St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   10-Resalet-Afasos
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

الرسالة إلى أهل أفسس 6 - تفسير رسالة أفسس

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس:
تفسير رسالة أفسس: مقدمة رسالة أفسس | الرسالة إلى أهل أفسس 1 | الرسالة إلى أهل أفسس 2 | الرسالة إلى أهل أفسس 3 | الرسالة إلى أهل أفسس 4 | الرسالة إلى أهل أفسس 5 | الرسالة إلى أهل أفسس 6

نص رسالة أفسس: الرسالة إلى أهل أفسس 1 | الرسالة إلى أهل أفسس 2 | الرسالة إلى أهل أفسس 3 | الرسالة إلى أهل أفسس 4 | الرسالة إلى أهل أفسس 5 | الرسالة إلى أهل أفسس 6 | الرسالة إلى أهل أفسس كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

آيات 1-3: أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ. «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، «لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ».

يستمر الرسول في مخاطبته للبيت المسيحي. أطيعوا في الرب: إذًا الطاعة مستمدة من الروح المسيحية كما أطاع المسيح أباه حتى الموت. وكما أوصى الله في الوصايا العشر. وهذه الوصية هي أول وصية بوعد. يكون لكم خير: أي أن من يطيع يعيش تحت خيرية الله، متمتعً بخيراته. أكرم = أي أحب واحترم وأطع وقدم المعونة. ومعنى أن بولس يشير لهذه الوصية، إذًا فنحن ملزمون بالناموس الأخلاقي، فما تم إلغاؤه هو الناموس الطقسي والفرائض. بل إن وصية إكرام الوالدين هي وصية بحسب الناموس الطبيعي، فالابن يكرم أباه وأمه اللذان سهرا لأجله. بل أن المسيح خضع لأبويه بالجسد (أمه وأبوه بالتبني). والناموس كان يعاقب من يهين أباه وأمه (خر15:21-17) + (لا9:20) + (تث16:27) + (أم17:30) + (خر12:20) + (تث16:5). وأهمية هذه الوصية أن من لا يستطيع أن يكرم أباه وأمه اللذان ربياه وسهرا عليه، فهو لن يستطيع أن يكرم الله الذي لم يره. فإكرام الوالدين هو نموذج لإكرام الله. في الرب: أي علينا أن نميز ما هو للرب فنطيعه وما ليس للرب فلا نطيعه. ففي (لو51:2) نجد المسيح يعلن أنه يطيع أباه السماوي أكثر منهما.

وتكونوا طوال الأعمار: فالرسول يكلم أولادًا صغار روحيًا كما كان الآب السماوي يكلم أطفالًا صغار روحيًا في العهد القديم، وطول العمر يحببهم في الوصية. والمسيح مع أنه أطاع الوصية إلاّ أنه صُلِبَ ومات وعمره 33 سنة فقط. ولكنه قام على مستوى أبدي. وهذا ما يحدث لنا لو أطعنا الوصية. فطول العمر على الأرض ليس هو المهم بل أن تكون لنا حياة أبدية.

 

St-Takla.org Image: “Honor your father and mother,” which is the first commandment with promise" [Honour thy father and mother] (Ephesians 6:2). - by Charles Joseph Staniland. صورة في موقع الأنبا تكلا: "«أكرم أباك وأمك»، التي هي أول وصية بوعد،" (أفسس 6: 2) - للفنان تشارلز جوزيف ستانيلاند.

St-Takla.org Image: “Honor your father and mother,” which is the first commandment with promise" [Honour thy father and mother] (Ephesians 6:2). - by Charles Joseph Staniland.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "«أكرم أباك وأمك»، التي هي أول وصية بوعد،" (أفسس 6: 2) - للفنان تشارلز جوزيف ستانيلاند.

آية 4: وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ.

لا تغيظوا: بالإهمال وعدم الاكتراث بالتربية أو بالتمييز بين الأولاد، والقسوة والظلم وإلقاء التهم جزافًا مع أن الولد قد يكون بريئًا منها. وهذا يدفع للتمرد والعدوانية والتخريب. بتأديب الرب: أي بحسب وصايا الرب يسوع، فالمسيح هو قائد الفكر والتدبير. وبذلك يكون الولد خائفًا الرب، مطيعًا للرب أولًا. ولذلك فمن المهم أن يهتم الآباء بأن يصلي أبناءهم ويذهبون للكنيسة.

 

آيات 5-9: أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ، خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ. عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا. وَأَنْتُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هذِهِ الأُمُورَ، تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ.

وفيها يوجه الرسول حديثه للعبيد بعد أن تكلم عن الأسرة ليضع العبيد في وسط الأسرة. ونلاحظ أن الرسول لم يقف ثائرًا على الأوضاع الاجتماعية السائدة، إنما مصلحًا لها بهدوء وفاعلية. وهو لم يطلب ثورة العبيد ضد السادة، إنما طالبهم بكسب رضا سادتهم، وعلى العبد أن يحب سيده وأن يخدمه بقلب مخلص من أجل الرب. وهذا يؤثر بشدة في السادة، وبهذا يصير العبيد معلمين لسادتهم. ووعد العبد الذي يفعل ذلك بالخير الأبدي.

أطيعوا سادتكم حسب الجسد: بحسب النظام القائم وقتئذ، ولكن عليهم أن يكونوا بحسب الروح في طاعة للمسيح. فالسيد الحقيقي فوق الكل هو المسيح فلا نخافه. حسب الجسد = فسيد الأرواح هو الله فقط.

في بساطة قلوبكم: يمكن للإنسان أن يخدم بخوف ورعدة ولكن بإرادة غير صالحة ويغش سيده خفية وهذا لا يوافق الرسول عليه. ولكن على العبد أن يكون أمينًا ليرضي الرب. وكلمة بساطة تعني أنه على العبد أن يكون له هدف واحد هو إرضاء الرب بأمانته وطاعته. وهذا الكلام موجه لكل عامل ولكل موظف وكل خادم، فعلى كل واحد أن يرضي الله بأمانته. والآن لا يوجد عبيد، لكن يوجد عمال وموظفين وفي الكنائس يوجد خدام، وعلى كل واحد أن يخدم في عمله بأمانة ليرضي الله.

بخوف ورعدة: هنا حوَّل الرسول نظر العبد من خدمة سيده لخدمة المسيح، وإذا كان في خدمته يخدم المسيح فهو لا بُد أن يخدم بخوف ورعدة معبرًا عن محبته للمسيح، وهو سينال مكافأته من المسيح بحسب (الآية 8). وقوله بخوف ورعدة قد تشير أيضًا لإظهار الاهتمام بتنفيذ الأوامر. عبدًا كان أم حرًا: ففي الأبدية نرى الكل وقد صاروا سواء وهذا درس للسادة، فالعبودية هي وضع مؤقت على الأرض. وإن طلب الرسول من الزوجة أن تخضع لرجلها وهي ليست أقل منه، فهو يفعل نفس الشيء مع العبيد. ولقد صار كثير من العبيد أساقفة وكهنة وكارزين بالحق. لا بخدمة العين: أي خدمة في الظاهر فقط أمام أعين سيده وبهذا ينال رِضَى سيده وليس رضى الرب. كما للرب: خدمة صادرة من القلب، فالأمانة في العمل هي أمانة للرب أولًا. افعلوا لهم هذه الأمور: في آية 9 يقدم الرسول نصيحة للسادة. وقوله افعلوا لهم هذه الأمور، أي أيها السادة افعلوا لعبيدكم نظير هذه الأمور التي ذكرتها للعبيد أن يفعلوها معكم. أي تصرفوا بنفس المبادئ، فعلى السيد أن يهتم بعبده ويخدمه ويسلك معه بروح المحبة والرحمة، وهنا نرى أن السيد عليه واجبات تجاه عبده. عالمين أن سيدكم: إذًا أنتم وهم عبيد لله، أي لسيد واحد وهو يعامل الكل بعدل بغض النظر عن القوانين البشرية التي جعلت هناك سادة وعبيد. ومعنى كلام الرسول أن على السيد أن يعامل عبده كمن يعامل المسيح، كما قال للعبد أن يخدم سيده كمن يخدم المسيح. وهذه الوصية في زمان بولس الرسول كانت وصية خطيرة لأن السادة كانوا يعتبرون العبيد من دم آخر وليس لهم أي حقوق، ومتى شاءوا يقتلونهم. ففي نظر الرومان في ذلك الزمان أن العبد كان يفضل قليلًا عن الحيوان، وإذا قتل سيد عبده لا يحاسبه أحد.

 

آية 10: أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.

هناك حروب داخلية تحارب الإنسان في فكره وضميره وعواطفه لمحاولة زعزعة إيمانه وصده عن المسيح. ولكن هل يتركنا الله في هذه الحرب؟ قطعًا الله لا يترك كنيسته بل زودها بأسلحة كافية وهذا موضوع الآيات القادمة.

تَقَوّوْا: جاءت الكلمة في اليونانية مبنية للمجهول، فنحن لا يمكننا أن نتقوى من أنفسنا ولكن الله يعطي قوة لمن يسأل ويريد ويجاهد (أف20:3). والقديس يوحنا فم الذهب فسر الكلمة قائلًا تقووا بالرجاء الذي فيكم، أي لا تخافوا بل القوا رجاءكم على الرب وبلا يأس وهو سيجعل كل شيء سهلًا. ونلاحظ أن القوة التي يعطيها الله لمن يجاهد برجاء ليست بالقوة الهينة بل هي بحسب شدة قوته. فالله قوي للذين يَدْعونه وقوته غير محدودة. والجهاد المطلوب نوعان لنثبت في المسيح:

1. إيجابي: كالصلاة والصوم ودراسة الكتاب.. أن أحاول أن أعمل أعمال بر.

2. سلبي: هو قرار بالامتناع عن الخطية ورفضها. أن أقف كميت أمامها.

وبهذا الجهاد الإيجابي والسلبي يلتصق المؤمن بالله ويثبت فيه، وهذا معنى قوله في الرب. والله مصدر لانهائي للقوة.

 

آية 11: الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.

السِلاَحَ: هو جهاد مستمر للبقاء بجانب الله متمسكين به مصلين له ثابتين في المسيح. والمسيح الذي فينا هو الذي يغلب. نحن لا قِبَلَ لنا بمحاربة إبليس، ما علينا سوى الثبات في المسيح الذي خرج غالبًا (بصليبه) وما زال يغلب (فينا) (رؤ2:6). وهذا السلاح هو سلاح كامل: أي لا مكان للضعف مع هذا السلاح، هو سلاح قادر أن يغطيني بالكامل ولا يترك مكانًا ضعيفًا. فقوة المسيح الذي أمسك فيه لا نهائية، لا يستطيع العالم ولا رئيسه إبليس أن يواجهها. ومن يجاهد ويحاول أن يفعل ، هذا سيجد قوة المسيح الجبارة تسانده، وحينئذ عليه بتواضع أن ينسب القوة لله وليس لنفسه، ومن يواظب على الصلاة لا يدنو منه إبليس (راجع قصة الشهيدة يوستينة).

تثبتوا: تكسبوا موقفكم تجاه مكايد إبليس: أي خداعه = فهو يُكْسِبْ الخطية ثوب اللذة والسعادة، ويخفي عن عينيه الآلام والأحزان التي سيحيا فيها بعد الخطية. ومن يصدقه يجد نفسه في مصيدة إبليس، والخطية أو اللذة كانت الطُّعْم الذي أوقعه داخل المصيدة. ومن دخل المصيدة لن يجد سوى الهم. وإن كان الخاطئ يتلذذ بالخطية فالشيطان يتلذذ بعذاب الإنسان. ومِنْ مكايد إبليس وخداعاته أنه يصور نفسه بأنه لا يقهر ويدس اليأس في نفس الخاطئ ويصور لهُ أن الله لن يغفر، ويشكك الناس في كلام الله ووعوده.

 

آية 12: فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.

مصارعتنا: هي مصارعة فكرية وليست جسدية، لذلك قال الآباء عن الشيطان أنه قوة فكرية. أما عن الأفكار التي يلقيها في عقولنا، فهي تشكيك في الله وفي كل شيء، وهي أفكار شهوانية وهي أفكار حسد وغيرة وكراهية وهي عدم محبة للآخر وهذه حرب مع عدو قوي، يستخدم الوسيلة التي يراها مناسبة ليسقط كل واحد.

الرؤساء والسلاطين: هم أصلًا درجات من الملائكة ولكن سقط بعضًا منهم فصاروا شياطين. والمسيح قال عن الشيطان رئيس هذا العالم (يو30:14) + (يو11:16). رئيس العالم بمعنى أنه يستخدم إغراءات الخطايا التي في العالم ليخدع أولاد الله "أعطيك كل هذه.. لكن اسجد".

وُلاَةِ الْعَالَمِ: هم الشياطين الذين يحكمون العالم عن طريق إيحاءات الخطية وأسلحتهم المال واللذات والكرامة. وهدفهم إسقاطنا في الخطية واستعبادنا. ولنرى قوة الشيطان راجع (دا12:10-14). ولكن فلنثق أن كل أسلحته خداع ومظاهر زائلة، راجع تفسير (إر46: 17) فيقول عن الشيطان أنه هالك وفي الإنجليزية هو ليس أكثر من صوت مزعج.

على ظلمة هذا الدهر: ما يوجد في هذا العالم من آلام وشرور. وهذا الوصف قاله المسيح أولًا (لو52:22، 53). فالعالم كان قبل المسيح ظلمة. فالظلمة كناية عن عمل الشيطان، أمّا المسيح فنقلنا من الظلمة إلى النور (كو13:1). لذلك فأولاد الله ليسوا في ظلمة بل في نور.

فِي السَّمَاوِيَّاتِ: المسيح جعل كنيسته تعيش في السماء (أف6:2). فهو "طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9). والسماء هنا ليست مكانًا بل حالة ووجود فقط. فالكنيسة التي تحيا السماويات معرضة لحروب إبليس ليجذبها من السماويات، وهذا من حسد إبليس. والسيد قال "ملكوت الله داخلكم" (لو21:17). فإذا كان ملكوت الله داخلنا، فالفرح والسلام والمحبة داخلنا لأن المسيح يملك على القلب، وهذه هي السماويات التي نحياها.

 

آية 13: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا.

الله لم يتركنا بمفردنا ضد إبليس، بل أعطانا أسلحة نواجهه بها. وسلاح الله الكامل هو قوة الله الموهوبة لنا لكي نغلب بها. اليوم الشرير: هي الحياة الحاضرة (غل4:1). ويسميها العالم الحاضر الشرير وذلك بسبب الشر الذي يرتكب فيه ، ويسميه اليوم نظرًا لقصر الحياة. ويسميه الشرير بسبب حروب الشيطان الشرير المستمرة لنا. ولاحظ أنه في الأبدية لا حروب ضدنا.

وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا: الأسلحة تحتاج للتدريب لنستعملها بمهارة إذًا المطلوب.

1. التدريب المستمر على استخدام الأسلحة.

2. استعمال هذه الأسلحة باستمرار سواء انتصرنا أو انهزمنا.

 فلو حدث وانتصرنا على الشيطان في إحدى الجولات، فليس معنى هذا أن الحرب انتهت، بل هو سيعود ثانية، إمّا بنفس الحيلة أو بغيرها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهكذا قيل عن حرب إبليس مع السيد المسيح فبعد أن انتصر المسيح عليه قيل عن إبليس أنه "فارقه إلى حين" (لو 13:4). ولو حدث وخسرتم جولة، أي سقطتم فلا يأس، بل قوموا وعاودوا استخدام الأسلحة بلا يأس. فاليأس لغة يشجع عليها إبليس، وهذا كذب، فالله مستعد لقبول التوبة. ليس معنى سقوطنا أنها النهاية، لا بل علينا أن نثبت. ولنسمع قول النبي "لا تشمتي بي يا عدوتي إذا سقطت أقوم" (مى8:7). إذًا معنى قول الرسول أنه سواء انتصرتم أو سقطتم اثبتوا واستمروا في المعركة، وهذه المعركة لن تنتهي إلاّ بنهاية الحياة على الأرض. إذًا فلنثبت ممسكين بأسلحتنا ولنستخدمها حتى النهاية حتى لا نهلك.

أن تثبتوا = إبليس يحاربنا بكل أنواع الحروب الممكنة ليسقطنا من حياتنا السماوية، ومن أنواع الحروب المشهورة:

  1. الشهوات الجنسية مستغلا ضعف الجسد.

  2. الحروب العقلانية والتشكيك في كل شيء.

  3. عدم المحبة بما يتضمنه ذلك من الكراهية والغيرة والحسد ...إلخ.

  4. الكبرياء وصغر النفس وهما خطيتان عبارة عن وجهان لعملة واحدة.

  5. اليأس.

ولذلك أمدنا الله بأسلحة روحية للمقاومة. والآيات القادمة تشرح هذه الأسلحة. ولكن ملخص المطلوب هو الالتصاق الدائم بالمسيح والجهاد للامتلاء بالروح القدس. والروح القدس يعطي معونة (النعمة) وهي أقوى من حروب إبليس (يع4: 6).

إذًا قول الرسول أن تثبتوا يعني ببساطة أن تثبتوا ملتصقين بالمسيح. وهذا ما كان بولس الرسول يعنيه من قوله:-

1. "صلوا بلا انقطاع" فالصلاة هي صلة بالله ويجب أن تكون مستمرة فلا نعطي لعدو الخير فرصة ليهاجمنا ونحن منفصلين عن الله فنكون بلا حماية. وهنا في آية (18) يقول "مصلين بكل صلاة".

2. بدراسة الكتاب وحفظ آياته "التي هي سيف الروح" (آية17) وبها نعرف كيف نجاوب الشيطان على محاولات تشكيكه، وهذا ما عمله السيد في تجربة الشيطان له على الجبل.

3. في وقت هجوم الشيطان الفكري علينا، أي حينما تهاجمنا أفكار خاطئة من أي نوع. هنا لا بد من 1*الصراخ لله لكي يبعده عنا، ومعنى الصراخ هو أن يكون من القلب، ويكون الصراخ باسم الرب يسوع الذي اسمه يرعب الشياطين. 2*ونرسم علامة الصليب. 3*ونتشفع بالقديسين.

المسيح خرج غالبا ولكي يغلب:

كل ما عمله المسيح كان لحسابنا = (راجع مقالة "ماذا قدَّم لنا المسيح بتجسده" في نهاية تفسير رسالة كولوسي). ونفهم أن غلبة المسيح على الشيطان في تجربة الجبل وغيرها أعطتنا أن نغلب الشيطان بسهولة، لأن المسيح الذي فينا هو الذي يغلب. المسيح هو الذي يقود حياتنا كفارس يقود حصانا خرج غالبا ولكي يغلب. والشيطان بكذبه يخدعنا بأننا غير قادرين على أن نغلبه، والحقيقة أننا أضعف من أن نغلبه بمفردنا. ولكن الغلبة ليست بقوتنا، بل المسيح الذي فينا هو الذي يغلب. ولكن لنلاحظ أن المسيح صُلِب في هيئة ضعف، ولكنه في هيئة ضعفه هذه بل وموته غلب الشيطان وكان هذا لحسابنا. هذه القوة صارت تعمل فينا الآن، إذ صارت لنا حياته. حقا كما قال الوحي على لسان يوئيل النبي "اطبعوا سكاتكم سيوفا ومناجلكم رماحا. ليقل الضعيف بطل أنا" (يؤ3: 10). ولاحظ في هذه الآية أن القوة التي يعطيها الله ليست للدفاع ضد حروب إبليس، بل هي للهجوم عليه. فالسيوف والرماح تستخدم في الهجوم. وهذا ما قاله الرب "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة (الإيمان الذي أعلنه بطرس بأن المسيح هو ابن الله الحي) أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18). الكنيسة المسبحة والتي لا تكف عن الصلاة تهزم مملكة الشياطين وقواتهم وتقتحم أبوابهم. الكنيسة جعلها مسيحها كنيسة قوية تهاجم وتسحق الشيطان، فلا معنى أن نصدق الشيطان بأننا ضعفاء أمامه. وهذه القوة ليست منا بل كما قال الرسول هنا هي في الرب أي لمن يثبت في الرب "تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ".

 

آية 14: فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ،

فاثبتوا = داود سقط إذ ألقى أسلحته أي كف عن صلواته ومزاميره.

ممنطقين أحقاءكم = هذا ما يفعله الجندي الروماني، إذ كان يشد حقويه بمنطقة جلدية تعطي للظهر شيئًا من الصلابة، وهكذا كان يفعل العامل أو حامل الأثقال أو المسافر كاستعداد للسفر (خر11:12). وهكذا قال السيد "منطقوا أحقاءكم" (لو35:12). فنحن مسافرين للسماء. إذًا المنطقة تلبس في حالتين:

1. الاستعداد للسفر. فنحن في أرض غربة، نستعد للسفر إلى السماء، لأبديتنا.

2. الاستعداد لعمل شاق، ونحن في حرب مستمرة ضد إبليس، فهو لا يكف عن الحرب.

بِالْحَقِّ: حين نمنطق حقوينا بالحق، يكون المعنى أن الحق هو الذي يحكم كل حركاتنا. به نتمسك ونحبه، ولا يستطيع أحد أن يثنينا عن عزمنا ورجائنا. والحق ضد الباطل، والباطل هو هذا العالم بكل ما فيه (جا2:1 + 11:2) فمن يتمنطق بالباطل هو من يجري وراء الشهوات والمال، وإذا عرف إبليس نقطة ضعف أحد يهاجمه منها. أماّ من يتمسك ويتمنطق بالحق لن يعرف إبليس له مدخلًا. ومن فهم أن العالم باطل، لن يتعلق بشىء. أماّ من يتمسك بالحق، فهو يتمسك بالمسيح (يو6:14) فيكون المسيح هو مصدر عفتنا ونقاوتنا وقوتنا، والتمسك بالمسيح هو السلاح ضد إبليس. لذلك يقول الرب "اثبتوا فيَّ..." فالحق هو معرفة المسيح ومعرفة وصاياه والتمسك بتعاليمه وتنفيذها، والحق هو الكتاب المقدس وهو السماء. والتمسك بالمسيح يجعلنا نرفض الغش والكذب. الحق منبعث من طبيعة الله ويعطي قوة لمن يتمسك به بأمانة وإخلاص. فلنتمسك به كمسافرين ومحاربين.

العالم باطل ومخادع، ولكنه جذاب، وجسدنا الضعيف له شهوات قوية لهذا العالم - والحل معرفة المسيح الذي هو الحق. وهذا ما قاله رب المجد "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو8: 32). والمطلوب الجهاد لكي نلتصق بالمسيح بصورة دائمة، وذلك لنعرفه أي لنكتشف جمال الحق وتفاهة الباطل. لذلك اهتم المسيح بهذه الخبرة الشخصية وسأل تلاميذه "وأنتم من تقولون إني أنا" (مت16: 15) فمعرفة شخص المسيح وحلاوة عشرته، وقوة حمايته فيها الكفاية لنحتقر كل ملذات العالم، بل ونلقي كل اتكالنا عليه، كما قال بولس الرسول "بل أني احسب كل شيء أيضًا خسارة من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من اجله خسرت كل الأشياء، وأنا احسبها نفاية لكي اربح المسيح" (فى3: 8). وهذا أيضًا معنى المثل الذي قاله رب المجد عن اللؤلؤة كثيرة الثمن" (مت13: 46). ولاحظ أن المعرفة أيضًا تعني أن المعرفة تعني أيضًا الإتحاد والثبات في المسيح، وهو الذي يقود الحرب ضد إبليس.

مُمَنْطِقِينَ = أي هذا هو الوضع الدائم الذي ينبغي ان نكون عليه ، فنحن لا نعلم في أي ساعة نغادر هذا العالم . فقوله ممنطقين تعني عدم خلع المنطقة ، فمن عرف المسيح حقيقة كلؤلؤة كثيرة الثمن لن يبيعه بثمن رخيص هو محبة العالم والخطية التي في العالم. أي الاستعداد الدائم بالالتصاق بالمسيح، ولا نغفل عن هذه العلاقة كما غفل داود عن التسبيح والجهاد فسقط إذ غلبته شهوته إذ كان وحيدا بدون حماية الله. لأن ما في العالم من شهوات هي لآلئ قيمة في نظر الإنسان الطبيعي (الإنسان بدون عمل النعمة)، فلما غابت صورة الله اللؤلؤة كثيرة الثمن عن عيني داود إنجذب إلى لؤلؤة عالمية.

ممنطقين أحقاءكم بالحق = حياة الاستعداد الدائم والتمسك بكلام الله وهو الحق - والالتصاق الدائم بالمسيح فلا يغيب عن عيوننا لحظة حتى لا ننجذب للباطل.

لاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ: من يلتزم بحياة البر ويجاهد لكي يحيا في فضيلة ، ويجاهد لكي يسلك باستقامة روحيًا وأخلاقيًا يكون المسيح هو درعًا لهُ يحميه من سهام العدو الملتهبة نارًا والموجهة لكل أولاد الله (مز4:120). والله يعطينا إذا تمسكنا بالبر قوة لنرفض كل خطية يعرضها علينا إبليس. ولاحظ أن الدرع يحيط بالصدر أي القلب فيحميه من خداعات إبليس وأسلحته كالشهوات. أماّ من يريد أن يسلك في الخطأ فلن يحميه المسيح.

إذن يريد ويسأل بجدية سيأخذ..اسألوا تعطوا . والمسيح ما زال يسأل أتريد أن تبرأ

إبليس يعرف نقاط ضعفنا ويثيرها باستمرار. والحل قرار بالسلوك في البر والله يساعد بنعمته من يقرر قرارا نهائيا باختيار طريق البر. وكان هذا هو معنى سؤال المسيح لمريض بيت حسدا - "هل تريد أن تبرأ" بمعنى هل تريد حقا ترك الخطية، ومن يقرر ويريد يجد النعمة تسانده. سؤال المسيح "هل تريد أن تبرأ" هو لكل منا، فلنواجه أنفسنا حقيقة كما قال الله على لسان حجي النبي "إجعلوا قلوبكم على طرقكم" (حج1: 5 ، 7). ومن يقرر السلوك بالبر يكون الله له درعا يحميه من هجمات عدو الخير، كما قال لإبراهيم "لا تخف يا ابرام. أنا ترس لك. أجرك كثير جدًا" (تك15: 1).

لاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ = هذه عن الحياة العملية وقرار بالسلوك بالبر .

 

آية 15: وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ.

حاذين أرجلكم = من يحذو رجله (يلبس حذاء) باستعداد إنجيل السلام أي يكون مستعدًا أن يتحرك بحسب مشيئة الله المعلنة في إنجيله، وهو إِنْجِيلِ السَّلاَمِ، أي هو الاستعداد القلبي أن نسلك بالسلام مع كل الناس، فرسالة الإنجيل هي نزع روح الخصام والكراهية. ونلاحظ أن إبليس يستمتع بإثارة النزاعات ويتلذذ برؤية الدم والخصام فعلينا أن لا نعطيه فرصة لذلك . المطلوب إذًا أن نحيا متمسكين بكلمة الله مستعدين بحياة السلام التي نحياها وبحياة الحب لكل أحد. وعلاقة الحذاء بكل هذا، إن العالم مملوء بأشواك الكراهية... وبدون حذاء تدمي أرجلنا أشواك الكراهية، أي من يحيا في كراهية للآخرين يفقد السلام في حياته. وثمر البر يزرع في السلام (يع 3: 18) = ثمار الروح لن تظهر إلا في قلب يحيا في سلام.

ومن يقرر أن يسلك بحسب الإنجيل سيجد المعونة الإلهية تسانده، فالله لا يعطي وصية إلا ويعطي معها القوة التي تساندك لو قررت أن تنفذها. ومن يسلكون بالسلام "يُدعون أبناء الله" (مت5: 9). وهؤلاء طوبهم السيد المسيح، ولنتصور مدى القوة التي يحمي بها الله من هم أولاده (راجع تفسير أف1: 19 ، 20).

وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ = هذه عن السلوك بالسلام والحب مع الجميع.

 

St-Takla.org Image: Shield of Faith (Ephesians 6:16), Arabic and English words صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمات ترس الإيمان (أفسس 6: 16)، باللغتين العربية والإنجليزية

St-Takla.org Image: Shield of Faith (Ephesians 6:16), Arabic and English words

صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمات ترس الإيمان (أفسس 6: 16)، باللغتين العربية والإنجليزية

آية 16: حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ.

فوق الكل: هذه تشير للأهمية المطلقة للإيمان. والترس: هو لحماية الجسم من السهام المصوبة ضده. هو يحمي الرأس أي الأفكار ويحمي اليدين أي الأعمال ويحمي الرجلين أي الاتجاهات. الترس يمسكه المحارب بيده اليسرى هو بطول الجسم لحمايته. ولنلاحظ أننا معرضون لحروب تشكيك في الله وفي محبته وفي زوال العالم وفي أنه باطل. فعلينا أن نقف بإيمان في صلاتنا ونعلن ثقتنا في محبة الله وأبوته لنا ونعلنها بقوة. وهذا الإعلان الذي بإيمان يجعل إبليس يهرب في خزي (راجع 1يو4:5).

خطوات إبليس ليبعد إنسانًا عن الكنيسة تبدأ بإثارة المشاكل حوله، ثم تشكيكه في محبة الله لهُ قائلًا... إذا كان الله يحبك فلماذا سمح لك بهذه الآلام. وتأتي بعد ذلك الخطوة التالية.. إذا كان الله قاسيًا عليك هكذا ولا يحبك فلماذا تذهب إلى الكنيسة.. فلتترك الكنيسة.. وحينئذ ينفرد إبليس بهذه النفس الضالة. ولكن علينا إذا بدأت هذه الحرب وهذا التشكيك أن نقف لنصلي في ثقة، أننا يا رب أولادك واثقين في محبتك وما تسمح به هو للخير حتى إذا لم نكن فاهمين، ونحن نحبك.. إبعد هذا العدو عنا يا رب. وسنسمع صوت الروح القدس داخلنا فنردد "يا آبا الآب" (غل4: 6) . ونلاحظ أن الإيمان ينمو بالشكر (كو2: 7) ولذلك يسمح الله لنا ببعض التجارب ولو شكرنا نرى يد الله فيزداد إيماننا. وأيضًا بمعرفة الله أكثر يزداد الإيمان وهذه تستلزم زيادة مدة الصلوات والتسابيح ودرس الكتاب والروح القدس يعلمنا ويذكرنا ويخبرنا عن المسيح وعن محبة الله.

سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ: هي سهام إثارة الشكوك في الله ومحبته وأيضًا إثارة الشهوات والأحقاد واليأس، كأنها نار داخلية، وهي أيضًا كلمات مدح غاش أو كلمات إحباط لنتراجع كما قالوا عن السور الذي يبنيه نحميا أنه لو صعد عليه ثعلب يقع السور.

حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ = هذا عن الثقة في الله وعدم تصديق الحية.

 

آية 17: وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ.

خُذُوا : يد الله امتدت بالخلاص يوم الصليب، فعلينا أن نمد أيدينا لنمسك بهذا الخلاص وننشغل به ونضع رجاؤنا فيه، وفي التمتع بالميراث السماوي. ولكن هناك من ليس عنده وقت أو اهتمام ليأخذ من الله. وكيف نمسك بالخلاص؟ هذا يكون بالرجاء.. قل في قلبك هذا الكلام وردده "الله يحبني وقد أعد لي مكانًا في السماء". ومن ينشغل بخلاصه سيضحي بأي ملذات خاطئة، فعينه تثبتت على المكان الذي أعده له المسيح. وهذا الانشغال بالخلاص يكون لنا خوذة تحمي رؤوسنا (أي عقولنا) من أفكار اليأس وكل فكر خاطئ يغوي على الانشغال بالخطية مرة أخرى (1تس8:5). هناك مثل شائع "اليد البطالة نجسة" أي الذي لا عمل لديه لينشغل به ستمتد يده للأعمال الخاطئة. وبنفس الأسلوب فمن لا يجد شيئا يفكر فيه سينشغل فكره بالأفكار النجسة. فمن يشغل فكره بالخلاص الذي حصل عليه في المسيح والمكان الذي أعده المسيح، وانشغل عقله بالتفكير في كلمة الله اليوم كله، لن يجد الشيطان له مدخلا لهذا العقل المشغول . وهذا معنى أن الحيوان الذي يجتر هو حيوان طاهر وراجع (لا11).

وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ = إنشغال الفكر بالسماء المُعَدَّة لنا يحمينا من فكر الخطية.

سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ= كلمة الله تصرع إبليس. وسيف الروح هو كلمة الله في يد الروح القدس الذي يُذَكَّرنا بها. نُطقها يجعل الشيطان في مواجهة قوة الله، فكلمة الله تحمل قوة الله، كلمة الله لها قوة القطع، بين ما هو حق وما هو كذب وفاسد، بين ما هو لله وما هو ضد الله. "كلمة الله هي سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح" (عب4 : 12) فالشيطان مخادع فهو يضللنا ويوحي ببعض الأفكار الخاطئة على أنها من الله ولكنها من شهوات النفس، ومواجهة هذه الأفكار بكلمة الله توضح الفرق بين ما هو من الله حقيقة وبين ما هو من شهوات النفس، لذلك لا يحتملها الشيطان. والمسيح قاوم إبليس على الجبل مستخدمًا كلمة الله.

سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ = كلمة الله سلاح يخزى حيل الشيطان في التضليل.

 

آية 18: مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ.

أبقى الرسول الصلاة للنهاية فبدونها لا نحصل على أي سلاح من الأسلحة السابقة، وقد أبقاها للنهاية لتظل في الذاكرة. الأسلحة السابقة هي عطايا إلهية لا ننعم بها بدون صلاة. ومن يصلي ويقرأ كتابه المقدس أي يكون على صلة بالرب يحميه المسيح. والصلاة قادرة على استدعاء معونة عاجلة من السماء (دا10: 11، 12) فهي سلاح فعال. يقول الرب "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (مت17: 21) فلماذا؟

الصلاة = أقوى سلاح ضد الشيطان هو أن أمسك بيد الله، فالله هو القادر أن يوجه سهام قاتلة للشيطان، فالمسيح معه "قوس به سهام وخرج غالبا ولكي يغلب" (رؤ6: 2)، ليس إنسان يستطيع أن يواجه الشيطان، فقط هو الله الذي يستطيع هذا. هذه مثل طفل ضعيف في يد أبيه القوي، فالأب سيضرب بقوة من يحاول التعدي على طفله الضعيف. الصلاة هي أقوى سلاح لنا.

الصوم = سلاح الشيطان ضدنا هو ملذات العالم، فمن يتخلى عن ملذات العالم يحرم الشيطان من سلاحه. ويصير من يتخذ قرارا بالامتناع عن كل ملذات العالم يحارب عدوا مجردا من سلاحه. فإذا كان الصائم يصلي، يكون مسلحا ضد عدو مجرد من الأسلحة.

بِكُلِّ صَلاَةٍ: أصل العبارة متعدد المعاني في اللغة الأصلية، ويعني صلوا دائما في كل وقت وكل مناسبة ولكل سبب. وبعد وقبل كل شيء ... وبكل أنواع الصلاة (تسابيح وشكر وتأملات وهذيذ أي ترديد آيات مثلًا أو "صلاة يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ"). وهذا ما قاله الرسول أيضًا في "صلوا بلا انقطاع. فإن كانت الصلاة هي صلة بالله فكيف نكف عنها. وقد تكون بكل صلاة مثل قولنا بكل إخلاص وبكل محبة، والمعنى أن تكون الصلاة بكل قوة وبكل غيرة وبكل عمق وحرارة . لتكن صراخ من القلب وقت التجربة = أي يكون الصراخ من قلب يريد فعلا طرد الفكر الشيطاني ولا يريد أن يتلذذ بالفكر فيطلب برخاوة . أما في الأوقات العادية فلتكن الصلاة في محبة عميقة ودائمة وتكون مقدمة لله بلا طلب، وعناصرها الشكر والتسبيح والتمجيد لله على أعماله ومحبته. وصلواتنا فلتكن كل حين وبلا انقطاع (1تس5: 17) . فنحن في حرب مستمرة مع الشيطان فكيف نلقي السلاح من أيدينا، ولنقل مع نحميا "يد تحمل السيف (الصلاة) ويد تبني (عملنا العادي طوال اليوم). ولنكن كما كان موسى يصلي ويشوع يحارب عماليق.

وَطِلْبَةٍ: هي صلاة خاصة بتغطية احتياجات الإنسان أو الآخرين، هي طلبة لله لأجل كل محتاج، ولكل من في ضيقة (روحية أو جسدية). ويندرج تحت بند الطلبة الصلوات التي نرفعها لغفران خطايانا.

لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ: العدو يُحارب الأفراد ويحارب الكنيسة ككل. لذلك يجب على الكنيسة أن تحارب في صلواتها كجسد واحد، ويهتم كل فرد بالآخرين فكلنا أعضاء جسد المسيح الواحد، نحن لسنا في معزل عن إخوتنا، بل إن الصلاة هي وسيلة اتصال بين المؤمنين، هي وسيلة غير منظورة، فالروح القدس يوصل بينهم، بين من يُصلِي ومن يُصلَّى لأجله، فتحل قوة المسيح على الجميع.

كُلَّ وَقْتٍ: أي صلاة دائمة بلا انقطاع (1تس17:5) + (لو1:18)، وهذه علينا أن ندرب أنفسنا عليها (تدريب: ردد صلاة يسوع ألاف المرات في اليوم وهي يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ) وهذه لمن يثابر عليها يستطيع أن يمارس عمله بينما يبقى القلب متصلًا بالله مسبحًا إياه.

فِي الرُّوحِ = هي أن الروح القدس يمدنا بما نقوله فهو يشفع فينا بأنات لا ينطق بها (رو26:8). ومن يصلي بالروح يجد لذة ولا يشعر بالملل (تدريب:- قف وسط صلاتك مرّات وتأمل بهدوء حتى يعطيك الروح القدس ما تقوله.. أي لا تظل متكلمًا في صلاتك طول الوقت، وهكذا في قراءتك للكتاب المقدس، قف وتأمل، فتعطي للروح القدس أن يتكلم في داخلك). والروح يعطي اشتياق شديد لله للحديث معه ولسماعه، وهنا لا يشعر الإنسان بالوقت ولا بالتعب، بل تأتي لمن يصلي بالروح قوة خفية تمده بالكلام والأفكار وهذه ترتد على الإنسان بالنمو والعمق والفهم والخبرة. وراجع تفسير (هو14: 2).

وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ: نسهر في جهادنا كما سهر الرب يصلي (لو12:6) ليضع النموذج الكامل لنا (يو12:13-14). ولو بدأ الإنسان يصلي سيصاب بالملل، فلو صمم أن لا يكف عن الصلاة ويخترق حاجز الملل، تدخل الصلاة في طبيعة جديدة ويأخذ الإنسان خبرات روحية للنمو ويصلي بلا ملل.

مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ = أقوى سلاح في يدنا ، فنحن به نمسك بيد الله، والله يحارب عنا.

 

آية 19: وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ.

هنا بولس يريد أن يشرك شعب أفسس في الاهتمام بالكرازة والصلاة لأجلها، ويطلب أن يعطيه الله بصلواتهم كلامًا مؤثرًا فيمن يسمع فيؤمن. ولذلك تصلي الكنيسة عن البطريرك والأساقفة والكهنة وكل الخدام والشمامسة، والبطريرك يصلي لأجل الشعب هكذا، فالكنيسة تحيا بالصلوات المشتركة، فيطلب كل واحد عن بناء الآخرين. لأُعلِم جهارًا بسر الإنجيل: أي لأكشف سر الإنجيل. وفي هذا مخاطرة كبيرة بحياته ولذلك فهو محتاج لمؤازرة الروح القدس. سر الإنجيل: الأمم شركاء الميراث والجسد الواحد والإنجيل.

 

آية 20: الَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.

الَّذِي لأَجْلِهِ: أي لأجل الإنجيل، هو مربوط بسلاسل، ورغم ذلك يود أن يكرز وهو مربوط. وكان المسجون مثل بولس تُرْبَطْ يده اليمنى في يد حارس (اليسرى) ولكن كان له أن يستأجر بيتًا على أن يظل مربوطًا في يد الحارس. بولس لا يشتهي أن يتحرر من السلسلة، بل أن يجاهر بالإنجيل، وهذا ما عمله بولس الرسول فعلا في روما إذ وصلت كلمة الكرازة إلى قصر قيصر وهو في السلاسل.

 

St-Takla.org Image: EPH Tychicus journeying to Ephesian church after Saint Paul sent him (Ephesians 6: 21, 22) - by A.P صورة في موقع الأنبا تكلا: تيخيكس يسافر إلى كنيسة أفسس بإرسالية من بولس الرسول (أفسس 6: 21, 22) - للفنان إيه بي

St-Takla.org Image: EPH Tychicus journeying to Ephesian church after Saint Paul sent him (Ephesians 6: 21, 22) - by A.P

صورة في موقع الأنبا تكلا: تيخيكس يسافر إلى كنيسة أفسس بإرسالية من بولس الرسول (أفسس 6: 21, 22) - للفنان إيه بي

آيات 22،21: وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ أَيْضًا أَحْوَالِي، مَاذَا أَفْعَلُ، يُعَرِّفُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ وَالْخَادِمُ الأَمِينُ فِي الرَّبِّ، الَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهذَا بِعَيْنِهِ، لِكَيْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَنَا، وَلِكَيْ يُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ.

أَنْتُمْ أَيْضًا: بولس لم يضيع وقت الرسالة في الكلام عن نفسه فهذا تركه لتيخيكس، بل تكلم عن ما يخصهم ويخص خلاص أنفسهم في كل الرسالة. وقوله أَحْوَالِي = أي ما يخصني، يقوله لكم تيخيكس الذي لم يتركني حتى في سجني بل يود لو يتبعني حتى الموت. ولقد وردت هذه الصيغة نفسها في رسالة كولوسي لذلك نفهم أن بولس كتبهما معًا وأعطاهما لتيخيكس ليوصلهما (كو7:4-18) وتيخيكس سيشرح لهم نجاح وامتداد كرازة بولس حتى إلى بيت قيصر.

 

آية 23: سَلاَمٌ عَلَى الإِخْوَةِ، وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ مِنَ اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.

سلامٌ على الإخوة: لأنها رسالة دورية ستمر على كل الناس في مقاطعة وادي ليكوس، جعل السلام فيها بصيغة الغائب. ومحبة بإيمان: الإيمان والمحبة مرتبطان، فالمحبة هي ثمر الإيمان الحي، الإيمان العامل بالمحبة (غل 6:5) (فمن يؤمن بالحياة الأبدية كيف يتصارع على شيء تافه، بل هو سيحيا بالمحبة).

من الله الآب والرب يسوع: هنا نرى التساوي بين الآب والمسيح فكلاهما مصدر للسلام على قدم المساواة.

 

آية 24: اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. آمِينَ.

كتبت إلى أهل أفسس من رومية على يد تيخيكس.

بدأ الرسالة بالنعمة وها هو يختمها بالنعمة. مع جميع الذين يحبون: فلا نعمة بدون محبة.

في عدم فساد= هذه قد تعني:-

1. البركة والنعمة التي يطلبها لهم الرسول يطلبها لتدوم معهم للأبد كالميراث المعد لنا.

2. أي في طهارة أو من أجل الأمور غير الفاسدة، أي ليس من أجل الغنى والمجد العالمي والكنوز التي تفسد بل خلال الفضيلة.

3. قد تكون راجعة للمحبة، فمن يحب المسيح لن يفسد أو أن هذه المحبة باقية للأبد، محبة لا تضعف ولا تفسد، محبة ثابتة لا تتزعزع، ليست مجرد عاطفة إنسانية عابرة بل محبة قوية بكل الكيان تظهر بالطاعة لوصايا المسيح. ولقد فهمنا فعلا من (1يو3: 14) أن المحبة علامة الحياة الأبدية أي بلا فساد.

4. هناك من أرجع عدم الفساد إلى المجد الذي فيه يسوع المسيح وبهذا يصير معنى الآية هكذا "الذين يحبون المسيح الذي هو في مجد أبدي بلا فساد" وإلى هذا المجد غير الفاسد، الكنيسة مدعوة فهي جسده.

5. الرسالة تحدثت عن أن الكنيسة هي جسد المسيح. والمسيح قدسها مطهرا إياها بغسل الماء ليحضرها لنفسه كنيسة مجيدة وبلا عيب (أف5: 26، 27). وهذه الكنيسة صارت جسده. وكنيسة المسيح جسده لن تفسد. والرسول هنا يطمئن أن كل من يحب المسيح فهو ثابت في جسد المسيح الواحد، ومن هو ثابت في المسيح يملأه الروح القدس، والروح القدس يملأه بالنعمة التي تحفظه بغير فساد. ويبدو أن هذا التفسير هو الأكثر اتفاقا مع موضوع الرسالة.

عموما من يحب المسيح فهو متحد وثابت في المسيح (راجع تفسير يو15: 9). ومن آمن واعتمد وسكن فيه الروح القدس فهو ثابت في المسيح وصار عضوًا في جسد المسيح (1كو6: 15)، والروح القدس يعمل على أن يثبته في المسيح، هذا لِمَنْ لا يقاوم تبكيت الروح القدس ويسمع لصوته، ولا يرتد لنجاسة العالم ويوقظ الإنسان العتيق الذي فيه، فمن يرتد لنجاسة العالم يُفسِد جسده الذي هو هيكل الله وهو جسد المسيح، فيفسده الله (1كو3: 17). والعكس؛ فَمَنْ لا يقاوم صوت الروح القدس يظل ثابتًا في المسيح ويحيا في محبة وطهارة غير فاسدة، فهذا يكون مدعوًا لمجد أبدي، وتكون له حياة أبدية هي حياة المسيح المتحد به. ومَنْ هو متحد بالمسيح وله حياة أبدية، حتى وإن مات فسيحيا (يو11: 25) ولن يبقى في فساد.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات أفسس: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/10-Resalet-Afasos/Tafseer-Resalat-Afacoc__01-Chapter-06.html

تقصير الرابط:
tak.la/hfrv68x