St-Takla.org  >   articles  >   george-kyrillos  >   metacopt-hymnology
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقال الألحان القبطية وأبعادها الخمسة (متاقبط همنولوجي) - م. جورج كيرلس

3- الأبعاد الخمس للحن: آمين طون ثاناطون

 

نص اللحن
1- البُعد العقائدي للحن
2- البُعد الموسيقي للحن
3- البُعد الروحي للحن
4- البُعد التاريخي للحن
5- البُعد الطقسي للحن
تأمل

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اولًا: البُعد العقائدي للحن:

في القداس الإلهى بعدما يقول الكاهن: "لأن كل مرة تأكلون من هذا الخبز، وتشربون من هذه الكأس، تبشرون بموتي، وتعترفون بقيامتي، وتذكرونني إلى أن آجيء".

مباشرة يجاوب الشعب الأب الكاهن ويرددوا هذا اللحن الصغير جدًا، الجبار جدًا: "آمين آمين آمين، طون ثاناتون تو كيريي" وترجمتها: "آمين آمين آمين بموتك يا رب نبشر"، لحنًا كل مفرداته باللغة اليونانية، ولكن هذا اللحن بالذات من المهم جدًا أن يقال باليونانية، لأنه فعلًا يحوي تعبيرات مهمة ومصطلحات لاهوتية وعقائدية حين تترجم تفقد الكثير من قوة معانيها. ولنضرب مثلًا على ذلك حين نقول "موبايل" ونريد أن نترجمه فنسميه مثلا بالعربية "الهاتف الجوال"، وهذان اللفظان يدعوان للضحك، لأن هذا الجهاز ليس هو الذي يهتف، ولا هو الذي يجول في الشوارع وحده، ويلزم لكي نترجم كلمة موبايل ترجمة صحيحة، أن نقول:

"هو الجهاز الذي يمكن للناس أن تهتف لي من خلاله، ويمكنني ان أتجول به"!

 ما هذا... أليس الأدق ترك إسمه كما هو "موبايل" وهو مصطلح وكل العالم إتفق عليه، وهذه هي مشكلتنا في ترجمة نصوص الألحان.

فلحن "آمين طون ثاناطون" ذو الكلمات اليونانية، يحمل بين طياته المعنى اللاهوتي الجبار الذي لا يمكن ترجمته وهو ما يُسَمَّى بالـ"Anamnesis" والتي لو راجعنا معناها في القاموس نجد أن معناها "ذكرَى" أو "ذكرِي"، لكن المصطلح اليوناني نفسه ليس هذا معناه Anamnesis ولكن معناها كل الشرح التالى:

السيد المسيح في العلية حينما "أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا" كما هو مكتوب في (إنجيل لوقا 22: 19):

"هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي"

فقد جاءت الترجمة الحرفية للكلمة مسببة لكثير من اللخبطة، وكلمة Anamnesis هذه التي ترجموها "ذكرِي" أو "ذكرَى" وكأنها شيئًا للذكرى، نتذكر بها السيد المسيح بكل الخير وفقط، ليس هذا هو المقصود بها.... فكلمة Anamnesis باليونانية معناها: "إستدعاء واستحضار الشيء بحيث يصير موجودًا وله كل آثاره"، حتى دائرة المعارف البريطانية عرفتها بأنها: "لفظ يعبر عن أن الشيء الذي يوصف به، هو نفس الشيء الذي يشير إليه" ففعل الأمر من السيد المسيح للتلاميذ "اصنعوا هذا لذكرِي" ليس لمجرد أن نتذكره عقليًا، لكنه هو "Anamnesis" بمعني إعادة عمل الفداء كل يوم، كما قال القديس يوحنا ذهبي الفم: "إننا نصنع Anamnesis الذبيحة".

ولنلاحظ أن السيد المسيح لم يكن في هذا الوقت (يوم خميس العهد) قد قدم نفسه ذبيحة، فكيف أعطاهم جسده ودمه، وهو لم يقدم ذاته ذبيحة؟ ولم يسيل الدم من جنبه؟ الحقيقة أن المسيح بذاته عمل Anamnesis، وطلب من التلاميذ أن يعملوه مثله بالضبط، فهو إستدعى الذبيحة التي سيقدمها يوم الجمعة على الصليب قبلها بيوم، وكأنها حدثت يوم الخميس كما ستحدث في اليوم التالي، وأوصى تلاميذه أن يفعلوا هكذا كل مرة كل يوم إلى أن يجيء في مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا.

ولذلك فإن الشعب في القداس الإلهى حينما يقول الكاهن "وتذكرونني إلى أن آجيء" يصرخ لأنه يعيش في حالة استدعاء حقيقي لهذا الـAnamnesis ولتلك الذبيحة، ويؤمن ويصدق أن المكسور على المذبح ليس هو خبز وخمر، بل هو جسد ودم حقيقى ليسوع المسيح إبن إلهنا الذي مات وقام وصعد إلى السموات، ولذلك فإنهم يصرخون بهذا اللحن قائلين: "آمين بموتك يا رب نبشر، وبقيامتك المقدسة، وصعودك إلى السموات نعترف".

ولهذا يأتى هذا اللحن ممتلئًا قوة، حتى أنك تشعر وكأن الكنيسة ترتج من قوة التسبيح، خاصة لو أن الكنيسة ممتلئة بالمؤمنين، لأن الشعب هنا يعلن استعداده الكامل لأن يبشر بموت المسيح.. ذاك الموت الذي أقيم به الموتى إلى جِدة الحياة.

وجدير بالذكر أن التسبيح بهذا اللحن في هذا التوقيت هنا "كتابي" صِرف، أى طبقًا لتعاليم الكتاب المقدس، لأنه كما نعلم من الآية التي ذكرها مرقس الإنجيلى صاحب العلية (أول مكان تم فيه ممارسة سر الأفخاريستيا) التي تقول:

"ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" (مر14: 26).

وكأن الذي عمله السيد المسيح من سر الإفخاريستيا وما تبعه من تسبيح، نستدعيه بكامله، ومن المعروف حسب التقليد أن الرب كان يتقن جدًا حفظ المزامير والمعتقد أنه هو الذي كان يتلو المزمور بصوته العذب وكان التلاميذ يجاوبونه بـ"هليلويا".

وهذا اللحن يؤديه الشعب كله بروح واحدة، وإيمان واحد، لأن الكنيسة استلمت من القرن الأول الميلادي إنها تسبح وتصلى بحرارة في كل إفخارستيا من أجل مجيء الرب، وهذا واضح جدًا في صلوات الإفخارستيا المسجلة في "الديداخى" أو " تعليم الرسل".

ومجئ الرب يتحقق فعلًا في كل إفخارستيا، ولهذا كانت الإفخارستيا في الكنيسة الأولى بالنسبة للمؤمنين الحارين بالروح، ساعة تسبيح وابتهاج قلبى لا يوصف، وكان يمتد تأثيرها حتى بيوتهم، حيث يقول سفر الأعمال:

"وإذ هم يكسرون الخبز (مائدة الأغابى) في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب مسبحين الله ولهم نعمة لدى جميع الشعب" (أع2: 46).

وبالسر المنطوى في ممارسة وصية ربنا لنا: "إصنعوا هذا لذكري" في أننا نقيم سر عشاء الرب باستمرار وبمداومة ذكر الرب وتسبيحه، اتحدت الجماعات الأولى في جسد المسيح وعاشت سر الفداء، ولذلك كانوا بقوة وفاعلية لا توصف، يعلنون تسبيح إيمانهم قائلين: "آمين آمين آمين، طون ثاناطون"... "بموتك يا رب نبشر" فكان الرب من جهته يكمل وعده:

"وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع2: 46).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The Crucifixion and the Resurrection - Difference between two days: The Good Friday and the Resurrection Sunday صورة في موقع الأنبا تكلا: الصلب والقيامة - شتان بين يومان: الجمعة الكبيرة وأحد القيامة

St-Takla.org Image: The Crucifixion and the Resurrection - Difference between two days: The Good Friday and the Resurrection Sunday.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الصلب والقيامة - شتان بين يومان: الجمعة الكبيرة وأحد القيامة.

ثانيًا: البُعد الموسيقي للحن:

يتبادر إلى الذهن سؤالًا بسيطًا: هل يجوز أن يستخدم الدف والتريانتو في هذا اللحن؟ والإجابة نعم يجوز من الناحية الموسيقية لأن اللحن موزون وله إيقاع ثنائي منتظم، لكن بالرغم من ذلك لا تجد كنيسة في مصر ولا خارج مصر تستخدم في هذا اللحن ناقوسًا ولا مثلث (دف وتريانتو) في أداء هذا اللحن، لماذا؟......

لأن كل الشمامسة وكل الشعب يكونون في حالة تضرع تجعلهم رافعين أيديهم نحو السماء معلنين استعدادهم الكامل للاعتراف بموت وقيامة السيد المسيح، ولأن قوة اللحن الصادر من عمق قلب الشمامسة والشعب، تجرف في طريقها أى آلة موسيقية مهما كانت قوة الصوت الصادر منها.

 

المقام الموسيقى وسرعة أداء اللحن:

اللحن من مقام "هزام" وهذا المقام يتميز بالشجن، والعجيب أنه في هذا اللحن قد تحول في أفواه كل جمهور الشعب -الصارخ بحرارة روحية من عمق القلب- إلى قوة مبهجة، ربما لا يستطيع أعظم مؤلف موسيقى أن يصيغها من المقام الكبير “Major Scale”.

 

لكن يجب أن نعرف بعض الخواص لمقام الهزام في هذا اللحن:

الخاصية الأولي: أنه بالرغم من أن مقام الهزام يرتكز على درجة "المي سيكاه"، إلا أنه في هذا اللحن يتصور، أى يحدث له (Transposition) لنغمة أعلى اربع درجات من نغمة "مي سيكاه"، أى يعلو حتى نغمة الميكروتون "La" التي يسمونها بالفارسي "تِك حصار" وهذا يحدث لسبب بسيط لأن الصلوات الليتورجية يحدث لها تصعيد "Crescendo" حتى تصل إلى قمتها في هذا اللحن، الذي يصرخ فيه الشعب بأعلى صوته ويقول "أمين طون ثاناتون".

والخاصية الثانية: أن اللحن يرتكز في كل قفلات جمله الموسيقية على نغمة "ميكروتون ال La" التي تعتبر نغمة صعبة في أدائها، وبالذات صعبة في الوقوف أو الارتكاز عليها، لكن الغريب أيضًا أن الشعب يرتلها بصوت واحد من غير أي نشاذ، وكأنه يُساق بالروح في أداء هذا المقام المعقد.

الخاصية الثالثة: أن كل ما استخدمه اللحن من نغمات من مقام الهزام هو عدد 5 نغمات فقط، محصورين مابين أوطى نغمة "فا" و.. أعلى نغمة وهي "دو".

أما سرعة اللحن فهى نشطة، تقدر بحوالى 100 نبضة في الدقيقة، وإبطاء سرعة اللحن عن هذا المقدار، يجرد اللحن من أحاسيس القوة والحماس المعبرة عن صدق الآباء الأولين، الذين كان تسبيحهم بهذا اللحن هو إضرامًا لنار متأججة في قلوبهم، يدفع لظاها كل الشعب لكى يبشروا بموت من مات عنهم.

 

ولنلخص البُعد الموسيقي للحن آمين طون ثاناتون في الآتى:

* أبسط ميزان موسيقى (ثنائي 2/4).

* أبسط أشكال إيقاعية.

* اقل عدد من النغمات (خمسة)، أى أن السلم الموسيقى لم تكتمل نغماته السبع.

* لا يوجد استغلال للمساحات الصوتية، فلا يوجد نغمات في منطقة القرارات الخفيضة، أو منطقة الجوابات الحادة.

* لا يوجد أى تحولات مقامية.

ومن هنا يأتى السؤال: من أين جاءت هذه القوة لهذا اللحن؟ ومن أين جاءت الجمل الموسيقية الغنية بالمعانى رغم الفقر النغمى والإيقاعى؟

الحقيقة أنه لا يستطيع أعظم ملحن، أن يصيغ لحنًا بهذه القوة، من مقام حزين، بخمس نغمات فقط، وبدون توزيع أوركسترالي، أو حتى مجرد ناقوس ومثلث، ويقوله ناس غير متدربين على الغناء ويظهر بهذه القوة، إلا لو كان الروح القدس هو الذي وضع في نغماته هذه القوة، وكأنه يتم أيضًا في كل ليتورجية إستدعاء وعمل Anamnesis للتسبيح الذي حدث في علية صهيون

"عندما سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" (مرقص 14: 26).

← انظر مقالات وكتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثالثًا: البُعد الروحي للحن:

الحقيقة يمكننا أن نتخيل ماذا يجول في ذهن الشعب في القداس الإلهى في هذا الوقت من القداس، نعتقد أنه يمر في أذهان الشعب شريط الذكريات... السيد المسيح يجلس في العلية... يمسك بيده خبزًا... وحوله تلاميذه الأطهار وهم يمثلون البشرية كلها، منهم المندفع المعترض دائمًا مثل بطرس، ومنهم المتشكك مثل توما، وفجأة يكسر السيد المسيح الخبز، ويعطيهم جميعًا قائلًا

"خذوا هذا هو جسدى الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري...."

ماذا يا رب!! ألم يستطع "بطرس" المعترض دائمًا أن يحتج قائلًا: "إن هذا خبز!! فكيف يكون هو جسدك يا رب؟" ...ولماذا سكت "توما" الذي يشك في كل شيء، حتى أنه شك في القيامة المعلنة حين طلب أن يضع إصبعه في أثر المسامير لكى يؤمن، لا بُد أنهم جميعًا رأوا الخبز يتحول إلى جسد، والخمر يتحول إلى دم، لذا تحجرت في أفواههم كل كلمات الشك والاعتراض

"عندما سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" (مرقص 14: 26).

ولهذا يصرخ الشعب كله مسبحين كالتلاميذ قائلين: "آمين آمين بموتك يا رب نبشر"، ويكون تسبيحهم هذا من مقام "هزام" ذلك المقام الممتلئ بالشجن، لكن الذي حول الخبز إلى جسد ألا يستطيع أن يحول الشجن والحزن إلى قوة، القوة التي ستجعل كل الشعب يصرخ مسبحًا، فيخرج مبشرًا بموت المسيح معترفًا بقيامته المقدسة وبصعوده إلى السموات.

 تعتقد بعض الكنائس، أن التحول من خبز إلى جسد، ومن خمر إلى دم، يتم عند قول الكاهن: "لأن هذا هو جسدى" و"لأن هذا هو دمى"، إلا أن الكنيسة القبطية تعتقد أن التحول يتم عند حلول الروح القدس، وذلك في الصلاة السرية للكاهن عندما يصلى ساجدًا قائلًا: "نسألك أيها الرب إلهنا نحن عبيدك الخطاة، ليحل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة ويطهرها وينقلها ويظهرها قدسًا لقديسيك"، وهذا التحول ليس غريبًا، لأن "إيليا" النبي أيضا صرخ قائلًا: "استجبنى يا رب استجبنى ليعلم هذا الشعب أنك أنت الرب الإله وأنك حولت قلوبهم رجوعًا، فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة" (1ملو18: 37-38),

لذلك يقول القديس "إمبروسيوس" في كتابه عن الأسرار:

"إذا كان كلام الناس قد وجد كفؤا لتمطر السماء نارًا، فكيف لا يستطيع قول المسيح أن يبدل العناصر، فقد قرأت له أنه قال للكائنات كونى فكانت ... إذا فكلام الرب الذي قدر أن يصنع من العدم ما لم يكن له وجود، ألا يستطيع أن يبدل الأشياء الموجودة؟".

وقال ذهبي الفم:

"إن الذي صنع هناك هذه الأسرار في ذلك العشاء، هو يصنعها الآن أيضًا، وما نحن سوى قائمين برتبة الخدام ولكن هو الذي يقدسها ويحولها في الحقيقة"

و قال أيضًا: "والآن يحضر المسيح مزينًا هذه المائدة، لأن الذي زين تلك، هو أيضًا الآن يزين هذه، لأنه ليس بإنسان الذي يعتنى بأن تصير الموضوعات (الخبز والخمر) جسد المسيح ودمه، بل المسيح نفسه الذي صلب لأجلنا، الكاهن يقف متممًا الشكل، ويقدم الطلبة ناطقًا تلك الكلمات، أما النعمة والقوة فهى لله الذي يفعل كل شيء".

وقال القديس "تيطس" تلميذ ذهبي الفم في إحدى رسائله:

"إن القرطاس المصنوع من البردى والغراء يدعى قرطاسًا ساذجًا، وإذا ما اقتبل توقيع الملك، فيسمى أمرًا خطيرًا محترمًا، فهكذا أيضًا في الأسرار الإلهية، فإنها قبل توسل الكاهن، وقبل حلول الروح القدس، نقول أن الموضوع خبزًا ساذجًا وخمرًا مشاعًا، وأما بعد تلك الدعوة الرهيبة وحلول الروح المحي الصالح المسجود له، نؤمن ونعترف أن الموضوعات على المائدة المقدسة ليست هي خبزًا ولا خمرًا مشاعًا أيضًا، بل جسد المسيح إله الكل ودمه المطهر من كل دنس لمن يتناولهما بخوف وشوق".

أنا أشعر أن "آمين طون ثاناتون" صاغه كل الشعب بالروح حينما أدركوا للحظة، هذا السر العظيم الذي حول الخبز إلى جسد، والخمر إلى دم زكى، فصرخوا معًا بنفس واحدة وروح واحدة: "آمين تون ثاناتون".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

رابعًا: البُعد التاريخي للحن:

لحن آمين طون ثاناتون لحن عريق عتيق، مذكور في بردية دير البلايزة في محافظة أسيوط، والبردية أكتشفت سنة 1907 وهي غالبًا ترجع إلى القرن السادس الميلادي.

وهناك علماء قالوا أن محتويات البردية هي أنافورا (قداس) يرجع زمن الصلاة به من سنة 200 الي 300 ميلادية، وأن أجزاءً منها ترجع إلى أزمنة أقدم من هذا، ومن الممكن أن ترجع إلي زمن القداس المرقسي الذي كتبه القديس مرقس الرسول.

 ومن هذا يتضح أن عمر اللحن على أقل تقدير 1800 سنة، مما يعني أنه أثر موسيقي من القرن الثالث الميلادي، ومع ذلك نحن نتركه ونحفظ تراتيلًا جديدة، وللجميع نقول: ينبغي أن تفعلوا هذه ولا تتركوا تلك، إحفظوا ترنيمة جديدة، ولا تتركوا لحنًا عريقًا مثل هذا اللحن من غير أن تحفظوه وتعرفوا كل دقائقه.

 

معلومة هامة:

 كانت قديمًا العادة أن يُسْدَل سِتْر الهيكل أثناء حلول الروح القدس، وعند قراءة قانون الإيمان، وعند الاعتراف والتناول، ولا زالت هذه العادة موجودة عند كثير من الكنائس الشرقية، أما كنيستنا القبطية فقد ألغتها. ويجب ملاحظة أنه بعد حلول الروح القدس لا يجوز رشم علامة الصليب بيد الكاهن أو بصليبه على الجسد أو الدم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خامسًا: البُعد الطقسي للحن:

لحن "آمين طون ثاناتون" من ألحان القداس الإلهى، ويقال في سر الإفخارستيا، أثناء تحول الخبز والخمر إلى جسد ودم والذي يعرف " بسر الألوجية اليتورجيا" أو "سر الأفخارستيا"، أو "سر التناول" والذي أسسه السيد المسيح.

وتقول لنا كتب الطقس: أن من عصر الرسل وحتى اليوم والكنيسة تقدم هذه الذبيحة الغير دموية مع هذا التمجيد "امين طون ثاناتون"، وأن الجملة الأخيرة من هذا النشيد التي تقول: "نسبحك نباركك نشكرك، ونتضرع إليك" هي تسبحة مُقدَمَة للثالوث الأقدس، وشرحها الأباء وقالوا: نسبحك أيها الرب الإله، نباركك أيها الإبن الكلمة، نشكرك أيها الروح القدس لأجل هذه الإحسانات العظيمة، ونتضرع إليك أيها الثالوث الأقدس إلهنا الواحد أن تقبل منا هذه الذبيحة، ذبيحة جسد الإبن الوحيد، وترسل لنا موهبة روحك القدوس".

وبعد هذه التسبحة مباشرة، يقرب الكاهن القرابين وهو يقول: "فيما نحن نصنع ذكر آلامه المقدسة، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمينك أيها الآب، وظهوره الثاني الآتي... نقرب لك قرابينك من التي لك"، وهنا يضع يده اليمنى فوق يده اليسرى على رسم الصليب، لكى يمثل لنا نفس الحالة التي كان عليها السيد المسيح حينما قدم ذاته ذبيحة من أجلنا على الصليب.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تأمل:

يا إلهى ... يا من ألهمت شعبك بالروح أن يعرفوا أن هذا الخبز المكسور والموضوع في الصينية هو جسدك المقدس، وهذا الخمر المسكوب في الكأس هو دمك المسفوك على عود الصليب... ويا إلهى ... يا من وضعت في أفواه شعبك جمرًا، فصرخوا بهذا اللحن قائلين: "آمين تون ثاناتون" حرك مشاعرى المتجمدة لكى أصيغ لك ترنيمة جديدة، لأنى كثيرًا ما أمسك بأوتارى والنغمات تترقرق في خيالى بلا حصر، والإيقاعات تدب في كيانى باشكالها العديدة، والموازين تتغير أرقامها بلا نهاية والمقامات تتبدل أمامى من المشارق إلى المغارب... ولكن الأوتار لا تطاوعنى... إنها عنيدة، تنتظر دائمًا حتى يأتى روحك القدوس ليصنع من الآكل أكلًا، ومن الجافى حلاوة، أريد أن روحك القدوس يحرك أوتارى الخرساء فتنطق كما نطق الشعب بأكمله عندما أدركوا السر المقدس قائلين:

"آمين تون ثاناتون"

آمين بموتك يا رب نبشر.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/george-kyrillos/metacopt-hymnology/amen-ton-thanaton.html

تقصير الرابط:
tak.la/pv9pts6