله باطلًا (خر 20: 7)، والعقوبة المرتبطة بهذه الوصية.

إنها إحدى الوصايا العشر. وقد قال الله بعدها مباشرة "لأن الرب لا يبرئ مَن ينطق باسمه باطلًا". وفي العهد الجديد، في العظة على الجبل، نرى نفس الوصية، ليس باسم الرب فقط، بل كل ما يتعلق به. فيقول "لا تحلفوا البتة. لا بالسماء لأنها كرسي الله ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه. ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم..." (مت 5: 35، 34).

إنها المهابة لله، ولكل ما ينسب إليه.

فالإنسان الذي مخافة الله في قلبه، هذا يهاب الله، ويوقره، ويطيعه، ويحفظ وصاياه، ويحترمه، ويحترم كل ما يتصل به: يهاب مواضعه المقدسة ويحترمها. ويحترم كتابه، وخدام مذبحه، ويحترم قديسيه وملائكته، ويحترم اسمه القدوس، فلا ينطق به باطلًا بل يقدسه ويمجده، وينحني حينما ينطق بهذا الاسم القدوس...

إنها المخافة، التي يتصف بها كل من يحب الله...

التي فيها، لا يمكن للإنسان أن يكسر وصية واحدة من وصايا الله. فبالمخافة لا يكسر وصاياه، لأنه يخاف عقوبته. بالمحبة أيضًا لا يمكنه أن يكسر وصاياه، لأنه يحب تلك الوصايا، ويجد لذته فيها. أما الذي يكسر الوصية، فواضح أنه بعيد عن محبة الله، وبعيد عن مخافته...!

والذي يتكلم عن المحبة بينما يكسر الوصية، يكون كلامه باطلًا.

إذ كيف يتكلم عن المحبة التي هي نهاية الطريق الروحي، بينما لم يصل بعد إلى المخافة التي هي بدء الطريق. وما أجمل قول الوحي الإلهي في هذا المعنى "إن جريت مع المشاة فأتعبوك، فكيف تبارى الخيل؟!" (أر 12: 5)..

إن كنت لا تزال تصارع مع الخطية، مرة تسقط وأخرى تقوم، فكيف تضع نفسك مع الذين فعلوا كل ما أمروا به، ويقولون "إنهم عبيد بطالون" (لو 17: 10). ماذا إذن عن مقارنة نفسك بالقديسين أمثال أنطونيوس؟! أو غيره من أصحاب الرؤى والاستعلانات.

فلنتكلم إذن عن مستوانا، ولا ندّعى لأنفسنا درجات لم نصل إليها بعد، ولن نصل...

إنني أكلم بشرًا من نوعى، نجاهد معًا لكي نصل، ولكننا لم نصل بعد... بل مازلنا في مرحلة الجهاد. فهذا مستوانا معًا... أما المحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلى خارج، فلعلها مشوار الحياة كلها... نحاول كل يوم أن نصل إلى شيء منها...

وَيُخَيَّل إلى أن المحبة الكاملة لا نصل إليها إلا في الأبدية.

وفى ذلك العالم لا توجد خطية، وبالتالي لا يوجد خوف. أما في عالمنا هذا الذي توجد فيه الخطية، فلابد أن توجد فيه المخافة أيضًا. لأن الخوف ملازم للخطية بالضرورة.

وكما يقول الكتاب "أتريد أن لا تخاف السلطان، أفعل الصلاح... ولكن إن فعلت الشر فخف" (رو 13: 5، 4). فإن قيل هذا عن السلطان المحدود في تقييمه للشر، فماذا نقول عن الله غير المحدود في الصلاح والقداسة؟

وحذار أن تفهموا خطأ الآيات التي وردت في الكتاب عن حنان الله ومغفرته ولطفه ورحمته...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/fear-of-god/veneration.html

تقصير الرابط:
tak.la/2f4dj3x