St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1562- ما معنى قول أيوب: "يَجْعَلُونَ اللَّيْلَ نَهَارًا، نُورًا قَرِيبًا لِلظُّلْمَةِ" (أي 17: 12)؟ وكيف يكون النور قريبًا للظلمة، مع أن الظلمة تهرب من النور ومن المستحيل أن تثبت أمامه؟

 

ج: 1- كان أيوب يرى في الموت راحته، لأنه سيضع نهاية للآلام القاسية التي يكابدها، فقال: "يَجْعَلُونَ اللَّيْلَ نَهَارًا، نُورًا قَرِيبًا لِلظُّلْمَةِ" (أي 17: 12).

     وفي " الترجمة السبعينية": "لقد جعلت من الليل نهارًا. النور قريب. بعيد عن الظلمة".

     وفي " الترجمة القبطية": "جُعل ليلي نهارًا ونوري يكاد يكون ظلامًا".

     وفي " الترجمة اليسوعية": "يدَّعون أن الليلَ نهار وأنَّ النُّورَ قريب وأنا أمام الظلاَّم".

     وفي " ترجمة كتاب الحياة": يَجْعَلونَ الليلَ نَهارًا، وعلى الرّغم من الظُلمةِ يقولون: أنَّ النُّورَ قريب".

     وفي " الترجمة العربية المشتركة":  أمَا لهذا الَّليلِ من نهارٍ؟ وهل باشتداد الظلاَّم يقتربُ النُّورُ؟".

     وعند التأمل في الترجمات نجدها تُكمل بعضها البعض، فكل ترجمة تُلقي الضوء على زاوية معينة من المشهد، ويمكن أن نتصوَّر هذا المشهد كالتالي:

أ- أن أيوب كان يعاني ليلًا ولا ينام فيشتهي الصباح، وفي النهار يظل يعاني فيشتهي الليل، ولعل ما جاء في سفر التثنية يُلقي الضوء على حالة أيوب هذه: "فِي الصَّبَاحِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ الْمَسَاءُ، وَفِي الْمَسَاءِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ الصَّبَاحُ، مِنِ ارْتِعَابِ قَلْبِكَ الَّذِي تَرْتَعِبُ، وَمِنْ مَنْظَرِ عَيْنَيْكَ الَّذِي تَنْظُرُ" (تث 28: 67).

  ب- يحاول أصدقاء أيوب أن يبعثوا الأمل في نفس أيوب، فيصوّرون له أن هذه التجربة ستزول متى تواضع وتاب عن خطاياه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كقول صوفر النعماتي له: "إِنْ أَعْدَدْتَ أَنْتَ قَلْبَكَ وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ... الظَّلاَمُ يَتَحَوَّلُ صَبَاحًا" (أي 11: 13، 17) فأصدقاء أيوب يريدون أن يحوِّلوا الليل أي ليل التجربة التي يعبُر بها أيوب إلى نهار " يَجْعَلُونَ اللَّيْلَ نَهَارًا"، ولكن هذا النهار في نظر أيوب هو أقرب للظلام " نُورًا (نهارًا) قَرِيبًا لِلظُّلْمَةِ".

ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يحدثونه عن الليل حيث أيامه كادت أن تعبُر كأنه نهار، لكنه ليس نهارًا مُبهجًا بنوره، وإنما نوره قريب من الظلمة. بينما لم يكن يتوقع شيئًا ما على الأرض، ركزوا حديثهم على الرخاء في العالم كمكافأة الرب للأبرار، بهذا يهيئون له العالم في أذهانهم بيتًا للراحة، أمَّا هو فيرى الموت نصب عينيه، ولا رجاء له في أمور العالم الزمنية. إنه يُرحِّب بالموت كبيت يستقر فيه. هناك في القبر يعد فراشه"(1).

 

2- يقول " متى هنري": "يحوِّل البعض الليل نهارًا، والنهار ليلًا، عن طريق أباطيلهم وعربدتهم. أمَّا أيوب فقد فعل هذا بسبب ضيق روحه ومتاعبه، وهذه عرقلت:

(1)  راحة الليل، وجعلته يقظًا طول الليل، فصار الليل متعبًا له مثل النهار، وصار مرور ساعات ودقائق الليل متعبًا له مثل عناء النهار.

(2)  وعرقلت مباهج النهار، نور الصباح بهيج ومبهج، لكن بسبب الظلمة الداخلية... انقشعت فرحته في الحال، وصار النهار لي مظلمًا مثل ظلمة الليل (تث 28: 67). انظر كيف يجب أن نكون شاكرين بسبب الصحة والراحة والبهجة التي تُمكننا مِن أن نُرحِّب بظلال المساء ونور الصباح...

وفي الظلام مهَّدت فراشي... القبر فراش، لأننا سوف نستريح فيه من مساء يومنا على الأرض، ونستيقظ منه صباح يومنا الأبدي (إش 57: 2). هذا ما يجعل الصالحين راضيين بأن يموتوا. فالموت يعني الذهاب إلى الفراش. أنهم متعَبون والنعاس يغالبهم، ولذلك حان الوقت ليذهبوا لفراشهم. فلماذا لا يذهبون إليه راضين عندما يدعوهم أبوهم؟ بل إني قد " مهَّدت فراشي " عملت له كل الاستعدادات، اجتهدت بأن أجعله مريحًا، بحفظ نفسي طاهرًا، بأن أذكر أن المسيح اضطجع في هذا الفراش. وهكذا حوَّلته إلى بيت معطر، وبالتطلع من خلفه إلى قيامة الأموات"(2).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 696.

(2) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ2 ص 46-48.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1562.html

تقصير الرابط:
tak.la/ds2pq42