St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

121- المسيحية والتبتل

 

منذ عصر الرسل، ظهرت رغبة مُلِحَّة لدى المسيحيين لحياة التبتل، ومَلَكَت عليهم شهوة عارمة لهذا اللون من الحياة... وقد أضرم هذه الشهوة المقدسة فيهم كلمات السيد المسيح عن التبتل، وسموهم الروحي الذي جعلهم فوق الجسد، وزهدهم في العالميات... لقد أظهر السيد المسيح سمو البتولية وقدسيتها، ورفعها إلى درجة العطية الروحية (مت 19: 10-12)، وأوضح أنَّها تُشبَّه بحياة الملائكة (مت 30:22؛ لو 35:20).

أمَّا القديس بولس فتحدث عن البتولية حديثًا فيَّاضًا، بيَّن فيه سموها وبركاتها، بل لقد روَّج لها وتمنى لو صار الجميع مثله بتوليين (1كو 38،33،32،8:7).

St-Takla.org Image: A Coptic young man in contemplation, beside Church domes, crosses, angels, bells, with the words "Agios" (Holy) in Coptic language. صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل قبطي (شاب، فتى) في حالة تأمل، وبجانبه قباب كنائس وصلبان وملائكة وأجراس، مع كلمات قدوس "آجيوس" باللغة القبطية، تسبيح.

St-Takla.org Image: A Coptic young man in contemplation, beside Church domes, crosses, angels, bells, with the words "Agios" (Holy) in Coptic language.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل قبطي (شاب، فتى) في حالة تأمل، وبجانبه قباب كنائس وصلبان وملائكة وأجراس، مع كلمات قدوس "آجيوس" باللغة القبطية، تسبيح.

ونلاحظ أنَّ كلام بولس الرسول عن البتولية كان إجابة على سؤال وجَّهته إليه كنيسة كورنثوس بخصوص البتولية والزواج (1كو 1:7)... ومعنى ذلك، أنَّ موضوع البتولية والزواج قد ظهر مبكرًا في الكنيسة، منذ عصر الرسل... والموضوع لا يرتبط بالرهبنة التي أخذت وضعها كنظام في النصف الثاني من القرن الثالث.

وموجة الحماس الشديد للسمو عن الجنس والجسد، لم تقتصر على مَنْ لم يتزوجوا، بل تعدَّتهم إلى المتزوجين أيضًا، فامتنع البعض كلية عن المعاشرات الزوجية، وعاشوا مع بعضهم كإخوة وأخوات(9)، الأمر الذي دعا القديس بولس إلى التدخل، لِيُنظم موضوع المعاشرات الزوجية بين المتزوجين (انظر 1كو 7: 3-7)... كما ظهر في تلك الفترة ما عُرِفَ باسم "الزواج الروحي"، وهو أن يعيش رجل مع امرأة في بيت واحد، في أخوية روحية تقوية، بدون علاقة جنسية(10).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ويحاول البعض أن يُقلِّل من قيمة كلام الرسول عن البتولية، فيقول إنَّ كلام بولس في هذا المقام موجَّه للخدام، وبالذات الذين يشتغلون بالكرازة، على اعتبار أنَّ هذا اللون من الحياة يناسبهم أكثر من الارتباط ببيت وزوجة وأولاد... لكنَّ الرسول يتكلم كلامًا عامًا يوجهه لجميع المؤمنين، ويقول: "حَسَنٌ لِلرَّجُلِ أن لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً". وهنا يتكلم عن أي رجل، وليس الخادم... والكلام كله يسير على هذا النمط، وبنفس النغمة... (انظر ذهبي الفم في تفسيره للإصحاح السابع من الرسالة الأولى إلى كورنثوس N.P.N.F., Vo1 12 p. 105).

وقد شجع على الحماس للبتولية، حياة العذراء مريم وميلاد الرب يسوع منها وهي عذراء، وحياة يوحنا المعمدان، بل وحياة الرب يسوع نفسه(11)، كما شجعتها، تلك الحقيقة التي علَّمت بها المسيحية، أنَّ المؤمنين هم أعضاء في جسد المسيح وهيكل للروح القدس (1كو 19،15:6)... وشجع على حياة التبتل أيضًا ما كشفه القديس يوحنا في رؤياه عن مركز البتوليين في العالم العتيد، حينما ذكر المائة والأربعة وأربعين ألفًا المصاحبين للخروف على جبل صهيون السمائي، الذين يترنمون بترنيمة خاصة بهم، وقال عنهم: "هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أبكار.."(12) (رؤ 14: 1-5).

وقد أفاض آباء الكنيسة الأوائل في مدح البتولية وتمجيدها(13). وأظهرت الكنيسة تقديرها في معاملة المتبتلين وأماكن جلوسهم في الكنيسة. فَرَتَّبت أن يجلسوا في الصفوف الأولى قبل بقية المؤمنين(14)... وممَّا يوضح شرف التبتل والعفة في كنيسة الرسل، أنَّ المتزوج ثانية كان لا يتمتع بشرف الكهنوت... هكذا اشترط القديس بولس في الأسقف والشماس أن يكون كل منهما بعل امرأة واحدة(15)... وحينما يقول: " بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ"، لا يقصد تعدد الزوجات، فهذا الأمر لا وجود له في المسيحية، لكنَّه يقصد ألاَّ يكون قد ارتبط بأكثر من زيجة واحدة... وحتى الأرملة، التي لها وضع خاص وتخدم في الكنيسة، لا تحتسبها الكنيسة في صفوف الأرامل إلاَّ إذا كانت قد ترملت بعد زيجة واحدة (1تى 9:5).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(9) قال بطرس للسيد المسيح "هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ"، فكان جواب الرب عليه "لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً... أَوِ امْرَأَةً (زوجة)" (مت 29:19؛ مر 30،29:10؛ لو 29:18) ويتضح من رد السيد المسيح العالم بالخفايا، أنَّ عملية الترك التي أشار إليها بطرس كانت تشمل الزوجات أيضًا، بمعنى الامتناع عن المعاشرات الزوجية، والعيشة معهن كأخوات... يؤكد ذلك ما قاله بولس "أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أن نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا (بطرس)" (1كو 5:9)... ومن كلام بولس أنَّ الزوجة صارت أختًا.

انظر تاريخ سوريا جـ2 مجلد 3 ص 446 نقلًا عن إكليمنضس الإسكندري وذهبي الفم؛

Jerome; Against Jovinianus, 1.26.

(10) Lietzmann, A History of the Early Church, p. 153; Carrington, Vol. 1, p. 136.

وقد تدخلت الكنيسة ومنعت هذا النوع من الزواج لِمَا نتج عنه من أخطاء وانحرافات.

(11) Dictionary of Christian Antiquities, Vol. 1, p. 323.

(12) "أبكار" وليس "أطهار" كما في الترجمة البيروتية المتداولة... هكذا في كل الترجمات القديمة وحتى الحديثة أيضًا.

(13) نذكر من الآباء الرسوليين والمعلمين الأوائل هرماس وأغناطيوس الشهيد ويوستينوس الشهيد وأثيناغوراس وأوريجينوس

(14) Constitutions of the Holy Apostles, 2.7, 4.14, 8.24; Dictionary of Christian Antiquities, Vol. 2, p. 2019.

(15) (1تى 12،2:3؛ تي 6:1).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/christianity-chastity.html

تقصير الرابط:
tak.la/5qdptgc