St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   being-with-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الوجود مع الله - البابا شنوده الثالث

18- طبيعة العلاقة مع الله

 

[4]

طبيعة العلاقة مع الله

 

لكي نفهم الوجود مع الله، ينبغي أن نفهم أولًا ما هو الله بالنسبة إلينا..؟ وبالتالي ما هي طبيعة العلاقة معه... وهنا نفهم حالة الوجود مع الله...

إن الله لا يشاء أن يكون مجرد سيد يحكم عبيدًا، ولا يشاء أن يكون خوف العبيد وطاعتهم هو أساس العلاقة التي تربط البشرية به. لذلك قال في وضوح:

"لا أعود أسميكم عبيدًا... بل أحباء" (يو15: 15).

وفي هذا الحب، ودرجته وعمقه، قيل عنه إنه "أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى" (يو13: 1). بل إن هذا الحب كان هو السبب المباشر للتجسد والفداء، لأنه "هكذا أحب الله العلم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).

وفي محبة الله لنا، دعانا أبناء له...

ويَتَغَنَّى القديس يوحنا الرسول بهذه الحقيقة فيقول "انظروا أية محبة أعطانا الآب، حتى ندعى أولاد الله" (1يو3: 1). وأصبحنا حينما نصلي، نوجه صلواتنا إلى هذا الآب السماوي، ونقول له "يا أبانا الذي في السموات".

St-Takla.org Image: Jesus Christ with the Samaritan woman at the well (Saint Photine), Coptic mosaic art by Adel Nassief (between 2006-2008) - Eglise Archange Michel et Saint Georges de Villejuif (St. Michael & St. George Coptic Church), Paris, France - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 13-14, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح مع المرأة السامرية عند البئر (القديسة فوتيني)، فن فسيفساء قبطي من عمل الفنان عادل نصيف ما بين (2006-2008) - صور كنيسة الملاك ميخائيل والشهيد مارجرجس القبطية، فيلجيوف، باريس، فرنسا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 13-14 أكتوبر 2014 م.

St-Takla.org Image: Jesus Christ with the Samaritan woman at the well (Saint Photine), Coptic mosaic art by Adel Nassief (between 2006-2008) - Eglise Archange Michel et Saint Georges de Villejuif (St. Michael & St. George Coptic Church), Paris, France - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 13-14, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح مع المرأة السامرية عند البئر (القديسة فوتيني)، فن فسيفساء قبطي من عمل الفنان عادل نصيف ما بين (2006-2008) - صور كنيسة الملاك ميخائيل والشهيد مارجرجس القبطية، فيلجيوف، باريس، فرنسا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 13-14 أكتوبر 2014 م.

حتى جاء السيد المسيح، فأظهر بجلاء ووضوح. أنظروا كيف أن الله يعاتب البشر في العهد القديم فيقول "ربيت بنين ونشأتهم، أما هم فعصوا عليَّ" (أش1: 2). وكأب في العهد القديم، يخاطب الإنسان بعبارة "يا ابني أعطني قلبك" (أم23: 26). وقد أدرك أشعياء النبي أبوة الله، فقال له "تطلع من السماء، وانظر من مسكن قدسك، فإنك أنت أبونا... أنت يا رب أبونا، ولينا منذ الأبد اسمك" (أش63: 16). وقال أيضًا "والآن يا رب أنت أبونا... وكلنا عمل يديك" (أش64: 8).. والأمثلة كثيرة...

إذن فنحن حينما نتواجد مع الله، نتواجد مع أب يحبنا...

ونقضي الوقت معه، كما يسلك الأبناء مع أبيهم المحب لهم، بنفس الدالة التي للأبناء. ومن الناحية الأخرى، حينما نخطئ، نشعر ليس مجرد شعور العبيد الذين يخافون العقوبة، بل بالأكثر شعور الأبناء الذين يؤلمه ويحزنهم أنهم جرحوا قلب أبيه المحب معه...

وماذا أيضًا؟ هل نحن مجرد أبناء وأحباء؟ كلا، بل هناك ما هو أكثر:

مِن محبة الله، دعا النفس التي تحبه عروسًا له...

هذا واضح تمامًا في العهد القديم، في سفر نشيد الأناشيد... وفي العهد الجديد يتكلم يوحنا المعمدان عن الكنيسة كلها كعروس للمسيح، ويقول عنه وعنها "مَن له العروس فهو العريس" (يو3: 26). وفي المجيء الثاني، شبه الرب كل النفوس التي تحبه بخمس عذارى حكيمات، أخذن مصابيحهن وخرجن لاستقبال العريس (مت25). ويقول بولس الرسول عن كرازته "خطبتكم لأقدام عذراء عفيفة للمسيح الكنيسة كعروس له، وكيف قدسها وطهرها وأسلم نفسه لأجلها، وقال عن وحدة المسيح بالكنيسة "هذا السر عظيم" (أف5: 22-32).

إذن نحن أبناء وأحباء، وعروس للرب، وماذا أيضًا؟

أقول بالأكثر: إنه ونحن كيان واحد، كالرأس والجسد...

حقًا، هذا السر العظيم! إن الرب لم يفصلنا عنه. فنحن جسده وهو رأسنا. المسيح هو رأس الكنيسة (أف5: 23)، ورأس كل رجل هو المسيح (1كو11: 3). وأجسادنا هي أعضاء المسيح (1كو6: 15). ونحن "أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30). إنني أقف هنا مذهولًا أمام هذه العبارات العجيبة، التي أراد بها الوحي الإلهي توضيح علاقتنا بالمسيح ووحدتنا معه...

وقد وضح الرب هذه الوحدة.، بعلاقة أخرى غير الرأس والجسد،

"إثبتوا في، وأنا فيكم... أنا الكرمة، وأنتم الأغصان" (يو15).

الكرمة والأغصان، كيان واحد... كالرأس والجسد...

والغصن لا حياة له، إلا بالثبات في الكرمة. وهكذا قال الرب "كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته، إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم إن لم تثبتوا في... الذي يثبت في وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير" (يو15: 4، 5).

إذن أكثر من الوجود في الله، الثبات في الله.

نثبت في الله، كما يثبت الغصن في الكرمة، وتعطيه حياة... وإن لم تسر فيه الكرمة، يجف ويموت... ولكن كيف نحصل على هذا الثبوت في الله؟

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

لقد قدم لنا الرب أربع وسائط للثبوت فيه:

* فقال "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت في وأنا فيه" (يو6: 56).

* وقال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "من اعترف أن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه، وهو في الله" (1يو4: 15). وهنا قدم الإيمان كواسطة للثبوت في الله.

* وقال أيضًا "الله محبة. وَمَنْ يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه" (1يو4: 16).

* وأيضًا "مَنْ يحفظ وصاياه، يثبت فيه، وهو فيه" (1يو3: 24).

إذن هناك وسائط للثبوت في الله، هي: الإيمان، والمحبة، والتناول من جسده ودمه، وحفظ وصاياه.

فهل حرصت على هذه الوسائط الأربع؟ وهل شعرت فيها بالثبوت في الله؟ هل شعرت فيها بوجود الله فيك؟ هذا إن كنت قد مارستها كما ينبغي...

هل رأيتم علاقة في قوة هذا الثبوت المتبادل؟

ثبوت كالجسد في الرأس، وكالغصن في الكرمة... فيه الحياة، ولا حياة بدونه... وماذا أيضًا؟ لعلني أتجرأ وأقول، في خشية واتضاع قلب:

الوجود مع الله، هو الوجود في الله

أو هو وجود الله فينا...

وجود الله فينا، كقول السيد الرب للآب "أنا فيهم، وأنت في، ليكونوا في مكملين إلى واحد" (يو17: 3). وقوله أيضًا "وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، أيكون فيهم الحب الذي أحببتنى به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 26). وقول بولس الرسول "لكي أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل2: 20).

هل يوجد مجد أكثر من هذا؟! أو هل توجد متعة روحية أعمق من هذا؟! آن يؤدي وجودك مع الله إلى وجوده هو فيك... على أننا نلاحظ هنا أن الأمر لا يقتصر على السيد المسيح فقط، وإنما:

كما يكون المسيح فيك، يكون أيضًا الآب والروح القدس:

أما عن روح الله فيك، فيقول الرسول "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله ساكن فيكم" (1كو3: 16). "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (1كو6: 19).. حقًا إن هذا السر عظيم.

أما عن الآب فيقول السيد المسيح "إن أحبنى يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا" أي الآب والإبن معًا (يو11: 23).

هذا عن وجود الله فيك. فماذا عن وجودك فيه..؟

يقول بولس الرسول ".. لكي أربح المسيح، وأوجد فيه" (في3: 8، 9). ويوحنا الرسول يقول "بهذا نعرف أننا فيه" (1يو2: 5).

والسيد المسيح يجمل هذا الوجود المتبادل في قوله "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ" (يو14: 20). ويؤكد هذا المعنى أيضًا قوله "اثبتوا فيَّ، وأنا فيكم" (يو15: 4).

ولكني لا أزال حائرًا أمام عبارة "إثبتوا في، وأنا فيكم". ما معناها؟ ما كنه هذا الثبوت؟ قطعًا لا يمكن أن نثبت في جوهره، وإلا صِرْنا آلهة..! وما نحن سوى تراب ورماد... على أن الرب يجيب في نفس الأصحاح فيقول:

نعم، بالحب نثبت فيه، وبالحب يثبت هو في قلوبنا... ألم يقل الرسول "الله محبة. من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه"..

إنه الحب المبني على الإيمان، كما قال القديس بولس "ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم، وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة" (أف3: 17، 18).

إذن نحن بالحب، وفي الحب، نشعر بالوجود في الله...

لا نشعر فقط بوجود الله معنا، أو وجودنا معه، وإنما نشعر أيضًا -في محبتنا له- بوجوده فينا، ووجودنا نحن فيه. نشعر أننا أعضاء في جسده، وأننا ثابتون فيه كثبوت الغصن في الكرمة، ثبوتًا نأخذ به حياة، ونضارة، ونصنع به ثمرًا...

فهل أنت كذلك، تشعر أن حب الله يسرى فيك، ويعطيك حياة، لها متعة روحية خاصة، غير الحياة لهذا العالم؟ وهل تشعر أن هذا الحب الإلهي يغذيك ويقويك، ويثبتك فيه، ويشبع نفسك تمامًا..؟

في الحب، نشعر بالوجود مع الله...

وفي الوجود مع الله نشعر بالحب. وبماذا أيضًا؟

لعله من المناسب، أن تكون لهذا، أن تكون لهذا الموضوع محاضرة خاصة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/being-with-god/nature.html

تقصير الرابط:
tak.la/454rqta