St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   satan
 
St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   satan

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب هل للشيطان سلطان عليك؟ للقديس يوحنا ذهبي الفم - إعداد: القمص تادرس يعقوب ملطي

2`- الحب الإلهي وآثار كسر الوصية

 

 الله صانع الخيرات

الله كما اختبرته الكنيسة "صانع الخيرات"، لهذا فهي لا تكف عن أن تُعلِّم أولادها في كل مناسبة، في الأفراح والأحزان، في الصلوات الجماعية والخاصة، أن يصلُّوا إلى أبيهم قائلين: "فلنشكر الله صانع الخيرات".

الله صانع الخيرات، إذ خلقني على صورته ومثاله، أوجَد العالَم وما فيه من أجلي، ولم يدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامته، وفتح لي الفردوس لأتنعم.

 وهبني وصية، هي في حقيقتها بركة من الرب نحوي، لأنني بدونه ليس لي وجود. فربطني به، ووهبني بطاعتي له أن تلتصق الصورة (أنا) بالأصل (الله)، فلا أستقل بذاتيتي التي هي العدم.

 أحبني، فصرت أسير محبته، لذلك سمح لي بالوصية كعهدٍ وميثاقٍ أعبِّر فيه عن حبي له كما أحبني هو أولًا.

كشف عصياني وكبريائي عليه لأتمتع بأعماق حبه لي!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ماذا فعلت بي الخطية؟

 الخطية الأولى، بل وكل خطية، تتركز في أمرٍ واحدٍ، هو أن يستقل الإنسان عن الله ليكوِّن لذاته كيانًا خاصًا. رأى الإنسان - في لحظات ضعفه - أن يتحرر من أبوة أبيه السماوي، وأن يهرب من لُجَة محبته، لأنه في ظلمته الذاتية لا يطيق أن يعاين النور، وفي بغضه لا يقدر أن يفهم الحب!

St-Takla.org Image: "So Ezra the priest brought the Law before the assembly of men and women and all who could hear with understanding on the first day of the seventh month" (Nehemiah 8:2) - Unknown illustrator صورة في موقع الأنبا تكلا: "فأتى عزرا الكاتب بالشريعة أمام الجماعة من الرجال والنساء وكل فاهم ما يسمع، في اليوم الأول من الشهر السابع." (نحميا 8: 2) - لفنان غير معروف

St-Takla.org Image: "So Ezra the priest brought the Law before the assembly of men and women and all who could hear with understanding on the first day of the seventh month" (Nehemiah 8:2) - Unknown illustrator

صورة في موقع الأنبا تكلا: "فأتى عزرا الكاتب بالشريعة أمام الجماعة من الرجال والنساء وكل فاهم ما يسمع، في اليوم الأول من الشهر السابع." (نحميا 8: 2) - لفنان غير معروف

 أقول، إن الإنسان في عصيانه على الله ورغبته في الاستقلال عن مصدر سعادته وشبعه وحياته سقط تحت نير الخطية، ونال العقوبة. هي في الحقيقة ليست عقوبة من قِبَل الله، لأن الله محب ويحب الإنسان حتى في لحظات ضعفه، إنما هي ثمرة طبيعية ذاقها الإنسان بقبوله للخطية.

 فالخطية التي اختارها الإنسان، قدَّمتْ له ما عندها وهو:

(أ) حرمان: حرمان من السلام و الفرح والخير، حرمان من الفردوس، وحرمان من الشبع حتى من البركات الأرضية.

(ب) ظُلم: الخطية خاطئة، لا تعرف لها قانونًا إلا قانون الظلم وعدم العدالة.

(ج) الموت: الخطية هي انفصال عن الله مصدر الحياة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ماذا فعل الله بنا؟

رأى الله صنعة يديه قد فسدتْ، إذ حمَّلت نفسها بنفسها حِملًا هي غير قادرة عليه.

 والله الذي وهب الإنسان حرية الإرادة لا يجبر الإنسان على السلوك في طريق معيَّن، وفي نفس الوقت لا يمنع الإنسان من حمل آثار الخطية مادام قد قَبِلَ الخطية ذاتها. ولكنه كأبٍ حنونٍ وراعٍ صالحٍ صانع الخيرات، حوّل الشر ليكون فرصة لقبول الخير.

 

فمن جهة الحرمان: حُرم الإنسان من السلام الداخلي والفرح الحقيقي الدائم. حرمانه هذا جعله -إن تعقل- أن يدرك أنه لا سلام ولا فرح إلا بقبوله العودة إلى الأحضان الإلهية.

 والخطية حرمته من الفردوس، فصار ذلك بعناية الله لخيره، لأنه لو بقى آدم وبنيه في الفردوس يخطئون، أي رجاء بعد لهم؟! لكنهم طردوا، وفتح أمام أعين قلوبهم الرجاء في نوال فردوس سماوي غير منطوق به. يستطيع أي إنسان ولو كان لصًا منبوذًا من العالم، معلقًا على الصليب، في آخر نسمات حياته، أن يغتصبه!

 وحرمت الخطية الإنسان من الشبع من البركات الزمنية، فمهما نال من مالٍ لا تشبع نفسه، ومهما تمتع بالشهوات لا تشبع شهواته، بل وكثيرًا ما يحرم حتى مما يبدو ضروريًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي هذا كله يعلن الله للإنسان، أنه كصورة له لا شبع له إلا باتحاده مع خالقه. إن النفس شبه السمائية لا تشبع من الأرضيات، ولو وهبت لها الأرض وما عليها. لكنها تطلب من هو سمائي!

 

 ومن جهة الظلم: فإن الإنسان بسقوطه تحت ناموس الظلم الذي لا يعرف العدالة ولا القانون، بل هو أشبه بنوع من الفوضى. فقد يولد الإنسان ليجد نفسه أحيانًا وسط عائلة فقيرة مثقلة بالديون، أو ليجد جسده مبتليًا بمرض وراثي لا ذنب له فيه، أو مشوه بعاهة تفقده سلامة صحته وسلامة نفسيته. وقد يجاهد وفي جهاده يمرض، فيفقد ثمرة جهاده ولا ينال من طموحه ما يناله غيره، وقد يفقد أحد أفراد العائلة فيحيا في بؤسٍ محرومًا من الأبوة أو الأمومة أو البنوة. هكذا حتى يظن الإنسان كأن أموره تسيِّرها الصدفة المحضة أو تخططها يدي الشيطان القاسي الذي لا يعرف للرحمة فهمًا.

 فإن كان الإنسان قد أخضع نفسه بنفسه للظلم، لكن الله كأبٍ مترفقٍ وخالقٍ مدبرٍ للمسكونة لا يترك أولاده في يدي عدو قاسٍ كما يظن البعض.

 سمح بالظلم، لأن الإنسان اختار الظلم لنفسه، لكن رغم ما للظلم من عدم تنظيم، إلا أن الله حوّل الظلم ليكون بركة للإنسان. جعله مجالًا يبحث فيه الإنسان عن خلاص نفسه، لا ليهرب من الظلم المادي أو الأدبي أو الاجتماعي، بل من ظُلم أبشع وأبقى هو الوجود في حضرة الشيطان، في الظلمة الأبدية بعيدًا عن الله العدل المطلق!

 وفيما نراه ظلمًا، إذ بيد الله المترفقة تمتد وتعتني بنا في كل صغيرة وكبيرة. يهتم بحياتنا الروحية كما الجسدية، الأبدية كما الزمنية.

 فالإنسان وسط ظُلم الخطية لم يُحرَم من العناية الإلهية، بل بالعكس يُسمح له بالفقر المادي أو المرض الجسدي أو الحرمان المعنوي أو الأدبي أو الاجتماعي، كي ترتد نفسه إلى خالقها تسأل وتطلب وتقرع، وهنا تأخذ. تأخذ مشتهى الكل، تنال وقفة جميلة في حضرة الرب، بل تنال عمل الله فيها.

 وهكذا يُحرَم الجسد لكي تشبع النفس، ويتألم الإنسان هنا ليمسح الرب دموعه هناك!

 قد يسمح الله بالحرمان لكي يتزكى الإنسان في إيمانه وتسليمه حياته في يدي الرب وعدم تذمره الخ.

 لقد نظر الرسول هذا، فقال: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعِلْمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص! وطرقه عن الاستقصاء!" (رو 33:11) إذ يحوِّل الآلام في يديه المباركتيْن إلى بركات مستترة وعلامات حب يدركها الإنسان إن أراد. إذ "قلب الإنسان يفكر في طريقه، والرب يهدي خطواته" (أم 9:6).

 إنه لا يزال الله المترفق بأولاده، إذ به نحيا ونتحرك ونوجد (أع 28:17). عيناه تترقبان آلام الإنسان، إذ يقول، "إني قد رأيت مذلة شعبي... أني علمت أوجاعهم" (خر 7:3)، مؤكدًا للإنسان: "عيني عليك من أول السنة إلى آخرها". وكما يقول الكتاب المقدس: "هو يعتني بكم" (1 بط 7:5). "الرب لي معين فلا أخاف" (عب 6:13)، "حفظت عنايتك روحي" (أي 12:10).

 أكثر من هذا، إذ رأى ربنا يسوع الظلم يهدد كيان البشر ويفسد سلامهم ويملأهم يأسًا، لم ينزع الظلم لكنه حمل ظلم البشرية بأجمعها، في كل الأجيال، في جسده. إذ وهو بار، حمل عار الصليب من أيدٍ أثيمة لا ترحم ولا تفهم! فلم يعد الظلم أثرًا من آثار الخطية، بل علامة حب واحتمال. أحبنا فاحتمل الظلم من أجل أحبائه. وصار كل من يريد أن يتحد بالسيد المسيح المظلوم يقبل الظلم ويشتهيه. ومهما بلغ الظلم الذي نحمله، فإنه لا يُقارَن بالظلم الذي كيَّلته البشرية لخالق الكل!

 

ومن جهة الموت: صار موت الإنسان بالخطية فرصة يكتشف فيها الإنسان أعماق حب الله. لأنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). "لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء، مات في الوقت المعيَّن لأجل الفجّار. فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضًا أن يموت، ولكن الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رو 6:5-8).

 هذا ما صنعه الله بنا إزاء الخطية، كشف لنا أعماق محبته لنا. وكما يقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس: "حوَّلتَ لي العقوبة خلاصًا. كراعٍ صالحٍ سعيت في طلب الضال. كأبٍ حقيقيٍ تعبت معي أنا الذي سقط. ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة". لقد مات يسوع وقام ليقيمنا معه، ويجعل موت الجسد شهوة للانطلاق إلى الفردوس.

هذا هو ما أراد أن يوضحه القديس يوحنا الذهبي الفم في رده على القائلين بأن شئون البشرية تسير وفق رغبة الشيطان.

 الرب قادر أن يكشف عن عيوننا حتى ندرك حب الله لنا وترفقه بنا، عندئذ ندرك أن كل الأمور تعمل معًا للخير للذين يحبون اسمه[2].

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[2] هذه المقدمة السابقة مأخوذة عن كتاب "الحب الإلهي" بتصرف.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/satan/law.html

تقصير الرابط:
tak.la/ryk3b3q