St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

113- بطرس وكنيسة رومية من شهادة الكتاب المقدس والتاريخ

 

ثانيا - بطرس وكنيسة رومية من شهادة الكتاب المقدس والتاريخ:

1- أثبتنا في كلامنا السابق عن كنيسة أنطاكية، والادعاء بأن بطرس هو مؤسسها، أنه حتى انعقاد مجمع أورشليم حوالي سنة 51، كان بطرس ما يزال ببلاد اليهودية، وأنه ذهب إلى أنطاكية سنة 51 أو بعدها (غل 2: 11)... بعد ذلك نجد كلوديوس قيصر يطرد اليهود من روما حوالي سنة 52(75) الأمر الذي أشار إليه القديس لوقا في (اع 18: 2)... وكانت المسيحية حتى ذلك الوقت، معتبرة شيعة يهودية. فلا يمكن أن يكون بطرس قد ذهب إلى رومية في تلك الفترة - ما بين طرد اليهود من روما وعودتهم إليها.

 

2- ولا يمكن أن يكون بطرس قد ذهب إلى رومية قبل سنة 58 م. - تلك السنة التي كتب فيها بولس الرسول رسالته إلى رومية من كورنثوس، والتي لم يرد فيها أي تحية أو ذكر لبطرس، بينما حوت الرسالة تحيات إلى أشخاص عديدين كما سبق أن ذكرنا (عشرين شخصًا وأسرتين)... والقديس بولس في هذه الرسالة يقول لأهل رومية أنه مستعد لتبشيرهم (رو 1: 15)، مما يقطع بأن أحدًا من الرسل لم يبشرهم حتى ذلك التاريخ، لا بطرس ولا غيره من الرسل.

 

St-Takla.org Image: Peter's Speech: Peter explains to the Jews that they are not drunk but rather filled with the Holy Spirit: (Acts 2: 14-41) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: حديث بطرس الرسول: بطرس يشرح لليهود أنهم ليسوا سكارى بل مملوؤون من الروح القدس: (أعمال الرسل 2: 14-41) - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Peter's Speech: Peter explains to the Jews that they are not drunk but rather filled with the Holy Spirit: (Acts 2: 14-41) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: حديث بطرس الرسول: بطرس يشرح لليهود أنهم ليسوا سكارى بل مملوؤون من الروح القدس: (أعمال الرسل 2: 14-41) - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

3- ويغلب عليَّ الظن -كما يعتقد البعض- أن بطرس كان في جولات تبشيرية مع زوجته حتى سنة 57، وهي السنة التي كتب فيها بولس رسالته الأولى إلى كورنثوس من مدينة أفسس، وقال فيها: "ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب وصفا (بطرس)" (1 كو 9: 5)... وغالبًا ما كانت تلك الجولات في المناطق التي وجه إليها رسالته الأولى (1 بط 1: 1).

 

4- لا أثر لوجود القديس بطرس بروما في فترة وجود بولس بها (61 - 63)... فالقديس لوقا في سفر الأعمال لا يذكر شيئًا عن بطرس. والقديس بولس -في رسائله الأربع التي أنفذها من روما في تلك الفترة- لو يورد أية إشارة تفيد -ولو من بعيد- إلى وجود القديس بطرس في رومية.

 

5- من غير المعقول أن يغفل القديس لوقا كاتب سفر الأعمال، خبر وجود بطرس الرسول برومية لمدة ربع قرن من الزمان، وتأسيسه لكنيسة عاصمة الإمبراطورية، بل عاصمة العالم كله وقتذاك، لو كان ذلك حدث فعلًا!

وعلى ذلك، فإن الادعاء بوجود ماربطرس في روما قبل سنة 53 أمر مستحيل كما أثبتنا... أما احتمال ذهابه إليها بعد ذلك التاريخ، فليس له ما يؤيده، سوى إشارات عابرة غير واضحة ولا قاطعة لبعض الآباء اللاحقين...

 

6- أول من أشار من الآباء إلى استشهاد بطرس هو القديس إكليمنضس الروماني أسقف رومية (92-101 م.) في رسالته إلى كنيسة كورنثوس. لكنه لم يذكر مكان استشهاده في روما أم في غيرها(76).

 

7- في الاكليمنضيات المزورة(77)، والكتابات المدسوسة الغفل من أسماء كاتبيها، يربطون بين بطرس الرسول وسيمون الساحر عقب اللقاء الذي حدث بينهما في السامرة حوالي سنة 37م. ويصورون بطرس أنه أخذ يتعقبه حتى وصل إلى روما عاصمة الإمبراطورية، وهناك أماته بصلاته...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

8- يذكر يوستينوس الشهيد في دفاعه الذي كتبه حوالي منتصف القرن الثاني، أن سيمون ذهب إلى روما في عهد كلوديوس قيصر، ونال شرفًا وتقديسًا، حتى أنه أقيم له تمثال في جزيرة في نهر التيبر كتب عليه Simoni Deo Sancto أي (سيمون الإله القدوس)... هذا كل ما ذكره يوستينوس عن سيمون(78)... ويوستينوس لم يكن مؤرخًا، لكنه عرض لسيمون الساحر في معرض دفاعه الذي قدمه للإمبراطور أنطونيوس بيوس سنة 147، وفيه يوضح ماهية المسيحية كديانة ونقاوتها، وأن الدولة تشجع السحر والسحرة، بدليل أنها أقامت تمثالًا لسيمون هذا... ونحن نتساءل، ما الذي ربط بين ما ذكره يوستينوس وبين قصة تعقب بطرس له في روما وإماتته بصلاته؟!! إن يوستينوس لم يذكر اسم بطرس نهائيًّا...

أما الدافع الذي دفع الأبيونيين الهراطقة -وهم أصلًا من اليهود المتنصرين المتطرفين- إلى الربط بين سيمون وبطرس في الإكليمنضيات المزورة فقد أشرنا إليه سابقًا حينما عرضنا لمخلفات حركة التهود، وكيف أنهم كانوا يمجدون رسل الختان وفي مقدمتهم بطرس...

انحدر هذا الخليط العجيب -إشارة يوستينوس العابرة غير الواضحة وما حوته الإكليمنضيات المزورة- إلى يوسابيوس المؤرخ في القرن الرابع، وعنه أخذ هذه القصة كما هي ودونها في تاريخه، ومؤداها أن بطرس ذهب إلى روما وراء سيمون الساحر المضل(79)... ويجدر بنا أن نشير إلى أن يوسابيوس لم يكن مؤرخًا بالمعني الدقيق للكلمة، لكنه كان ناقلًا عن غيره، ويتضح هذا من تاريخه(80).

على أن رواية يوستينوس هذه قد أظهرت الحفريات خطأها. فقد كشف الباحثون سنة 1574 على قطع رخامية من التمثال الذي أشار إليه يوستينوس، ووجدت عليه الكتابة الآتية Semoni Sanco Deo Fidio Sacrum واتضح أن هذا التمثال أقيم لإله الخصب Semo Sancus, الذي عبده سكان سابين Sabin في شمالي إيطاليا(81)... أما كيف اختلط الأمر على يوستينوس إلى هذا الحد فيبدو أن يوستينوس -وكان سامريًا- استقى هذه المعلومات المشوشة عن سيمون الساحر السامري من مواطنيه السامريين الذين كانوا يفخرون به على أنه "قوة الله العظيمة"(82) (أع 8: 10). وقد يكونوا في افتخارهم هذا أخذوا ينسبون إليه أعمالًا عظيمة لكيما يحيطوه بهالة كبيرة... ومهما يكن من أمر، فالمؤرخون حاليًا يكذبون نهائيًا واقعة ذهاب سيمون إلى روما(83).

 

9- ذكر بعض آباء القرن الثاني، من أمثال ديونيسيوس الكونثي وإيريناؤس ومن جاء بعدهما، أن بطرس اشترك مع بولس في تأسيس كنيسة رومية... أما تعليل ذلك، فهو إما أن هؤلاء الآباء أخذوا عن مصدر خاطئ بلا فحص(84)، وأما أنهم اعتبروا بطرس -في أشخاص الرومانيين اليهود والدخلاء الذين حضروا معجزة يوم الخمسين، وآمنوا بعد سماعهم عظة بطرس، ومن ثم حملوا الإيمان إلى وطنهم- أنه اشترك بصورة غير مباشرة في تأسيس كنيسة روما(85).

 

10- وثمة نقطة كانت مثار جدل بين العلماء، وهي بابل المذكورة في رسالة بطرس الأولى، والتي منها كتب هذه الرسالة (1 بط 5: 13)... فقد فسرها البابويون على أنها روما (بابل=روما)، على أساس أن القديس يوحنا أشار إليها في سفر الرؤيا بهذه التسمية الرمزية... وقصدهم من ذلك أن يثبتوا وجود بطرس في روما، أنه كتب منها هذه الرسالة..!!

يجمع الآباء والعلماء بلا استثناء على أن بابل المذكورة في سفر الرؤيا هي روما، بناء على الملابسات المذكورة معها... ذكرها يوحنا خمس مرات. وفي كل مرة يذكرها باسم "بابل العظيمة"(86)... أما بابل المذكورة في رسالة بطرس (1بط 5: 13) فهي بابل الواقعة على نهر الفرات، لا يمكن أن يكون المقصود بها التسمية الرمزية أي روما(87)... هذا هو رأي فطاحل العلماء حاليًا(88)... أما الأدلة على ذلك فكثيرة. منها:

(أ) حينما أشار يوحنا في رؤياه إلى روما على أنها بابل، فإن هذا السفر نبوي ورمزي، وتستقيم معه هذه الإشارة. لكن ليس ما يدعو بطرس لأن يستخدم الأسلوب الرمزي في رسالته، علمًا أن أسفار الكتاب المقدس كلها، لم تشر إلى روما على أنها بابل، إلا في سفر الرؤيا فقط.

(ب) الأماكن الجغرافية والأقاليم المذكورة في رسالة بطرس الأولى (مقاطعات بنطس وغلاطية وكبادوكية وآسيا وبيثينية)، تعني المعنى الحرفي فلماذا لا يعني بطرس ببابل معناها الحرفي أيضًا؟!

(جـ) ليس ما يدعونا إلى الافتراض أن المسيحيين -وقت كتابة هذه الرسالة- كانوا يفهمون روما على أنها بابل القديمة...

(د) سفر الرؤيا -وهو الموضع الوحيد في الكتاب المقدس الذي فسرت فيه بابل على أنها رومية- كتب بعد زمان كتابة رسالة بطرس الأولى بنحو ثلاثين سنة، فكيف اتبع بطرس نفس أسلوب يوحنا الرمزي؟!

(هـ) أينما ذكرت مدينة رومية في العهد الجديد، ذُكِرَت باسمها باستثناء سفر الرؤيا... وحتى في الرؤيا ذكرت باسم "بابل العظيمة".

(و) هناك أدلة قوية على أنه في وقت كتابة رسالة بطرس، كان المسيحيون من اليهود والوثنيين يؤلفون جماعة كبيرة في مدينة بابل على نهر الفرات وما حولها(89) وكانت المدينة على جانب كبير من الأهمية. وقد لعبت مدارس التعليم اليهودي في ذلك الأقليم دورًا هامًا في النهوض باليهودية خاصة بعد خراب أورشليم وهيكلها(90). ولا شك أن هذه المنطقة كانت حقلًا هامًا ومتسعًا لأعمال بطرس الرسول الكرازية باعتباره رسول الختان الأول...

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(75) Schaff, Vol. 1, p. 367; Smith Dictionary of the Bible, Vol. 1, p. 613.

(76) Clement of Rome, 1 Corinthians, 5.

(77) كتابات مزورة منسوبة خطأ إلى إكليمنضس الروماني، ويرجع تاريخها إلى حوالي منتصف القرن الثاني. كتبها جماعة من الأبيونيين الهراطقة وهم شيعة متطرفة من بعض اليهود المتنصرين، الذين قاومتهم الكنيسة في تاريخها المبكر.

(78) Justin Martyr, 1 Apol. Chs., 26, 56.

(79) Eusebius, H.E., 2.14.

(80) Schaff, Vol. 1, p. 257.

(81) Danieou, Vol. 1, p. 61.

(82) Justin Martyr; 1 Apol.، “A.N.F., Vol. 1, p. 187 footnote”

(83) De Pressense, Vol. 1, pp. 67, 68.

أسد رستم جـ1، ص 29.

(84) وقع إيريناؤس في نفس الخطأ الذي وقع فيه يوستينوس الشهيد، إذ قال أن الدولة كرمت سيمون وأقامت له تمثالًا من أجل أعماله السحرية "Against Heresies, 1. 23" ولا شك أن الدليل المادي هو سيد الأدلة. لقد أثبتت الحفريات خطأ هذه الرواية... لا يستبعد إذن أن يكون إيريناؤس في موضوع تأسيس كنيسة روما قد نقل عن مصدر خاطئ أو مغرض.

(85) Schaff, Vol. 1, pp. 251, 252.

(86) (رؤ 14: 8 - 16: 19 - 17: 5 - 18: 10، 21).

(87) Smith, Dictionary of Bible. Vol. 2. pp. 803-805; Wuest, First Peter in the Greek New Testament, pp. 132, 133; De Pressense vol. 1, pp. 210, 211.

(88) See, N.P.N.F., series 2, Vol. 1, p. 116 “footnote 7”.

(89) كانت بابل لا تزال مدينة عامرة ولم تكن قد خربت. انظر:

Josephus; Antiq. 15.3.1.

(90) يورد الدكتور وليم سميث في قاموسه عن الكتاب المقدس إثباتات كثيرة على ذلك منها أن مدرستي الرها ونصيبين المسيحيتين الشهيرتين فيما بعد، مدينتان لكرازة بطرس في هذه المنطقة، كما أن كتابات معلمي هاتين المدرستين واضح فيها تأثيرات هذا الرسول... انظر:

Smith, Dictionary of the Bible, Vol. 2, p. 805.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/rome-church-peter-1.html

تقصير الرابط:
tak.la/2cgwm6z