St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

517- كيف يصارع يعقوب الله وينتصر عليه (تك 32: 24 - 29)؟

 

يقول الخوري بولس الفغالي "يبدو أن الكاتب استقى عناصر هذا الخبر من القصص القديم عن الجن والعفاريت التي تقف قرب السواقي والأنهار وتمنع المارين من عبور المياه دون رضاها. غير أنه ترك ما فيها من أسطورة وحمَّلها معنى روحيًا عميقًا ألا وهو صراع يعقوب مع الله، أو صراعه مع ذاته قبل أن يستسلم إلى الله، وحصوله منه على بركة له ولنسله"(1).

ويقول " ليوتاكسل".. "هنا قصة العراك الذي وقع بين الإله يهوه ويعقوب، فقد أراد يهوه أن يوجه لكمة أو لكمتين إلى فك يعقوب، ولكنه تراجع وهو يحمل أثر لكمة أرسلها يعقوب إلى ما فوق عينيه، فانتفخ مكانها"(2).

ويقول الدكتور سيد القمني " وفي هذه اللحظة التاريخية يكتشف يعقوب شخصية خصمه الحقيقية، التي تخشى النور والنهار، ويعرف فيه " إل " إله كنعان، فيرفض يعقوب إطلاقه إن لم يباركه، بما تحمل هذه البركات من أُعطيات... (فغير اسم يعقوب إلى إسرائيل).. والكلمة (إسرائيل) هي من الأصل العبري (صرع - إيل) وتعني " مصارع الرب " أو " صارع الرب " وهكذا أثبت (يعقوب) لرب كنعان قدراته.."(3)(4).

ويقول علاء أبو بكر " ما شاء الله!! نبي يضرب إلهه؟ فما حاجته إلى أن يباركه الرب؟ لماذا لم يطلب الرب من يعقوب أن يباركه؟ ولو بارك الرب يعقوب بالإجبار، فلماذا استمر يوحي إليه بعد أن صعد على عرشه؟ وما حكمة الرب أنه يتفاخر بين عبيده بأن يعقوب ضربه؟ ولا أفهم معنى تأخر الرب حتى طلوع الفجر، فهل الرب يعمل لوقت محدد أم استأذن من أبيه وأمه فقط حتى ذلك الوقت وأراد أن يفي بوعده لهما؟"(5). كما يقول علاء أبو بكر بأن الرب قد خاف من يعقوب وتوسل إليه لكيما يطلقه لأن الوقت قد تأخر(6).

St-Takla.org Image: Jacob and the Angel - from "Story of the Bible", authored by Rev. Hurlbut, 1904. صورة في موقع الأنبا تكلا: يعقوب والملاك - من كتاب "قصة الكتاب المقدس"، إصدار الكاهن هيرلبات، 1904.

St-Takla.org Image: Jacob and the Angel - from "Story of the Bible", authored by Rev. Hurlbut, 1904.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يعقوب والملاك - من كتاب "قصة الكتاب المقدس"، إصدار الكاهن هيرلبات، 1904.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- ردًا على الخوري بولس الفغالي القائل بأن القصة قد استقاها الكاتب من قصص أساطير الأولين نقول أنه سبق تناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل عند إجابة س303 بالجزء الرابع من هذا البحث، وقد أوضحنا بالتفصيل مدى بُعد القصة عن الأساطير، أما تصوُّر ليوتاكسل الساخر، فهو نابع من خيال مريض لا يحق الالتفات إليه، وهل رأى ليوتاكسل يهوه وقد انتفخ أعلى عينيه؟! لو كان ليوتاكسل يؤمن بأن الله ضابط كل كائن بما فيهم يعقوب، ما كان يتجرأ بمثل هذه التجاديف.

 

2- نحن لا نعرف شيئًا عن عمق هذا الصراع الذي دار بين يعقوب وذاك الشخص لأن الوحي لم يكشف شيئًا عن طبيعة هذا الصراع ولكننا نعرف أن يعقوب خرج من الصراع يخمع على فخده، وربما هذا المنظر أثار شفقة أخيه عيسو، فتحنن عليه وسامحه.

 

3- لم يذكر النص صراحة أن الذي صارع يعقوب هو الله، فقد يكون ملاكًا مُرسلًا من قبل الله لرفع حالة يعقوب المعنوية المتردية، وقد عامل الملاك يعقوب كصديق له. فلم يشأ أن ينطلق عنوة ويتركه، بل طلب منه أن يسمح له بالانطلاق، بينما تشبث به يعقوب طالبًا أن يباركه، ويعلق هوشع النبي على هذه الحادثة فيقول عن أبينا يعقوب " جاهد مع الله. جاهد مع الملاك وغلب. بكى واسترحمه" (هو 12: 3، 4) فيُظهِر هوشع النبي يعقوب الغالب وهو يبكي، وهذا دليل كافٍ على أن أمر هذا الصراع ليس صراعًا جسمانيًا بقدر ما هو صراعًا روحيًا.

 

4- إن كان الشخص الذي صارع يعقوب هو الله، نقول أن يعقوب كان مرتعدًا من لقاء أخيه عيسو، وهو هارب منه منذ عشرين عامًا، وكان يعقوب يشعر أن ليست حياته فقط المهددة بالخطر، بل وحياة زوجاته وأولاده جميعًا. وإذ نظر الله للحالة النفسية ليعقوب والتي هبطت إلى الحضيض، وأراد أن يرفعه فوق هذه الآلام، ويرد له الثقة بنفسه، لذلك تنازل الله وظهر في شكل إنسان يصارع يعقوب، ومن اتضاع الرب أنه سمح أن يظهر وكأن يعقوب قد انتصر عليه، ولكن في الوقت نفسه أدرك يعقوب أنه أمام إنسان له طبيعة إلهية فائقة، ولاسيما عندما ضرب هذا الشخص فخذ يعقوب فأصابه، ولذلك تشبث به يعقوب، ولم يشأ أن يطلقه حتى نال منه بركة خاصة، ولكن يعقوب لم يكن يتوقع على الإطلاق أنه هو الله، ولذلك سأله عن اسمه، ورغم أن هذا الشخص لم يجاوبه على تساؤله، فإن أبينا يعقوب أدرك فيما بعد عظمة هذا الشخص " فدعى يعقوب اسم المكان فنيئيل. قائلًا لأني نظرت الله وجهًا لوجه ونجيت نفسي" (تك 32: 30) وهذا اللقاء يهيئ ذهن البشرية لفكرة التجسد الإلهي والفداء، وكيف سمح السيد المسيح الإله المتأنس للأشرار أن يفعلوا به كل ما أرادوا من أهوال العذابات، وصارت أهوال الصليب علامة أبدية على محبة الله للبشرية، وأن الإنسان قد صار بالصليب حرًا طليقًا من عبودية إبليس المُرة.

 

5- يرى القديس أغسطينوس أن هذا الصراع بين الله ويعقوب إشارة للآلام التي سيجوز فيها السيد المسيح بإرادته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيقول مخاطبًا السيد المسيح " أنت تبدو بلا قوة، والمُضطهد لك يستظهر بقوته عليك! إلاَّ أنك قد أظهرت ذلك من قبل ليعقوب أيضًا الذي ساد هو نفسه في مصارعته (مع الملاك): إنسان غلب ملاكًا! وهل يمكن أن يكون ذلك بأي حال إلاَّ إذا كان الملاك قد قَبلَ أن يُغلب بإرادته؟ وهكذا غَلبَ الإنسان وهُزم الملاك: وأمسك الإنسان المنتصر بالملاك وقال له: لا أُطلقك إن لم تباركني! يا له من سرٌ عظيم! فالذي يقف مهزومًا هو نفسه أيضًا مُبارِكًا للغالب! فهو مهزوم لأنه أراد ذلك ففي الجسد ضعيف وفي جلال مُلكه قوي... فقد صُلب من ضعف، وقام في قوة (2 كو 13: 4) " أيقظ جبروتك وهلمَّ لخلاصنا" (مز 80: 2)"(7).

 

6- يقول قداسة البابا شنودة الثالث " أراد الله أن يرفع معنويات هذا الخائف، بأن يريه أنه يمكن أن يصارع ويغلب، فظهر له في هيئة إنسان، يمكن ليعقوب أن يصارعه ويغلبه. تمامًا كأب يداعب طفله، ويُظهر لهذا الطفل أنه يستطيع أن يغلبه فيفرخ..! وبدأ أن يعقوب كان قويًا في مصارعته، وطلب منه صاحب الرؤيا أن يطلقه، ويعقوب يجيب: لا أُطلقك حتى تباركني. فباركه. ولكن ضربه على حق فخذه، فصار يخمع عليه.

كأن الله يريده أن يفرح بانتصاره، ولكن لا يكون انتصاره سبب كبرياء له... لقد سمح له أن ينتصر، وغير اسمه إلى إسرائيل، قائلًا له " لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت" (تك 32: 22 - 28).. كم مرة ظهر الله لهذا الضعيف ليقويه، وينقذه من خوفه"(8).

 

7- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا " كان يعقوب في خوف شديد من لقاء عيسو، وانفرد يعقوب وحده ليلًا ملتجئًا إلى الله بالصلاة، فظهر له الله في شكل إنسان يصارعه ويسمح ليعقوب أن ينتصر عليه، لكي يجعله شجاعًا ويطرد الخوف من داخله، ولكي يُعلّمه أن فضل القوة هو لله، لهذا خلع حق فخذ يعقوب. وقال الله ليعقوب " أطلقني لأنه قد طلع الفجر".. قد جاء الفجر أي الوقت الذي تستكمل فيه يا يعقوب رحيلك، فيجب أن ترجع إلى قافلتك لتواصلوا ترحالكم لأرض الوطن. إن إله النور الذي صنع النور ليضيء للبشرية، لا يمكن أن يخشى النور قط، ولكن المقصود أن يعقوب وذويه يستكمل مسيرتهم، لا لكي يبقوا خائفين من لقاء أخوتهم"(9).

 

8- تقول الدكتور نبيلة توما " عندما قال الله ليعقوب "أطلقني لأنه قد طلع الفجر" ليس معنى هذا أنه لا يستطيع أن ينطلق، ولكن قصد بهذا إعلان إيمان وثبات يعقوب وتشبثه لنوال البركة وقد نجح في هذا"(10).

 

9- تقول الأخت الإكليريكية آماليا سامي صبحي سليب - الكلية الإكليريكية - فرع شبين الكوم " كان يعقوب خائفًا ومرتعبًا من لقاء أخيه عيسو، فتوقف يصلي ملتمسًا المعونة الإلهية، فظهر له إنسان، وشعر يعقوب أنه أمام كائن سماوي فتشبث به طالبًا معونته، وظل يعقوب يتضرع إليه متشبثًا به حتى الصباح، ورغم أن هذا الإنسان ضربه أي لمسه على حق فخذه فانخلع الفخذ، وتألم يعقوب، ومع هذا ظل يجاهد متشبثًا به حتى نال البركة منه، ومن هنا لا يظهر على الإطلاق أن الله كان خائفًا من يعقوب كقول النقاد "(11).

"وأبي يعقوب أدرى سره         قد عرفت الآن كيف صارع "

(من قصيدة قلبي الخفاق لقداسة البابا شنودة الثالث)

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) المجموعة الكتابية - سفر التكوين ص 350.

(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 134، 135.

(3) راجع أيضًا قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 138، 139.

(4) الأسطورة والتراث ص 225، 226.

(5) البهريز جـ1 س296.

(6) راجع البهريز جـ 1 س 367.

(7) شرح سفر التكوين: سفر البدايات - إعداد: الراهب القس يوحنا المقاري - الناشر: دير القديس أنبا مقار - ص 380.

(8) تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف ص 55، 56.

(9) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(10) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(11) من أبحاث مادة النقد الكتابي.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/517.html

تقصير الرابط:
tak.la/2axt9y5