St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   contemplations-vespers
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في مزامير الغروب - البابا شنوده الثالث

12- ارحمنا يا الله ارحمنا

 

في بادئ الأمر كانت العينان فقط تتطلعان إلى الله، في ذل وانسحاق، مثل عيون العبيد نحو أيدى مواليهم، إلى أن أتى هذا الإنسحاق بالنتيجة المطلوبة، وقال الرب لتلك النفس المنسحقة.

(حولى عينيك عني، فانهما قد غلبتانى) (نش 6: 5) عندئذ بدأ اللسان يتكلم، فاض من الذل الذي هو فيه، فقال: (إرحمنا يا الله إرحمنا، فإننا ما إمتلأنا هوانًا).

عبارة (إرحمنا) هذه، هي أكثر عبارة مستعملة في الكنيسة:

*أول ما يدخل الكاهن الكنيسة، يسجد أمام الهيكل، ثم يرفع الستر وهو يقول:

(إيلا يصون إيماس) Ele`ycon `ymac أي ارحمنا.

*وعندما يبدأ صلاة المزامير يقول أولًا: (إبشويس ناي نان) Poc? nai nan أي يا رب إرحمنا وهكذا نبدأ الصلاة بطلب الرحمة من الرب.

*وكل صلاة من صلوات الأجبية نقول في مقدمتها - بعد صلاة الشكر- المزمور الخمسين.

(إرحمنى يا الله كعظيم رحمتك) ونخمتها بقطعة (إرحمنا يا الله ثم إرحمنا) فطلب الرحمة نضعه في بداية وفي نهاية كل صلاة.

*وفي كل صلاة نقول Kurie `ele`ycon (كيريا ليصون) 41 مرة. ومعناها (يا رب إرحمنا) ونكرر هذه العبارة مرات عديدة أثناء القداس الإلهي وفي كل صلاة من صلوات الكنيسة الطقسية.

*وفي رفع بخور عشية، وفي رفع بخور باكر، تسمعون لحنًا كبيرًا يصليه الكاهن وهو يمسك بيده الصليب وثلاث شمعات وأوله (أفنوتى ناى نان) V] nai nan ومعناها يا الله إرحمنا.

*وفي رفع البخور بعدما يدور الكاهن حول المذبح ثلاث مرات، يبخر أمام الهيكل قائلًا وهو يحنى رأسه: (وأنا كمثل كثرة رحمتك، أدخل إلى بيتك. واسجد نحو هيكلك المقدس (مز 5: 7).

*وكثيرًا ما تسمعون الكنيسة وهي تتضرع بلحن (جي ناي نان) Je nai nan أي (إرحمنا) تصرخ به باللغة العربية، وبالقبطية، وباليونانية، متوسلة إلى كل أقنوم من الثالوث الأقدس، قائلة: إرحمنا.

وفي نهاية الثلاثة تقديسات نقول: (يا رب إرحم، يا رب إرحم، يا رب بارك، آمين. ونقول أيضًا: كرحمتك يا رب ولا كخطايانا.

ليس أمامنا يا رب سوى رحمتك، نطلبها منك عشية وباكر ووقت الظهر وفي كل وقت، لأنك أنت الوحيد الذي ترحم وأنت الذي تعرف ذلتنا ومسكنتنا، وأننا كثيرًا ما إمتلأنا هوانًا، وكثيرًا ما إمتلأت نفوسنا...

إن العشار بصلاته المشهورة (اللهم إرحمنى أنا الخاطئ) إستطاع أن يرجع إلى بيته مبررًا (لو 18: 14) فارحمنى يا رب لأن كل جهادى وتعبى، بدونك لا ينفع شيئًا. وأنت نفسك قد قلت: (بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا) (يو 15: 15) هذه الرحمة أطلبها منك يا رب كل يوم، لأنني بدونها لا أستطيع أن أعيش. اننى إنما أحيا برحمتك.

(أما أنا فعلى رحمتك توكلت) (مز 13: 5) ولذلك فرحمتك هي موضوع تسبيحى وترتيلى. وكما قال داود: (بمراحم الرب أغني) (مز 89: 1)

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org Image: A crying woman, repentant, under God's Hand, and His care and mercy - by Amgad Wadea. صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة باكية تائبة، تحت يد الله وعنايته ورحمته - رسم أمجد وديع.

St-Takla.org Image: A crying woman, repentant, under God's Hand, and His care and mercy - by Amgad Wadea.

صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة باكية تائبة، تحت يد الله وعنايته ورحمته - رسم أمجد وديع.

إن عبارة (إرحمنا) هي صوت إستغاثة من الإنسان إلى الله.

هي صوت إنسان لا يجد سوى هذه الرحمة يلجأ إليها ويحتمى في أحضانها الدافئة، الواسعة التي تسع الكل.

غير أن هناك نصيحة هامة وخطيرة، أقولها لكم، وأحب ألا تنسوها مطلقًا، وعليها تتوقف رحمة الرب لكم...

نحن نقول: (إرحمنا يا الله إرحمنا) فيجيبنا الرب قائلًا: (طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون) (مت 5: 7). هل تريدنى أن أرحمك؟ إرحم غيرك. أما إن كنت قاسى القلب، فلن تجد عندي رحمة. لأنه (بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم) (مت 7: 2).

حسن يا رب منك هذا الاتفاق وما دام بالكيل الذي نكيل به يكال لنا، فنحن من الآن سوف لا نكيل للناس إلا بالرحمة. سنرحم كل أحد، في كل عمل. كل من يقابلنا، وكل من يعاملنا، سنقابله بالرحمة، والشفقة، والحنان، واللطف، والمحبة. نرفعه فوق رأسنا، ونضع أنفسنا تحت قدميه وننام مطمئنين إلى وعدك الصادق (بالكيل الذي تكليون يكال لكم).

نعم، عندما نصلي قائلين: إرحمنا يا الله إرحمنا) فلنسأل أنفسنا؟أولا: هل نحن نرحم غيرنا حتى نستحق أن يرحمنا الله؟

هل أجسر أن أستغيث بالرب قائلًا: (لأننا كثيرًا ما إمتلأنا هوانًا، وكثيرًا ما إمتلأت نفوسنا) وأنا في نفسي الوقت أهين غيرى واتعبه!! ويصرخ هذا الإنسان إلى الله بسببى قائلًا:

(إرحمنا يا الله إرحمنا. فإننا كثيرًا ما امتلأنا هوانًا)!! كلا، إن هذا الأمر لا يليق... طوبى للرحماء، فإنهم يرحمون.

ما أجمل هذا قال الرب: (أريد رحمة لا ذبيحة) (مت 9: 13) رحمتك لغيرك أفضل عندي من ألف صلاة تقدمها وأنت قاسى القلب

لذلك رفض الرب صلوات القساة. وقال لهم: (حين تبسطون أيديكم، أستر وجهى عنكم. وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا) (إش 1: 15)

إن السيد المسيح عندما سأله ذلك الناموسي: (من هو قريبي) شرح له مثل السامرى الصالح الذي صنع رحمة مع جريح جاز مقابله الكاهن واللاوى... ثم ختم الرب المثل بسؤاله عمن يكون قريب ذلك الجريح، فأجاب الناموسي (إنه الذي صنع معه الرحمة)، فقال له الرب:

(إذهب أنت أيضًا واصنع هكذا) (لو 10: 29 -37)

صدق سليمان الحكيم عندما قال إن: (الرحيم يحسن إلى نفسه) (أم 11: 17) وفسر ذلك بأن الرحيم (يقرض الرب) (أم 19: 17) وما معنى (يقرض الرب)؟ معناها أنه يعطيه سلفة، يستلمها منه في السماء، وعلى الأرض أيضًا.

لذلك إملأوا الأرض رحمة. إملأوا الأرض حنانًا. املأوا الأرض حبًا. املأوا الأرض إشفاقا. وبالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم، رحمة وحنانا وحبًا وإشفاقا...

إن معلمنا يعقوب الرسول عندما تكلم عن الحكمة التي من فوق قال إنها مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة وقال أيضًا إنها: (مسألة مترفقة مذعنة) (يع 3: 17)

وربنا يسوع المسيح عندما وبخ الكتبة والفريسيين، قال لهم: (الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون، لأنكم تعشرون النعنع والشبث والكمون، وتركتم أثقل الناموس) فما هو يا رب أثقل الناموس؟ ما هو أهم شيء فيه؟ يجيب (تركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان) هذا هو مركز الرحمة عند الله... من يرحم غيره، يرحمه الرب. ومن لا يرحم غيره، لا يمكن أن ينال رحمة من الرب.

(مَن يسد أذنيه عن الصراخ المسكين، فهو أيضًا يصرخ ولا يستجاب) (أم 21: 13)

لقد أعطانا السيد الرب مثل ذلك العبد الذي كان مديونا لسيده بعشرة آلاف وزنة، وإذ لم يكن له ما يوفيه (تحنن سيد ذلك العبد، وأطلقه، وترك له الدين) ولكن هذا العبد الرديء لما أخذ زميلًا مديونا له وألقاه في السجن، حينئذ غضب عليه سيده وسلمه للمعذبين قائلًا له:

(أما كان ينبغي أنك أنت أيضًا ترحم العبد رفيقك، كما رحمتك أنا؟!) (مت 18: 23)

وهكذا فإن هذا العبد الشرير فقد الرحمة التي نالها أولا، وطالبه سيده بالدين الذي كان قد سامحه فيه. وكل ذلك لأنه لم يرحم رفيقه.

إن الذي لا ترحمه أنت، يتولاه الله برحمته وبعنايته، ويذكر لك ذنبك من جهته. ولعل من الأمثلة الواضحة في سفر التكوين، قصة يوسف الصديق. لقد ألقاه إخوته في البئر بغير رحمة ثم باعوه كعبد... وبعد سنوات طويلة لما جاءوا لشراء قمح من مصر، وقعوا في يد وزيرها:

(ولم يكونوا على معرفة بأنه يوسف) إنزعجوا وتذكروا خطيتهم القديمة.

(وقالوا بعضهم لبعض: حقا إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما إسترحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة. فأجابهم رأوبين قائلًا: ألم أكلمكم قائلًا: لا تأثموا بالولد وأنتم لم تسمعوا، فهوذا دمه يطلب) (تك 42: 21-22).

تذكر يا أخي هذا الكلام كله، عندما تقول: (إرحمنا يا الله إرحمنا) وإن كنت قاسيا أو عنيفا على أحد، إرجع وعامله برحمة، لكي يرحمك الله... لأنه كما نصرخ أنت إلى الله ليرحمك من الذين أتعبوك، يصرخ هو أيضًا طالبا أن يرحمه الله منك.

يقول المرتل: (إرحمنا يا الله إرحمنا، فإننا كثيرًا ما إمتلأنا هوانًا، وكثيرا ما إمتلأت نفوسنا).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/contemplations-vespers/mercy-on-us.html

تقصير الرابط:
tak.la/9rar3y4