St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

551- أية مدينة ليهوذا ذهبت إليها العذراء مريم في الجبال (لو 1: 39)؟ وكيف عرفت أليصابات حَبَل العذراء، وإن ما في بطنها هو ابن اللَّه بالحقيقة (لو 1: 43)؟ وهل أليصابات هيَ التي نطقت بتسبحة العذراء (لو 1: 46-55) كما ظهر ذلك في بعض المخطوطات اللاتينية؟

 

س551: أية مدينة ليهوذا ذهبت إليها العذراء مريم في الجبال (لو 1: 39)؟ وكيف عرفت أليصابات حَبَل العذراء، وإن ما في بطنها هو ابن اللَّه بالحقيقة (لو 1: 43)؟ وهل أليصابات هيَ التي نطقت بتسبحة العذراء (لو 1: 46-55) كما ظهر ذلك في بعض المخطوطات اللاتينية؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- أية مدينة ليهوذا ذهبت إليها العذراء مريم في الجبال (لو 1: 39)..؟ قال القديس لوقا: "فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا" (لو 1: 39)، وهذه المدينة هيَ غالبًا "حبرون" مدينة الكهنة، والتي جاء ذكرها في سفر يشوع: "وَأَعْطَوْهُمْ قَرْيَةَ أَرْبَعَ أَبِي عَنَاقٍ هِيَ حَبْرُونَ فِي جَبَلِ يَهُوذَا. وَأَعْطَوْا لِبَنِي هَارُونَ الْكَاهِنِ مَدِينَةَ مَلْجَإِ الْقَاتِلِ حَبْرُونَ مَعَ مَسَارِحِهَا، وَلِبْنَةَ وَمَسَارِحِهَا" (يش 21: 11، 13). ومدينة "حبرون" هيَ مدينة الخليل الآن، وغالبًا كانت بلدة زكريا الكاهن (راجع تفسير العهد الجديد في مُجلد واحد ص134، التفسير التطبيقي ص2062).

 

2- كيف عرفت أليصابات حَبَل العذراء مريم وأن ما في بطنها هو ابن الله بالحقيقة..؟ لم يكن أحد في العالم كله يعرف شيئًا عن حلول أقنوم الكلمة في أحشاء البتول العذراء مريم، ولا يوسف النجار أقرب المُقربين للعذراء، وكانت العذراء في الأيام الأولى من الحمل، فلا يبدو عليها أي مظاهر للحمل، وإذ كانت العذراء يتيمة الوالدين، وكانت تجمعها مع أليصابات التي تعتبرها كابنة لها مودة خاصة، لذلك فضَّلت أن تُسرع إلى أليصابات عن أن تذهب إلى أختها زوجة كلوبا، ولا سيما بعد أن سمعت بخبر حبلها في شيخوختها... قطعت المسافة في عدة أيام بمفردها، ولا أدري كيف كانت مسيرتها، هل مع جماعة من المسافرين أم بمفردها، وكيف كانت تقضي ليلها، ولكن ما أعرفه أن الملائكة كانت تحف بها كجنود أوفياء حول ملكهم الساكن في الحشا البتولي. إلى أن وصلت إلى منزل الكاهن الصامت الذي عاين روئ السماء، وكان اللقاء الرائع بين العذراء والعجوز البارة أليصابات، وقد شرح لنا القديس لوقا هذا اللقاء، وكيف عرفت أليصابات بالبُشرى الفريدة قبل أن تخبرها الفتاة البتول: "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (لو 1: 41)، فارتكض الجنين، وعمره ستة أشهر، في بطن أليصابات، وكأنه يُقدِّم السجود لسيده غير المنظور، جعل أليصابات تشعر بعظمة العذراء التي تحمل في أحشائها ملك الملوك ورب الأرباب، فصرخت بصوت عظيم: "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ. فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي" (لو 1: 43، 44). هذه هيَ اللحظة التي تحقق فيها قول رئيس الملائكة جبرائيل لزكريا الكاهن: "وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (لو 1: 15)، وهذه هيَ اللحظة التي امتلأت فيها أليصابات أيضًا من الروح القدس وشهدت لألوهية الجنين، لأنه: "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ يَسُوعُ رَبٌّ إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (1 كو 12: 3). لقد أعلنت أليصابات بأجلى بيان عن عقيدة "الثيؤطوكوس" عندما قالت عن العذراء البتول " أُمُّ رَبِّي". تلك العقيدة التي دافع عنها البابا كيرلس الأول في مجمع أفسس قائلًا: "السلام لمريم والدة الإله (ثيؤطوكوس)، الكنز الملوكي للعالم كله، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، الأم وعذراء. السلام لكِ يا من حملتِ غير المحوى في أحشائك البتولية المقدَّسة" (81). وكان من أهم نتائج مجمع أفسس سنة 431م وضع "مقدمة" قانون الإيمان: "نعظمك يا أم النور الحقيقي، ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله مريم، لأنه ولدتِ لنا مُخلص العالم آتى وخلصنا..".

St-Takla.org Image: Saint Mary and St. Elizabeth with Jesus as a young boy. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديسة مريم مع القديسة أليصابات مع الفتى يسوع.

St-Takla.org Image: Saint Mary and St. Elizabeth with Jesus as a young boy.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديسة مريم مع القديسة أليصابات مع الفتى يسوع.

ومع غرابة إعلان الروح القدس لأليصابات، إذ كيف تحمل عذراء؟!! وكيف وكيف تحمل بابن اللَّه؟!! فإن أليصابات آمنت وصدقت وسرَّت وابتهجت... انحنت العجوز المُسن أمام الفتاة الصغيرة، وقد أدركت سمو رتبتها، فهيَ تابوت العهد، قدس الأقداس، العرش الإلهي، مدينة اللَّه، مسكن اللَّه مع الناس، ولم تحتمل أليصابات هذا السخاء الإلهي، فصرخت بصوت عظيم " أُمُّ رَبِّي". ويقول "الدكتور القس إبراهيم سعيد": "ولنا هنا دليل على قوة إيمان أليصابات بلاهوت المسيح إذ آمنت بالمسيح أنه "رب" قبل أن تراه، وهذا ظاهر من قولها " أُمُّ رَبِّي" لأنه كيف يمكن لمن لم يُولَد بعد أن يكون ربنا؟ فإذا نطقت أليصابات بشهادة لم يفه بها فم توما إلاَّ بعد أن لمس آثار جروح المسيح بعد قيامته، فكانت في تعظيمها مريم كمن يحيي كوكب الصبح الذي هو بشير طلوع وشمس الصباح" (82).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

3- هل تسبحة العذراء مريم (لو 1: 46-55) نطقت بها أليصابات كما ظهر في بعض المخطوطات اللاتينية..؟ الحقيقة أنه جاء في عدد ضئيل من المخطوطات اللاتينية عبارة: "قالت أليصابات" بدلًا من "قالت مريم"، وبلا شك أن هذا خطأ وقع فيه بدون قصد أحد النُساخ بدليل:

أ– إن القديس لوقا قال أن أليصابات: "صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ" (لو 1: 42) فما الداعي لإعادة القول: "فقالت أليصابات" (لو 1: 46) فيكرر القول أن أليصابات قالت، ولا يأتي بأي رد فعل من مريم العذراء، بينما اللقاء جمع الاثنتين والحديث سري بينهما. إذًا بالعقل والمنطق أن أليصابات عندما قالت (لو 1: 42) فإنها نطقت بتسبحتها، وما جاء من (لو 1: 46-55) يخص مريم العذراء ولا يخص أليصابات.

ب- هناك اختلاف في اللهجة والأسلوب بين التسبحتين، فجاءت تسبحة أليصابات مشحونة بالانفعالات والإثارة، كقصف الرعد، بينما جاءت تسبحة العذراء كنغمات النسيم الهادئ الرزين المتزن، ركزت مريم على عمل اللَّه وقوته وقداسته ورحمته، وظهرت فيها المتناقضات: "أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ... وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ" (لو 1: 52) و: "أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ" (لو 1: 53).. عبَّرت أليصابات عن بهجتها بصوت عظيم يتجاوب مع ما جاء في التلمود عن المسيا: "طوبى للساعة التي يُولَد فيها مسيا (المسيح) وطوبى للبطن الذي يحمله، وطوبى للجيل الذي يراه، وطوبى للعين التي تنظره" (83)، وأيضًا صرخة أليصابات يتجاوب مع " صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ" (إش 40: 3، مر1: 3)، بينما تسبحة العذراء الهادئة العميقة يتجاوب معها صوت ذاك الذي: "لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ" (مت 12: 19).

جـ- من يدرس التسبحتين يدرك أنهما تسبحتان لشخصيتين مختلفتين لهما نفس الإيمان، قيلتا في مناسبة واحدة وظروف واحدة، أحدهما لأليصابات والأخرى للعذراء مريم التي قالت للملاك: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو 1: 38). وقالت لها أليصابات: "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45).

ويقول "القس سمعان كلهون": "فنطقت مريم بتلك التسبحة التي لم تزل من أحلى تسبيحات الكنيسة في كل عصر... سبحت اللَّه تسبيحًا لأجل مجده وأوصافه ورحمته لها ولبني البشر، وابتهج قلبها بالمُخلص الذي قرب ظهوره... ولا بد أن اجتماع هاتين القديستين كان كاجتماع القديسين في السماء، فإن كلاهما يدل على وجود الإيمان العظيم والإحساسات الدينية الفائقة فيهما. فما كان أكرم ذلك البيت الذي اجتمعت فيه نحو ثلاثة أشهر هاتان الفاضلتان اللتان ولدتا ذينك الشخصين.." (84).

ويقول "ماك نيكل": "صعدت مريم إلى اليهودية يحدوها اشتياق شديد، واستقبلتها أليصابات بتحية ملؤها الشعور الفياض (39-45) ونحن نجد في أنشودة مريم نسمات الاطمئنان العميق الهادئ والشعور بالسمو" (85).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(81) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص41.

(82) شرح بشارة لوقا، ص26.

(83) أورده الدكتور القس إبراهيم سعيد - شرح بشارة لوقا، ص26.

(84) اتفاق البشيرين، ص61، 62.

(85) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس، جـ 5 ص174.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/551.html

تقصير الرابط:
tak.la/bm5cchh