تعلق اليهود بناموسهم اليهودي تعلقًا كبيرًا... كانوا فخورين به على أساس أنهم شعب الله المختار دون سائر الشعوب، وأن الله هو الذي أعطاهم هذا الناموس. بل أن بعضه -وهو الوصايا العشر التي سُلمت لموسى على جبل سيناء في لوحين من حجر- كُتبا بإصبع الله (خر 32: 16، 34: 1)... ومن هنا كان اعتزازهم بناموسهم.
|
|
ويُقصد بالناموس(33) الشرائع الدينية الأدبية والطقسية والقضائية التي حَواها كتاب العهد القديم. كان اليهودي يعتبر نفسه مُلزمًا بهذا الناموس المكتوب، بالإضافة إلى ناموس آخر غير مكتوب، ويقصد به التقاليد الشفوية التي سلمها إليهم معلموهم، الذين ادعوا أن موسى على جبل سيناء، تسلم من الله شريعة مكتوبة وأخرى شفوية... وكان اعتقاد اليهود أن كسر أية وصية هو تعد على الناموس بأكمله.
انبثقت المسيحية من اليهودية، بعد أن أكمل السيد المسيح في شخصه الناموس القديم. فقد وُلد في ظل هذا الناموس (غل4: 4)، بل لقد قال: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل" (مت 5: 17). والسيد المسيح بتجسده جاء أولًا إلى خاصته من اليهود (يو 1: 11). وحينما أرسل رسله في إرساليات تدريبية، أرسلهم إلى خراف بيت إسرائيل الضالة (مت 10: 6)... وقُبيل صعوده أوصاهم أن يشهدوا له في أورشليم وكل اليهودية، قبل أن يشهدوا له في السامرة وأقصى الأرض (أع1: 8). ومعنى هذا أن بُشرى الخلاص قُدمت لليهود أولًا... هؤلاء اليهود الذين تمسكوا بالناموس وحرفيته، وظنوا أن لا شيء ينسخه أو يعدله أو يحل محله...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
حاول اليهود المتنصرون أن يبنوا على هذا الأساس: احتفاظهم بالناموس القديم مع إيمانهم بيسوع المخلص الذي تنبأت عنه كتب العهد القديم... وهكذا أرادوا أن يجعلوا رقعة جديدة على ثوب عتيق، وأن يجعلوا خمرًا جديدة في زقاقًا عتيقة (مت 9: 16، 17)...
وقد استمر هؤلاء اليهود المتنصرون متأثرين تأثرًا عميقًا بيهوديتهم، وكانوا يشاركون شعبهم اليهودي حياته... ويذكر سفر أعمال الرسل أن الذين آمنوا منهم كانوا جميعًا "غيورين للناموس" (أع 21: 20). ومعنى هذا أن الأطفال كانوا يختتنون، وطقوس التطهير تراعى (أع 21: 26؛ 24: 18). وقد شارك مسيحيو أورشليم في الصلوات التي كانت تتلى يوميًا في الهيكل(34). وامتنعوا عن أكل الأطعمة التي اعتُبرت نجسة(35) في العهد القديم (أع 10: 14). وهكذا ظهر المسيحيون الأوائل على أنهم يهود غيورون رافقتهم بركة الرب (أع 5: 13). وكأنهم قد شكلوا جماعة خاصة داخل كيان إسرائيل(36). ومهما يكن من أمر، فطالما بقيت المسيحية في مهدها اليهودي، فقد اعتقد جميع المؤمنين أنهم ملتزمون بالناموس.
لكن ما لبثت بشرى الخلاص أن وصلت إلى الأمم الوثنية بصورة فردية. وعلى الرغم من أن الأمر تم بُناءً عن إعلان إلهي، فقد قوبل بالدهشة والمقاومة، على نحو ما حدث في حالة إيمان وعماد كرنيليوس قائد المائة الأممي وأهل بيته(37)، وتبشير اليونانيين الوثنيين في أنطاكية (أع 11: 20، 21).
_____
(33) كلمة يونانية νόμος: Nomos وتعني قانون.
(34) انظر: (أع 2: 46؛ 3: 1؛ 5: 21).
(35) التمييز بين ما هو طاهر ونجس من الحيوانات في العهد القديم، كان إشارة ورمزًا إلى التمييز بين البشر: ختان وغرلة أو يهود وأمم. وفي الرؤيا التي أُعلنت لبطرس الرسول بخصوص كرنيليوس، قال بطرس إنه لم يأكل قط شيئًا دنسًا أو نجسًا. وهو هنا تكلم كيهودي، أما الرد الذي اقتبله من الله، فإنه يُظهر معنى العهد الجديد، وأن الله بدم الفداء طهر كل ما هو نجس وانتهى عهد التمييز بين شعب مقدس وآخر غير مقدس، كالحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة.
(36) Daniélou, Vol.1،p.12.
(37) أحدث إيمان كيرنيليوس وأهل بيته على يد بطرس الرسول رد فعل شديد في مؤمني أورشليم من اليهود المتنصرين. فقد خاصموا بطرس حالما صعد إلى أورشليم لأنه دخل إلى رجال ذوي غلفة وأكل معهم... ولم يهدأوا إلا بعد أن شرح لهم بطرس كل القصة ابتداءً من الرؤيا التي أُعلنت له انظر (أع 10؛ 11: 1-8).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/jews-to-christian-law.html
تقصير الرابط:
tak.la/b5n3m6a
