St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1321- هل سخرية الأطفال من رجل الله أليشع تستوجب افتراس 42 طفلًا منهم (2مل 2: 23، 24)؟

 

          يقول " ليوتاكسل": "أليشع يشبه خادمًا اغتنى فشرع يقتنص كل من يسخر منه. تبًا لك يا إمَّعة النبي الكريه! لقد أرغمت الدببة على تمزيق الأطفال أشلاء لمجرد أنهم عيَّروك بالصلع. ولكن لحسن حظ الأطفال أن فلسطين.. لم تعرف الدببة في أي زمان كان، وعليه فإن غباء هذه الحكاية يخفف من فظاعتها"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: جاء في سفر الملوك عن أليشع النبي: "وَفِيمَا هُوَ صَاعِدٌ فِي الطَّرِيقِ إِذَا بِصِبْيَانٍ صِغَارٍ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَسَخِرُوا مِنْهُ وَقَالُوا لَهُ اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ. فَالْتَفَتَ إِلَى وَرَائِهِ وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ، فَخَرَجَتْ دُبَّتَانِ مِنَ الْوَعْرِ وَافْتَرَسَتَا مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلَدًا" (2مل 2: 23، 24) وهنا نسجل الملاحظات الآتية:

1- هؤلاء لم يكونوا أطفالًا بل صبيان في سن الحداثة، فعندما سبى لوط " فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ وِلْدَانَ بَيْتِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ " فهؤلاء الشباب الذي اقتحم بهم إبراهيم أربعة ملوك دعاهم الكتاب غلمان وولدان، وقال إبراهيم لملك سدوم " لَيْسَ لِي غَيْرُ الَّذِي أَكَلَهُ الْغِلْمَانُ "  (تك 14: 24) وإسحق كان في سن الشباب وقال عنه أبوه أنه غلام: "أَنَا وَالْغُلاَمُ" (تك 22: 5) وعندما تولى سليمان الملك قال عن نفسه: "أَنَا فَتىً صَغِيرٌ لاَ أَعْلَمُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ" (1مل 3: 7). فهؤلاء الذين سخروا من أليشع كانوا شبانًا في الحداثة من عمرهم يدركون ما يقولون ويعقلون ما يفعلون.

 

2- هؤلاء الشباب لم يكونوا يلهون في مكان اللعب، إنما اجتمعوا عن قصد لإهانة نبي الرب في " بيت إيل " المكان الذي جعله يربعام موضع العبادة الوثنية، وفيه أقام عجلًا ليعبده الشعب قائلين: "هُوَذَا آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ أَصْعَدُوكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ" (1مل 12: 28) وأقام هيكلًا يزاحم هيكل أورشليم، هيكل الله العلي الحقيقي. وربما لم يكتفِ هؤلاء الأحداث بالتقريع، بل ربما قذفوا النبي بالأحجار، وغالبًا كان أليشع يغطي رأسه مثله مثل بقية أهل الشرق في تلك الأيام، فقولهم "أصعد يا أقرع" يوضح أن أحدهم قد تجرأ عليه ونزع عنه غطاء الرأس مستهزءًا به وساخرًا منه، وربما الذين دفعهم لهذا العمل الهمجي آباؤهم الأشرار في تحد مباشر لإله إيليا وأليشع، وفي قولهم "أصعد يا أقرع" أي يريدون أن يقولوا له لماذا لا تصعد كما تزعم أن معلمك صعد في مركبة نارية إلى السماء، وفي استهزائهم هذا فأنهم ينكرون معجزة صعود إيليا، ويزدرون بالعمل الإلهي، فكان افتراس الدبتين لهؤلاء الشباب هو أكبر تأديب لأبائهم الذين هربت منهم المخافة الإلهيَّة.

     ويقول " القمص تادرس يعقوب": "كان أليشع يغطي رأسه كعادة الشرق الأوسط في ذلك الحين، فعبارة "يا أقرع.. يا أقرع" لم تكن سخرية أطفال، بل إهانة لرئيس بني الأنبياء في بيت إيل، وهي إهانة مباشرة لله، ولا بُد أنها كانت بإيعاز من أبائهم الذين على وجه الخصوص جنوا العقاب الذي وقع على الصبيان.. كان العبرانيون يقدرون الرأس الجميلة المملوءة بالشعر، ويستنكرون تمامًا الصلعة (أش 15: 2) يستخدم تعبير " أصلع " للسخرية والاحتقار، يعني إنسانًا وضيعًا وتافهًا.. ويقول "القديس أفرآم السرياني".. أظن أن هؤلاء الأطفال لم يشيروا فقط إلى صلعته، إنما صبُّوا له شتائم لتشويه سمعته، حتى لا يصدق أحد كلامه.."(2).

     وجاء في " التفسير التطبيقي": "لم يكن ضحايا لعنة أليشع أطفالًا، ولكنهم كانوا عصابة من الشباب. ولأنهم كانوا من بيت إيل، مركز الديانة الوثنية في المملكة الشمالية، فالأرجح أنهم كانوا يحذرون أليشع من أن يوبخ فجورهم، كما فعل إيليا من قبل. فلم يكونوا يغيظون أليشع لصلعه فقط، بل كانوا يبدون شدة احتقارهم لرسالة أليشع، ولقوة الله، ولعلهم سخروا منه أيضًا لعدم إيمانهم بالمركبة النارية التي أخذت إيليا، وعندما لعنهم أليشع، لم يكن هو الذي استدعى الدبتين، بل أرسلهما الله عقابًا لهم.. لقد سخر أولئك الشبان ممن أرسله الله، ودفعوا حياتهم ثمنًا لذلك. والسخرية من القادة الدينيين مسألة مشهورة على مدى العصور"(3).

 

3- كان إيليا يمتاز بروح القوة، فلم يجرؤ أحد على إيذائه أو التعدي عليه، ولكن عندما اختفى عن الأعين وظهر خليفته أليشع، ظنه هؤلاء القوم أنه لقمة سهلة سائغة، فخرج عليه هؤلاء الشباب الطائشين يتعدون عليه بالشتيمة والتحقير، وكانوا جماعة كبيرة فإن لم يجدوا من يردعهم فأنهم سيتعدون على رجال الله ونبي الأنبياء، وكل ما فعله أليشع أنه " لعنهم باسم الرب " فقد إستغاث منهم بالعدل الإلهي، واضعًا أمامهم قول الرب في الشريعة: "وَإِنْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ، وَلَمْ تَشَاءُوا أَنْ تَسْمَعُوا لِي، أَزِيدُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ الْبَرِّيَّةِ فَتُعْدِمُكُمُ الأَوْلاَدَ، وَتَقْرِضُ بَهَائِمَكُمْ، وَتُقَلِّلُكُمْ فَتُوحَشُ طُرُقُكُمْ" (لا 26: 21، 22) وجاءت الاستجابة سريعة لأن من يضطهد خدام الله فهو يضطهد الله ذاته، فقال الله لشاول الذي اضطهد المؤمنين: "شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي..؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ" (أع 9: 4، 5) وقال الرب " فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ" (1صم 2: 30).

 

St-Takla.org Image: "Then he went up from there to Bethel; and as he was going up the road, some youths came from the city and mocked him, and said to him, “Go up, you baldhead! Go up, you baldhead!” So he turned around and looked at them, and pronounced a curse on them in the name of the Lord. And two female bears came out of the woods and mauled forty-two of the youths." (2 Kings 2: 23-24) - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: "ثم صعد من هناك إلى بيت إيل. وفيما هو صاعد في الطريق إذا بصبيان صغار خرجوا من المدينة وسخروا منه وقالوا له: «اصعد يا أقرع! اصعد يا أقرع!». فالتفت إلى ورائه ونظر إليهم ولعنهم باسم الرب، فخرجت دبتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين ولدا" (الملوك الثاني 2: 23-24) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909.

St-Takla.org Image: "Then he went up from there to Bethel; and as he was going up the road, some youths came from the city and mocked him, and said to him, “Go up, you baldhead! Go up, you baldhead!” So he turned around and looked at them, and pronounced a curse on them in the name of the Lord. And two female bears came out of the woods and mauled forty-two of the youths." (2 Kings 2: 23-24) - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "ثم صعد من هناك إلى بيت إيل. وفيما هو صاعد في الطريق إذا بصبيان صغار خرجوا من المدينة وسخروا منه وقالوا له: «اصعد يا أقرع! اصعد يا أقرع!». فالتفت إلى ورائه ونظر إليهم ولعنهم باسم الرب، فخرجت دبتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين ولدا" (الملوك الثاني 2: 23-24) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909.

4- اعتبر البعض أن هذه الحادثة قد حدثت بمجرد الصدفة، فلم تتحرك الدُبَّتان نتيجة لعنات أليشع النبي، فقالوا: "وفي الوقت الذي حدثت فيه الحادثة تصادف وجود دُبَّتين ثاكلتين فهجمتا على الأولاد وقتلت منهم 42 ولدًا، ولأن الحادثة اقترنت بلعنة أليشع اعتبروها الناس يومئذ والكاتب منهم نتيجة ملازمة للعنة"(4).

     والحقيقة أن الذين ينكرون المعجزات يحاولون تبرير حدوثها بأي وسيلة، فينسبونها لعوامل طبيعية أو للصدفة البحتة، ولكن ارتباط هجوم الدبتين على هؤلاء الأولاد باللعنة التي نطق بها أليشع النبي يبطل مثل هذه الظنون، فلو كان الأمر من قبيل الصدفة فلماذا لم يحدث قبل أن ينطق أليشع باللعنة، أو بعد أن نطق بها بوقت طويل..؟! ولماذا افترستا الشاب الساخرين ولم تفترسا غيرهم ولم تقترب أحدهما للنبي أليشع وهو على مقربة منهما..؟! كما أننا نؤمن بأن كاتب الأسفار المقدَّسة لم يكتب شيئًا بناء على ظنون أو تخيلات أو إشاعات أو تصوُّرات خاطئة، إنما كتب كلمة الله بصدق وأمانة ووحي من روح الله القدوس.

 

5- الذين ينكرون وجود الدببة في ذلك الزمان في فلسطين يخطئون لأن هناك كان نوع من الدببة تعيش ولاسيما في الشمال من نوع الدب البني السوري، وهو حيوان يقتات على اللحوم والحشرات والفاكهة والأعشاب، ويبلغ ارتفاعه 140 سم عند الكتفين، وموطنها الأصلي الأناضول وإيران، وكانت توجد بوفرة في بلاد الشمام قديمًا، وآخر دب سوري تمت مشاهدته سنة 1917م جنوب جبل الشيخ (جبل حرمون). وقال عاموس النبي لشعبه: "كَمَا إِذَا هَرَبَ إِنْسَانٌ مِنْ أَمَامِ الأَسَدِ فَصَادَفَهُ الدُّبُّ" (عا 5: 19). كما كانت الأسود تقطن تلك المنطقة في ذات العصر، فالتقى داود بدب وأسد وقتلهما، وقتل شمشون شبل الأسد، والنبي الذي جاء من يهوذا لمملكة إسرائيل لأنه لم يستمع للوصية الإلهيَّة صادفه أسد وقتله، وبناياهو بن يهوياداع ضرب أسدًا في وسط الجب يوم الثلج، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع(5).

 

6- يقول " القمص تادرس يعقوب: "يتساءل البعض: لماذا يسمح الله بافتراس اثنين وأربعين صبيًا بسبب كلمات سخرية نطقوا بها ضد أليشع النبي؟

أولًا: كانوا شبابًا مثل جماعات الـgangs غالبًا ما كانت سخريتهم هادفة نحو تحطيم الإيمان بالله الحي، وربما كانوا يجتذبون أعدادًا كبيرة من الشباب حولهم. لذا كانت حياة أليشع النبي في خطر لكثرة عددهم وطبيعة إثمهم وعدم احترامهم الواضح للسلطة.

ثانيًا: أراد الله بما حدث أن يتغلغل الخوف في قلوب أية عصابة أخرى مثل هذه، فلو لم يخف هؤلاء الصبيان من سخريتهم برجل الله أليشع، لصاروا خطرًا يهدد حياة جميع رجال الله.

ثالثًا: يرى البعض في قولهم لأليشع: "أصعد يا أقرع" مكررين ذلك أنهم يسخرون مما أعلنه للشعب عن صعود معلمه إيليا. وكأنهم يقولون: "إن كان إيليا ذو الشعر الطويل قد صعد في مركبة نارية إلى السحاب، فما الذي يمنع صعودك أيها الأقرع؟".

     أيضًا كان ذلك نوعًا من التسخيف لإيليا الصاعد في مركبة نارية نحو السماء، فقد بقى الأشرار يقاومونه حتى بعد صعوده. لم تكن السخرية موجهة ضد أليشع شخصيًا، وإنما كانت ضد رسالته النبوية والعمل الإلهي خلاله وخلال مُعلمه إيليا.

     ما فعله هؤلاء الصبيان كان يُمثّل خطة خطيرة قام بها أهل بيت إيل، فقد سمعوا كيف كرَّمه بنو الأنبياء في أريحا عندما رأوه قد شق نهر الأردن بقوة الله خلال رداء إيليا، وأصلح مياه النبع بطريقة فائقة لحساب كل أهل المدينة، بهذا بدأت أريحا تشهد لصعود إيليا رجل الله، فلكي يُحطموا هذه الكرازة قبل وصول أليشع إلى بيت إيل أرسلوا هؤلاء الصبيان، لتحطيم نفسيته، ولكي لا يصغِ أحد من بيت إيل إلى كلماته بخصوص صعود إيليا بمركبة نارية"(6).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 435.

(2) تفسير سفر الملوك الثاني ص 86.

(3) التفسير التطبيقي ص 781.

(4) الغوامض المتعلقة بالمبادئ العمومية الأدبية الواردة في العهد القديم والجديد جـ 1 ص 193.

(5) فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ9 س 1129.

(6) تفسير سفر ملوك الثاني ص 87.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1321.html

تقصير الرابط:
tak.la/7q7w2yg