St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   07-Resalet-Coronthos-1
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

كورنثوس الأولى 9 - تفسير رسالة كورنثوس الأولى

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس:
تفسير رسالة كورنثوس الأولى: مقدمة رسالة كورنثوس الأولى | كورنثوس الأولى 1 | كورنثوس الأولى 2 | كورنثوس الأولى 3 | كورنثوس الأولى 4 | كورنثوس الأولى 5 | كورنثوس الأولى 6 | كورنثوس الأولى 7 | كورنثوس الأولى 8 | كورنثوس الأولى 9 | كورنثوس الأولى 10 | كورنثوس الأولى 11 | كورنثوس الأولى 12 | كورنثوس الأولى 13 | كورنثوس الأولى 14 | كورنثوس الأولى 15 | كورنثوس الأولى 16

نص رسالة كورنثوس الأولى: كورنثوس الأولى 1 | كورنثوس الأولى 2 | كورنثوس الأولى 3 | كورنثوس الأولى 4 | كورنثوس الأولى 5 | كورنثوس الأولى 6 | كورنثوس الأولى 7 | كورنثوس الأولى 8 | كورنثوس الأولى 9 | كورنثوس الأولى 10 | كورنثوس الأولى 11 | كورنثوس الأولى 12 | كورنثوس الأولى 13 | كورنثوس الأولى 14 | كورنثوس الأولى 15 | كورنثوس الأولى 16 | كورنثوس الأولى كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اعتاد الرسول ألاّ يقدم وصايا ما لم يختبرها في حياته، لذا إذ طالب أصحاب الضمير القوي بالتنازل عن حقوقهم في أكل لحم إن كان سيكون سبب عثرة لإخوتهم، وذلك بدافع المحبة. قَدَّمَ الرسول نفسه مثالًا في ذلك، فمع أنه رسول للمسيح بدليل:- 1) أنه رأى المسيح؛ 2) هو بشرهم وهم عمله. إلاّ أنه لمحبته لهم تنازل عن حقوقه الرسولية فلم يتركهم ينفقوا عليه حتى لا يثقل عليهم، بل إستعبد نفسه للجميع ليربح الجميع. وبينما كان من حقه أن تكون له زوجة تخدمه، فإنه رفض ليتفرغ تمامًا للخدمة. وهو هنا يرد بالمناسبة على من شكك في رسوليته قائلًا.. إنه لم يكن من تلاميذ الرب بينما كان الرب على الأرض. وهو يدافع عن رسوليته حتى يطيعوه إذ طلب منهم الامتناع عن الأكل في الهياكل الوثنية، فعليهم أن يلتزموا بما يقوله فهو رسول للمسيح. والامتناع عن ذلك لسببين:-

1-عدم إعثار الضعفاء (إصحاح 8).

2-الأكل فيه اشتراك في مائدة الشياطين (إصحاح 10).

ومع أنه رسول فهو حر مثلهم ولكنه بحريته امتنع حتى لا يعثر أحدًا فلا يقولوا نحن أحرار نأكل في المكان الذي نريده فهو رسول ومَثَلْ لهم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

آية 1:- "أَلَسْتُ أَنَا رَسُولًا؟ أَلَسْتُ أَنَا حُرًّا؟ أَمَا رَأَيْتُ يَسُوعَ الْمَسِيحَ رَبَّنَا؟ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ عَمَلِي فِي الرَّبِّ؟"

هنا يؤكد رسوليته، فالمسيح اختاره حين ظهر له وصار شاهدًا على القيامة وأنهم كما هم أحرار فهو أيضًا حر، وبحريته قبل خدمة المسيح وتنازل عن حقوقه.

 

آية 2:- "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ رَسُولًا إِلَى آخَرِينَ، فَإِنَّمَا أَنَا إِلَيْكُمْ رَسُولٌ! لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ خَتْمُ رِسَالَتِي فِي الرَّبِّ."

إن جاز لأحد أن يشكك في رسوليتي، فإنه لا يجوز لكم أنتم هذا لأنكم ختم رسالتي = (1) فالورقة لا تصلح أن تكون مستندًا ما لم يكن عليها ختم وأنتم ختم إثبات وصحة وصدق رسوليتي، إذ تركتم الوثنية وآمنتم وصارت لكم كنيسة في كورنثوس وصارت لكم مواهب. (2) ما رأيتم فيَّ ومني من قوات وعجائب آمنتم بواسطتها.

 

آية 3:- "هذَا هُوَ احْتِجَاجِي عِنْدَ الَّذِينَ يَفْحَصُونَنِي:"

هنا يوقف الرسول نفسه في محكمة ليرد على اتهاماتهم وعلى من يشكك في محبته لهم

 

آية 4:- "أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَأْكُلَ وَنَشْرَبَ؟"

سلطان = حق. من هنا يوضح لهم الرسول حقوقه الرسولية، وأنهم يجب أن يتكفلوا بإعاشته، ومطالبه ليست كثيرة = نأكل ونشرب. فإذا كنت قد تنازلت عن حقوقي فكيف تشككوا فيَّ فأنا لا أسعى وراء ربح ولست بمخادع.

 

آية 5:- "أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟"

أليس لنا سلطان أن نكون مثل باقي الرسل وتكون لي زوجة تخدمني وعليكم أن تعولوني وتعولوها، لكنني فضلت البتولية لأتكرس تمامًا لخدمتكم. فبطرس كان متزوجًا وكذلك إخوة الرب يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان.

 

آية 6:- "أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟"

كان بولس وبرنابا وحدهما يشتغلون بأيديهم حتى لا يتضايق أحد.

 

آية 7:- "مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْمًا وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى رَعِيَّةً وَمِنْ لَبَنِ الرَّعِيَّةِ لاَ يَأْكُلُ؟"

يتحدث الرسول عن نفسه وعن رفقائه في الخدمة كجنود للمسيح يجاهدون من أجل أن يمتد وينتشر ملكوت السموات ويقول من ذا الذي يدافع عن بلده ويُلْزَمْ بنفقة الحرب. ومثال آخر فالكنيسة هي كرم روحي يغرسه الرسول أفلا يأكل الغارس من عمل يديه، ومثال آخر يشبه نفسه به كراعٍ لنفوس رعيته، أفلا يشرب من لبن رعيته. فالكرام والراعي لهما أجرة على تعبهما. وأجرة الراعي عادة في الشرق يأخذها كمية لبن من رعيته.

 

آيات 8، 9:- "أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَإِنْسَانٍ؟ أَمْ لَيْسَ النَّامُوسُ أَيْضًا يَقُولُ هذَا؟ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ مُوسَى: «لاَ تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا». أَلَعَلَّ اللهَ تُهِمُّهُ الثِّيرَانُ؟"

هذه من (تث 25: 4) ومع أن الله تهمه الثيران ويعولها لكنه يهتم بالأولى بخدامه. فكما أنه يجب أن يترك الثور وقت الدراس ليأكل مما يدرسه، على الخادم أن تلتزم رعيته بنفقاته. ألعلي أتكلم بهذا كإنسان = ما أقوله ليس رأيي كإنسان بل هو رأي الناموس. وهو يستشهد بالناموس فالمعترضين عليه كان أكثرهم من أصل يهودي.

 

آية 10:- "أَمْ يَقُولُ مُطْلَقًا مِنْ أَجْلِنَا؟ إِنَّهُ مِنْ أَجْلِنَا مَكْتُوبٌ. لأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَرَّاثِ أَنْ يَحْرُثَ عَلَى رَجَاءٍ، وَلِلدَّارِسِ عَلَى الرَّجَاءِ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا فِي رَجَائِهِ."

الله إهتم أن ينبه شعبه في القديم بأن يهتموا بخدامه فيقدموا لهم ما يحتاجونه لمعاشهم، كما أن الحراث والدراس يعملان على رجاء الحصول على ثمار عملهم. مُطْلَقًا = بلا شك.

 

آية 11:- "إِنْ كُنَّا نَحْنُ قَدْ زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّاتِ، أَفَعَظِيمٌ إِنْ حَصَدْنَا مِنْكُمُ الْجَسَدِيَّاتِ؟"

فالروحيات (الكرازة بالإنجيل) لا تقارن بالجسديات. والجسديات التي يطلبها هي قوت جسده. وهكذا فالباقيات لا تقارن بالفانيات

 

آية 12:- "إِنْ كَانَ آخَرُونَ شُرَكَاءَ فِي السُّلْطَانِ عَلَيْكُمْ، أَفَلَسْنَا نَحْنُ بِالأَوْلَى؟ لكِنَّنَا لَمْ نَسْتَعْمِلْ هذَا السُّلْطَانَ، بَلْ نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلاَّ نَجْعَلَ عَائِقًا لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ."

إن كان آخرون شركاء في السلطان عليكم = 1) الولاة وجباة الضرائب؛ 2) اليهود الذين علموكم الناموس؛ 3) المعلمين الحقيقيين أو الكذبة. كل هؤلاء يستفيدون منكم وتدفعون لهم صاغرين. أفلسنا نحن بالأولى = لأننا ولدناكم في الإيمان، ولأننا نتحمل كل شيء = (انظر (2كو 11: 7-12) لترى ما تحمله الرسول). لكن الرسول لم يلزمهم بنفقاته حتى لا تتعوق الخدمة، مع أن هذا حقه.

 

آية 13: - "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الأَشْيَاءِ الْمُقَدَّسَةِ، مِنَ الْهَيْكَلِ يَأْكُلُونَ؟ الَّذِينَ يُلاَزِمُونَ الْمَذْبَحَ يُشَارِكُونَ الْمَذْبَحَ؟"

هنا يستعمل الرسول معلوماته اليهودية. فاللاويين الذين يخدمون الهيكل يأكلون مما يقدم للهيكل. والكهنة يأكلون مما يقدم للمذبح، فهم يحصلون على أنصبتهم من ذبائح الخطية والسلامة. هو يقول هذا حتى لا يسيء إلى مَنْ يحصل على حقوقه من رعيته من بقية الرسل، فهم بهذا لا يخطئون.

 

آية 14: - "هكَذَا أَيْضًا أَمَرَ الرَّبُّ: أَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِالإِنْجِيلِ، مِنَ الإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ."

حتى لا يظنوا أن هذا هو تعليم العهد القديم، فها هو يستشهد بأقوال السيد المسيح = الرب (مت 10: 10 + لو 10: 7، 8) "الفاعل مستحق أجرته".

 

آية 15: - "أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْتَعْمِلْ شَيْئًا مِنْ هذَا، وَلاَ كَتَبْتُ هذَا لِكَيْ يَصِيرَ فِيَّ هكَذَا. لأَنَّهُ خَيْرٌ لِي أَنْ أَمُوتَ مِنْ أَنْ يُعَطِّلَ أَحَدٌ فَخْرِي."

أما أنا فلم أكتب لكم هذا حتى أحصل منكم على أموال بل لتتشبهوا أنتم بي وتتركوا بعضًا من حقوقكم في أكل ما ذبح للأوثان، محبة للضعفاء. وأنا أخدمكم وأتعب في عمل يديَّ (أع 20: 34) لأنفق على نفسي حتى أفتخر بكم أمام الرب. وخيرٌ لي أن أموت (جوعًا وعطشًا) من أن تتعثروا إذ تنفقوا عليَّ = من أن يعطل أحد فخري = فخري أن يكون الكل مؤمنين وتمتلئ الكنيسة. هذا أفضل من أي أموال.

 

آية 16: - "لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُبَشِّرُ فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ، إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ."

أنا أحس بالتزام في التبشير فالرب أمرني بهذا (رو 1: 14). ولن يعطلني شيء عن هذا حتى إن لم تنفقوا شيئًا عليَّ. ففي هذا مجدي الأبدي. ويلٌ لي = 1) من توبيخ ضميري 2) من ضياع المكافأة السماوية. فليس لي فخر = فأنا مكلف ولا أطلب مقابل مادي لذلك، لا أفتخر بخدمتي وأطلب عنها أجرًا.

 

آية 17: - "فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ هذَا طَوْعًا فَلِي أَجْرٌ، وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَرْهًا فَقَدِ اسْتُؤْمِنْتُ عَلَى وَكَالَةٍ."

لأنه إن كنت أكرز بدافع من رغبتي وباختياري دون اضطرار بل في حرية فسيكون لي الحق في مكافأة. أما إذا كنت أكرز عن كره وإلزام كأن أمر الخدمة قد فرض عليَّ فرضًا، فأنا أباشر عملي كشخص استؤمن على وكالة ما. على أي الأحوال فأنا لن أكف عن الكرازة فالرب أمرني. وهنا نرى نوعين من الخدام: 1) مَنْ يخدم بِتَغَصُّب، 2) مَنْ يخدِم بفرح.

المهم سواء هذا أو ذاك المهم أن يخدم. ولا يعمل عمل الرب برخاوة، فالخدمة تكليف من الله.

 

آية 18: - "فَمَا هُوَ أَجْرِي؟ إِذْ وَأَنَا أُبَشِّرُ أَجْعَلُ إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ بِلاَ نَفَقَةٍ، حَتَّى لَمْ أَسْتَعْمِلْ سُلْطَانِي فِي الإِنْجِيلِ."

فما هو أجري = الرسول يشرح في 17، 18 أنه لا ينتظر عائدًا أو أجرًا على خدمته منهم، فهو مستأمن على رسالة ومسئولية، وهو سعيد بأنه يعمل مع المسيح لمجده ولانتشار ملكوته. وربما هم يتعجبون سائلين... وما هو أجره؟ أو ما هو الذي ينتظره مِن تعبه..؟ هو انتشار الإنجيل. وهذا ما قاله في (19) لأربح الكثيرين استعبدت نفسي للجميع.

 

آية 19: - "فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ، اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ."

الرسول ضحّى بكل شيء حتى أنه مثلًا لا يثور لكرامته = استعبدت نفسي هو يقدم خدماته ولا يطلب شيء كأنه عبد ليكسب الجميع، وهذا هو المسيحي الخادم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فلنحرص في معاملة الآخرين ألاّ نطلب حقوقنا بل نكسب نفوس الآخرين.

إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ = مع أنني لست عبدًا لأحد، جعلت نفسي عبدًا لكل أحد لأَرْبَحَ الأَكْثَرِين.

 

آية 20: - "فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ."

قطعًا ليس المقصود على حساب ضميره وعقيدته، بل هو يكلم كل واحد بلغة يفهمها، يظهر محبته لليهود محترمًا الناموس فيما لا يتعارض مع المسيحية، لذلك ختن الرسول تلميذه تيموثاوس، حتى يستطيع الخدمة وسط اليهود، وأوفى النذور وحلق شعره. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والرسول لا يدعو للتلون، بل أنه علينا أن نكلم كل واحد بالأسلوب الذي يلائمه. حبه للناس جعله يعمل هذا ليجتذبهم للإيمان. فكان من غير المعقول أن يكلم اليونانيين من الناموس وهم لا يعلمون عنه شيئًا. إنما حين كلمهم استشهد بشعر قاله شاعرهم المشهور أبيمينيدس Epimenides "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد". كما قال بعض شعرائكم أيضًا لأننا أيضًا ذريته (أع 17: 28). ولكن لماذا التكرار؟ صرت لليهود.. وللذين تحت الناموس. لأن هناك يهود آمنوا بالمسيح وتحرروا من الناموس. لكل واحد لغة يكلمه بها.

 

آية 21: - "وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ ­ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ ­ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ."

الذين بلا ناموس = الأمم مثلًا. فهو أظهر للأمميين أنه لا يرتبط بطقوس الناموس والتقاليد. ولكن هذا لا يمنعه من أن يلتزم بالناموس الأخلاقي، كأني بلا ناموس = لم يلزمهم بناموس موسى، بل أظهر لهم أنه تحرر منه. ناموس المسيح = لا يفهم من هذا أنه صار بلا قانون ولا ناموس. فالحياة مع المسيح لها التزاماتها وقوانينها. هو ناموس حب الله، ولا يخالف وصاياه بسبب هذا الحب (يو14: 23).

 

آية 22: - "صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا."

حرصت أن أعامل الضعفاء في المعرفة والإيمان بمحبة ورفق، فهو كان مستعدًا أن يمتنع عن أكل اللحم تمامًا حتى لا يعثرهم، هو لا يشاركهم ضعف إيمانهم، بل هو يسايرهم بالطريقة التي لا يتعثرون بها حتى يجذبهم إلى الإيمان. خلاصة الكلام أنه على الخادم أن يكون حكيمًا في معاملة كل واحد، فليس ما يصلح لفرد يصلح لآخر. قصة: - راهب يأس من خطية استعبدته، وكان سيترك الدير. فقال لهُ آخر نقي بلا خطية، وأنا مثلك فنفس الخطية تحاربني، تعال نصوم ونصلي ليرحمنا الله وظل هكذا حتى ترك خطيته = صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ.

 

آية 23: - "وَهذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ، لأَكُونَ شَرِيكًا فِيهِ."

الرسول يعمل كل هذا ويخدم كل هذه الخدمة لا سعيًا وراء مكسب مادي بل ليكون شريكًا في مجد وبركات الإنجيل الأبدية، أي التي وَعَدَ بها الإنجيل.

 

آية 24: - "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا."

هنا يستشهد بأمثلة من المباريات الرياضية: 1) الجري في هذه الآية؛ 2) والملاكمة في آية 26. يركضون = الكلمة تشير لجهاد وعرق وتعب وصراع مرير وفي هذا إشارة لخدمة بولس وجهاده في الكرازة، وهو يركض ليحصل على إكليل المجد = الجعالة = هي مكافأة الفوز. وهذا الكلام موجه لكل واحد منا. فالحياة الروحية ليست هي حياة الكسل والخمول والتخاذل. ولكن هناك فرق بين السعي في ميدان الرياضة وفي الميدان الروحي، ففي الأول يأخذ المكافأة شخص واحد هو البطل وربما اثنين. أما في المجال الروحي فكل من يجاهد يحصل على المكافأة، جميعنا مدعوون للحصول على الإكليل ولكن هناك درجات في السماء لمن يجاهد أكثر "فنجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41).

 

آية 25: - "وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلًا يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلًا لاَ يَفْنَى."

يضبط نفسه = رياضيًا، فاللاعبون كانوا يمتنعون عن الطعام والشراب ويلتزمون بنظام صعب ليحافظوا على أوزانهم. ويمتنعون عن المعاشرات الجنسية حتى لا يستهلكوا قواهم، وروحيًا مطلوب الصوم والجهاد في الصلاة والخدمة ومراقبة حواس الجسد من الطياشة في الخطية وغصب الإرادة على السير في الطريق الصحيح (2 تي 2: 5 + 4: 7، 8).

إكليل يفنى = كانوا يضعون على رأس الفائز إكليل من نباتات، وكان هذا يفنى بعد يوم أو يومين.

 

آية 26: - "إِذًا، أَنَا أَرْكُضُ هكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ."

كأنه ليس عن غير يقين = ففي المجال الرياضي آلاف يركضون وواحد فقط يأخذ الإكليل. أمّا نحن المؤمنين فكل من يجاهد يأخذ إكليل، هذا عن يقين. والمعنى أنه عليكم أن تتمثلوا بي فأنا إذ أجاهد وأركض فأنا أعرف ما هو الهدف الذي أسعى وراءه وأعرف الكيفية والوسيلة التي أحقق بها الجعالة، أي أنني لا أجاهد باطلًا كمن يضرب الهواء = هكذا أضارب كأني لا أضرب الهواء = أضارب الهواء هو مثل يشير للملاكم الذي يخطئ الهدف، بسبب مهارة الملاكم المنافس الذي يفلت من ضربات خصمه. وبهذا تتبدد قواه في الهواء وليس ضد الخصم. أما نحن ففي جهادنا نسدد ضربات حقيقية لإبليس بقيادة ومعونة وإرشاد الروح القدس فأنا أعرف أنني أحارب أعداء حقيقيين (أف 6: 11، 12) وهم ليسوا خيال أو وهم. ولذلك استخدم الرسول ألفاظ أضارب وأصارع، فلا هوادة في هذه الحرب بل علينا بالسهر فخصمنا إبليس كأسد زائر (1 بط 5: 8، 9). وأعداءنا هم إبليس والعالم والجسد. في مجال الألعاب الرياضية هناك من يبذل جهدًا ولا يفوز ولكن في المجال الروحي كل من يبذل جهدًا يحصل على إكليل لا يفنى.

 

آية 27: - "بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا."

هنا نجد الرسول يطبق على نفسه ما قاله في (غل 2: 20) "مع المسيح صلبت فأحيا..." فنراه يفعل ما يفعله الرياضي، ويجاهد ويضبط نفسه في كل شيء، وهذا كما قلنا يكون بالانقطاع عن الطعام والشراب والجنس للرياضيين، أمّا بالنسبة للرسول ولحياتنا الروحية فعلينا أن نقمع أهواء الجسد ونصلب الأهواء والشهوات (غل 5: 24) في أصوام، في سهر، في مطانيات metanoia، في خدمة، صالبين أهواء الجسد كالزنا والطمع والحسد فهذه تميت الحياة الروحية. إذًا على الجسد أن يكون خاضعًا للروح. لقد شعر الرسول بالرغم من كل كرازته أن نصيبه السماوي أو إكليله معرض للضياع إن لم يقمع جسده ويستعبده ويضبط نفسه ويقمع شهواته. إذًا الحياة الروحية هي جهاد متواصل لئلا يفقد المؤمن المتواني ما سبق وكسبه. والرسول يذكر هذا لئلا يظن السامعون أن الرسول يفتخر متكبرًا بسبب التنازلات التي ذكرها لأجل الخدمة، لذلك يؤكد أنه لا يضمن شيء بل هو يصارع ويجاهد حتى النفس الأخير.

تأمل: - إذا ثار الجسد ضد الإرادة وطلب لذته يصبح أخطر عدو للإنسان، فهو بهذا يرفض الخضوع لتوجيهات الروح. ومن لا يركب جسده سيركبه جسده، ومن لا يذل جسده سيذله جسده. إن كنت تريد أن تنتصر على عدو في خندق حصين، اقطع عنه الإمدادات، هذه فائدة الصوم والمطانيات والجهاد في الصلاة والخدمة، واعتبار الجسد ميتًا أمام شهواته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات كورنثوس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/07-Resalet-Coronthos-1/Tafseer-Resalat-Koronthos-1__01-Chapter-09.html

تقصير الرابط:
tak.la/cy984f3